نص مسرحي:” ساكتة’ / تأليف: طنطاوي عبدالحميد طنطاوي

منودراما

 

المشهد الأول

( المكان يعكس بساطة وفقر ظاهر في أرجاء الحجرة، جدران تبدو أنها متآكلة وشقوق ظاهرة بها، سرير من جريد النخيل فوق مرتبة مهترئة تبرز منها آثار لقطن التنجيد الأسود، منضدة على الجانب قوائمها غير مكتملة يستعاض عنها بقوالب من الطوب، فوقها تتراص بعض من الأواني مختلفة الأشكال والأحجام ، موقد غازي في أحد الأركان وبجواره صينية عليها براد وبعض أكواب الشاي، أقفاص معلقة في الجدران، بعضها فارغ وبعضها به زوج من الحمام، بقايا مرآة معلقة أيضا، مشجب ملابس متهالك فوقه بعض الملابس وأغطية الرأس، في جنبات الحجرة أشولة من الخيش صغيرة وكأن نصفها مملوء بالحبوب و يبزغ التبن من بعضها، إناء فخاري “بلاص” وإناء أخر فخاري فوق حامل حديدي وهي قدر خاصة بالماء ويبدو هذا جليا ففوق فوهتها غطاء وفوقه كوب من الصاج للشرب

من باب جانبي تدخل سيدة ريفية يقترب عمرها أو يزيد عن الخمسين قليلا ، تتخطى حاجز الحجرة وبيدها ديك يحاول الفرار من يدها، تحكم قبضة يدها عليه، تتجه لأحد الأقفاص وتحبسه داخلها وتغلق باب القفص

تنفض يديها … وجهها مبتسم

ديك قليل الأدب.. كل ليله يهرب وينط على بيت الجيران.. أنا مصدقت رجع.. أولى بيه الفرخات المحرومين من الديك.. ديك عينه فارغة.. سايب الحلال ورايح لبيت الجيران..أخص عليك ديك.. والنبي واللي نبى النبي نبي إن ما همدت وبطلت الزوغان لأدبحك.. هشوف لهم ديك تاني محترم.. لما أدبحه أحسن.. ديله نجس .. قالوا على اللي يعمل كده ويخون اللي معشرينه حرام.. وحتى لو اتقتل لا له ديه ولا له تار طيب وليه .. أنا أولى بلحمه من الغريب

” تتجه للجمهور ومازالت ابتسامتها فوق وجهها ”

سبحان الله … الفرخات يبيضوا كتير والديك وسطيهم .. الفرخة منهم تنزل بيضتها وتطلع تكاكي وتنفض جنحاتها فرحانة..وهو ولا هو الكسلان.. ينفخ ريشه ويعلى صوته بالآدان..فرحان ومزغطط.. قليل الأدب.. أنا معرفش ولا جربت. بيقولوا لحظة هنية والاتنين بيتبسطوا .. كلامهم صح الفراخ فرحانه إن كان فرخة ولا ديك ..أنا خايفه أنه يكون بيكيدني ما هو عارف إني لا راجل ليا ولا حتى نبوت الغفير طول عمري عايشه لوحدي من غير أنيس

” تتحرك وتقترب من بقايا المرآة المعلقة “..” تتحدث إلى نفسها وابتسامتها الساخرة لا تفراقها”

مين هيظلم نفسه ويربط حياته بالسحنة دي..دا وش يقطع الخميرة من البيت..لو قام يشرب له شوية ميه وشعري منكوش ممكن يتخض ممكن يطب ساكت ويروح فيها..والشيخ قال أن قتل النفس مصيبة سودة وكأنه قتل الناس كلها..صح هو أنا أبقى قتلته؟!!! بس أنا مكنش قصدي..دا قدري وشكلي هو الغلطان أنا ماليش ذنب..أيه اللي جبره يتلم عليا والعمر مش بعزقة زي ما بيقولوا..تخيلوا..أنا..أنا يبقى ليا راجل وأنا وهو تحت سقف واحد..ما أنا عارفه روحي..أنا زي الفوله المسوسة وزمان قالوا.. كل فوله مسوسة لها كيال أعور.. أنا استنيت كتير لا جه أعور ولا حتى أعمى..حبيت أيدي وش وضهر  وفضلت وحيده بس المهم يبقى معايا فلوس.. الدراهم مراهم أنا ضحكتي ما تفارقنيش.. فاكره أمي كانت تقول أضحكي … أصل احنا وارثين الفقر أبا عن جد تقول ليا النبي تبسم … خد صدقه من ضحكتك في وش أخوك.. أحنا ما حلتناش حاجة يبقى نضحك وناخد صدقه..والبسمة كلمة معروف من غير حروف..أنا مش فاهمها ولا عرفاها.. بس هأفضل أضحك

” تضحك … تمتد يدها وتمسك مكحلة قديمة وتقلبها في يدها “

صح يا أخواتي حزينة ما لهاش بيت أشترت مكنسة وزيت.. يا حسرة عليا.. كان ليا نفس أتكحل في يوم.. أنا خفت طيب لو حد شافني يقول إيه عليا..الولية أتجنت ولا عقلها طار..ما تزعلوش مني أنا كلامي كتير ما أعرفش أسكت..أنتم عارفين اسمي إيه ؟

” تضحك ”

أنا أسمي ساكتة.. أنا ساكته … أنا لساني ما بيقفشي طول ما أنا صاحية..أنا إن ما لقيتش بني آدميين معايا ممكن أكلم الديك ده..ممكن أحكي مع السخلان الصغيرين.. وهما ما يصدقوا..بالمناسبة أنتم تعرفوا إيه هي السخلان؟ العيال الصغيرين ما يقلوليش ليا غير يا أم السخلان..أنا عمري ما زعلت منهم..السخل هوه الجدي الصغير.. أنا باشتريهم صغيرين وأربيهم وأعلفهم..وأبيعهم بعد ما يرموا لحم ويتملوا شوية..أهم حاجة أن السخل قبل ما عينه تلوج شرق وغرب ويتنطط ورا المعزة النتاية لازم يتخصي.. يبقى هو والنتاية واحد

” تضحك وبكسوف ”

يعني لا مؤاخذة جدي دكر صورة.. بس أهم حاجة ينسى الجري ورا المعزاية.. هب يكبر ويرمي لحم ويتباع بيعه حلوة.. ولحمته حلوة وتشتهي الأكال..كلام غريب يقولوا قال نعجة السمين ما تسمنش..والنبي كدابين أنا سخلاني ومعيزي بياكلوا ويرعوا في أي حتة..وأهه زي الفل بيرموا لحم وبيتباعوا..أنا ساكته وراضية.. وناس بلدنا كلهم بيعملولي حساب..لا حنة ولا فرح يتم ولا طهور إلا بوجود ساكته..أنا أكتر واحده بتفرح في الأفراح.. أنا برقص وأغني وأطبل.. أنا أخبز الخبيز وأساعد أهل الدار في كل حاجة.. جه العمدة في يوم يديني فلوس حلفت واتقطعت ورأسي وألف سيف ما آخد مليم أحمر هو أنا جايه أجامل ولا جايه شغل.. أنا يومها خدت على خاطري وحلفت ما أنا قاعده ومشيت وكانت دمعتي على خدي..تصدقوا بالله.. العمده بذات نفسه جالي لحد باب البيت وجبر بخاطري إلهي يجبر خاطره دنيا وآخرة.. أصل أنا مقطوعة من شجرة لا ليا أهل ولا ناس..كل ناس البلد أهلي..أنا معاكم أن لمضة الفقر ما تنورش.. بس الناس عملين ليا قيمة أيوه صح..موت الفقير سترة..استرها يارب بالموت..أهم حاجة أنا محرصى عليها.. فلوس الكفن..كفني في رجليا

” تعري ساقها وتظهر خلخال فضة بقدميها ”

ده قبال كفني..أصل المكسي بلباس الناس عريان.. والكفن سترة

” تضحك ”

رجاله كبار بيجروا شكلي ساعات..وأنا لساني زي الفرقلة ما يصدق.. أدهموله في جنابه.. أصل أنا حضرت جواز أبوه وأمه وممكن أكون مسكته يوم طهوره.. حتي إني عارفه من فيهم أطاهر مرتين.. أصل شافعي المزين كان أحول وكان بيقطع النص ويسيب النص..يبقى ما فيش فايدة لازم الولد يتطاهر تاني ولازم تتعمل له ليلة تاني..الناس فقست الحكاية … هو صح أحول وعنيه مخاصمة بعضيها لكن هو متعمد الحركة دي.. كل طهورة بياخد نقطة وبياكل لحمة.. يبقى ليه حق يشيلها على مرتين.. منهم رجالة وشها مكشوف ما بتتكسفش ومنهم رجالة وشباب يجروا ناعم معايا ويكلموني كلام حلو.. بس أنا مفيش فايده فيا.. أنا سكته بالأسم لكن المصيبة ما بأعرفش أسكت.. بس بأمانة بحبهم من صغيرهم لكبيرهم العمدة إلهي يكرمه وينصره على من يعاديه..أنت مش فقرية يا ساكته.. الفقر هوه فقر الروح..أنت روحك حلوة.. أنت أغنى واحده في بلدنا..الله يجازيك بالخير يا سي العمدة..المصيبة أن الفقرا ما بيرحموش بعض..أنتم عارفين ويمكن سامعين أن لحاف الفقر قصير..لحاف ما يكفيش.. كل واحد يشده من ناحية..بس الخوف تبان عورة البني آدم من الفقر..حنية الناس ممكن بكلمة حلوة ويأخدوا بأيديا..واحد يقول ولا يقول اليوم..يا سكته ما يغركيش د مخدة العز شوك..ومخدة الفقر ريش نعام ههههههه … بس أنا لا شفت ريش النعام وأنا صاحية ولا وأنا نايمة..يا أخويا روح ربنا يهديك..يجيي واحد تاني ويواسيني أنا بضحك.. طب ما قالوا الوحدة أشد من الفقر..طيب الاتنين نايمين معايا واكلين شاربين..أنا ناصحه وواعية باسحب الشرموخ وأطردهم بره باب دماغي..ما فيش فرح ولا حنة ولا طهور إلا ما أجري وأروح..أنا كل الناس حبايبي..والحمد لله

” تقبل يديها ظهرا وبطن ”

العفاف زينة..

 

المشهـــــــد الثانــــي

(تتحرك ساكته وهي تأكل قنديل مشوي من الذرة الشامية بتلذذ بالغ، تتجه صوب المنضدة المتهالكة وتصب كوب من الشاي صغير ، لون الشاي أسود قاتم ، تحتسي قليل منه ويبدو أنها تستحسنه) 

الله.. الله.أنا ما أعرفش أشرب الشاي إلا تقيل

” ترفع الكوب في يدها ”

يقلوا بيضر … ويجيب المرض …

” تجلس علي حافة سريرها بعد أن تتخلص من بقايا الذرة المشوية وتلقيها لداخل الحجرة الداخلية.. تسمع أصوات الدجاج وهو يتقاتل علي بقايا الذرة، تضحك وتشرب الشاي بصوت مسموع ”

الله … الله … تسلم ايدك يا بت يا ساكته

” طرقات على الباب … تصمت … تنتظر … تعود الطرقات من جديد ”

مين بيخبط الساعة دي؟..يا تقول أنت مين يأما مش فاتحة

” تضع كوب الشاي على الأرض وتصيخ السمع ولكن لا أحد يرد ”

طب عدو ولا حبيب..عموما أنا ماليش عدوين … أنا حاسه أن الخبطة دي خبطة حبيب..والنبي ما هأفتح الباب إلا لما تقول أنت أو أنتي مين..عارف لو كنت عيل صغير وبتعاكسني

” يأتي صوت من الخارج ”

أنا يا خالتي ساكته..صوت أنا مش عرفاه.. صوت غريب..أنت مين يا ابني؟

” يبدو إنها سمعت اسمه ”

اسم النبي حارسك وصاينك..ابن مسعده وأبوك متولي الغفير..أيوه عرفتك أنت ابن المدارس يا متعلم يا عود في نقرة..أصله وحيد أبوه وأمه.. يا حبيبي..حاضر يا غالي يا ابن الغالية.. أمك حبيبتي د أعز الحبايب

” تتجه صوب المشجب وتسحب غطاء تلقيه فوق رأسها “

” تعود الطرقات من جديد بقوة ”

الصبر يا ولدي … الصبر دوا الغلابة … حاضر أنا جايه أهه

” صوت فقط …. فقد خرجت خارج البيت ”

اتفضل يا ابني..طيب مع سلامة الله ياولدي

” تعود وقد أكتسى وجهها بالحزن ”

كان راجل طيب … كان زي حلاتي مقطوع من شجرة..كانت عيشته كلها هناك جنب الجسر..بنى عشته وكفى خيره شره وبعد عن الناس كلها..ناس بلدنا طيبين.. وهو ما بيأذيش حد..كان راجل غريب.. حتى الشغل ما كنش يشتغل..الغريبة كان الناس يبعتوا له أكل.. عمره ما سأل حد حاجة..غريبة الناس تقول إنه عامل فيها شيخ وما بيركعهاش..دقنه توصل لحد بطنه ويمشي بعكازه الحديد أبو شخاليل يخبط الأرض..ترن الحلقات المتعلقة في عكازه من فوق في الذكر يقعد وطول الليل يطلب المدد

” مقلدة ”

المدد يا آل بيت النبي..يا سيدي الحسين.. يا مولاي يا قطب الرجال يا متولي..كنا نسأل مين قطب الرجال المتولي ده؟ كان يفضل يلف حولين روحه لغاية ما يقع ويفرد الأربعة..قصدي إيديه ورجليه

” بصوت يقترب من الهمس ”

هو واحد كداب زفة..لا شيخ ولا ولي..ناس يقولوا مخاوي جن..والناس طبيعي بتخاف من الجن ومن يجيب سيرته..أنا عن نفسي كنت أخاف أقرب منه ولا أبص في عنيه..إيه مات.. خلاص.. ما تجوزش عليه غير الرحمة

” تعود وتتحدث بحالتها الطبيعية ”  

ساعة الدفنة يبان البير وغطاه..أصل بيقولوا كل ولي له سيف وسيفه جوه جرابه ما يبنش..لو بان سيفه وهو عايش والناس شافته تروح منه الولاية وما ترجعش..يقولوا بعد موته يبان سره..أبو الصقر لما مات نعشه طار والناس بقت تجري وراه كان زيه كده بالظبط.. بس الكلام ده أديله زمن..دأنا كنت لسه صبية وصحتي فيه..ساعتها كنت بشيل نص أردب القمح لوحدي..ممكن أرفعه وأرميه على ضهر الحمارة..أيه كله ميت والتراب هيتاوي الكل.. والكرامة تبان عند صاحب الكرامة يللا.. تلاقيهم محتاسين من غيري..مسعدة كتر ألف خيرها باعته ولدها الحيلة..أصله راجل غلبان.. لازم نودعه وكام واحده يصرخوا ويندبوا

” ضاحكة ”

أنا رقم واحد..في الندب.. أقول : يا رايح مشرق يا غفير هاته.. حرامه القطيفه على السرير سابه..وهما يصرخوا بعلو صوتهم..وهو راجل أغلب مني لا حيلته حرام قطيفة ولا سرير

” تقف أمام المرآة وتشد فوق رأسها رباط رأسها الأسود … وترتدي ثوبا باللون الأسود يبدو قديما حتى أنه تظهر به بعض الرتق الصغيرة … وهي تعصب رأسها تدندن بالعدودة وكأنها تسترجع محفوظاتها ”

دخل الحكيم وقعدت قدامه..قال يا شقية خلصت أيامه

” بعد العدودة وكأن لازمة من لوازمها أن تصرخ بعدها وتقول يا حبيبي ”

ودا قبر مين اللي القمر هده؟.. دا قبر الغريب اللي هجر أرضه

” صرخة مكتومة قصيرة ”

نده اليتيم لأمه.. ردت دموعه وغرقت كمه..حاسه أن صوتي مبحوح مش عارفه أيه الحكاية

” تحاول أن تسعل وتجبر نفسها ”

أحسن حاجة كباية جنزبيل ولا قرفة علشان تسلك الزور

” تعود للعدودة وكأنها تجرب صوتها من جديد ”

يا عود طري واتلوى.. ميل ومال ع الأرض..أمبارح كان وسطنا …. والليلة تحت الأرض

” تبكي حقيقة بحرقة ”

أنا كل يوم بأودعهم وياترى مين هيقف على غسلي ومن هيودعني..لا عيل ولا تيل ولا أخ ولا..أنا حملتهم أمانة أن يوم موتي الناس تفرح..ما أنساش يومها العمدة ضحك قوي وقال

” بصوت متحشرج مقلدة صوت العمدة ”

الله يخرب بيت اللي خلفوكي يا ساكته..يعني هنجيب غوازي من البندر ونعمل فرح..يا بت يا ساكته دا أنت وحده مننا وغالية علينا كلنا..ولا نفسك في طلعتك نشغل مزيكا وواحد عواد يغني..الله يخرب بيت دماغك التعبانة..يومها إلهي يعلي مراتبه كمان وكمان ووسط الناس..جبر خاطري وحلف أنه لو عايش..الأعمار بيد الله.. يومها لو متي قبلي والله..لأعملك معزي ولا أحسن واحد في البلد.. دا وعد مني قدام الخلق..وإن كنت تحبي أجيب مقرئ من بره البلد هجيب..يومها جبر بخاطري وجبر الخواطر على الله..حسيت أن كلامه من قلبه..وهي راجل أبن راجل عمره ما عاود في كلمته..الحمد لله ضمنا ليلة موته حلوه وترد الروح..صح ازاي ترد الروح

” تضحك من نفسها ”

والنبي أنا مخي طق لا عارفه أتلم على كلمتي ولا لساني..ههههههههه

” وهي تستعد للخروج ”

من يوم فراقك الشاي في دارنا بطلناه..وشايك مع الحفار شيعناه..كل واحدة مننا بتبكي على حالها مش على الميت..الحريم في بلدنا مهمومة مسجونة وتخاف تطلع همها في كلمة..يوم العزا فرصة تصرخ وتلعن اللي كان السبب..ويا ريت اللي جرى ما كان..وتشوفوا الكلام ده أكتر لو فيه زار..الولية منهم تتشال وتتحط وتطلب ما بدا لها..كل اللي محرومة منه.. المنديل أبو ترتر وأبوورد وأبوقوية ولا الفستان الأحمر اللي بلون عرف الديك..ولا اللي نفسها ترقص وتطلع اللي جواها.. جوه صدر الحريم مصايب نايمة..ما تخدوش في بالكم هما الستات كده لا يرحموا ..ولا يخلوا رحمة ربنا تهوب ناحية الرجالة..كل واحده صدرها معبي

” تضحك ”

أنا مش زعلانه ولا متضايقة أنا فرحانة.. لا راجل يقول ليا شرق ولا غرب..ولا يطلع زمقه فوق دماغي..دا لو أتغلب في دور كوتشينه على القهوة يشيل مرته هم طول الليل..طب يا خي اتقي الله فيها..وهيه ذنبها إيه ؟

” ترفع يديها وتبدو السعادة فوق وجهها “

أنا حرة أعمل ما بدا ليا..أنا نسيت روحي أنا طالعه لموته..ساعة الحزن قربت.. يللا الهمة والحريم مستنيا ساكته..تشعلل الليلة والكل يصرخ ويندب

” تخرج وتخفت الإضاءة تدريجيا ويعم الظلام ”

 

المشهــــــد الثالــــث

(نفس الحجرة … تحتسي الشاي كالمعتاد … كأنها تمسح الدموع من فوق وجهها بطرف ثوبها) 

صح عمدة وابن عمدة.. والدمعة ما تغلاش عليه..دا اللي يتبكي عليه العمر ولا يتنسي..آه ومين هيقعد في ليلة دفنتي.. الله يرحمك يا سيدي العمدة.. حلفت.. وأنا من يومها حطيت في قلبي بطيخة صيفي..الله يرحمك يا غالي.. دا كل الناس بتحكي وتتحاكي عنك وعن عمايلك..الدنيا جرى ليها ايه؟..كل واحد بيفسرها حسب مزاجه إن كان متعكر ولا صافي..والله أنا قلبي حزين والفرح صعب يخبط على بابه..العمدة كان سند للغلابة اللي زي حلاتي..أنا ليا حق أبكي بدل الدموع دم

” ترفع ذيل ثوبها وتظهر خلاخيلها ”

أنا كفني في رجليا.. عامله حساب موتي..والسخلان والجديان كمان.. أنا ما كنتش طمعانه في العمده..كان ضليلة بيضلل على الخلق … كانت كفايه قعدتوا يستقبل عزايا..أهه راح.. يا ميت خسارة

” تبكي … وتخفي وجهها بيديها ”

كان له هيبة كل واحد بيعمل له حساب..بعد ما مات ما بقاش تعرف لها كبير..والنبي لأحكي لكم علشان تعرفوا قد إيه الخسارة

” تقوم من مكانها … وتحرك ببطء وكأنها تتسلل يبدو أنها مريضة أو مصابة بمرض يظهر هذا جليا في حركتها بصعوبة ظاهرة ”

أنا كنت قاعدة هنا.. لا كنت جوه بوكل الفرخات وبعلف السخلان

” صوت طرقات على الباب ”

سمعت الصوت ده.. أنا ساكته ما فيش حاجة فيا اتغيرت..يا ميت ألف مرحبا باللي جاي..ممكن واحد عشمان يشتري جدي.. ممكن خير وجاي.. ممكن حد مات وهروح وراه..ممكن فرح..لا..لا.. مفيش فرح هيتعمل في البلد ولا سنه تانية لقدام زينة رجالة البلد راح.. مات الله يرحمه

” طرقات ثانية علي الباب ”

أتأكدت إن فيه حد صح على الباب..حاضر ياللي بتخبط.. حاضر جاية يا حبيبي..فتحت الباب نص فتحه علشان أشوف مين..الله أكبر.. شابين النور طافح من وشهم من أولاد البلد..ووشهم مزيناه دقن جديدة..واحد دقنه تقيلة والتاني خفيفة.. ولابسين جلابيب أبيض في أبيض بس قصيرة..وباين اللباس اللي تحتيها بيجر في الأرض..بس الاتنين الله أكبر.. أنا قلت في وشهم خمسة وخميسة في عين اللي ما يصلي على النبي..ولا أنا الكسلانة.. فتحت الباب على آخره..قلت لهم اتفضلوا.. تنوروا بيتي وتزيدوه بركة..الغريبة أنهم لا قالوا سلام عليكم ولا حتي سعيدة ولا أي حاجة..أنا بعزم عليهم بقلب وفرحانه بيهم وهما ولا هم هنا ولا معايا

” تقلد صوت رجل ”

شوفي يا خالتي ساكته..قالها وهو بيتخن صوته معرفش ليه..أنا جاوبته قبل ما يخلص كلام..أيوه يا ابني..احنا جايين ننصحك لوجه الله … أنت ست كبيرة..يعني ما تنسيش روحك.. زي ما بيقولوا الناس رجلك والقبر..قلت له اللفظ سعد يا ولدي.. سألته أنت ابن مين وأنت كمان؟.. الأولاني أبوه راجل طيب والعيبة ما تطلعش من حنكه..والتاني أبوه مات في العراق زمان.. وكان راجل زين الله يرحمه..أنا ضحكت ما قدرتش أمسك نفسي..أنا عارفه البير وغطاه في كل البلد..أبودقن تقيله زي ما يكون اتعصب من ضحكتي وسألني بتضحكي ليه؟ ما كدبش عليكم ضحكت تاني..غصب عني..أنت بتضحكي ليه؟.. قالها أبو دقن خفيفة..أنا حسيت أنهم فكروا حاجة وحشة..أنا قلت لهم اتفضلوا هعملوكوا كبايتين شاي يردوا الروح

” بصوت خشن ”

احنا مش جايين نضايف عندك ولا نشرب شاي..أنا ما سكتش حكيت لهم عن أبو كل واحد فيهم..صمموا يعرفوا سبب الضحكة إيه..ما أقدرتش أمسك نفسي من الضحك ورحت طساهم في وشهم بالكلام..حكيت ليهم أن هما الاتنين اطاهروا مرتين..وكل مرة أنا اللي كنت بأمسكهم للمزين..بصوا لبعضيهم وبدال ما وشهم يضحك قلب علي عركة..ووشهم مقلوب قعد الأولاني يخوفني من نار جهنم..أنا ضحكت … هو أنا حد يخوفني من نار جهنم.. قالوا المساكين أحباب الله..سألتهم وأنا بضحك..أنا ربنا مش هيوديني النار أبدا..أنا لا عمري أذيت إنسان ولا طير ولا حيوان ولا حتى قطعت شجرة..د أنا أغلب من الغلب.. أنا بحب كل الناس..بحب النصراني وبحب المسلم.. أنت أسأل أمك وأبوك وأنت أسأل أمك..كل أفراح البلد أنا بشارك الناس..قاطعوني في الكلام وبوش بيطلع شرار..كل اللي بتعمليه حرام في حرام.. ودا السبب اللي هيخلي مصيرك جهنم وبئس المصير..هما قالوها كده..أنا عارفه إن جهنم لمين..أنا لا عمري سرقت ولا عملت حاجة تغضب ربنا..سألني واحد منهم أنت بتصلي..أيوه يا ابني بس مش دايما.. أنا حافظه كام سورة من سور القرآن بصلي بيهم زي ما علمونا الله يرحمهم

سألني تاني والشرار بيطق من عنيه

أنت بتعملي إيه في الفرح ؟ كان نفسي أقوله أسأل أمك أنت وهو.. الكدب خيبة كلامهم ناشف يوقع اللقمة من الحنك وعنيهم .. حاطيط لساني جوه خشمي وسكت.. كان نفسي أقول له دأنا أمك.. أستغفر الله العظيم ربنا ستار.. أنا عمري ما اتكلمت في عرض حد.. بس كنت هغلط.. الحمد لله الخوف عقد لساني وجريت واطي..عاود يسألني..أنت بتعملي إيه في الأفراح؟ كل البلد وأنت وكل الناس يا ابني عارفه.. بنفرح العروسة ونحنيها ويوم الدخلة.. قال ليا اسكتي ما تكمليش..قالوا كل اللي بيحصل دا شرك بالله واللي يعمله يدخل النار… مش هكدب عليكم قالوا كلام غريب عمر ودني ما سمعتوا قبل كده الغريبة أنهم قالوا إن حتى لبسي مش شرعي..نفسي اتكلم.. كنت سمعت أن الأولاد الشباب أمات دقون حرقوا مقام الشيخ… والبلد اتقسمت.. بس الناس خافت وكنت وما رضيوش يتكلموا.. فاكرة إنهم قالوا مفيش حاجة اسمها أوليا لله وأن ده شرك وأن ده كفر.. والضريح زي صنم الناس تعبده.. اللي خلي رجالة البلد سكتوا ساكته تتكلم..سألتهم والعدودة والمواتم والحزن برضه..ولا هو الكسلان رد واحد منهم..أيوه حرام ونص.. أنت تتزعميهم وتندبي وهما يصرخوا وراكي أنت رأس كل خطية في المآتم كمان.. الكدب خيبة أنا خفت والخوف ركب جتتي.. دي أول مرة في عمري..العيال بيتكلموا ولا الظابط بتاع النقطة الغريب..لا العمدة الله يرحمه كان قلب حنين وعارف كل حاجة..حطيت ايدي على قلبي وافتكرت موضوع خصي الجديان..أصل زمان واحد قال ليا إنت بتغيري في خلق ربنا..قلت هيحرموا عليا تربية السخلان.. السخلان دي رسمالي..تقولش ربنا عماهم عن سكة السخلان.. حمدت ربنا ومشيوا كتر خيرهم .. بشروني بالنار اللي هتشوا فيها ..من يومها والمرض ما فرقش جتتي..رجليا تقولش اتكسحت.. أنا بسحب رجليا بالعافية ..طول الليل نار جهنم قايده قدام عنيا.. كنت باستنه الموت..قالوا ليا أنت فقيرة.. أنت حبيبة ربنا.. اللي زيك ربنا هيعوضه..وأنا انتظرت الموت علشان طمعانة في جنة ربنا ..الهارده أنا خايفة من الموت ومن جهنم ..الضحكة حسيت إنها خاصمتني وحلفت ما ترجع لوشي..من يومها الحسرة كلت قلبي..عايزه أسأل ربنا وخايفة..هو ممكن ربنا ياخد بكلامهم..أنا بحب الضحكة.. أنا نمت أيام من غير عشا.. وحمدت ربنا.. وبقول إن آخرت صبري خير..الشيخ قال لينا زمان..وفي السماء رزقكم .. ليكم الجنة..مين فيهم صح؟ ليه ياربنا … ليه

” تهتز وتقع على الأرض وتخفت الإضاءة تدريجيا مع أصوات نواح وأصداء مرثيات قديمة تتسرب من شقوق الحائط ”

” تمــــــــــــــــــــت “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت