“القمر لو غاب”… عرض لم يخدع أحد / نسرين نور

تصوير: مدحت صبري & اسلام أبو النجا

عرض ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورة السادسة عشر العرض المسرحي ” القمر لو غاب ” على مسرح السلام بالقاهرة. من إنتاج الشركة الشرقية للدخان، ذلك تبعا للأسس التي بني عليها المهرجان وتتضمن مشاركة جميع الفئات المنتجة للمسرح في مصر شاملة القطاع الخاص والمستقلين ومتضمنة لأفضل إنتاج الجميع تبعا لمعايير لجنة المشاهدة والاختيار.

رغم اختلاف ذائقتي الفنية_وهي ما احاول أن انحيه_ عن محتوى العرض إلا أني استطعت لمس ما فيه من جمال وميزات.،بعضها فني وبعضها يخص النواحي الإدارية ولنبدا بالفني.

أولا: استطاع العرض الإبقاء على الجمهور داخل صالة العرض لآخر دقيقة ويعود ذلك لانضباط إيقاع المشاهد وسرعة الأحداث. ثانيا: عرض متسق مع ذاته لا يشذ أي من عناصره عن طبيعة هذا النوع من المسرحيات ذات الحبكة الواضحة ” حب وكراهية إثنان في واحد” والثيمة الأشهر ” الثأر ” وعالم مليء بالساحرات والجنيات والخرافات والحكايا الشعبية تشبة في تكراراها ما نقرا في التراث الإنساني. ذلك يتضمن أدق التفاصيل ” استخدام أسماء شعبية ذات دلالات مثل قمر نور فجر مهران حسن…إلخ ” مرورا بإستخدام أساليب الموت العشوائي برصاص طائش والتخلص من الجثث بألقائها في الرياح. لكن ذلك الموت العشوائي ليس مجانيا فهو يخدم القصة ويدفع بالحدث للأمام.

القصة لا تطمح إلى الوصول لما هو خارق ولا تعدك بالمزيد وتقول ما تريد بوضوح وهو أن من يزرع الشوك يجني الجراح.

لا يتوفر وصف.

عبرت جميع عناصر العرض المسرحي عن اتساقها مع مضمون العرض وبيئته التي اختارت كما أسلفت نمط متكرر من الحكايا واودعته في المجتمع المفضل لأصحاب تلك الحكايات وهو صعيد مصر . تلك الحكايات تناسب أي مجتمع ناىء بعيد عن المدينة. والسؤال لماذا الصعيد بالذات؟ لماذا هو الوجهة المفضلة عن البدوي والريفي من الدلتا أو النوبي في أقصى الجنوب؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا استعراض البدائل. الريفي قريب بشكل زائد عن اللزوم. والبدوي بعيد بشكل زائد عن اللزوم. أما النوبي تأبى خصوصيته على استخدامه في تلك الحكايات. فمن أين لك كل هؤلاء الممثلين من ذوي البشرة الداكنة، وإن استخدمت المكياج ظهر جليا الادعاء. كما أن للمجتمع النوبي صورة ذهنية رسختها السينما المصرية ويصعب جدا الابتعاد عنها. إذن الصعيد هو المجتمع المفضل. حرص مقدمي العرض على اللهجة وتوحيدها فذلك ما يكون عادة مفتقدة في مسلسلات وعروض أخرى وهو عدم توحيد لهجة المكان. كلها صعيدية ولكنها من اماكن شتى.

تضمن الديكور عناصر حية أو شبه حية كأفرع الأشجار واختار معها لباقي العناصر اللون المناسب وهو لون الخشب. احتوى الديكور على رسومات لموتيفات شعبية كخمسة وخميسة وطائر الحمام. كما تضمن الزير والقلة وكلوب نمرة خمسة والسبت الجريد وما إلى ذلك. ورغم تعدد عناصره إلا أنه لم يتسبب في التشويش ولم يؤذي العين.

شكلت الملابس والاكسسوار وحدة متناغمة متسقة مع باقي عناصر العرض. استخدامها للألوان الصريحة ذات الدلالات الواضحة “الأحمر للغواية، الأسود للغل والحداد، الأبيض للروح الطاهرة لنور…إلخ. ما يعد تماشيا مع الحكايا ككل.

من الفنيات التي تحسب للمخرج، حسن إختيار الممثلين “إن كاست” بلغة أهل المهنة. وتميز هؤلاء أنفسهم بالإخلاص الشديد والجدية التي ياخذ بها الممثل دوره. ينطبق ذلك على الجميع بدأ من الكبار وصولا لاصغر راقص للدراما الحركية.

لا يتوفر وصف.

وقد تميز الفنان حسام التوني العائد للتمثيل بعد غياب لم يؤثر على لياقته الفنية، حيث تمتع بنشاط ملحوظ في العمل المسرحي نمت عنه كل خلجة ونظره، مع اتقان للهجة وحرص على توضيح المراحل العمرية للشخصية وابرازها في الصوت والحركة. كذلك حسين مراد، الشاب مهران فمن المتوقع تبلور تميزه مع كثرة المران فلا ينقصه الحضور أو الموهبة وقد يتمرس مع الأيام، إن شاء وإن شاءت الأقدار استمراره في العمل المسرحي.
حين يهتم ممثل يلعب دورا ثانويا باكسسواراته، فيدخل حاملا عود قصب ليمصه أثناء المشهد، والحرص على اضفاء لون ما على دور ثانوي ونمطي لأحد الاتتباع لهو من حسن الفطن وحب العمل والإخلاص له. وقد رد له الجمهور التحية بأحسن منها.
أما هدير محمد من لعبت دور الغازية فجر. فرغم نمطية الدور إلا حضورها الأنثوي اللافت وشدة تناسبها مع الدور وحفظها الأكيد لما تلقيه من تعاويذ متشابكة، متشابهة اضفى على الشخصية مصداقية وعزف نغمة لافته متماشية ومضيفة للعمل ككل.
الموسيقى اضفت على المشاهد ومنولوجات الممثلين بعدا يمس الروح ويناسب الايقاع العام للعمل رغم وجود بعض الافكتات الشاذة نسبيا مثل استخدام مربعات ابن عروس بشكل عارض وضعيف التأثر وفي زمن لا يتعدى الثواني.
لا يتوفر وصف.
قلت في البداية أن اللافت كان بعض الجماليات الفنية والإدارية.، أما الفنية فقد اسهبت في ذكرها، و أما الإدارية فتتمثل في الانضباط، فمع وجود ممثلين وراقصين معا بهذا الكم وهدوء الكواليس فهذا يحسب لكاست الإخراج ككل. ويبقى سؤال ظل يتردد في ذهني، لماذا اذهب للمسرح لمشاهدة ما يمكنني رؤيته في التليفزيون؟!
العرض المسرحي “القمر لو غاب”تاليف وإخراج حسين العشماوي تمثيل: حسام التوني، زهرة ابراهيم ،هدير محمد، محمد امين عمر محمد، مارتينا رؤوف. ديكور: محمد عشوائي إعداد موسيقي: كريم العربي إضاءة: محمود علاء استعراضات:صافيناز محمد مكياج: دهب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت