نص مسرحي: “ البوصلة “ / رؤى حازم رشك
الشخصيات :
الشاب
أشخاص متفرقون
هواجس .
الساعة
اللوحة
الأرض
(في المسرح جميع الأشياء تمشي إلى الخلف, أحدهم يركض إلى الخلف لتأخره عن العمل، الأخر يمسك هاتفه المحمول بالمقلوب، هناك من يقرأ كتابا بالمقلوب، وأحدهم ينظر إلى الساعة ويصرخ قائلا تأخرت عن العمل والمدهش في الأمر أنها الساعة الثامنة ليلا….حتى الرياح تهب عكس الاتجاه في ذلك المكان !! يدخل الشاب متعجبا مما يرى )
الشاب: (يخاطب نفسه مستغربا مما يراه) في أي مدينة أنا يا ترى! يشبه المكان الذي ترعرعت فيه كثيرا، ولكن ينقصه الدفء والكثير من النور، أحقا هو المكان نفسه؟ !! أم إنني قد دخلت مكانا آخر؟ ما بال هذه المدينة؟ تنقصها الروح والأمل, وجوههم شاحبة ربما ينقصها الإيمان أو ينقصها الشعور بالعيش, لا لا يمكن أن تكون هي المدينة نفسها أنا مخطئ بالتأكيد, أنا في المكان الخطأ, أممم ربما هم يتقصدون فعلها على هذا النحو، أو لأنني غريب عنهم وهذه المرة الأولى لي بينهم !! ربما كانت أحد عاداتهم التي لا أستطيع أن أقول حيالها شيئا, ولكن! ما هذه العادة الغريبة التي لم أرَ مثلها من قبل؟ الجميع على عجلة من أمرهم في هذا الوقت المتأخر!! وأيضا والأهم إنهم يهرولون نحو الإتجاه الخطأ (يضحك) لن يصدقني أحد إن عدت وأخبرتهم إنَّ هناك من يمشي إلى الخلف ويخالف عادته البشرية, ( يحاول فرك عينيه ) ربما كان كابوسا فلا وجود لمثل هذه الرؤى في الواقع أبدا .
( ينظر إلى أحد المارة ، يصطدم به آخر ويسقطان معا )
أحدهم : أنا آسف، أنا على عجلة من أمري لم أرك .
الشاب: (مستغربا ) لا عليك, لا عليك أنا بخير (ينظر إلى ساعته) ولكن الساعة الثامنة ليلا لم هذه العجلة !! أنا فضولي للغاية ما علاقتي به !! كل مرة أقع في الفضول والشك أدفن في مصيبة لا خروج منها, نعم هذا لأنني تعودت كثيرا على الأكشن في حياتي فلا مجال للهدوء لدي , تبا لي ولفضولي الذي سيسحقني يوما ما , يومها سأغرق ولن ينجدني أحد .
هاجس : ولكن هل رأيت !!
الشاب: (غير مبال) أنت مرة أخرى!! يا من توقعني في الحضيض دوما , ماذا ؟ ماذا ؟ ليس هنالك شيء غريب سواك وسواي .
هاجس: (يضحك بسخرية ) إنه يمشي إلى الخلف .
الشاب: (يسخر) ربما هو يقوم بأحد تلك التمارين الرياضية الغريبة التي انتشرت في الآونة الأخيرة .
هاجس: (يضحك ) غبي , تحاول جاهدا ألا ترى حقيقة الأمر .
الشاب : أنت تبالغ ليس إلا .
هاجس : ستستفيق يوما ما , وعندها سيكون الأوان قد فات .
الشاب: وماذا يمكن لفتى مثلي أن يفعل ؟ هل أنت مستعد أن تصبح رمادا ؟؟
هاجس : بالطبع .
الشاب : علينا أن نحترق أولا إذن .
هاجس: (يضحك) أنت كاذب لعين.
الشاب : لم أكذب يوما .
هاجس : كف عن التغني بالحقيقة .
الشاب: (ممتعضا) مرة أخرى تبالغ بردة فعلك يا صديقي الخفي, دعني وشأني وأرحل .
هاجس : لا تسألني عن شيء بعدها .
الشاب : لن أفعلها .
هاجس : سنرى ..
الشاب: (يحاول الفهم) غبي وأحمق يحاول توريطي متى ما سنحت الفرصة له, مللت التورط بشؤون غيري, ماذا جنيت من قولي للحقيقة؟؟ غير أنني في كل مرة أقع في فخ أكبر, هراء تبا للحقيقة والتغير ( يمر بأحدهم) أيها الصديق مهلا، هل لي بسؤالك! (يحاول اللحاق به )
الرجل : تفضل ولكن بسرعة فكما ترى أنا في عجلة من أمري أحاول الوصول مبكرا إلى العمل ..
الشاب: (يسخر) في عجلة من أمرك !
الرجل: (يتوقف) نعم نعم لا يمكنك أن ترى العجلة إلا إذا ركبتها ( يضحك بصوت مزعج)
الشاب: (يهمس ) يا لتفاهتك .
الرجل : ماذا ! هل قلت شيئا ؟
الشاب : لا لا، استميحك عذرا ولكن!! أحترس من هرولتك إلى الخلف ستتعثر ربما ترتطم بشيء إلا إذا كنت معتادا على السقوط !!
الرجل: ولكن ماذا!! أرتطم؟ (يضحك بصوت عال) نستطيع أن نرى ما أمامنا, يبدو أنك مستجدا لا تعلم شيئا عن تطورنا الخيالي الذي سنغزو به العالم يوما .
الشاب: تغزو العالم؟ (يحاول كتم ضحكته) تغزو العالم بماذا؟؟ إنك لا تعلم حتى وجهتك فكيف ستغزونا يا سيدي!!
الرجل: هه! أتحاول المزاح معي؟؟ لن أتجادل معك فأنت لا تعلم شيئا, هذه التجاعيد التي في وجهي تخبرك عن مدى خبرتي
الشاب : التجاعيد والخبرة ؟ أمم أستمحيك عذرا لأني أحاول الفهم
الرجل :ماذا تحاول أن تفهم ؟ كل شيء واضح وضوح الشمس .
الشاب : أنت على حق, على حق تماما لا أريد شيئا سوى أن تخبرني كم الساعة لديك؟
الرجل: هذا كل ما في الأمر؟؟ ظننتك أحد أولئك الفتية القلة الذين يثرثرون كثيرا عن الإنسان وحقوقه (يضحك) كنت مخطئا, أنها الثامنة وعشرة ليلا أقصد صباحا .
الشاب: ( ينظر مستغربا ) صباحا ؟
الرجل : نعم نعم صباحا
الشاب: (يعجب من قول الرجل ) ولكن ؟؟
الرجل : ولكن !! أتحاول فهم شيء آخر ؟ كما أخربتك سابقا أنا على عجلة من أمري .
الشاب : أترجع إلى الخلف وأنت في عجلة من أمرك ؟؟
الرجل : أرجع إلى الخلف ! هل أنت أبله يا فتى !
الشاب: (يتكلم بحدة وجدية ) أو لست تمشي إلى الوراء !
الرجل: ( يرجع الى الخلف بسرعة ويهز يده) يبدو أنك لم تنم جيدا ..
الشاب: (بحيرة) ولكن إنها الساعة الثامنة ليلا !
الشاب: (ينظر إلى ساعته،تبدأ عقارب الساعة بالتحرك عكس الاتجاه كما البشر)ما مشكلتك أنت الآن؟؟ (يحاول ضربها ) أجننت كما جن الجميع, إنها المرة الوحيدة التي أحاول العيش فيها بسلام وبعيدا عن كل شيء, بعيدا حتى عن الحياة نفسها ولكن ماذا يحدث الآن!! ها أنا في المدينة التي أختارها لي قدري أجوبها محتارا مما أرى!! سأجن قريبا نعم سأجن. ما بالك اليوم أيتها الساعة الغبية!! يا للهراء (يضحك) شيء عجيب عقارب الساعة تعمل بشكل عكسي!! بشكل لم أر مثله من قبله, ربما تعطلت وأنا أعظم الأمور كما أفعل دوما.. هل هذه الأرض ملعونة ! عجيب أمرهم من قام بتنويمهم مغناطيسيا!
الساعة: (بصوت أنثوي رقيق) ألم تسمع بالخبر؟ قد فاتك نصف عمرك .
الشاب: (يقفز من مكانه مستغربا) يا إلهي !! وهل, هل تستطيعين الكلام !!
الساعة : لا تستغرب أيها الشاب لقد دخلت المدينة العكسية (تضحك) حتى عقاربي تعاندني ستعمل كما يحب هؤلاء, ستفقد عقلك قبل أن تحاول الفهم حتى .
الشاب: ما هذا الهراء الذي أسمعه الآن!! جماد يتحدث! هه! أنا أحلم نعم, أنا في كابوس مزعج للغاية, هيا يا فتى أستيقظ, أستيقظ وعد إلى وعيك .
الساعة: (تضحك بصوت عال) أوليس للجماد روح؟ على الأقل أنا لدي روح الآن أكثر منكم أنتم يا معشر البشر، وأيضا لن تعود إلى وعيك أيها الشاب ستسمع هذا الهراء كثيرا حتى تصدقه, وأيضا دعني أخبرك شيئا مهما .
الشاب: ما هو !!
الساعة: أقترب قليلا, ضع أذنك لكي لا يسمعنا أحد (الشاب يقرب أذنه منها)عليك أن تمشي إلى الخلف كما يفعلون.
الشاب: (متعجبا ويتكلم بصوت عال) هل أنت حمقاء؟ كيف أمشي إلى الخلف؟ هل جننت, هه!! حقا إنها البلدة المجنونة, سأخرج من هنا, نعم سأخرج وتبا لكم جميعا لا ينقصني الآن هذا الهراء, أين هو المخرج أين!!
الساعة : ستتعود قريبا, ستكون صعبة في البداية ستسقط في بالوعة أو بالوعتين، ولكن سرعان ما ستتعود إن أردت البقاء بالطبع، ودعني أبشرك لن تستطيع الخروج سالما من هنا ستفقد شيئا هنا أولا، ثم أو ربما ستجد بابا تستطيع منه النفاذ ولكن
الشاب: ولكن ماذا ؟
الساعة: (تصرخ ) أنصحك بالفرار بجلدك أيها الغبي ما الذي جاء بك إلى هنا (ثم تصمت)
الشاب: (يضحك بخوف) أظنها ماتت من شدة الصراخ، وربما منطقها الأرعن قد أصابها بنوبة قلبية, هل يستطيع المرء أن يمشي إلى الخلف وينافي فطرته!! ما هذا الكلام الساذج وكيف سيصلون إلى وجهتم إن بقيت الأمور تجري بصورة عكسية!
(طفل صغير يرتطم به وهو يرتدي ثياب المدرسة يوقظه من غفلته)
الطفل: (بوقاحة) عليك أن تكون حذرا يا سيدي كدت أن اسقط بسببك وتتسخ ثيابي .
الشاب: (يتحدث بصوت منخفض) يا لوقاحة أطفال هذا الوقت!! (يحاول الاستفسار) إلى أين أنت ذاهب أيها الشاب الصغير في هذه الساعة المتأخرة من الليل وأنت ترتدي ثياب المدرسة! وأيضا كان عليك أن تنتبه أنت أولا لأنك أنت من يمشي إلى الخلف ولست أنا !!
الطفل: (ينظر إليه بريبة ) أمي قالت أن لا أتحدث مع الغرباء ولكنك لست غريبا فقط و أنما أبله.
الشاب: (يمتعض) ألم تخبرك أمك أن تحترم الكبير قليلا .
الطفل : ليس علي أن أحترم المجانين أمثالك .
الشاب: (بغضب) أيها الصغير هل تحاول أن تتذاكى !!
الطفل : أغرب عن وجهي أيها الأبله ستغلق المدرسة بعد ثوان .
الشاب : من الأبله فينا الآن !! وهل هنالك مدرسة تفتح في الساعة الثامنة ليلا !!
الطفل: (يضحك بصوت عال ويعود إلى الوراء) ليلا !! أحمق ( ويخرج لسانه من فمه لإغاظته )
الشاب : ذلك الطفل المشاغب, هذا الجيل غريب حقا (يرى جميع اللوحات التى على الجدران قد علقت بالمقلوب،يضحك بهسترية) والآن ماذا!! حتى الجدران هنا تبدو لي مائلة! أحقا ما تراه عيني؟ لوحة تعلق بالمقلوب؟ (يحاول قلب رأسه أيضا) حمدا لله لا أستطيع قلب رأسي كما فعل هؤلاء هنا, رأسي ما زال على فطرته في الإتجاه الصح (يضع يده على ذقنه وينظر مطولا إلى الحائط) ربما كان من علق هذه اللوحات مريضا أو كان الظلام حالكا، فلم يستطع أن يرى شيئا هذا ما أرجوه بالطبع, كان عليهم أن يعلموهم في المدارس أن من يعمل عملا عليه أن يتقنه ولو قليلا (يحاول قلب أحد اللوحات ولكن لا يستطيع ) هل قام ذلك الغبي بلصقها على الحائط !! (يحاول أن يحركها ولكن لا جدوى , يسمع صوتا يصرخ به )
صوت اللوحة : دعني وشأني أرجوك .
الشاب : من أنت ؟
صوت اللوحة : أنا اللوحة .
الشاب: (يضحك) يا إلهي!! رأسي بدأ يؤلمني حقا (يطرق على جبهته ويتأفف ) كفى خيالا يا هذا، كفى، تلك الساعة على حق، سأجن إن بقيت هنا في هذه الأرض الملعونة .
صوت غليظ: (من تحته يناديه) أنتم الملعونون, وكم أتوق إلى اليوم الذي ترجعون فيه إلي, الملعون هنا, هو أنتم, نعم أنتم, أما أنا فأتطلع لأن أبتلعكم وأقلب هذا الطين الذي تمشون عليه إلى جحيم لست بحاجة الماء بعد اليوم، أنا بحاجة إلى الجحيم لأحرق جذوركم عن بكرة أبيكم .
الشاب: (يرقد على الأرض ويضع أذنه ويمسح بيده عليها) لا أعلم إن كان هذا الصوت حقا جاء من هنا، أم إنني أحلم كما هي العادة في هذه المدينة الغريبة، ولكني أستميحك عذرا لم أكن أقصد أن أجرحك .
الأرض: بشري يمتلك قلبا كبيرا, عجبا عجبا, يبدو إنَّ الساعة قد اقتربت.
الشاب : أتسمعين نبضي ؟
الأرض : بالطبع , فأنت تحتضني كما يحتضن الطفل أمه .
الشاب : أيستحق هذا النبض أن يسعد ويعيش ؟
الأرض : ربما .
الشاب : أنا إنسان يحاول .
الأرض: ( تهزأ به ) أعلم أنك إنسان ولست قردا .
الشاب: ( يقفز من مكانه ) للأرض روح مرحة .
الأرض: ( يتردد الصوت ويضعف شيئا فشيئا ) أخرج من هنا, أخرج من هنا وسترى النور .
الشاب: ولكني لا أرى سبيلا للخروج ( يحاول مجددا مع اللوحة ) .
صوت اللوحة: (تصرخ فيه ممتعضة) لا تحاول لمسي مجددا أيها الغريب.
الشاب : وهل يروقك أن تبقي معلقة هكذا !
صوت اللوحة : يعجبهم منظري هكذا لذا دعك مني، وعليك أنت أيضا أن تعجب بي كما أنا .
الشاب: (يمازحها) لست امرأة لأعجب بك كما أنت, فأنت تذكرينني كثيرا بالذين صلبوا بالمقلوب.
صوت اللوحة: هه تعجبني فكرة الصلب على الأقل لن أضطر إلى أن مجاراة هؤلاء الحمقى هنا، لذى أيها الغريب عليك أن تجاري الرياح فقط حتى تصل إلى الساحل بسلام, إن لم تفعل ستلتهمك الأمواج ولن يبقى لك حتى تمثال يذكرنا بك .
الشاب : أجاري الرياح ؟؟
صوت اللوحة : نعم , نعم لا تحاول أن تقلب الموازين نحن تعودنا أن نرى الأشياء بصورة صحيحة .
الشاب : تقصدين بصورة عكسية.
صوت اللوحة : لا يهم أننا على يقين دوما.
الشاب : من قال هذا ؟
صوت اللوحة : هم .
الشاب : من هم ؟؟
صمت …..
الشاب: لم لا تجيبينني!! هل أكل القط لسانك؟ هيا تكلمي, أنطقي, من هم!! من يحاول أن يستعبدكم هنا؟ (لا أحد يجيب, يمشي الشاب وهو ينظر إلى اللوحة ويترك محاولة تعديلها كما يجب) أوليس الإنسان حرا كما قال لي أبي يوما!! هل كان أبي مخطئا؟ لكنهم ليسوا بشرا هم جمادات, أتساءل ما هذه القوة الخفية, أين هي تلك العين؟ أنا على يقين إنها تراقبني من بعيد تحاول تشتيتي بهذا الهراء الذي أتعثر به كلما حاولت التقدم أكثر, ليت هذا السلم ينتهي (يرى أحدهم يفتح باب المنزل يهم بالخروج, يركض باتجاهه)سيدي , سيدي لو سمحت .
الرجل : أهلا بني
الشاب : سيدي هل لك أن تخبرني ماذا يحدث هنا؟؟
الرجل: (بقلق وخوف) هنا !! (ينظر يمينا وشمالا) أين ! أين ؟
الشاب: (يبتسم) يا لظرافة هذه المدينة!! هه !الجميع خائف حتى من خياله (يهمس لنفسه) أقصد في هذه البلدة، وليس على جانبك أيها السيد المحترم؟
الرجل: ( يتحدث بغرابة) لم أفهم إلى ماذا ترمي؟
الشاب: ألا ترى أن الجميع يمشي إلى الخلف ؟
الرجل: هذا طبيعي !! ما الغريب في الأمر ؟
الشاب: طبيعي ؟؟
الرجل: وهل هذه أعجوبة, يا إلهي!! أنتم الشباب عندما تكبرون تبدؤون بالتساؤل عن أمور ليست من شأنكم؟ لقد كنا نفعل ما يقال لنا بلا سؤال أما أنتم !! أه جيل فاسد .
الشاب: سيدي هل أنت أعمى !!
الرجل: (يخرج عصاه من جانبه ويحاول ضرب الشاب) أغرب عن وجهي أيها المحتال، هل تقلل أدبك مع من هم أكبر سنا منك أقترب إلي هنا.
الشاب: (يحاول أن يتفادى الضربة بحركات شبه بهلوانية)سيدي لم أقصد الإساءة لك، ولكن ألا ترى أن الجميع يعود إلى الخلف وحتى عقارب الساعة تعمل بالمقلوب .
الرجل : يسمى شقلوب وليس مقلوب .
الشاب : أتفهم أنَّ أسنانك لم تعد موجودة ولكنها مقلوب وليس شقلوب !!
الرجل: (يحاول ضرب الشاب مجددا) هل تحاول أن تعلمني الكلام أيها الساذج الصغير .
الشاب : عفوا سيدي ولكني أحاول الفهم.
الرجل : دعني أسدي لك نصيحة لا تحاول أن تفهم أبدا,ستتألم ليس إلا, أفعل كما يفعل الجميع .
الشاب : أتعني أن أصبح أحمقا منقادا كما يقود الراعي قطيعه !!
الرجل: (بغضب) هل تحاول القول بأنني خروف !!
الشاب: (يهزا به) لا لا سيدي أنت مختلف تماما عن الجميع، إنك رجل حكيم، ومن المؤكد أن الجميع يهاب عصاك أقصد يهابك طبعا.
الرجل: (يتباهى) نعم إنَّ الجميع يهابني هنا حتى أنهم قد أخبروني ذات ليلة بان أحكم البلدة، ولكني رفضت لكثرة انشغالي بالتقدم نحو الأمام .
الشاب: (يهزأ ويهمس) لا أستطيع أن أراك حاكما حتى في مخيلتي .
الرجل : ماذا قلت أيها الصغير !
الشاب : لا شيء سيدي لا شيء سعدت بلقائك غير المفيد .
الرجل : إذن أبتعد عني ، ودعني أخرج إلى الشارع (يعود إلى داخل البيت ويحاول أغلاق الباب )
الشاب : ولكن سيدي، إنك تدخل المنزل !!
السيد : أيها الغبي إنني ذاهب إلى الشارع من أين تحل علي هذه المصائب، لم يبق إلا الاغبياء لكي أستمع إليهم (يغلق الباب من خلفه ) …
الشاب: ولكن! هل هو حقا في وعيه! (يضحك) هل هذه نكتة أم ماذا؟ أووووه كيف وصلت هنا؟! (ينظر إلى الزاوية فيرى أحدهم يحاول لبس حذائه ولكن بالمقلوب !!)
الشاب : أيها السيد ، إنك تلبس حذاءك بالمقلوب هل أساعدك ؟
الرجل: (ينظر اليه بغرابة) تساعدني ؟؟ هل أنا اعمى أم طفل صغير لكي تقوم بمساعدتي ؟
الشاب : أقصد أنك لا تلبسه بالطريقة الصحيحة .
الرجل : وهل ألبسه في رأسي!! هل هنالك طريقة أخرى للبس الحذاء أيها الساذج .
الشاب: (يهمس) لو أنك ترتديه على رأسك لم أكن لأستغرب هكذا.
الرجل : ماذا قلت ؟؟
الشاب: لا شيء سيدي ولكن الطريقة الصحيحة هي هذه (يخلع حذاءه ويرتديه أمامه)
الرجل: غبي وهل بقي أحد يرتدي الحذاء بهذه الطريقة الساذجة، إنها قديمة الطراز أولا، وثانيا باتت لا تناسب عصرنا عليك تغييرها قبل أن يهزأ بك جميع أهل البلدة .
الشاب : ما مشكلتكم أيها القوم !!
الرجل: (يرتدي حذاءه بالمقلوب, يضع قدمه خلف الحذاء ويربطها برباط ويقوم لكي يرجع الى الوراء) ما مشكلتك أنت أيها الصبي هل أنت مستجد!!
الشاب : سأجن ..
الرجل: (يضحك) ستصاب به قريبا إن بقيت ترتدي حذاءك هكذا, أنصحك نصيحة أفعل كما فعلت، سيحترمك الجميع ويهابك .
الشاب: (يصرخ قائلا) تبا لكم إن كان الأمر هكذا، سأزحف كما الأفعى ولكن إلى الوراء .
الرجل: (يرفع كتفيه وينظر إليه ويقول) مخبول (ويكمل طريقه إلى الوراء بحذائه المقلوب )
(أحدهم يرتدي ملابس مهندمة وقبعة ويبدو ذا مرتبة علمية يستند على الحائط وبيده كتاب لكنه بالمقلوب ويبدو منهمكا بالقراءة يمر بجانبه الشاب ينظر إليه ويدور حوله وهو مندهش !! )
الشاب: (بخيبة أمل) هل, هل لي بسؤالك عن شيء؟
الرجل: (يغلق الكتاب بقوة ويرد ببرود) يجب أن يكون سؤالا يستحق إضاعة وقتي .
الشاب : امم !! هل كنت تقرأ حقا أم أنك تتظاهر ؟
الرجل: (بغضب) أتظاهر ؟؟
الشاب: (يتراجع إلى الوراء) أقصد أنك كنت تمسك الكتاب بالمقلوب لم تكن تمسكه …
الرجل : هه !! أيعلمني قذر صغير مثلك كيف أقرأ ؟؟ وكيف تمسك الكتب (يقوم بدفعه بيده ) .
الشاب: (يحاول تبرير موقفه) هل أستطيع أن أريك كيف يمسك الكتاب!
الرجل: من أنت لكي تريني أيها الأحمق!! (يقوم بدفعه مرة أخرى بقوة فيسقط الشاب) هل يعلمنا أمثالك كيف نمسك الكتب! أمثالك لا يحق لهم حتى الوقوف معنا, نحن فقط من نستطيع الكلام هنا والأمر والنهي, لستم إلا شرذمة تسمى الشباب تدعون المعرفة وتحاولون التغيير و الإصلاح (يضحك) التغيير والإصلاح كم تستفزني مثل هذه الكلمات ولو كان بيدي لقطعت لسان كل من ينادي بها, أنتم لا تعلمون شيئا نحن نحاول جاهدين نحاول بكامل قوانا ..
الشاب: (يقف غاضبا ويسخر) لو أنك أمسكته بالشكل الصحيح لأخرجك قليلا عن المألوف هنا في هذه البلدة الغبية، ولكنكم جميعا مسيرون إلى الخلف, أتخافون الإصلاح والتغيير كيف ستتخلصون من أمثالي؟ نحن كثيرون, كثيرون للغاية, أمثالي لا يملون، ولا يخافون أبدا حتى وأن دفنوا أحياء, ينادون حي على الصلاح ما دام هذا ينبض هنا (يشير إلى قلبه)
الرجل: ( يضطرب) ممماذا تقصد !
الشاب: (يهم بالرحيل) لا فرق بينك وبينهم، إنك تشبههم تماما تشبهون الكلمات التي تخلت عنها النقط ..
(في هذه الاثناء يدخل أحدهم يرتدي رداء عامل النظافة وعلى ظهره كيس من القمامة ,, يخرج القمامة من بطن الكيس ويرميها على الأرض )
الشاب: (ينظر إليه) والآن ماذا تحاول أن تفعل أنت؟
الرجل: هل تكلمني ؟
الشاب : ليس هنالك أحد غيرك يرمي القمامة على الأرض .
الرجل : أرميها !!
الشاب : لا تقل لي إنك أيضا …
الرجل : أيها السيد إنك تقوم بتعطيلي عن مهامي اليومية, أنا اقوم بالتنظيف ها هنا، وأنت تعرقلني بحديثك الساذج .
الشاب : هه !! أعرقلك؟ تنظف؟
الرجل : يبدو أنك غريب عن بلدتنا .
الشاب : ولكني بشر مثلكم .
الرجل : لا يهم أنت غريب لذا لن تفهم القوانين (يهمس له) من يدخل هنا عليه أن يفعل كما يفعل الجميع .
الشاب : هل هي لعنة ما؟ أم أنكم ربما … مبرمجون كما الحواسيب !!
الرجل: (ينظر إليه بغرابة) الآن علمت لم قالوا لنا ليس علينا الاستماع إلى من يتحدثون بأشياء غريبة ويطرحون الكثير من الأسئلة (يكمل عمله ويهم بالرحيل )
الشاب: (يضحك بهستيرية ممسكا برأسه)
(يمر أحدهم يمسك بقنينة المياه ويحاول الشرب منه ولكنه يفتحها بالعكس ويبدأ الماء بالتساقط ولا يستطيع أن يرتشف رشفة واحدة )
الشاب: (يضحك) ماذا سأرى بعد !! قنينة تفتح من الأسفل (يركض ناحية الرجل ويمسكه ) أخبرني أيها السيد كيف ستشرب الماء إن كان الماء يتساقط من الأسفل، وانت لا ترتشف قطرة واحدة !!
الرجل: (يبتعد عنه) ماذا ؟؟ من أنت !
الشاب : أنا المختلف بينكم أو دعني أقول أنا مخبول هذه البلدة .
الرجل : نعم هذا ما يبدو عليك ، ولكني سأحدثك على قدر عقلك .
الشاب : نعم حدثني على قدر عقلي .
الرجل : والآن أين هو سؤالك !
الشاب : لم ترتشف المياه بطريقة عكسية ؟ حتى أنك لا تحصل على قطرة واحدة ؟؟
الرجل: هل أنت أعمى؟ من كثرة الماء الذي شربته أحاول العثور على حمام.أين الحمام!! (يحاول إيجاد حمام لكي يذهب اليه ..يرجع إلى الوراء بطريقة سريعة والماء يتساقط من أسفل القنينة) .
الشاب: قد حجب النور عن تلك العقول لن يروا النور مجددا, تلك القلوب التي في الصدور لن تستيقظ إن لم أصرخ وأزلزل الأرض بصوتي الحر !! (يمسك برأسه ويجلس على الأرض يحاول الصراخ) استيقظوا, استيقظوا, كفى سباتا بالله عليكم, ما بالكم ترجعون إلى الوراء هل نسيتم كيف تتقدمون إلى الامام!! (ينظر فوقه) ربما كانوا دمى؟؟ هل هم حقيقيون حتى! كان علي أن أحاول قرصهم لكي أتأكد إنَّ كانوا بشرا حقيقيين، ربما كانوا دمى محشوة بالقطن يستطيعون الكلام ولكن لا يتحكمون بمسيرهم نعم, نعم إنهم دمى، هناك من يمسك بالخيوط من فوقهم أين أنت!! يا من تمسك بهم!! أخرج نفسك و إلا قتلتك هيا أرني وجهك ما هذه البلدة !! لم الجميع يمشي إلى الخلف !هيا عليك الظهور
صوت من بعيد: تجمعوا .. تجمعوا ..
(يرجع الجميع إلى الوراء ويداس الشاب تحت الأقدام ، يتكور على خشبة المسرح وهو يتأوه)
الشاب: عذرا, عذرا لم أقصد إزعاجك يا من تتحكم بدُماك، إن كانت الحقيقة هكذا مؤلمة فهيا اربطني بحبالك وتحكم بي مثلهم إن كان بمقدورك ذلك، آآآ ظهري, آه يدي، يبدو أن يدي قد كسرت, آه..هي.. أين أنت أخرج و أربطني معهم..أنا هنا أسير في كل اتجاه.. و سأبقى أغيظك.. كسرت يدي ولكن لن تكسر بوصلتي, يبدو أنك لا تستطيع إظهار نفسك, لديك حل واحد عليك أن تكلمني, هيا دعنا نتكلم رجلا لرجل؟ هل أنت خائف مني؟ لن أعضك يا رجل (صمت …….يتجه للناس ) … أرأيتم من تتبعون؟ ليس هناك أحد! لو كان هناك أحد حقا لزهقت روحي منذ وقت طويل, أنتم أعداء أنفسكم, لم يخبركم أحد أن تسيروا إلى الخلف إنه الخوف والوهم ليس إلا من حاكم هذه البلدة؟؟ من؟ إن كان يجرؤ أن يواجه رجلا خلق حرا, رجل خلق بأجنحة, رجل قد كرمه الله بعقله وقلبه, إن كان يجرؤ فقط فليخرج ويتحكم بي, ما بالكم يا قوم سبيلكم هناك, والنور هناك, تمسكوا به, ضعوا أيديكم معا وتمسكوا بذلك السلام تلك الابواب قد فتحت من أجلكم أنتم فقط، أقطعوا تلك الخيوط التي تربطكم و تقدموا، هيا تقدموا معي، أمسكوا جميعا بيدي وأخرجوا من هنا ( يمد يده لهم ولكن لا يستجيب أحد يتركه الجميع ويغادرون يبقى وحيدا في منتصف المسرح ) بالله عليكم عودوا سيفوت الأوان قريبا ولن ينفع الندم (يجلس في المنتصف واضعا رأسه بين ركبتيه) أنا الوحيد من يعرف الطريق جيدا, أنا الوحيد من يتقدم إلى الأمام وكأنني الخاسر الأكبر هنا ..
ستـــــــــــــــــــار