المجاملات لا تبني المهرجانات… المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج مثالًا…/ حسن خيون
إن اللقاءات التي تتحقق في المهرجانات، بالنسبة لنا نحن المسرحيون الذين نتحرك بدافع الحلم، والأفكار الطليعية والمشاريع الطموحة، ليست تجمعات عابرة، ولا يجب أن تكون هكذا ، بل هي قائمة أساسا على فكرة التبادل الثقافي الذي يظهر من خلال وجود الفنانين الفاعل، إذْ يحرص الجميع على تقديم العروض التي تنطوي على رؤى جمالية جديدة، او تأطير ورشة لطلبة المسرح من اجل نقل خبرات الى الآخرين، او تقديم ورقة بحثية هي مساحة للنقاش، او تنظيم لقاءات ثنائية او جماعية من اجل تسويق المنتج الفني وعقد شراكات، كذلك، من اجل التعرف على الشخصيات المتنوعة القادرة على خلق نوع من التنوع في طرق الاشتغال، داخل اللقاء الواقعي والذي يقرب وجهات النظر بخصوص اهداف تتعلق كلها في خلق منطقة متوهجة يندفع فيها المسرح الى الأمام.
ومن ناحية اخرى، تشكل المهرجانات عرسا، يُحتفى فيه برموز المسرح العربي ، وُيكرم فيه اساتذة وفنانين لديهم أثر وبصمة على الخشبة، ساهموا في تعميق التصورات الجمالية وقدموا كل شيء من اجل الفن، هذه الاسماء التي لم تجامل على حساب القيم الانسانية الرفيعة التي ينطوي عليها المسرح، باعتباره ظاهرة اجتماعية وانسانية لا يجب أن يتوقف او يتراجع عن أهدافه الاخلاقية الكبرى كونه صوت الناس ونافذة الجمال، نحن نلتقي ونتبادل التجارب حتى لا نصاب نحن المشتغلون في هذه المنطقة بالخيبة، لا نريد أن نشهد الوقت الذي ينطفئ فيه ضوء الخشبة، لنجد انفسنا في النهاية داخل العتمة.
أيها الأصدقاء والاساتذة، لا جديد في ما أقول، لكني أكرر رغم ذلك أن المهرجانات المسرحية هي لقاء يقوم اصلا على فعالية الوجود الانساني، الحضور المثمر، بل هي منصة تلتقي فيها الأفكار والمنجزات، وهي قارورة تمتزج فيها الألوان، لكي نحصل على نتائج هي أهداف في رأس كل منا، اشياء تتعلق بحلمنا في بناء مسرح عربي متقدم، يتجاوز في تصوراته الفنية والفكرية الحدود المحلية، بعيدا عن اساليب التزلف والوعود الكاذبة التي لا نتائج لها سوى الخيبة.
لقد كنتُ متحمساً للمشاركة في المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج، سعيدا بالدعوة التي تلقيتها من قبل إدارة المهرجان لتحقيق ورشة ( المساحة المسرحية الفارغة) والموجهة لطلبة المعهد العالي للفن المسرحي في تونس “العاصمة ” وطلبة المعهد العالي للمسرح والموسيقى في الكاف. هذا هو الاتفاق مع إدارة المهرجان، لكن الاتفاق مع الاسف لم يتحقق، أستبدل بأمر آخر لاعلاقة له بما قررنا تقديمه، لاعلاقة له بالورشة واهدافها. وبقرار شخصي الغيت الورشة، إذْ لا يمكنني العمل في جو من الارباك وانعدام الوضوح، وسوء التواصل مع الهيئة المنظمة للمهرجان.
لكني ورغم ذلك، أرجو من إدارة مهرجان قرطاج الدولي للموندراما، إعادة النظر فيما يتعلق بالأمور الفنية واللوجستية والتنظيمية، والتركيز على حفل افتتاح مُنظم و مُبهر يحقق لنا الدهشة الجمالية، ومنهاج في كُتيب صغير وأنيق وصولا الى الختام الذي يجب أن يكون مسكا. هذه هي المعطيات التي يجب أن تهتم بها ادارة أي مهرجان لديه رسالة فكرية وجمالية. مهرجان لا يضيع فيه الجهد والاموال، ولا يحقق نتيجة مفرحة.
أيها الأصدقاء والأساتذة، اعتقد أن المسرح العربي مسؤوليتنا جميعا، والحفاظ على صورته لا تصنعها المجاملات، بل النقد حتى ولو كان قاسيا، هذه هي رؤيتي، متمنيا من إدارة هذا المهرجان سعة الصدر لتلقي هذه الافكار باعتبارها من اجل البناء وليس للهدم.
* حسن خيون / مخرج مسرحي معاصر (عراقي / بلجيكا )
رئيس ومؤسس فرقة الفضاء الواحد One Space / مملكة بلجيكا