نص مسرحي: “ امرأة الظل “ / تأليف: منير راضي

(لا تقسم بشرف انت لست بصاحبه, فأنا وانت من طين وماء وشجر)

 

الشخصيات:

المرأة

الظل

 

ومضة العرض:

(المسرحية لا تحدها حدود فهي في زمن مطلق, ممكن العمل بها في اي جغرافية إن وجد المكان المناسب لها, المؤثرات فيها كل الاصوات الطبيعية والحياتية بكافة انواعها البشرية والصناعية السلمية وكل أنوع الدمار والخراب والكوارث والفواجع التي مرت بالبشرية عبر مديات هذا العالم الذي يسير نحو الهاوية البشرية الآن في امتحان قدري وخصمها ظلال مجهولون تمطر بهم السماء حيث ما تريد ان تضرب…

 

بيئة الحدث:

( المكان عبارة عن محجر يوحي بأهميته القصوى تتفرع منه عدة ممرات ودهاليز واقبية, الرؤيا فيه شبه معدومة يطغي اللون الرصاصي الداكن معظم معالم التأثيث فيه, الصمت يلف كل ارجاء المكان , المرأة وهي تستلقي على الارض ببذلتها البيضاء التي ضرب عليها الزمن بلون المحجر , عينيها شاخصه نحو السماء, شعر رأسها الابيض الكثيف يفترش الارض ويداها متشابكه الى الاعلى , كفها الايمن ممسك بمعصم يدها الثانية ويبدو انها كانت هناك معركة محتدمة الصراع الظل يتحرك يمينا ويسارا )

المرأة: وها انت ما تزال تنظر الي شزرا, بعد كل ما جرى, الم اقل اغلقي عينيك, لماذا! لأني أرى فيها كل لهيب الارض (تصفع يدها اليسرى) قلت اغلقيها, نعم اغلقيها ولكن لا تشحي بوجهك عني (الظل يسكن عن الحركة) أنكِ تنظرين الي بريبه تنم عن بعد آخر للصمت (تمسك باليد اليسرى كما تطبق اليد حول العنق وتضغط عليها بقوة, الظل وكأنه يصارع هذا الاطباق من قبل المرأة) أتسخرين مني! أتسخرين مني  كوني امرأة أيتها البلهاء,انا لم احنث بيمين ولم اخن شرف المهنة (تنقلب على صدرها وتطرح بيدها اليسرى على الارض  وتضغط عليها بشدة)اقسمت عليه ان لا اكون عبدا يتغزل الى أسياده في خلوته, ان ثباتي ويقيني هما سيدا موقفي, اياك ,اياك ان تهتك خلوتي بعد الان, أنا امرأة ولكن من نار وكبريت (تضحك ثم تمسح على وجه وظهر كفها برفق, الظل يسقط على الارض من شدة قسوة المرأة) انا آسفه, لقد قسوت عليك , ما كان علي ان اكون سليطة اللسان معك, لكنها قسوة النفس والجرح النازف منذ عصور, دهور تدور وانا وانت ننزف قيحا لا ينقطع, بعض الاحيان تلوح لك فسحة من الصحو ولكنها تعج بالندامة

الظل: أنك تغتالين روح السماء, أرمي سهامك بعيدا عنها, اما أكتفيتي بما حصل لي بسبب علمك وابحاثك وابجديات طفيلياتك

المرأة: (تصرخ في السماء) سوف يأتي يوم لا يوجد فيه خيط او مغزل او خياط , لان القماش قد انحسر بانتفاء النعوش,

الظل: ان الرب ينشد الروح في اوردة الخليقة,  لان فيها اسرار مقدسة وانتم لستم من هذه الاسرار

المرأة: من يقول ان الرب سيبارك بكم (كأنها تخاطب احد ما في افق بعيد)قشتكم لن تنجيكم من الغرق لان وجوهكم فقدت ماء طهرها, ولا زلتم تنتظرون ولكن من ذاك الذي سيرشدكم لسفينة نجاة تتبركون بنجاستها بعد ان شككتم في محراب هيبة الله فيها, طبعا عن سفينة نوح اتكلم

الظل: انت التفتي الى ما وراءك في صحوة متأخرة فقبضتي على جمرة اللعنة

المرأة: (تمسك بمعصم كفها) اسمعي انا لست بناسكه او كاملة  او احمل عمود التقوى على ظهري ولكن سيامي روحي الهائمة  هي من تقول, بأن حظيرة الخنازير فيها من الطهر اقرب من ادرانهم..

الظل: لا احد يقتفي اثرنا الا رسل الهلاك , انت غازلتي صحوة الربيع فتورقت مواسم حبال المقاصل عندهم, ان الحق دائما في الدنيا غريب

المرأة: (تستدرك حالتها بخوف وهلع) كنت انهضُ بصفعة, ثم تنزل على ظهري هراوة كأنها سوط الجحيم ومن ثم صفعة و صفعة, وتنتهي الجلسة معي بركله (تترنح في مكانها ثم تجثو على ركبتيها وهي ترتعش وكذلك الظل في نفس المعاناة) وفورا تعمل صاعقات نبض القلب كييعيدوا الحياة لي وهكذا الحال منذ زمن بعيد, ليس الغرض منها تقويم تجاويف القلب واسترجاع نبضاته المتهالكة بل هو انتزاع واستلاب

الظل: انت عنيدة وركبتي صهوة الجحيم , هم زنادقة يعزفون على اوتار جمرك

المرأة: (تبتسم بحرقه ثم تنتبه للظل) نعم هي تناقضات كما يبدو ولكنها  دوما هي  دروب ومنافذ للخائفين, لا,لا ايتها الغبية, عفوا الغبية هي انا كما كان يناديني به صديقي الاوحد ذاك الذي لا يموت حتى بعد فناء هذا الكون ( وهي تدور حول نفسها) طبعا هذا الازلي الذي اتعبني كثيرا وكثيرا ما كنت اصمت امامه كصمت القبور في ليل ازف فيه ضوء القمر (تضحك )

الظل: أظن كان يسميك بالأرملة السوداء

المرأة: لقد كنت مهوسه بذاك الازلي وضوء القمر, فهما فيه انبلاج طعم الذكرى

الظل: انا وانت سوى شهابين ادَّخَرَها الرب كمناديل بيضاء نلوح بها لضوء القناديل التائه

المرأة: (تمسك بمعصم كفها الايسر وتضغط عليه بظهر الحائط بقوة كم تريد قطع انفاسه) نعم هي الذكرى المنسوخة في غياهب جب الارواح التي صعدت الى الملكوت, اتعرف لماذا ,لان الاصل, اخذوه, استلبوه (صمت) اماطوا عليه لثامهم الاسود, كان من الممكن ان اسلمهم قارورة واحدة تبيد نصف الكون ولكن هيهات ان افعل ذلك.

الظل: سيكون الموت مشروع ليوم غد آخر, هذا منفاك هو هجير لشرفات بلا مرايا, كان عليك ان تحسني التدبير لا التدوير في المهالك, فأي درب انت سلكتيه في هذا التيه الاصم

المرأة: (تضرب على كفها بيدها الاخر بحيث تبدأ معركة بينهما, الظل لا يتحرك) معارك وحروب ,وقتل وتشريد, وخراب ارض وانفس غادرتها رحمة الرب بعنوان وطن والشرف الاحمر, لقد كان تمثال  الحرية  كله يتكور بإشارات, نعم ,نعم إشارات الموت الى سوح الوغى والابادة البشرية.

الظل: انهم يلوحون للفناء, غربانهم تنشد لحن الفراشات التائه بين مخالب الشجر

المرأة: أنهم (تقوم بحركات التحية مع مؤثرات صوت مارش عسكري) أرتال,ارتال من جيوش الفرسان يمتطون ارضا وقودها الناس والحجارة يد تمتد باستقامة الهامات تلوح لهم ,انكم ذاهبون الى المحرقة !

الظل: يد تلوح يمينا ويسارا لهم, انكم تحت كف عفريت احمر! يد يمتد منها الكف عند صدغ الرأس تلوح لهم وتقول

المرأة: انكم بلا مخ وبلا عقل ! الكل يصفقون ويهتفون .. اكثرهم سيكونون تحت مشرط السكين ودستور الشياطين, لا, لا .. بعضهم , لا.. بل كلهم تحت مشرط السكين (تضحك) نعم الكل,الا انا وانت (صمت ثم تنتبه اليها) ماذا, نعم , لا يا حبيبي , انا اولا ,ماذا, كيف! لا, انت تبالغ , ماذا, لا لالا, انت تريدين استلابي كما فعلوا هم

الظل: ايها البشر احمل خطاياك فأنها أدرانك التي اسست لها سنن القوانين التي تولد منها باغيات من ثمرات الشياطين, البشر ممتحن بسر انتهاء رحمة القلوب

المرأة: ماذا اسمع, انا انتهازية وحمقاء (تجمد في مكانها وتدور برأسها يمين ويسار) عندما تكثر الوجوه من حولك تسقط بعض الاقنعة, ولكن ايها لأنت لم اتوقعك يوما ما ان تكوني وقحه او متمردة , او ان تكوني سلوكيه هكذا.

الظل: يبدوا اني لم احسن تأديبك كل هذه السنين وانا,,

المرأة: اصمتي ( تدور في ارجاء المكان وكأنها تسمع صوت)

الظل: انا مثلك صرت اجيد لعبة الجنون

المرأة: قلت الزمي الصمت

الظل: كفى هذيان, انت مخلوقة من تيه الزمان

المرأة: قلت كفى, من الذي يهديني سره كي اعبر هذه العتمة لتلك  المديات (وهو تفتش في الامكنة)

الظل: انت غريقة الوهم فأشربي من سراب التيه سرابا ( يبتعد الظل )

المرأة:(بغضب مهموس) من منكم يهديني سماحة فجيعته القصية كي احجب عن روحي اشتعال الضمير,انت, لا تشحي بظلك عني فبعد هذه الفواجع التي خرجت من رحم الانا (تنزع قميص بدلتها الطبية وتشد بها معصم كفها اليسرى وتشد عليه والاصابع كأنها تشير قد انقطع النفس فيها, الظل يعاني هو الاخر وكأنه هو المحمول عليه) هل تريدي استلاب ما تبقى مني, نعم انت..نعم انت ايضا مثلهم..كم انت مسكين ايها الخجل فما عادت لديك تلك البقعة الحمراء التي تستجديها بعض النفوس الخربة (وهي تشد على الكف بعنف)يا أيها الجرح والنزيف الذي غادرته في زمن شح مائه لا تفارق مقلتي (تنظر الى ما تحت القميص الذي بدأ يتحرك بعنف)ماذا, دعني اسمع ما تقول (يقرب القميص من سمعه)

الظل: (وكأنها تحتضر) انا وانت الان في قارب معطوب, انت تجلدين نفسك كي تتطهري مما بدا لك كأنه سوي, انهم لن يسمحوا لك ان تتبرئي عما صحى فيه الضمير,

المرأة: (اول خطوات المواجهة مع الظل) تريدين ان تقولي أنك صنعتي مني راهبه وزاهده غادرت ملذات الدنيا الفانية ببوحك البنفسجي هذا, لا, لا(كأنها في حلبة مصارعة) لا تفرحي كثيرا أيها المتنمرة, هذه المرة لن تفوزي بها..كنت في أول وهلة المرحلة وقبل ان تطأ قدماي بحر الطاعون الاسود..كنت اردد واردد تلك المرثية البيضاء (تنزع القميص من كفها وتلبسه وهي كأنما تؤدي القسم امام مجموعة وهمية)اقسم بشرف المهنة واخلاقها ,نعم الاخلاق التي يخرج منها كل شيء (كأنما تشير الى احدهم) كيف اسمع, أنبياء كانت ثيمة رسالاتهم اخلاق الرب, الاخلاق هي نثيث المطر على قلوب الاتقياء, وانت (ترجع الى كفها)كنت تذكر لي ذلك رغم اني قلتها عن نفسي قبل ان تقولها لي.

الظل: (يدور) ما كان يحق لك ان تجيئي بي في هذا المكان

المرأة:لا تشحي بوجهك عني وكأني كفرت الان (تدور) انا لست بكافرة, بل المرض كافر! نبال الطغاة كافره, يد الجلاد كافره, يد شاخت فيها تواريخ كؤوس الدم هي كافره, اقبية ومصانع الاوبئة عصفت برياح كفرها البشري! انا لست كافرة بل الجهل , نعم الجهل الان هو اكبر كافر! الجهل والكفر هاهم اجتمعوا الان فينا ,فأين المفر,اللعنة والجوائح ستقضي عليكم, حصار وتجويع لشعوب ارادوها ان تكون كافره كما أرادوا ولكنهم لم يفلحوا, تعرفين لماذا, لان هذه الشعوب نهضت نحو سفر مجد لا تمحوه  الكروب والايام

الظل: انه المجد ولكنه لا يخلو من حماقة الفعل, انا, اقود نفسي بتحدي دائما, لا كما تقود الابل الظامئة صوب سراب الشمس بين الماء والملح

المرأة: (كأنما تبتعد بنفسها) ابتعدي عني ارجوك, ابتعدي (تمسك برأسها) فما عاد للذكريات المنسوخة من جدوى, سوى هذا المنحوت البائس (تشير لرأسها ) سراب في سراب لم يتبق فيه شيء سوى الومضات التائه في الرمضاء من يعيد لي سري لأزفه في تيه العدم (تحرك كفها الايسر) أنا اختنق ولا استطيع ان استقر, انت تنظرين لي بتودد, هل تسترحميني, ام هو استدراج لتلك المفازات التي يستظل فيها الأبالسة اطمئني ,لم يتبقى في جسدي شيء, نعم فأنا ما زلت أنوح على تلك المأساة البيضاء و سأبقى على ذلك, حتى ولو سلطوا علي افاعي ذلك الجبل الاحمر.

الظل: نحن الان في مواسم الدموع, نحن امة يحكمها الموت, على من تتلو مزاميرك يا داوود, لا يولد النبي مرتق الجيوب وخالي اليد, بل يولدون من بطون السموات وخزائنها, يد للترتيل ويد للدعاء ويد للشفاء, اما ايدينا نحن فهي تمتد ما بين المهلكة والخراب, نحن عصاة

المرأة: ها, قد يكون لديك ولوج آخر تريدين جري اليه كما فعلتي سابقا, ماذا, أأنا نادمة (بعزم) لا, والف لا(تهز برأسها وكأنما تبتعد عن احد ما) لا اسمع , قلت لا اسمعك – لا تتعصبي – فعلا لا أسمع..قد يكون الانت الان استوطنت فيّ ووقفت حائل بيننا

الظل: انا ارفض السكون هكذا خلقت, انا اطارد سياف الليل حتى انبلاج الصبح كي احجب عين الخطيئة, تبعتك حتى ابصر فيك ضوء الروح, ولكن انت خلقتي منا قصة حب وثنية

المرأة: (تصرخ) اياك وانت تلعبين معي لعبة الاستلاب, لأنها لعبة الغدر والخديعة فما عاد في الروح  متسع للسوط ,فهي مطعونة حد الانكسار (صمت) اين انت. اين انت (تدور) دعني اسمع بوحك. دعيني اسمع انفاسك, دعيني التحف في ضوئك كما تعودت فيك, دعيني اقوم في محرابك مصليه بمشرطي وقوارير داءك ودواءك,  دعيني التحف ب (لا) التي أعلنتها بوجوههم مدويه متاعا لقبري (كأنما تستدرك شيء ما) فمنذ ان قلتها والسياط تأخذ من عقلي مأخذا ولكني لم ادعها تسرق شيئا مما استقر في جلبابك !

الظل: كل شيء كان يطاردنا دون رحمه فكنت لك متاع للنجاة, انت فكرة لخلاص المسافات, العالم الان في تيه من العدم , اقدام خاويه وعقل مسلوب وقلب مفجوع

(المرأة كأنها تمسك بالجلباب وتسقط على ركبتيها بفرح وتهز برأسها )

المرأة: نعم سأجعل المسافة ذات المسافة كما كنا ! لن ندعهم يزرعوا فينا روح الخيبة وسبي هيبة جراحاتنا فلا تنسي, أنت متاعي الفاصل بين البقاء او الاحتضار حد الفناء (تبتسم بتعجب وكأنها تكلم الظل) تضحكين ها.. فما ألفتك هكذا الا القليل منه

الظل: الضحك بعض الاحيان نعمة للمجلود ولكننا لانعي ذلك الا في المآتم!

المرأة: (تهز برأسها كأنها تسمع للظل) جنون وجنون, نعم انه السم المارق برمشة الموت دون سكرات فالجنون هو ملاذ وحج التعساء, ولكن قولوا هل للموت مذاق اخر !! نعم يعني كيف! ها, يعني هو خلاص النبلاء من قيح الغدر,طيب وبعد,

الظل: التطهر من الدنس دون السجود لبغي الاله هو عناد مع الموت ايضا

المرأة: ها, وهو ايضا مستقر الاولياء..اكمل,

الظل: وهو ايضا دار الفناء !

المرأة: (صمت تام ,تقف وتنظر الى كفها الايسر بغضب) انا لا اهاب الموت! الموت كتب علينا منذ ان قضمت تفاحة الضوء الاول للأحياء! ومع  ذلك لا أهاب الموت, الموت ذلك الضوء النازل من عتمة التخوين الاول لبني آدم ولكني سأبقى لا اهاب الموت!

الظل: على ما يبدو ان مهمتي معك عسيرة, قد يختلط الامر فيعطي الرب صفحا لا تستحقه الارواح الخائفة من نفسها

المرأة: (كأنها تستدرك امر ما وتبدأ بمطاردته)اهذه عدالتك , تستدرجيني ببوحك لي بالموت وتقيمي علي حدود محكمتك وترهبيني بصوت مذبوح, الا تعرفي بأني مجبولة على هذا منذ ان ولدتني امي, رحماك ايها الرب!

الظل: أمي (تئن بوجع) اه يا امي (تتوسد الارض) رحلتي عني دون وداع, دون ان اسكب دمعي المجروح بكفك السافح بحناء الطهر

المرأة: أمي, انا كنت تائه بين الانابيب والاسطوانات المدرجة وصيرت نفسي عبدا لها, كم انت زنيم ايها البشر (ترفع كفها الايسر) اتعرف ان الأم فيها عبق الملائكة, هي الوحيدة التي تبقى لها رائحة خاصة لا تسلب منها حد الآخرة (تنظر في كفها)اتعرف هي التي فطمتني عليك ! حيث قالت لي..إياك ان تفارقيه.. أو تخذليه, اياك ان تخدعيه, فهو ملاذكم الاخير اما ابي, رحماك يا ابي, هو اول من عرفني عليك (تنظر للظل) منذ قطع حبلي السري همس في اذني ,اتبعيها حد اللحد فهي يقينك !!

الظل: ما تزال رسائل السماء تمطر اشباح الفناء, ان الطوفان قادم, على البشرية ان تهذب ارواحها وتنشد اناشيد الياس وولادة النعم من العدم فما زال الفقراء يبكون في محراب الرب, يتوسدون دَكَّات المذابح للفوز بنذر الإله رغم هو محل اختلاف بين مختلف الأمم والنحل والاديان

المرأة: (تمتد اليد اليسرى على الارض وهو جاثيه عليها وتخاطبها) وانت ما تزالين لا تفرقي بيني وبين المارقين ,ولا حسي اطباق السلاطين, وصناع الاوبئة وسموم وجراثيم الموت (تنزل برأسها نحو الكف وتهمس لها بغضب) ابحاثهم شركاتهم مصانعهم سَيروا بها العالم الى الخراب, ولكني, سأفتح كل اقفال تواريخهم حتى يبان الدم النازل فوق بيوت الفقراء, فسوف تبكي عليه حتى السماء, عجبي (صمت) ماذا؟ الا تعرفي عن اي دم اتكلم وانت سجيتي التي ابرمتها معك والتي رمت بي في مسالك حكمتك القائلة سيبقى تاريخك نبيلا يلازم قبرك حتى الحشر والنشر,(تنتبه) ماذا !

الظل: المنطق يقول, لا عودة الى أجنة الردهات السرية, الصحو احبسيه في رأسك

المرأة: رجعنا الى الفلسفة والمنطق ! ها,,

الظل :نعم فالمنطق كالكبرياء لا يموت !

المرأة🙁 تنظر الى كفها ) لا يموت !

الظل: نعم حتى في داخل القبر !

المرأة: (تضحك) هيا..هيا..قولي ليما الذي تريدين قوله, ما لذي ترمين اليه (تلوي بكفها الى ظهرها بقسوة) هيا أجيبي اياك ان تهربي مني (وهي تتابع يدها التي حبستها الى ظهرها) إياك, فأنا الان من يريد فتنة المحاكم والمسالخ..لقد سئمت من هذا الدوران (تدور) سنين وسنين، ندور وندور..و هذا النير في رقبتنا, أيها النير اللعين هل من خلاص منك..اخشى ان يدفعني غضبي فأكسرك..وانا اعلم ان عيونا تراقبني وستقتلني اخيرا  بتهمة الخيانة

( الظل ترتل وكأنها مرثية تتغنى بها وتبتعد رويدا رويدا)

الظل: أماه يا أماه, اماه يا اماه – سدوا طريق البر والافاق والبحار, اين أبي واخوتي الصغار، واين أمي والباب والمحراب..لقد سدوا طريق الرب

المرأة: أماه (صمت) ولكني ما زلت احتفظ بحقيبة جراحاتي، جراحات الاخرين, جراحات الابرياء الذي اريد مني ان اجعل منها شرفا يباع ويشترى ,شرف معجون بسلخ عفة البزة البيضاء آه، يا انا انت! (تنظر بيدها تفركها بشكل قلق) لا, لا تهربي مني اين انت (تدور حول نفسها) يا سيمائي المحجوب الان عني,لا تهربي, لا تهربي, ايها الانت, لا تكوني خائنة للعهد,لا تكوني مسلوبة البوح كما يريدون, انت ايها الانا (تصرخ)تبا لكم وتبا لمن اقترفه الجلادون والمارقون في المحاجر السرية والمسالك الحجرية, آه , سأكون شاهدا عليهم وعلى آثامهم وبراغيثهم وجبروتهم , لقد صيرتم الناس اشباحا, حبستم آدميتهم جعلتموهم كعصف مأكول ايها ال (انت) لا تهربي (تنظر الى الجمهور) وان هربت, وان هربت ولاذت بهم وان احتميت بهم وان اختبأت بينهم فقد نزل من الامر ما قد ترى فلم يبقى منها الا صبابة الانا – وليس انت (تحدق في اعلى المكان) اتعرف ما الذي سأفعله انا وما الذي اريد تغييره !

الظل: أه من شرور النفس, لم نعرف كم تبقى لنا من دوران البندول اسمعي ايها الانت, سأبوح ببوح يغازل النقاء, سأبوح لكل العصور انه لا نصر مع دموع الثكالى وخيبات ارصفة التيه

المرأة🙁تدور براسها وعينيها في ارجاء المكان) اني احس بك وانت تسَامَى بين دخان المكان (تتلمس في الفراغات) اسمعي ان البحث الدائم في دجى الليل يقربنا من الفجر فما عاد للسكوت من عجز ! فأما انا او انت او هم تلك هي الحقيقة الازلية التي تقول,, فما ضميرك الا سلطان دائم للحقيقة وحتى رمقك الاخير يبقى !( تقف بثبات)

الظل: أأنت كذلك,ولكن اليوم, بل الساعة, سأقيم عليك الان حد العدل ! اني احس ما يدور في خلدك ! ولكن تذكري ان عشبة كلكامش لا تدوم فأنها من صنع رجيم وليس كتفاحة آدم, لان الخلود هو سفر الى الرب

المرأة: ان ردائي ومشرطي وحقيبتي وابحاثي ونظارتي هم من سيكون شهودا علي!(تجلس على ركبتيها وتمشي كالدواب ) لقد اقسمت ان لا يكون تفكيري ماديا..اقسمت ان لا يكون غضبي معرفيا..اقسمت ان لا يكون مجدي عنوانا لنوبل..اقسمت ان يكون قسمي آلهي..اقسمت ان يكون للدم عرس فيه حياة (تصرخ)  هذا انا فمن انت! ( تدور ) اين انت – ردي علي !

الظل: وجوه الناس متربه بضيم القوانين الوضعية, انهم كانوا يمنون النفس بطهارة الشمس, يلتحفون بالعفة ملاذا من الرجم

المرأة: ماذا تريدين مني ان افعل اكثر من ذلك, واني رفضت التوقيع على خيوطهم واكفانهم البيضاء، لقد سلخوا الحياة من سكان المدينة الفاضلة، وهاهم اليوم (تدور وكأنها في قفص اتهام امام منصة القضاة تخطب فيهم) جياع السلاح—جياع الدم – جياع القرصنة – جياع التيجان – جياع القرية الصغيرة, عطلوا كل شيء, واطلقوا العنان لبراغيثهم – ووبائهم – كل امصالهم تمكث فيها جائحة حد الموت كل يوم عندهم عرس للدم, كل يوم عندهم دفوف للموت ينفق فيها مئات من الشيبة – آلاف الكهول —  فما زالت قرابين الرؤوس تدفع من الفقراء والمساكين واصحاب الرأي والمشورة فقر وجوع وخوف وخراب، ونفوس تائهة تبحث عن ضالتها فقلت لهم أهذه هي قرية يوتوبيا الفاضلة  التي اردتموها فنظر الي احدهم وقال! فاير, اطلق له السم,

الظل: مات ضوء القمر في دخانهم الاسود الصاعد الى قلب الرب فانحسر الضوء وغاب ضياء الشمس

المرأة: وانت حاضرة معي, ومن ثم قال الثاني (يؤشر على احدهم) ارجموها, وانت حاضرة معي ايضا، ولكن (تضحك بصوت ساخر ) الثالث ضحك بسخرية وقال لا, احجروها الان وبعد حين سننظر بمصيرها  وانت معي وتلوذ بيايضا (تضحك بصوت عال) رفعت الجلسة، دهور وهم لحد لان يشربون بكأس مصير حكمي ( تبتعد اليد اليسرى عنها)

الظل: كان للفقراء اجنحة أكلتها أجنة هذا السخام وهرب الضمير يبحث عن شاهد ميت

المرأة: لا تبتئسي فالكثير مروا من هنا , والاكثر منهم مازالوا هنا

الظل: لقد ازفت الساعة , دائما يقولون ان الحقيقة يكتبها التاريخ ولكني اشك في ذلك, فليس الانتصارات هي الحقيقة،  وانما هي بعض الاحيان يطلق عليها انها مسميات فقط !

المرأة: لذلك لا ارى لك حقيقة معي ! انا متزنة وانت منزويه, انا اصرخ وانت تلوذي بالصمت،  كلنا ننتمي للزمن ولكن انا الان اجري عكس عقارب الزمن وحسب علمي انك تؤمنين بالزمن، لأنه يقال انك دائما تقفي لأخر الزمن.

الظل: الحقائق هي الوحيدة التي تخلق من خاصرة الزمن المقلوب

المرأة: فاين انت من هذا الحجر الزمني التي توقفت عقاربه هنا! (تشابك  اصابع يديها ببعضهما ثم تبدأ المصارعة بينها)انظري الي انا  اول امرأة من حواشي الداء والدواء والتجارب تثبت في دربها سأكون نزفا للتواريخ التي تبحث عن سفر الحضور, سأكون يقين تستضل به ابجدية البشر فكلما تزفرني الريح سأصحو على طغيان وجبروت البشرسأكون عنفوان هذا المكان وللذي سياتي من بعدي (ينتحب صوتها) سيهرعون خلف هيبة ذكراي التي لن تشيخ

الظل: كم وددت لو كنت تعرفين مسالك دروب التائبين

المرأة: سأنعي نفسي الان كي اعبر كل قارات الموت سيتشجر في هذا المكان صوتي (تسقط يداها الى الارض وهما في حالة انهاك )عالمة ذرة لا تموت (تضحك) كم هي لذيذة شقاوة الكلم عند انحباس الزمن, انا لا اهوى لقاء الجبناء حيث وضعوني في قيد الزمن،  وان جاءوا سيسألونني, أنت ما اسمك, فيصمت اللسان ولكني تذكرت اخيرا , انه ما عاد لي اسم, (تضحك) حقا ما هو أسمي

الظل: دائما في نهاية الجب فسحة من ماء الطهر ففيه يتشجر ملح يوسف عسل

المرأة: (صوت اجراس من بعيد يعلو صوتها تدريجيا) لقد حانت ساعة هيبة!!الوجع المكبوت,  سأرحل , سأغدو كسحابة صيف شاخ فيها المطر, وانت..هل تبقين هنا ام في ذاك الافق, فما تزال المسافة كافية لكي نكون معا.

الظل: انا سأبقى اطارد بهاء الكلمة فهي شرف الرب (نسمع اصوات وقع اقدام من بعيد) أني أكاد اشم رائحة الموقف الانف ما عاد للذكرى هنا من بذور

المرأة: (تبتسم وهي تتقدم حيث تنزل عدة بزاة طبيه من سماء المحجر الذي يلفه الدخان صوت تدفق الماء من كل مكان بشكل سريع) اني ارى ذلك البهاء, سيبقى الضمير كالناطور يمشي معي (يتدفق الماء بشكل سريع جدا) إني اراك ايها  الضوء السابح في عتمة التكوين (الماء يرتفع تدريجيا) إني أرى الان كل جراحات التواريخ , وصراخ القرون النازفة جاءت تستظل بسفري هذا (يصعد الماء ويغطي نصف المحجر)

الظل: وانا سأبقى شاهدا لا يصدأ, قوموا وافتحوا الابواب لتخرج منها كل ابجديات هذا الكون الاخرس

المرأة: (يرتفع الماء ليصل الى رقبتها) ها هي الروح تحلق لتغازل الضرام وتقول للأنام, صيروني قلما كي اكتب لكم خاتمة الازمان فلا نريد فيلا ولا سلطان فما عاد للرعية وطن ولا ظل شجر (يصعد كفها الأيسر رويدا رويدا خارج الماء ليستقر على رأسها وهو تبتسم)

الظل: ستبقى قداسة القلب وهج في عتمة ذاكرة السنين وانت اين ستضعين وسادتك

المرأة: (تصعد يدها الاخرى على رأسها مع صعود المياه الى قمة الرأس) انها انياب الماء الصاعدة من فسحة التكوين الاولي للأحياء ( يطفو جسدها بالماء ماعدا كفيها تبقى صاعدا نحو الافق خارج طوفان الماء)

الظل: ويبقى الماء ويبقى الشجر,

المرأة: (تحضن الظل) وانا, من يهديني كأس من الهواء , حتى يحيا البشرنعم انا ارمله, ولكني بيضاء اليد والقلب, أسألكم طهارة النفس عند غسق الليل ايها البشر,لا تقسم بشرف انت لست بصاحبه, انت وانا من طيبن وماء وشجر

  (تتصاعد اصوات الاجراس مع هدير امواج الماء )

                                       ستــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار

     منير راضي (2023)

 

قد يكون فن ‏نص‏

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت