القصة القصيرة جدا.. هوية نجم شهادة مختصرة عن ولادة حروفها / د.سعيد محمد السيابي

هذه الورقة قدمت ضمن الندوة الفكرية حول: “القصة القصيرة وافق المسرحة..القصة القصيرة العمانية” لأيام مراكش للمسرحية القصيرة (دورة سلطنة عمان) 11 – 14 مايو 2023م

***********************

إذا كانت الأرض واحدة فالنجوم كثيرة، والأرض تتحرك في مدارها مشرقة بقمرها والنجوم هي التي تتساقط عليها لتضيء سمائها بفعل الاحتراق كلما اقتربت من مجالها الجوي، هكذا هي القصة القصيرة جدا، ومضات تشع سريعا من مواقف حياتية، وقصص سماعية، ولحظات تأمل وانقطاع مع الذات. تشرق الاقصوصة سريعا في الذهن، فإن لم يتم التقاطها على الورق تتبخر غير مبالية بمن لا يقتنصها ويسجلها على قصاصة ورقية لترحل بلا عودة.

القصة القصيرة جدا لم انتظرها يوما لأكتبها، بل تأتيني متى ما كنت أشعر بأن هناك حالة من الغليان الداخلي يوشك أن يخرج من رأسي، فأجدنني أركن إلى زاوية في مقهى أو رصيف عابر للسير أو تحت شجرة خضراء أو أمام البحر وأخرج المذكرة الصغيرة التي كنت أحرص على وجودها في جيبي وأبدا بوضع طلاسم سريعة تهوي على ورقي كالنجوم المحترقة .

بداية كنت أمزق ما أكتب. من قراءاتي لم تشبه شيء من الأنواع القصصية التي أعرفها، فاهرس الورقة المكتوبة بيدي وأقذف بها لأبعد مكان استطيعه، وأتقلص في داخلي على استحياء عن هذه الأفكار والرموز التي كتبتها؟ إلى أن وقع في يدي كتاب للقصة القصيرة جدا اهداني اياه الكاتب الصديق محمد الرحبي الذي نتبادل – بمحبة مميزة- الكتب والقراءات والنقاشات القصصية والروائية، فكانت هذه المجموعة سبب لإعادة تقيم ما كنت أقوم به مع نفسي. استمريت بعدها في توثيق ما كنت أكتب، وتطور الوضع بجراه كبيرة لتقديم مجموعة من القصص القصيرة جدا للأستاذ الرحبي فكان سببا في تهوري بنشر مجموعتي القصصية الأولى (رغيف أسود: 2015) والتي ضمت بعض القصص المنشورة في ملحق(أشرعة) الثقافي بجريدة الوطن التي كانت الجريدة التي احتضنت جميع كتاباتي القصصية والنقدية، وذلك بفضل وجود المحررين المخلصين للثقافة العمانية كسالم الرحبي وخلفان الزيدي وخميس السلطي وفيصل العلوي.

كانت مجموعة رغيف أسود تضم عدد من القصص الطويلة وفي نهايتها أرفقت عدد من القصص القصيرة جدا، فوجدت معظم التعليقات والقراءات تأتيني عنها، فبعضهم قال: عن جرأتها، واختصارها وتكثيفها، والآخر الذي لم يكن يمتلك وقتا للقراءة قال: بأنه فضلها لقصرها. توالت بعد ذلك إصداراتي وتحديدا في القصة القصيرة جدا، إذ حظيت بدعم من جمعية الكتاب العمانية بنشر مجموعتي ( أحلام الإشارة الضوئية:2016 )، ومع مؤسسة بيت الغشام نشرت مجموعة (المبراة والقلم:2018). وتم نشر مجموعة ( مشا..كيك) في مصر في عام 2019 عن دار العبير، وصدرت الطبعة الثانية منها لدار الآن ناشرون وموزعون في الأردن عام 2020. كما صدرت مجموعة ( ومن الحب) عن دار اللبان للنشر والتوزيع في عام 2021. ختاما، تمنيت لو استطيع استرجاع الممزق من القصص القصيرة جدا، ولكن لن يعود زمن رحل، ولا ورقة سقطت، ولا نجم هوى من علٍ!

نماذج قصصية:

ذكرى

صبت على يدها صابون سائل رخيص ليساعدها على إخراج دبلة الخطوبة غالية الثمن. ثم سحبت السيفون خلفها.

صدمة

عند تقاطع المشاة، وأمام الإشارات الضوئية سرق حقيبة يدها وانطلق هاربا، فتَّش جميع محتوياتها، لم يجد سوى ظرف مكتوب عليه” من فاعل خير” وكان خاوياً.

قشعريرة دخلت لروحه متسمرا في مكانه، كيف لسارق يلطم معدما؟!

ثوران

تم فصل الثورين الأخوين اللذين تصادما بعنف ودون سابق إنذار . وضعا في زريبتين مختلفتين خشية أن يكررا قتالهما البطولي.

شوهدا في الصباح جثتين هامدتين كلا في مكانه.

لم يحسبا للهزات الارتدادية التي قضت على مركزي التحكم في دماغيهما.

نسر

حلق في الأعالي فوق حدوده الجغرافية ، ولم يصادف أية فريسة. قرر النزول لمستوى منخفض جدا لأول وآخر مرة.

شوهد بعد ساعات محمولا على أعناق حيوانات أقل من مستوى بصره!

شباك غائرة

نصبت الشباك على الحدود عالية. مدّ طفل عربي يده للجهة الأخرى، وهو يحمل وردة. داس حذاء عسكري على أجزاء منها. بقيت اليد الممدودة متسمرة في مكانها!

رواية أخيرة

أخيرا قرر حسم أمره بنشر روايته الأولى “الناس اللي تحت”. كان عنوان رواية مميزا تحدثت عنه الصحافة العربية لسبعة أيام. وجد ميتا في مكتبه وأمامه قلمه المكسور. كان حفل تأبينه حافلا بالكلمات الوردية إذ حاز على لقب صاحب الرواية الأخيرة في القرن العشرين!