البعد الفلسفي لخطاب تشيؤ الانسان في النص المسرحي مونودراما (مخجل جداً) للكاتب والمخرج المسرحي علي العبادي/ قراءة: عقيل هاشم

يتميز العبادي بتعدد مواهبه وغزارة إنتاجه في مجالات التأليف والتمثيل والإخراج.. كما كتب العديد من الدراسات والمقالات تخص المسرح وفلسفة الجمال..

يشعرنا الكاتب علي العبادي في أعماله بصفة عامة، وفي هذا النص بصفة خاصة أنه في رحلة فلسفية مواجهة بين الذات والاخر.. الاخر هذا الراهن.. التابو.. السلطة.. التاريخ.

الكاتب في نصه هذا هو بحث عن إطار جديد لفنه الدرامي وعن صيغة متطورة تناسب العصر وتدين المقولات الوجودية، قراءة في ماهية الوجود. حوارات غير مجدي يسير بنا من النقيض إلى النقيض وفقا لقانون الاحتمال أو الضرورة، معرفة غير يقينية لحقيقة باتت في خبر كان.. وهذا ماجعلته الكاتب يختار المكان المتحف.

وبهذا المعنى يعتبر الاشكال قائم تاريخيا بين طرفين الرجل والمراة ..حاول الكاتب تحريك الراس الاجتماعي فيه سعيا لتحقيق المواجهة..

هنا تتجلى فلسفة مابعد الحداثة بالتركيز على زيف المشاعر بين الرجل والمرأة..

النص يطرح سلسلة من الأسئلة الفلسفية عن فصم العلاقات الاجتماعية حيث الإنسان يلاقي مصيره واقفا يكافح بذاته.

من خلال ثنائية الكلام والصمت ومن خلال عدة مواقف بين الطرفين وتحدث هذه المقاربات فلسفيا مثل حوارات التبادل بين الرجل وعازف الة القانون والدمى ، والتي تحدث انقلابا يحول مجرى الحدث مرة بعد أخرى حتى نهاية المسرحية حين يتحول الرجل إلى دمية وعدم جدوى الحياة مع الاخر، وهذا الموضوع تداخل فيه على مستوى الشكل والمضمون العديد من الأفكار التي أراد أن يبثها النص..

الرجل وهو يشعر أنه قد أصبح غريبا بالنسبة لنفسه وبالنسبة للمكان وهو يحاول جاهدا أن يعيد تشكيل أو توليف وجوده.

نكتشف ذلك من خلال ما ترويه الحكاية المسرحية. أي المؤلف يستخدم نوعا من التشويق المدهش حوارات السخرية والضحك في عرض حكاية رجل يبحث عن الحقيقة في عالم الخيال..تبدأ أحداث المسرحية بدخول الرجل إلى متحف صغير حيث يقف وسط اشياء مهملة من اطارات الأبواب وغيرها وعازف قانون يجلس في الزاوية، ويبدو كأنه لا يعرف هذا المكان كما يبدو مترددا في طرح الأسئلة وما يلبث أن يجيل النظر إلى كل أركان المتحف وكل قطعة فيه.ويحاول استنطاقها .

ثمة شيء غامض يتعلق بارتباط “الدمى ” العازف وبالمكان لذلك فإنه لا يكف عن طرح الأسئلة.

يصر دائما على الاحتفاظ بها وعدم استبدالها أو تجديدها تأكيدا لنظريته يجب استنطاق التاريخ .

قد يبدو السؤال الذي يطرحه على “عازف القانون والدمى” مفاجئا لقارئ المسرحية أو متلقيه، ولكنه ليس مفاجئا لتلك الأشياء الصامتة من دمى ذكر وانثى ثم بوابات مركونة هذه المشاهد في المسرحية حاول كاتبها ان يحدد الموقف الفوضوي الذي سيبني عليه الحدث الدرامي بأكمله فلسفة الوجود، كما يهدف إلى تركيز انتباه المتلقي على أشياء محددة مع احتفاظه في الوقت نفسه بأصول حرفية الكتابة، فالمشهد ذاته وإن كان يوحي بمركز الاهتمام في المسرحية والذي ينحصر في شكل العلاقة بين الرجل العازف وتلك الأشياء ، إلا أن طبيعة هذه الحوارات هي حوار الخرسان… حيث لا يمكن تحديده بوضوح أو فهمه فهما كاملا قبل أن يكتمل الحدث في نهاية المسرحية عندما يتحول إلى دمية ، وتكمن براعة المؤلف هنا في أنه يجعل المتلقي بعد صفحات يمسك بأول الخيوط.

عندما أجهد بطله في البحث عن هوية أخرى غير تلك الإنسانية التي يريد الكاتب إلصاقها به ليكتشف أنه لا يعرف من يكون.

هذا هو السؤال الرئيس الذي ألح على ذهنه خاصة وأن كثيرا من الأشياء التي تحيط به خرساء ما عادت تحمل أي معنى بالنسبة له لأن هناك من هو خارج هذا الذهن والفهم.

النص بأكمله مملوء جدا ومتماسكا من الصراع والأفكار ، ولكنه أصبح كالمتاهة بالنسبة لنا فقد شعرنا بأنه غير قابل للتصديق على أن البطل ان يعثر لنفسه على الدور الذي يمكن أن يلائمه في ذلك العالم الغريب. وعن مبلغ الحيرة التي وقع فيها من جراء اللاجدوي.

حيث يبدو انزعاجه من احتمال استمرار حالة الصمت القاتل، والتي لن تزول إلا إذا حدث صدمة للاشياء يتمثل في رغبته في محاولة التعرف على نفسه وعلى ماهية الاشياء وصمتها المطبق حينما يحدثه العازف عن اللاجدوى في الحياة .

لقد ظل يطرح المزيد من الأسئلة المتلاحقة والمتدفقة على نفسه بصوت مسموع.

أدرك من خلال بعض العبارات التي بدأ يرددها أنها نفس عباراته السابقة حرفيا لأنه كان مولعا بنحتها في صورة مقولات نظرية مكثفة يكررها ارتباطا بمناسبات معينة مأساوية ، ولكنه لا يبدي أي نوع من التفاؤل مستقبلاً ، فبعد أن صدته تلك الدمى بشكل حاسم يعود إلى الشرود مرة أخرى وتخطر على باله فجأة فكرة المغادرة عن عالمه البشري .بعد ان يغادر عازف القانون المكان نهائيا حين يدس الته في صندوقها .

ربما ما حدث له مجرد نوع من الحيل الهروبية أوصلته لتلك الحالة متسلحا بأفكار فلسفية فرارا من مواجهة حقيقة ما مجهولة، وأن ما حدث له هو مجرد صدمة نفسية.. لتلك الوساوس التي استبدت به، والتي تؤدي إلى عدم ارتياح من حالته بأي حال من الأحوال.

ويؤكد الكاتب أن القارئ يمكنه ملاحظة أن الرجل يبدو حريصا عن الاستعانة عن الحوار بالايماءات النفسية المعبرة عن الجو العام للموقف، فيبدو الأمر وكأننا أمام “سيناريو” يتحول في ذهن المتلقي إلى مجموعة من الصور تسهم في تحقيق دفعة للحدث، وهذا ما ندركه من خلال سلوك الرجل الفوضوية حين يتحول إلى جبهة الدمى حيث الصمت وموت المشاعر الإنسانية .

لا يتوفر وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت