أمسية طقسية بصبغة معاصرة تحت المطر… مسرحية “الأجل حارس “/ مرتضى ساجد التميمي
تأليف/ الأستاذ الدكتور حميد صابر
إخراج/ الفنان سنان العزاوي
يوم أمس في الساعة الثامنة والنصف مساءاً قُدمت مسرحية “الأجل حارس” في مكان مفتوح وهو باحة كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، كانت الأمطار تتهاطل منذ بداية العرض حتى نهايته مما أدى إلى إطفاء بعض المشاعل التي كانت غاية المخرج منها إضفاء الأجواء الطقسية على العرض، ورغم ذلك الجمهور لم يغادر العرض، نعم بدأ الجمهور بالكلام والتردد في البقاء أو الرحيل، وحدثت ضجة طفيفة بسبب تغيير الأماكن للحصول على مكان أمن، ولكنهم في نهاية الأمر اتخذوا القرار وهو البقاء، وذلك لعدة أسباب منها عاطفية وأخرى فنية، العاطفية كون المسرحية مقدمة عن سيد البلغاء الإمام علي عليه السلام، والفنية كون العمل مقدم بكادر وأسماء لها وزنها في الفن العراقي سواء على صعيد المسرح او الدراما … هذه الأسباب كما ذكرنا هي أسباب جعلت الجمهور يبقى لمشاهدة العرض، ولكن هناك أسباب أخرى جعلت الجمهور لا يشعر بوجود المطر أصلاً ! فما هي يا ترى ؟
أولاً / النص من تأليف الدكتور حميد صابر الذي منذ عرفته أول مرة عندما كنت أحد طلابه في مرحلتي البكالوريوس والماجستير و هو متفاني في صياغة وتقديم العروض المسرحية والمحاضرات الدرامية عن آل بيت الرسول عليهم أفضل الصلاة والسلام، ليس من الناحية الدينية فقط وانما إيماناً منه بإن المسرح هو منبر للتعليم والتغيير والثورة على الطغاة و أهل البيت الكرام عليهم السلام هم أهلها و منبعها… وهو من نوعية المؤلف المخرج الذي يكتب بعين وفكر المخرج، كون ميوله الفنية تتجه نحو الإخراج، وهو في هذا العمل قدم نصاً شبه مخرج مستنداً بذلك على خزينه المعرفية وبحثه الدؤوب وخياله الواسع وقدراته الهائلة في الصياغة ومسرحة الروايات والأحداث التاريخية وجعلها تتناسب مع عصر العرض ..
ثانياً / الإخراج الاحترافي فالمخرج سنان العزاوي الذي أثبت وبجدارة إمكانياته الاخراجية من خلال اختياره الدقيق للممثلين و مزجه بين الطقسية من خلال المشاعل والرادود جبار الحريشاوي والطقوس الجسدية ( اللطم)، وبين التقنيات الحديثة متمثلة بالداتا شو والإضاءة والأزياء التي أظهر من خلالها الكثير من الصور، منها ابن ملجم الذي قدمه لنا بأسلوب حديث عن طريق الداتا شو بشخصية متهم غير متزن تارة يفتخر بما فعل وتارة أخرى يبرر جرمه وهو ايحاء ورسالة واضحة بإن إمتداد ابن ملجم لا يزال حاضراً إلى الآن، وفي الجهة المقابلة اظهر لنا إمتداد امير المؤمنين علي عليه السلام من خلال شخصيات العرض الباحث والأستاذ اللذين يبحثان بصدق وتفاني عن الحقائق التي هي كالشمس لا تستطيع الغرابيل اخفائها، وتحسب له أيضاً نقطتين أساسيتين الأولى قبل العرض وهي إستخدامه الصحيح للإعلام من خلال نشر بعض البروفات التي جعلت المتلقي متحمس لمشاهدة العرض، والثانية مع بداية العرض حينما بدأ الجمهور بالكلام وتغيير الأماكن بسبب هطول المطر، من خلال الممثل علي نجم الذي بدأ بسحب الجمهور إلى العرض ذهنياً من خلال حركاته و خلال بحثه باللايت الذي بيده وهو ما أثار الفضول لدى المتفرجين لمعرفة عن ماذا يبحث؟ و تدريجياً كانوا ضمن العرض ومن هنا بدأ التفاعل …
ثالثاً / التمثيل وهو أساس أي عمل مسرحي، فقد كان التمثيل مزيج بين الخبرة المسرحية متمثلةً بالفنانة القديرة عواطف السلمان، والدكتور جبار خماط و إلقاءه الفخم، وعلي نجم وإمكانياته العالية في لعب الدور المناط به، والممثل الشاب مرتضى شهاب الذي هضم دور الطالب الباحث بأمتياز و أقنع المتفرجين به، والممثل وليد بدر الذي كان حاضراً عن طريق آلة العرض وقدم مزيج بين الأداء المسرحي والسينمائي لدور إبن ملجم، والشاعر عباس عبد الحسن الذي قدم دور الأب الجنوبي بامتياز مستنداً على تجربته كشاعر شعبي وبيئته، وكذلك بقية الممثلين من طلبة كلية الفنون الجميلة الذين جمعهم الإنتماء لكليتهم وحبهم لأمير المؤمنين علي عليه السلام…
رابعاً / التقنيات ودقة تنفذيها، سواء كانت الداتا شو أو الإضاءة أو التسجيل الصوتي، أضف إلى ذلك الازياء والتي كانت من تصميم وتنفيذ الدكتور ايفان عبدالكريم، والموسيقى التي قام بتنفيذها الدكتور مصطفى السوداني
خامساً / الإنتاج والإشراف العام من قبل عميد كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد الدكتور مضاد الأسدي فمن خلالها توفرت الأجواء المناسبة للمخرج والتي من خلالها استطاع أن يبدع في تقديم عمل ( الأجل حارس) ..
كل هذه العوامل والأسباب هي التي جعلت المتلقي ينسى وجود المطر ويتفاعل مع العرض …
** مرتضى ساجد التميمي (واسط/ الكوت)