اللوغسكرنتية وتمركز الفكرة في نص “علاء الدين والكتاب السحري” للكاتبة زينب عبد الأمير/ حيدر جبر الاسدي

من السياقات المتفردة التي او جدها الفيلسوف الفرنسي (جاك دريدا) في منهجه التفكيكي  هو مصطلح ( اللوغسكرنتية) بالإضافة إلى ميتافيزيقا الحضور، والمصطلح يعني التمركز على العقل او حول العقل او الذات او الانا او النحن، وهو بالتأكيد مصطلح فلسفي يراد منه تفكيك النص، والبحث عن العلامات المزاحة من البنيات النصية المضمرة خلف السياقات اللفظية، وما اريد ان اشير  إليه هو أن نص “علاء الدين والكتاب السحري” للكاتبة زينب عبد الأمير،  اشتغل  اولا.. على مساحة الوعي لدى المتلقي ولم يلتزم بالضوابط  التقليدية لنص الطفل والمعايير المتعارف عليها، وثانيا..ناقش ثيمة مهمة جدا تحتاج ان يتم فيها استثارة العقل والذات من جهة والروح والخيال من جهة اخرى ، ثالثا..خاطب العقل والخيال وارتقى بهما من خلال الأفكار المطروحة او الألفاظ المحملة بالمعاني بوصفهما الأساس في فعالية التلقي .. بمعنى ماتم طرحه من سياقات النص هو بناء يحتاج الى ذهنية متوقدة، وأن كانت ثمة محاولات لتبسيط الأفكار لدى المتلقي بوصفه طفلا، لكن (عبد الأمير ) حاولت ان توصل رسالة مفادها أن الطفل الحالي في خضم هذا التقدم التقني المهول في التقنيات والمعرفة، يختلف اختلافا جذريا عن الطفل في الأجيال السابقة، وهي بالتالي تتعامل مع عقلية من طراز خاص كما هو واضح في بنية النص الذي سنأتي علية تباعا، النص هو استكمال للخيال العلمي الذي تبحث عنه الكاتبة او انها تقوم بتنميته عند الطفل، وهي بذلك تؤسس لاتجاه مهم في عملية الكتابة للطفل وتعالى على المستهلك والمتداول، وبتقديري النص بمشاهده الخمسة اشتغل على مستوويين:
الاول : ناقش جدلية الوجود مابين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني اي ما بينه الثقافة الورقية وما بينه الثقافة الإلكترونية وهو موضوع مهم جدا خصوصا حين يطرح لهكذا شريحة في فعالية التلقي والتأكيد على أهمية الكتاب ودورة في تعزيز شخصية الإنسان معرفيا وأخلاقيا وبيان الإخلال في موضوع الكتاب الالكتروني وان كان ذات أهمية وحضور، اما المستوى الثاني فناقش كيفية قراءة التأريخ واستبطان المعارف المهمة التي ينبغي أن يتسلح بها الإنسان ليحصل على الثقافة بشكل عام وثقافة بلدة وتاريخه بشكل خاص، واعتقد من خلال سياق النص نجحت الكاتبة بشكل كبير في تحقيق هذين المستويين، يبدأ النص بالراوي حمدان ليعلن البدء برحلة النص التي يصفها بأنها لا تخلوا  من المتاعب والاشكالات كون طريق الحق دائما يوضع بين جنباته الكثير من المعرقلات ،
حمدان : ( ساروي لكم حكاية تطرب لها الأذان، وتقترب في معانيها من الأذهان ،حكاية طفل اسمه علاء الدين  ) واستخدام الراوي هنا جاء بتقديري لتحقيق ثلاثة أهداف.. الاول ليكون اللاعب الأساسي في ركحية النص من خلال المتلقي والممثل، وثانيا ..ليردم الهوة مابين المتلقي والممثل والإجابة على الأسئلة التي ستطرح واستثمارها بشكل يسهم في تركيز الفكرة، ثالثا ..إضافة عنصر التشويق ورفع حالة الملل والكلل عند الطفل في عملية التلقي، من جانب اخر تضع لنا الكاتبة بين طرفي المعادلة شخصيات شريرة تحاول من خلالها ان تصعد.حدة التوتر والتشويق وهذه الشخصيات ( تقون) وهو حاكم التكنلوجيا الحديثة ومساعديه صفورو وحود  الاول مسؤول على نظام الاطفاء والثاني مسؤول على نظام التشغيل، وهذه المجموعة ستقوم  بعملية الصراع ضد علاء والكتاب السحري، نشهد في البدء صراعا  بين صفور ووحود حول كيفية جعل علاء الدين يتخلى عن القراءة والكتابة ويلتجا الى التقنيات فيصرخ بهم تقون قائلا: ” كفى مالذي اصابكما ؟! هل جننتما؟! ،علينا أن نجد حلا لمشكلتنا مع هذا الولد الصغير وموضوع تمسكه بمطالعة الكتب  وعدم اكتراثه لكل مايمت للبرامج الإلكترونية الحديثة بصلة، حتى الألعاب منها “، وهذا تاسيسي اولي عن طبيعة الإشكالية التي على اساسها سنشاهد صراعا وجوديا، حيث يتم الاتفاق بأنه يجب ان توضع العراقييل في طريق علاء والكتاب السحري، وهي إشارة إلى أن ثمة جهاد معينه هي من تقوم بتقليل أهمية الكتب الورقية والعمل على  عدم اقتناءها وهو جزء من مفسدة كبيرة يقودها البعض كي تسود ثقافة غير خاضعة للمعايير المعرفية الحقة، ثم يتحرك النص في المشهد الثاني داخل غرفة  مغلقة وحوار اخر بين علاء واخيه مهند، حيث يستغرق الاخير في اللعب بالالكترونيات ، مما يستفز علاء الذي يطالع مجلة للطفل ليذهب إلى جدة قائلا
علاء : ” هل رأيت ياجد ، هل رأيت حجم الضرر الذي تلحقه بنا تلك الأجهزة  الإلكترونية الحديثة، مهند لايسمعنا ولايرانا بسبب تلك الالعاب والبرامج الإلكترونية،  وكأنه في عالم آخر”

الجد : ( يبتسم ) في زماننا لم يكن لمثل هذه الألعاب اي وجود ) ،

وبعد اطلاع علاء حول آثار مدينة كربلاءكما هو موجود في داخل المجلة  فإنه يرغب للسفر لها لمشاهدت تلك الآثار المميزة، وهذه التفاته تحسب للكاتبة بتعريف الأطفال بأهمية الآثار ودورها في تعزيز الفاعل الحضاري للبلد، فيقوم علاء بطلب من امه ثم ابيه ا كي ياخذوه الى كربلاء، لكن الاثنين يتحججان بعذر واهية، وهنا طرحت الكاتبة مسألة عدم مبالات الآباء والأمهات بحوائج أبنائهم وخصوصا المصيرية منها، والجانب الثاني أرادت أن تؤسس للمشهد الذي يخرج فيه صوت الكتاب السحري الى علاء  وكذلك خروج حمدان الراوي وكسره للزمن، هذا بعد ان يدخل علاء وجده الى الغرفة الخاصة بالمكتبة ويستخرجان اهم المصادر التاريخية التي من خلالها سيتم التعرف على تلك المعالم الأثرية في مدينة كربلاء،

الجد : ” من أقدم المعالم الاثارية في مدينة كربلاء المقدسة هي كنيسة الاقيصر ” ،

علاء : ” قرأت عنها في مجلة الحسيني الصغير انها أقدم كنيسة في العراق بل في الشرق الأوسط ”

وهذه إشارة إلى ضرورة متابعة المجلة المذكورة كونها تقدم الكثير من المعلومات المهمة وخصوصا التاريخية منها، وبعد أن ينام علاء يسمع صوتا يمثل فيما بعد الكتاب السحري ليخرج لعلاء قائلا .
الكتاب: “نعم يا عزيزي  وبفضل حبك بمطالعة الكتب وشغفك لتلقي المعرفة، جئت إليك صديقا بعد ان مضى من الزمن وقتا طويلا لاحد يهتم بي”،

من هنا بدأت الرحلة التي سيشارك بها علاء وحمدان والكتاب السحري، في المقابل سيقوم تقون ومساعديه بوضع العجلة في حركتهم والمحاولة لايقافهم دون تحقيق الأهداف، لكن الكاتبة وكما  هو معهود في نصوص مسرح الطفل فان الحق ينتصر  دائما، وأن يكون شعار هذا الانتصار هو ما قاله الجميع وحتى الأطفال (خير جليس في الزمان كتاب) بل تضع الكاتبة جائزة لمن يعرف من هو القائل أو لمن ترجع هذه المقولة واجابتهم بالمتنبي، وهذا يهدف الى ترسيخ هذا الشعار في أذهان الأطفال وكذلك لتعزيز قيمة القراءة والكتاب، ومما تقدم يمكن أن نضع اهم المؤشرات التالية حول النص.
اولا.. خاطب النص فئة عمرية محددة لا تتجاوز 6 _  12  الا انه اقتحم تلك العقول وعزز من قابلية الإدراك والفهم والتفكير المعمق.

ثانيا..حمل النص العديد من العلامات والإشارات بوصفها رسائل لكل أولئك الذين يعيقون من حركة الكتاب والثقافة الورقية وأهمية هذه الثقافة التي بنت الأمم السالفة.

ثالثا..النص وان كان علميا  وتعليميا في أن واحد وفيه من الخيال والفرضيات الانه كان قريبا من روح وحس الطفل .

رابعا ..زاوج النص بين الواقعيات وبين المتخيلات اي ما بين ما هو متمظهر وبين ما هو حلمي حيث ربط بينهما بخيط شفاف مقنع للطرفين  ( المتلقي/ الممثل) .

خامسا .. ورد في النص بعض المفردات ربما تكون صعبة في التلقي لهكذا فئة عمرية لكنها تعالج في اثناء العرض منها ( مبتسرة، شغف، المعارف الرصينة، الصديق المعرفي ..) .

اخيرا ..يدعو التوسير إلى قراءة تصل إلى أعماق النص لإدراك الحقيقة التي يحملها، والتي اودعها اياه كاتبه بعد أن دارت بخلده وجالت في فكرة.. ونحن لاندعي انتا استبطنا النص ووصلنا الى باطن الفكرة كما يرى غولدوس، لكننا اقتربنا منها كثيرا ..

الإحـــالات:

حيدر جبر الاسدي (مخرج وناقد مسرحي عراقي)
* النص هو جزء من مجموعة ( رحلة زمن عبر زمن ومسرحيات أخرى ) نصوص في مسرح الطفل ومسرح الدمي للكاتبة د.زينب عبد الأمير  2020

 

لا يتوفر وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت