قراءة في آخر إصدارات مسرح الطفل للدكتور ندير عبد اللطيف/ بقلم : الدكتور لعزيز محمد

الدكتور ندير عبد اللطيف رجل متعدد الانشغال والاشتغال واحد من الذين زاوج في اهتمامه بين مجالات ثقافية وفنية وتربوية وإعلامية مختلفة، فتوزع بذلك اهتمامه بين التدريس والتسيير وقرض الشعر الغنائي والزجل والمسرح إلى جانب الممارسة الإعلامية والصحافية في جرائد وطنية ومديرا مسؤولا عن منابر إعلامية منها مجلات فنية، فضلا عن اشتغاله كأستاذ بالمعهد العالي للصحافة والإعلام، وعضوا سابقا بالنقابة الوطنية للصحافة هو مسار إعلامي  طويل سار بالموازاة مع وظيفته التربوية والتعليمية، حيث تقلب في العديد من المستويات التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي ومن التعليم النظامي إلى تدريس الصحافة والإعلام والمسرح في مؤسسات مختلفة. وأما اشتغال الرجل بالمسرح فالمسافة الزمنية تطول مرحلة الشباب حين عشق ندير الفن المسرحي منذ بدايات اشتغاله الثقافي، وهو المجال الذي سرى إلى كل الجوانب المذكورة إذ درس المسرح واختص بالإعلام المسرحي، والتأليف للمسرح والتمثيل والإخراج والنقد المسرحي، كما اشتغل مع العديد من الفرق المسرحية بمختلف جوانب الممارسة، ومديرا فنيا للعديد من المهرجانات المسرحية، وعضو بلجان الانتقاء ولجان التحكيم ولجان الدعم.

لا يتوفر وصف.

ندير والتوثيق:

والدكتور ندير الأكاديمي والفنان المسرحي والإعلامي واحد من الباحثين الجادين في عملية التوثيق بالمغرب، وهو ككل أكاديمي رصين يشتغل على مشروع متكامل يسعى فيه إلى توثيق مختلف جوانب الحركة المسرحية المغربية.  وهو يعلم أن الكثير من وثائق المسرح المغربي قد ضاعت بل إن النزيف لا يزال مستمرا بموجب هشاشة ذاكرة المسرح المغربي، وهو حين يبذل كل هذا الجهد فإنما كي يوقف هذا النزيف ويوثق ذاكرتنا المسرحية.

من ثم كان انشغال ندير ب”الاصدارات المسرحية ” وملاحقة ظهورها في الكتب وفي الجرائد والمجلات وتعدادها والتعريف بها وبأصحابها وتحديد طبيعتها، وضبط حجم وزمان ومكان صدورها، ليس ترفا فكريا وصنعة تقنية وحسب، بل إنه انشغال  منهجي تتبعي يشكل خطوة ضمن منهج عصري حديث  له قواعده العلمية كي يكون قاعدة لكل الدراسات اللاحقة.

 

ندير ومسرح الطفل

وأما  انشغال الدكتور ندير بمسرح الطفل فلم يكن أمرا طارئا، فهو واحد من رجالات التربية الذي تقلب في حقل التربية والتعليم بين مختلف مستوياتهما، وخبر بعمق دور الفنون في تطوير المنظومة التربوية، كما خبر خصائص الطفل المغربي وحاجاته وتطلعاته ومراحل نموه، لا غرابة إذن أن يكون أحد المؤلفين المغاربة لمسرح الطفل، ومخرجا للعديد من النصوص المسرحية المخصصة للطفل، ومشاركا في العديد من لجان التحكيم في مسابقات مسرح الطفل، ومنظما  للعديد من مهرجانات مسرح الطفل، وتم تكريمه في العديد من مهرجاناته. وعضوا باللجنة الوطنية للمسرح المدرسي، ومكونا وطنيا للأطر التعليمية في المغرب منذ إنشاء جمعية تنمية التعاون المدرسي الذي كان أحد المساهمين في إنشائها، كل هذه المهام استحق عنها تكريمات في العديد من المناسبات الجهوية والوطنية .

إن انتماء الدكتور ندير لرجال التربية والتكوين ساهمت في اختمار التجربة المسرحية الطفلية عنده جعلت الانشغال بعملية التوثيق والأرشفة أمرا من صميم انشغاله الطويل بالمجال، فقد أدت خبرته بالطفل المغربي وحاجاته وميولاته، إلى تتبع كل ما يقدم له، وما ينتجه المؤلفون ويبدعه الممارسون، بل إنه هو نفسه ساهم في تكوين المعلمين وتدريسهم المسرح، وظل يعلم طلابه ومتعلميه ويدربهم في ورشات تطبيقية ونظرية على مكونات المسرح وتقنياته معتقدا بأن الطفل بوابة التغيير للذات وللوطن. فالاهتمام بأدب الطفل ومسرحه لا يعني غير الاهتمام بالمستقبل والمساهمة في صناعة الأجيال القادمة، وتنشئتهم وتعليمهم .

لا يتوفر وصف.

توصيف الكتاب الجديد

وفيما يخص إصداره الجديد فإنه يضم مسرحيتين هما (عدالة ونذالة) و(الاعتراف بالجميل) والعملان معا يشتركان في جملة خصائص أهمها على الخصوص مراعاتهما الجوانب التربوية سواء تعلق الأمر بلعب المسرحية من قبل تلاميذ أو أطفال غير متمدرسين أقصد هنا المسرح المدرسي أو مسرح الطفل بشكل عام.

وأعتقد أن العمل يكرس قيمة المسرح الموجه للطفل تماشيا مع القيمة التي أضحى يحتلها هذا الفن عند الانسان المعاصر،  وأهميته في تربية الأجيال وتعليمها أفضل مما تفعل المدرسة، لذلك كان مسرح الطفل أهم ابتكارات الانسانية في القرن العشرين، كما قال مارك توين حين لاحظ انه اقوى معلم للاخلاق وخير دافع الى السلوك الطيب، لذلك أوكلت إليه مهام التربية والتعليم، وغرس الأخلاق المرغوب فيها مجتمعيا وطمس غيرها.

هكذا يعد العمل الجديد لندير مساهمة منه في لفت الانتباه الى أن المسرح يشترك في تربية وتعليم الطفل مع العديد من المؤسسات التربوية والتعليمية على رأسها المدرسة و الوسائل الإعلامية،  والمؤسسات الثقافية، والاجتماعية، إنه وسيلة إعلامية ذات تأثير قوي لا يقل تأثيره عن التلفزيون وباقي وسائل الإعلام الحديثة لأنه يخاطب المشاعر بشكل مباشر، من ثم قدرته على إيصال خطابه المتنوع إلى قلب وعقل الطفل، وبالتالي تشكيل ثقافة رصينة لأنه يبنيها بحرية التفكير.

إلى جانب ذلك يغذي  أذهان الأطفال، ويزودهم بمعارف ومعلومات وأفكار وآداب، بل بإمكانه أن يكون أقدر المؤسسات على توصيل المعارف والعلوم بطريقة أفضل مما تفعل كل الوسائط التربوية الأخرى بما فيها  المدرسة، وذلك لأنه وسيط تطبيقي عملي، وفن جماعي،  يشارك فيه الطفل بكل حواسه متوسلا بالحرية، فضلا عن كونه لعبا يحقق المتعة الوجدانية بما يتضمنه من فنون وألوان إبداعية.

إن انتصار ندير لمبدأ الإنتاج المسرحي الطفلي بالمغرب الذي ظل مطمحا علميا في غاية الأهمية، طالما نادى الباحثون بضرورة توثيق النص الدرامي المغربي عموما، والنص الطفلي خصوصا، باعتباره سبيلا لمعرفة منجزنا كما ونوعا ووضعه بين يدي الدارس والناقد. وهو بذلك يسعى لتجاوز حقيقة معروفة تكمن في كون الكتابة للطفل هي أضعف الحلقات في ثقافة الطفل  والكتابة له، من ثمة كان عمله انخراطا في عملية التأليف للطفل وتراكم مخزونه الكتابي، وهي محاولة جادة لتنميته و حفظه من الضياع، وكشفا عن  تنوعه أمام الأجيال المتعاقبة.

لا يتوفر وصف.

وحين نمعن النظر في متن العمل الجديد نجد تميزه بالملاحظات التالية:

  • اعتمد ندير في صياغتهما على فعل الحكي والبناء الحكائي، ونحن نعلم أن ذلك وسيلة هامة في جعل الطفل الصغير يتابع الحكاية التي يشغف بها خصوصا وأنها اتسمت بأحداث متتابعة وواضحة ومحددة الزمان والمكان، وأن شخصياتها قليلة الى غيرذلك من الأدوات اللغوية وغير اللغوية التي توسل بها المؤلف لشد انتباه الطفل قارئا كان أو متفرجا .
  • الملاحظة الثانية تتعلق باستغلال الحيوان كشخصيات في العمل، وهذه العملية معروفة في مسرح الطفل، بل وتعد أكثر الأساليب توظيفا، وغالبا ما يتم اللجوء إلى هذه التقنية الموسومة ب” أنسنة الأشياء والطبيعة” وإضفاء صفات إنسانية على الحيوان والطير والشجر، باعتبارها مواضيع  يسهل تضمينها بعض المعلومات من أجل تمريرها، وقيما أخلاقية يمكن بثها بشكل تلميحي في بعض الأحيان ومباشر أحيانا أخرى، خصوصا وأن هذه التقنية محبوبة عند الأطفال، وتملك جاذبية قوية لهم، لأن العلاقاتالعاطفية التي تربطهم بالحيوانات تكشف رغبتهم في معرفة سلوكاتها وأطوارها ومحاورتها ومخاصمتها، ولا يزال الطفل شغوفا بتأثير عالم الحيوان إلى أن يبلغ مراحل متقدمة من العمر.

والمؤلف يسير في ذلك سير العديد من الكتاب والأدباء في استغلال عالم الحيوان، واتخاذه وسيلة للتفسير، أو التعليم من أجل تمرير ظواهر طبيعية، أو اجتماعية، أو تربوية، أو حتى سياسية لذلك فهي ليست جديدة ، فالأدب العالمي يزخر بقصص الحيوان إلى درجة يمكن عدّها أقدم أشكال الحكايات، وهذا الأدب الموجود عند جميع الشعوب، وعند كل الأجيال وعند مختلف الطبقات الاجتماعية، لقيمته في خدمة الأهداف المستهدفة بما فيه الأهداف الترفيهية.

والحيوانات تشكل مادة طيعة بين أيدي الفنانين سواء بموجب سهولة  تشكيل أجسادها، أو بسب تعدد الغايات التي يرمون لتحقيقها، أو القيم التي يستهدفونها، هذا بالإضافة إلى أن عالم الحيوان عالم الإبهار، والدهشة، والقرب من عقول الأطفال وقلوبهم. فألسنة الطيور والحيوانات بليغة، ومؤثرة، من ثمة كان عالما خصبا لتعليم الطفل وتربيته وإفادته معرفيا. فالأحداث التي تشخصها الحيوانات والطيور في المسرح يسقطها الطفل على عالم البشر الذي يعيش ضمنه، ذلك أن الحيوانات هي جزء من عالم الإنسان سواء كانت أليفة أو غير أليفة، ومع أن  وسائل الإعلام المرئية تقدم معلومات كثيرة عنها إلا أنها تحتفظ دوما بإبهارها وعجائبيتها .

إن تحاور الحيوانات، والطيور يكشف للطفل عوالم جديدة، ومختلفة عن عالمه، فينمو خياله، وتتوسع مداركه، وبهذا العالم العجيب يتعلم الطفل الإنصات، والانتباه، والتركيز والرغبة في الفهم، ولأن الطفل سريع الملل فإن صانعي الفرجات يعمدون إلى التنويع في الأحداث، والابتعاد عن النمطية كي يظل عالم الحيوان المدهش جذابا، وأثيرا عند الأطفال. وليس غريبا أن يحتاج أدباء ومسرحيو الطفل إلى التعمق في العالم النفسي والانفعالي والعقلي للأطفال كي يدركوا رغباته، وحاجاته، وميولاته، وما ينفر منه، وما يخفيه، ويخيفه، وما يزعجه، فذلك  كله يساعد المبدع على المساهمة في جعل المسرح مادة علاجية لمختلف أشكال الاضطرابات حين تجسد الحيوانات اللعبة المسرحية.

ويمكن أن نضيف ملاحظة أخرى تتعلق بتوسل ندير بالأوبريت فكثرة الاشعار البسيطة والسهلة الحفظ حين تتحول إلى غناء تشكل مراحل وفواصل زمنية تنشيطية ذات فوائد كثيرة في الترفيه والتكوين معا، فضلا عن قيمتها في تنشيط ذاكرة الطفل إلى غير ذلك من الفوائد القيمة للطفل والطفولة .

لا بد من الاشارة في الاخير إلى أن المؤلف خص المسرحيتين بتوضيح دراماتورجية الاشتغال مسهلا بذلك على مخرجي العمل الاجتهاد السينوغرافي والاخراجي ، وفي الآن ذاته ترك لهم خيارات اخراجية منفتحة المهم أنه سهل عليهم العمل فقد وصف الديكورات وأثث النص باكسسوارات أكياس قمح وموسيقى والاضاءاة بالوانها … وإذا كانت هناك من حسنات للعمل الذي قدمه ندير فيكفيه أنه واحد من مؤلفي مسرح الطفل الذين لا يزال نضالهم على هذه الواجهة يحث الخطو لترسيخه ونشره وتوسيع تداوله ..

 

ملاحظة هامة: 

بمناسبة اليوم الوطني للمسرح نظمت المديرية الجهوية للثقافة بمدينة الدار البيضاء سطات لقاء مفتوحا مع د . ندير عبداللطيف حول كتابه الجديد نذالة وعدالة (مسرحيتان للاطفال واليافعين ) وذلك يوم السبت 13 ماي 2023 بمقر مندوبية الثقافة.
اللقاء من تقديم الدكتور محمد فراح القراءة و المحاورة للدكتور محمد لعزيز

وتجدر الإشارة، أن هذا الكتاب حظي بدعم من وزارة الثقافة، هذه السنة، وطبع ونشر من طرف مؤسسة سومكرام. 

 

لا يتوفر وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت