بالامارات: كلمة الأمين العام / رئيس مجلس الأمناء في افتتاح أعمال اجتماع مجلس الأمناء
“صباحُكُم مسرحٌ كما هي صباحَاتُكُم سَعيٌ في دروبِه، ونَقشٌ على صَفَحاتِه، وحَفْرٌ في سراديبِه، وزرعٌ في حُقولِه، وقِطافُ عناقيدِه، واعتصارُ إكسيرِه، أكسيرِ روحِهِ وسِرِهِ، إكسيرِ النهوضِ والصعودِ والخلودِ.
أهلاً بكم سادةَ الإبداعِ والعطاءِ كلٌ في مجالِهِ وتَخصصِهِ، أهلاً بكم في اجتماعِكم الأول، أهلاً بكم ونحنُ كما كلُ المسرحيينَ العرب، نَنظرُ إليكم بِعَينِ التقديرِ وننتظرُ مِنكُمُ الكثيرَ من المشورةِ والاستشارةِ وإنارةِ السُبلِ التي تَمضي بِنا إلى الأمام.
أهلا بكم في شارقةِ الثقافةِ والمسرحِ والإبداعِ، شارقةِ سلطان، ولَعَمرَيّ فَليسَ مِن بابِ الصدفةِ أنها شارقةٌ، وأن الشمسَ أولَ ما تبزغُ على أوطانِنا فإنها تحبو على شواطئها.
واسمحوا لي بدايةً سادتي أن أنقلَ لكمْ تحياتِ صاحبِ السموِ الشيخِ الدكتورِ سلطان بن محمد القاسمي، عضوِ المجلسِ الأعلى للاتحادِ، حاكمِ الشارقةَ، الرئيسِ الأعلى للهيئةِ العربيةِ للمسرح، والذي يتابعُ بالتفصيلِ كل الاستعداداتِ التي تمت لعقدِ اجتماعِكم هذا، وسيتابع بكلِ تأكيدٍ كلَ تفاصيلِه، وإننا نعتزُ بعملنا الذي يستمدُ روحَهُ مِن رؤى هذا الرجلِ الذي قالَ في رسالةِ اليوم العالميِ للمسرحِ عامَ 2007 “نحن كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة” وتلك المقولةَ التي اختزلتْ دستورَ المسرحِ حين قال في ختام رسالةِ اليومِ العربيِ للمسرحِ عام 2014 “فيا أهل المسرح، تعالَوا معنا، لنجعلَ المسرح مدرسة للأخلاق والحرية”.
كما أتوجَه باسمي وباسم الأمانة العامة للهيئة بجزيلِ الشكرِ ووافرِ التقديرِ لموافقتِكم الكريمةِ على عضويةِ مَجلسِ الأمناءِ في الهيئة للفترة من 2023 إلى 2025، ولَعمري أنكم بكرمِ موافقَتِكُم قد أظهرتُم نبلاً نُسَجِلُه بأحرفِ الاعتزازِ، فالعملُ بروحِ التعاونِ لهوَ أسمى ما يمكنُ أن يفعلَه الإنسان، حيثُ أن رؤاكم وآراءَكم ستكونُ مشاعلَ على دروبٍ سوفَ تسري فيها أحلامُ المسرحيينَ المريدينَ السالكينَ دروبَه حتى الوصلِ والوصولِ.
أيها السادةُ الأجلاءُ، على مدى سنواتِ عمرِ الهيئةِ تَوَسَلَتْ وجودَ الشخصياتِ القادرةِ على صُنعِ الفارقةِ في مساراتِها، لأنَ الهيئةَ كانتْ وما زالت أكبرَ مِن مجردِ مؤسسةٍ تعملُ بذاتِها ولذاتِها، إنها بيتٌ للمسرحيينَ العربِ، وهذا ليسَ كلاماً إنشائياً نَقُولُه لِنرضيَ صاحبَ الفضلِ والفكرةِ الذي أرادها كذلكَ مُنذ النَشأة، ولا نقولُه لِنوْهِمَ المسرحيينَ العرب، إن الهيئةَ في واقعِ الحالِ قد أصبحتْ رُكناً مهماً من أركان حياةِ المسرحيينَ أفراداً ومؤسساتٍ أهليةً ورسمية، وقد جاء هذا نتاجاً لمسائلَ من أهمِها:
- وقفت الهيئة على مسافةٍ واحدةٍ من كلِ المسرحيينَ والمؤسساتِ المعنيةِ بالمسرح.
- لم تطرحْ الهيئةُ نفسها بديلاً لا للأفراد ولا للجماعات ولا للمؤسسات، بل طرحتْ نفسَها سنداً وصديقا.
- توجهت الهيئةُ لكلِ أطرافِ المسرحِ في الوطنِ العربيِ الممتدِ من الماءِ إلى الماء، وأولتْ أهميةً للاستنباتِ والاستنهاضِ ولم توليِ التضخيمَ والتفخيمَ أهميةً، بلْ آمنتْ وعملتْ على أن ما ينفعُ الناسَ يمكثُ في الأرض.
- لم تبنِ الهيئةُ فعلَها وَفْقَ أيةِ أجنداتٍ سياسيةٍ أو شخصيةٍ، حيث أن هذه الركيزةَ كانت منْ أهمِ توجيهاتِ صاحبِ السموِ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، فنزعتْ الأهواءَ، ووسعتْ رقعةَ التفاعلِ مع المسرحيين، ولا أدلَ على ذلكَ من مشاركة أكثر من 300 مسرحيٍ في وضعِ الاستراتيجيةِ العربيةِ للتنميةِ المسرحيةِ التي تم العمل عليها عامي 2011 و2012، وحوالي مائتين من المسرحيينَ عملوا على استراتيجيةِ تنميةِ المسرحِ المدرسيِ التي تمَ العملُ عليها 2014 و2015.
- عملت الأمانةُ العامةُ على وضعِ الأفكارِ والاستشاراتِ التي أفرزَها مئاتُ المسرحيينَ موضعَ الاحترامِ ولمْ تهملْ مقترحاً، بل وأكثرَ من ذلكَ ويعرفُ من عَمِلَ في لِجانِ التحكيمِ في مُسابقاتِها أن ملاحظاتِهم ومقترحاتِهم كانت موضعَ الاهتمامِ والتنفيذ.
- احتمتْ الهيئةُ بالأفكارِ والأرواحِ الإيجابيةِ، فوجودُ مجالسِ الأمناءِ الُمتعاقبَةِ وضعَ العملَ في سياقِ الحمايةِ الاستشاريةِ الدائمةِ من قبلِ قاماتٍ نحترمُها ونوجِه اليومَ لها التحيةَ على ما قدمت، ولولا تلكَ الرؤى والجهودِ، ما كانت هذه اللحظةُ التي نعيشها الآن والمتوجَةُ بوجودِكم في هذا المجلس.
- وقفتْ الأمانةُ العامةُ دوماً من عملِها بمختلفِ جوانِبِهِ مَوقفاً نَقدياً ذاتياً وموضوعياً، ولم تَخدعْ نفسَها يَوماً بإحالَةِ أيِ خللٍ على الغير، بل كانت تُعالِجٌ الأسبابَ قبلَ النتائِج، وتَعملُ بصرامَةٍ وجَديَةٍ وشفافيةٍ ووضوحٍ على المعالجةِ، تُثَمِنُ الأمرَ بما يستحقُه، وتقيّمُ الأمورَ بواقعيةٍ، وترى الأشخاصَ والمؤسساتِ بعينِ المحايدِ الفاحصِ، ولمْ تكُ يوماً ردَ فعلٍ على أحدٍ أو أمرٍ، بلْ آثرتْ دَوماً أنْ تكونَ صانعةً للفعلِ، صانعةً للفارقة.
- اكتسبتْ ثقةَ صاحبِ السموِ الشيخِ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي من خلالِ الشفافيةِ والصدقِ والوضوحِ، فلا تَعْجَبوا حين تعلمون بأننا نَضَعُ الَمقالاتِ المنتقدةَ للهيئةِ في مقدمةِ التقاريرِ التي نرفَعُها إليه.
وقد توّج سموُه هذه الثقةَ بتشكيلِ مجلسِ أمناءٍ موسع، وأعني مجلسَكُم الكريم، الذي سيكون عوناً كبيراً للأمانةِ العامةِ، ولا يفوتني ذِكر أنَ تخفيضَ مدةِ عضويةِ المجلسِ أيضاً قدْ جاءَ من أجلِ ترشيقِ المجلسِ والحفاظِ على حيويتِه، وإن كنتمْ في هذه الدورةِ تسعةَ عشر فإنَ الأمرَ منفتحٌ على الزيادةِ أو النقصانِ وفقاً لتقييمِ التجربة.
إن الصفةَ الاستشاريةَ التي يتمتعُ بها مجلِسُكم الكريم، لا تنفي أن تتم الاستفادةُ المباشرةُ من قُدراتِكم ومَعارِفِكم كأشخاصٍ في شؤونِ عملٍ ستقتضيها برامجُ عملِنا المستقبلية، فأنتمْ جميعاً كنتمْ شركاءَ في فعالياتِ الهيئةِ على مدى السنوات السابقةِ كلٌ في مجالِه، وَوَفْقَ ما يمثلُه في مَسارِ إبداعِه، كُنتم في لِجان التخطيطِ ولكمْ منشوراتٌ ضِمنَ مَنشوراتِ الهيئة، وكنتم في لجانِ التحكيم، ومَثلتُم الهيئةَ خيرَ تمثيل.
لذا فسيكونُ من نافلِ القولِ إنكم هنا بِعضويتِكم في هذا المجلس تمثلون ذواتكم الُمقَدَرَةَ، وقدْ تَمَ اختيارُكم وَفْقَ مَكَانَتِكُم، لذا فأنتم في مجلِسِكُم الكريمِ تمثلونَ المسرحيينَ العربَ كافةً، وتُمثلونَ نَوافذَ مُسْتقبلِهِ في كلِ بُقْعَةٍ من بِقَاعِهِ، فَمَرحَباَ بِكًمْ (أمناءَ مُستشارينَ لأمةِ المسرحيينَ العربَ في الوطنِ العربيِ وخارجِه).
الزملاء الأكارمُ أعضاءَ مجلسِ الأمناء
- عملتْ الهيئةُ وبوعيٍ تامٍ على تفعيلِ المحتوى المسرحيِ عَبرَ مَنصاتِ التواصلِ الاجتماعيِ (سوشال ميديا) وأثْرَتْ وَغَيَرَتْ وَطَورت اهتمامَ المسرحيينَ بِذلك، لكنها ظلتْ مُدركةً أنها مؤسسةٌ واقعيةٌ، وليستْ مُؤسَسَة افتراضيةً ليس لها مكانٌ سوى صفحاتِ التواصلِ الاجتماعي، لذلكَ تنأى الهيئةُ بنفسِها عن المدحِ أو القدحِ عبر هذه القنواتِ، وتستثمرُها فقط لنشرِ الخبرِ اليقينِ والمعرفةِ الرصينةِ التي يَلزَم تعميمُها، بعيدةً عن الإثارةِ والثاراتِ، بعيدةً عن المزايداتِ.
- نظمتْ الهيئةُ عملَها بمراعاةِ التوثيقِ وحِفظِ الحُقوقِ للأفرادِ وللمؤسساتِ على حد سواء.
- عملتْ الهيئةُ على أن يكونَ لكلِ الأطيافِ العاملةِ بالمسرحِ العربيِ حضورهَا وفقَ معاييرِ الجودةِ والإتقانِ وخدمةِ التوجهاتِ البناءةِ والبعدِ عن الذاتيةِ والفئويةِ والطائفيةِ بكلِ تفاصيلها، وذلكَ من منظورٍ حضاريٍ إنسانيِ النزعةِ والثوابتِ، وهو منظورٌ ينسجمُ معَ روحِ ثقافَتِنا وحضارتِنا، دونَ تزمتٍ ودونَ إنكار.
أيها الزملاءُ الأكارم
لمْ يكنْ الدربُ مفروشاً بالورودِ والأزاهيرِ في عَملِنا مَنذ انطلاقِ الهيئةِ، ومِنكم هُنا من كان شريكاً في جُهودِ ما قبل التأسيسِ عامَ 2007 حتى لحظةِ التأسيس الرسميِ في 10 يناير 2008، ومنذ تلك اللحظةِ آلتْ الهيئةُ على نفسِها أن تكونَ رحبَة الميدانِ، تهتمُ بالعملِ الذي يؤثرُ ويغيرُ، دون السقوطِ في فخِ الشكلانيةِ الذي يمكنُ أنْ يكونَ مثيراً للانتباهِ أكثرَ من تدريبِ شابٍ في موريتانيا أو طفلةٍ في فِلسطينَ والذي نراهُ أثمنَ بكثيرٍ مادياً ومعنوياً.
أردناها للجميع، دون تمييز، وللأكثرِ احتياجاً، لندفعَ المشهدَ المسرحيَ العربيَ للتوازنِ، فَمِنَ الجميلِ أنْ نساهِمَ في نهوضِ مسارحَ عربيةٍ من نومِها، أو استنباتها في مِكان، أو المساهمةَ في إحيائِها في مكان آخر، لتلتحقَ بمسارحَ عربيةٍ تقدمتْ في التجربَةِ والمستوى، و ها نحن في هذه الأيام، نستعدُ لانطلاقِ مشروعِ تنميةِ المسرحِ في جيبوتي والصومال، من خِلالِ تأهيلِ فريقين محوريين من مسرحيي البلدين، بدورةٍ لمدةِ شهرٍ في جيبوتي، خلالَ يوليو القادم، كما قُمنا مُؤخراً بربطِ التواصلِ الذي بدأناهُ عام 2009 مع جُزر القُمر من أجلِ مسرحِ عربيٍ في ذلكَ البلدِ العربيِ، ونأملُ أن يكونَ فنانو جيبوتي والصومال وجزر القُمر إلى جانبِ أقرانِهمُ العَربِ في الأحداثِ المسرحيةِ العربيةِ قريباً.
نعلمُ علمً اليقينِ وبالتجربةِ على أرضِ الواقعِ الخصوصياتِ الثقافيةِ والقانونيةِ لكلِ بلد، ونحترم ذلك، ونتفهمُ ذلك، وسنظلُ على الدوامِ جاهزينَ للتعاملِ الإيجابيِ معْ كلِ المعطياتِ لنتجاوزَ الواقعَ للمأمولِ، فما يَهُمُنا هوَ أن ينهضَ المسرحُ، أنْ يَتَفَعَلَ كرافعةٍ تنمويةٍ وطنيةٍ في كلِ شبرٍ من وطننا الكبير.
لقد عملتْ الهيئةُ والتي تتلقى تمويلَها فقط من عَطَاءِ صاحِبِ السمو وضمنَ خُططٍ وميزانياتٍ مضبوطةٍ ورقابةٍ ماليةٍ محكمةٍ، تذهبُ لجوهرِ الفعلِ وجوهرِ الشراكةِ والتكامُل.
أيها السادة الكرامُ الذين نُقدرُهُم ونُجِلُهم، وأنتم الآنَ في مًوقعٍ لهُ من الخصوصيةِ ما لَه، ولَهُ من أسرارِ عملِه ما لَه، فإنَنا وكَكُلَ المُؤسساتِ سنحترمُ خصوصياتِ أفكارِكم ورؤاكم، وسنتعاونُ معاً على أن يبقى عَمَلُنا في سياقاتِه الداخليةِ وتتولى الأمانةُ العامةُ عمليةَ الإعلانِ والإجابةَ والتفاعلَ مع كافةِ الاستشاراتِ والمقترحاتِ، داخلَ الاجتماعاتِ، وخارجَها في الفتراتِ البينيةِ بين الاجتماعين.
نحن وبمعيتكم مقبلون على عملٍ كبيرٍ جداً يتمثل في:
- مقترحاتٍ لتطويرِ مفاصلِ عملِ الهيئةِ القائمِ حالياً، من مهرجانِ المسرحِ العربيِ والمهرجاناتِ الوطنيةِ وتدريبٍ وتأهيلٍ ومسرحٍ مدرسيٍ ونشرٍ وتوثيقٍ وإعلامٍ وفنونِ العرائسِ والفرجةِ الشعبيةِ ومشاريعِ التنمية، والمسابقات…إلخ، ولكلِ عنوانٍ منْ هذِهِ العناوينِ الرئيسةِ عناوينُ فرعيةٌ كثيرةٌ، وهوَ عملٌ ستدركونَ حجمَهُ باقترابِكم مِن تفاصيلِه مِن خلالِ موقعِكم هذا، عملٌ ستثرونَه بحِكمتِكمْ وتجربَتِكُم.
- مقترحاتٍ لاستراتيجيةِ عشريةٍ قادمةٍ لعملِنا في خِدمَةِ المَسرَحِ العَربيِ، وهيَ مُقترحاتٌ ستؤسسُ لانفتاحِنا على عددٍ كبيرٍ من المسرحيينَ العربِ لكي نصلَ بالاستراتيجيةِ الجديدةِ إلى أنْ تلامسَ وتمثلَ طموحاتِ وآمالَ وأحلامَ المسرحيينَ العرب، ولكي تكون كسابِقتها خارطةَ طريقٍ لعملِ المؤسساتِ الرسميةِ، وإنه لَعمري أمرٌ مُبشرٌ أنْ تكون البدايةُ معكم.
وختاماً ها نحن معاً، نحلم ونعمل وننجز معاً
عشتم وعاش المسرح“.
8 – 10 مايو 2023/الشارقة