كتاب الخميس (الحلقة الأربعون)/ عرض و قراءة: أحمد الشريف

اسم الكتاب : المسرح الألماني المضاد “
الكاتب: الدكتور أسامة أبو طالب
الناشر: سلسلة آفاق عالمية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
                                                *****************************
صدر حديثا بالقاهرة كتاب “المسرح الألماني المضاد” للناقد الأكاديمي د. أسامة أبو طالب, وقد نشر الكتاب الذي يقع الكتاب في 220 صفحة ضمن سلسلة آفاق عالمية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. وقد وضح فيه من خلال دراسة وافية ما يسمى “المسرح المضاد”   Das Antitheater تلك الحركة التي أنشأها الألماني راينر فيرنر فاسبندر Rainer Werner Fassbinder, وقد تضمن الكتاب أربعة نصوص مترجمة وهي : “حرية بريمر”, “دم على حلق القطة”, ” كاتسل ماخر”, و “لا أحد طيب ولا أحد شرير”.

 في البداية يوضح د. أسامة أبو طالب أنه لم يتجاوز ما قضاه فنان المسرح والسينما الألماني الشاب/ راينر فيرنر فاسبندر, على الأرض ستة وثلاثين عاما رحل بعدها مخلفا وراءه كنزا من الإبداع قلما يتكرر, فيما بين أربعين فيلما سينمائيا وأكثر من ستة عشر نصا مسرحيا علاوة على درامات إذاعية وأعمال تليفزيونية. وقد ارتبط اسمه بتأسيس حركة مسرحية جديدة أطلق عليها اسم “المسرح المضاد”  Anti-theater   بالتعاون مع زميليه  “ب. رابين”, و”هـ. شيجوللا” , وما يقرب من عشرة زملاء اعتبروا كمؤسسين آخرين لكيان فني مسرحي مشترك.

أما عن بداية الفكرة فيشرحها الكاتب د. أبو طالب مبينا فاسبندر رأى منذ البداية – متفقا مع أرتو- أن المسرح الأصيل إنما يقع في ذلك اللقاء  بين الحلم والأحداث. كما ينتمي بشكل آخر إلى منطق المسرح الحي  Living theater  وأفكاره باعتماد وظيفة التحريض  Incitement , أو الاستفزاز  Pr. V . cati. N  في مواجهة صراع محتوم ضد المسرح البرجوازي Burgerliches Theater السائد والمنتشر والذي طال تسيده وتمكن استقراره. ولا يخفى تأثره البين بالمسرح البريختي وبمسرح القسوة. وقد نال الكثير من الاتهامات بسبب المنافسة أو بسبب عدم الفهم أو كراهية التجديد المعتادة والتي وصفت فاسبندر وأصحابه ومنهجهم بالعدمية تارة وتارة أخرى بالدعوة إلى الانحراف. ثم وصم المسرح المضاد ومؤسسه وشركائه بكونهم أعداء للسامية يتعين ترصدهم ومواجهتهم  وكفهم عن العمل .

ثم يوضح الكاتب موضوع وشكل عرض “القمامة والمدينة والموت” ويحلل شخصياتها. طارحا التساؤلات ثم مجيبا عليها حول دور التجريبية المسرحية الجديدة في المسرح المضاد. ما أدواتها الفاعلة ووسائلها وتقنيات عرضها؟ وما مدى فعاليتها المنتظرة وحدودها؟ ثم ما هو الأثر الجمالي المطلوب والمنجز بالفعل من تجربة تلقيها؟

 وأضاف الكاتب موضحا أن المسرح المضاد واصل طريقه مقدما ما يقرب من الثمانية عشر مسرحية ما بين تأليف منفرد لرائده فاسبندر وحده,  وبين تأليف مشترك مع آخرين من الجماعة . إلى إخراج للنصوص بالرغم من جماعية الطابع التي قدمت بها المجموعة نفسها منذ بداية الظهور. ثم يطرح لنا المؤلف أسماء الثمانية عشر مسرحية.

 وتحت عنوان جانبي “عالم المسرح المضاد وملامحه الفنية” يوضح الكاتب أن فاسبندر كان يحلم بمسرح جديد بالفعل وفي كل شيء, مسرح تتسع فيه وظيفة التنوير السياسي المحدودة لكي تتحول إلى تنوير أكبر حين ينجح في تقديم معالجة أعمق وليست مجرد معالجة تكتفي بكونها أكثر صراحة في حين ينبغي عليها أن تكون أشد تعرية وأكثر فضحا. أو مسرحا للتعرية التامة الكاملة والفضح دونما هوادة حينما يكون التنوير قرين العقلنة ومجاله العقل بالدخول المباشر على الحس مخترقا عالمي النفس والجسد.

وبعد ذلك يتعرض الكاتب لمسرحية “كاتسل ماخر” Katzelmachrer  المصنع, ضاربا بها المثل حيث تعرض الواقع ممسوخا ومشوها  بغرض الإحالة به إلى حقيقة هذا الواقع / المدينة / العصر.. بإنسانه وآلياته التي حولته هو الآخر إلى مسخ مشوه يمارس انحطاطاته ودناءاته وتشوهاته واعيا.

ويرى د. أسامة أبو طالب أن فاسبندر لا يضعنا على طريق التجريب البريختي وحده مثلما لا يحاول معنا أن يكسر الوهم مستخدما التمسرح  Theatricality  فإنه لا يحاول أن يضعنا كذلك في مجال تطهيري تقليدي بالمعنى الأرسطي, وإنما في حالة غشية Trance أو ما يمكن أن يسميه مجالا انفعاليا مشابها للحالة الهامشية الواقعة ما بين الصحو والنوم. وتصبح المحصلة أثر جمالي معاكس أو مضاد للتطهير وبأية وجهة نظر  مفسرة سواء أكانت تقليدية أو غير تقليدية حين نتعرف على المحورين الأكثر أهمية أو بالأحرى الأساسيين واللذين ينهض عليهما عالم المسرح المضاد  محددين موقعه الحقيقي من هموم الإنسان عامة وإنسان العقود الأخيرة من القرن العشرين على وجه التحديد. هذين المحورين وهما: أولا : العصر – المدينة. ثانيا: المدينة – الإنسان “الفرد”, ثم يسهب الكاتب في شرح هذين المحورين.

وتحت عنوان “الممثل في شعيرة المسرح المضاد” يخبرنا الكاتب بأن أقرب وصف للممثل في تصور فاسبندر هو ما عبر عنه ماير خولد حينما سئل عما يميز الممثلين الذين يعملون معه فأجاب: أولا أنهم لا يفكرون, وثانيا: أنهم لا يفكرون بأسلوب مثالي بل مادي. حيث يخرج الممثل في عرف هذا المسرح عن كل ما اتفق عليه من تسميات اصطلاحية تعترف “لاعبا” أو “مؤديا” أو “عارضا” على الرغم من بقاء اسمه ممثلا عند فاسبندر ليتحول إلى عنصر الطقس نفسه  ومادته: مقيمه وصانعه ومعايشه وليس إلى مادة للمشاهدة أو لفرجة الآخرين.

كما يوضح لنا الكاتب أنه أمام تعليمية بريخت وفي مقابل ما يدعو إليه من وجود تلك “المسافة الفاصلة” بين المتفرج والعارض تقوم دعوة المسرح المضاد على وجوب الانخراط  في الجو المسرحي أو الدخول في المجال الانفعالي الذي تخلقه عملية التمثيل / المحاكاة في حضور وميض دائم من الوعي  أو من اليقظة المعاودة لدى المتفرج والتي تعترض الانسياق الكسول خلف حالة الاندماج ولكن بشرط محدد تماما يتمثل في ضرورة البعد عن التعليمية.

وهو يحقق الوظيفيتين – الأرسطية والبريخية معا- في عرض مسرحي واحد. وأن وسيلته في ذلك “بنية مسرحية مغايرة” تميز المسرح المضاد في كافة أعمال فاسبندر حيث يقوم بتقطيع سياق القصة / الحكاية هادما بذلك معمار البنية المسرحية التقليدية  المتعارف على تكوينه الهرمي حتى نقطة الذروة إلى أن يتم نزول الحدث هابطا ومعه انفراج الأزمة.

ثم  يتخذ الكاتب د. أسامة أبو طالب نموذجا مسرحية ” إي إفيجينيا في تاوريس” مطبقا عليه رؤية المسرح المضاد. ثم ينتقل إلى نموذج آخر وهو “لا أحد شرير ولا أحد طيب” مؤكدا أن في هذا النموذج للمسرح المضاد يحول فاسبندر الإدانة الفردية إلى اتهام جماعي يعم بذنبه الجميع وينسحب عليهم, ومن أجل ذلك تصبح المشاركة في الجرم بمثابة براءة سالبة بشكل ما أو براءة مدانة بسلبيتها حاملة وزر صمتها أو تقاعسها حيث الجميع متورطون فيما يبدو أنه لعنة جمعية أو إثم مقرر يقفون أمامه  أو يرزحون تحت وطأته حيث لا أحد شرير ولا أحد طيب في هذه المدينة / العصر.

ويختتم د. أبو طالب دراسته بقوله إن مجرد نظرة متأملة لإحدى نصوص فاسبندر  تكفي للتدليل على خطورتها ليس فقط لأنه رجل مسرح  يتجسد فيه الكاتب والمخرج  معا. كما أنه مخرج سينمائي أيضا تنتمي مخيلته الإبداعية إلى عالم الصورة بكل  عالم الصورة بكل إخلاص, ولكونه أيضا ابن حقيقي لحركة المسرح الحديث ذلك الذي ارتبط  بالمدينة الأوروبية فكرا وضميرا وإحساسا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت