الدورة 30 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بين مردودية ركحية ضعيفة وتضخم مؤشر ضيوف اشباح
سأقول كلمتي… ورزقي على الله
اسدلت الستارة مؤخرا على فعاليات الدورة 30 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، التي نظمتها وزراة الثقافة، برغم الأزمة الاقتصادية، التي يمر بها العالم من جراء تداعيات كوفيد 19، وما يتطلب ذلك من ترشيد للنفقات وحسن تدبيرها، إلا ان أرض الكنانة أعلنت حالة مناهضة لما تمر به من مخاضات وأزمات وتصر على ديمومة تواصل دورات مهرجانها كتقليد سنوي لاستقبال العروض المسرحية التجريبية وتقديم أحدث التطورات في المشهد المسرحي محليا وعربيا وعالميا، وفتح سوق فني ثقافي يساهم في إنماء الانتاج المسرحي.
ولا يختلف اثنان على ان المهرجان المسرحي فضاء مفتوح لطرح هموم وارهاصات المسرحين لتحليلها ومناقشتها، وكذا لخلق جسر للتعاون وتبادل الخبرات وتطوير المهارات. لأنها ظاهرة فنية ثقافية ليست ضياعا للوقت، وإنما اقتصاد حقيقي علىنا إنماءته وإزدهاره. فهل ياترى هاته الدورة حققت الرهانات المتوخي منها ؟؟ وهل استطاعت أن تكون قيمة مضافة للتركمات السابقة؟؟ هذا ما نسعى إلى مكاشفته من خلال ملاحظات (بعين محب وقلب غيور) سجلناها عن كثب و نرجو تفاديها مستقبلا .
قبل طرح هذه الملاحظات، وجب التاكيد على استبعاد تبرير غير منطقي يتجلى في مقولة: “خلال خمس أشهر الاخيرة فقط تم استناد مهام رئاسة الدورة الى الدكتور سامح مهران”. لأن الشخصية القيادية التي يتميز بها د. سامح مهران مدار مسيرته العلمية والعملية المشرفة (مدير مسرح الغد، رئيس المركز القومي للمسرح و الموسيقى و الفنون الشعبية، رئيس أكاديمية الفنون في الفترة (من 2009 حتى 2014 )، رئيس لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة..إضافة إلى رئاسته لذات المهرجان لمدة أربع سنوات متتالية (من 2016 إلى 2019) بعد توقف دام خمس سنوات، والأكثر من ذلك تغييره لمسار المهرجان ليصبح حاملا لاسم وصفة:”مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريي” ويتم استبعاد الطابع التنافسي فيه، لدليل قوي على حنكة د. سامح وسيطرته على كل جزئيات المهرجان.
أضف على ذلك تم الاستعانة بأغلبية أعضاء اللجنة العليا التي سبق لها الاشتغلال تحت إدارة د. سامح، إلى جانب أعضاء جدد لهم رصيدا رصينا في إدارة الأعمال المسرحية سواء ممارسة او تنظيرا او مواكبة اعلامية.
العروض المتنافسة… بين التجريب والتجربة
حسب تصريح اعضاء اللجنة العليا، تم رصد عدد العروض المتنافسة إلى:
ـ من 90 عرضًا مصريا تم اختيار عرضين: “الرجل الذي أكله الورق” وعرض “من أجل الجنة إيكاروس”.
ـ 8 عروض عربية من أصل 87 عرضًا : الروبة (تونس)، السيد والعبد (البحرين)، صادق النمك (السعودية)، فنتولين العودة (فلسطين)، قائمة الخديج (الإمارات)، ملف 12 (العراق)، ما يراوش (تونس)، نوستالجيا (الجزائر).
ـ 8 عروض أجنبية من أصل 88 عرضا : عطيل (جورجيا)، نيكي باديري (الكونغو، زامبيا، بلجيكا)، APNEA (إيطاليا)، الإلياذة (اليونان)، بوكوفيسكي (أرمينيا)، أنتيجون (ليتوانيا)، تابو (سوريا، ألمانيا)، Teenage god (فرنسا).
بينما لجنة التحكيم، التي تكونت من: المخرج المسرحي عصام السيد (رئيسا)، وعضوية كل من: أحمد كمال (مصر)، جهاد سعد (سوريا)، عز الدين بونيت (المغرب)، جيلز فورمان (إنجلترا)، أسيموي ديبوراه كاوي (أوغندا)، رالوكا رادوليسكو (رومانيا). والتي أفرزت في اختيارها (ما بين التقدير والفوز) سبعة عروض: 2 مصرية، 2 عربية: (العراق و الجزائر) و 3 اجنبية: (ليتوانيا وجورجيا، وكونغو). ممن توفرت فيهم شروط التجريب
امام هذه العملية الحسابية، لا يسعنا إلى طرح السؤال الآتي: اين التجريب في باقي العروض؟؟، وكيف تم اختيارها من للجنة المشاهدة؟ وماهي المعايير التي استندت عليها في الاختيار؟؟ خصوصا بعد مشاهدتنا ل18 عرض اكتشفنا هناك بعض العروض لا ملامح مسرحية لها ولكنها استطاعت أن تقتنص بطاقة الضمان على حساب اسم مهرجان عتيق. بينما هناك عروض قدمت فرجة بصرية سواء في توظيفها لغة الجسد كملفوظ منطوق أو تلك التي قاسمت التشخيص بين البشر والدمى وهناك من ارتكنت على اللهجة المحلية حتى ولو انها لم تتمكن من أسلوب التجريب على الاقل قدمت مسرحا يحترم عقل المتفرج.
ليس ضروريا حشو المشاركة بالتمثيلية الجغرافية الغير المناسبة ولا الملاءمة للتجريب، بل بمدى حمولاتها الابداعية وجاذبيتها للمشاهدة التي حتما ستضيف للمهرجان ولو من باب مواكبة المتواصلة للجمهور. أحسن بكثير لما ارتكبته المهرجان في حق تاريخه وشموخه وصيته.
وبما أن المهرجان من تنظيم مؤسسة عمومية (وزارة الثقافة) اقترح ان هذه الاخيرة تفتح باب التعاون مع نظيرتها بالعالم من خلال الملحقات الثقافية للسفارات، اولا سيوفر على المهرجان اكراهات توفير التذاكر للفرق المشاركة، ثانيا يضمن مشاركة احترافية تتوفر فيها معايير “التجريب” من جهة ومن جهة تعفى من عمليات العرض والطلب بدفعها مقابل مادي تحت يافطة (شراء العروض) من الفرق الخاصة.
بما ان المهرجان استعاد الطابع التنافسي، اقترح تقديم أوراق نقدية ودراسات حول المسرحيات المعروضة وتوكل هذه المهام لنقاد حقيقين وباحثين جادين وممارسين محترفين واعلاميين متخصصين في المجال لهم من تراكم التجربة بما يصلح لهذه المسؤولية.
الندوة الفكرية… ورقات فصلت لشخصيات وليس لتجارب:
رافق الدورة 30 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وعلى مدار اربعة أيام ، مؤتمرا فكريا تحت عنوان: “الجغرافيا الثقافية والتجريب في المسرح” تناولت ونوقشت محاوره تجارب مسرحية محلية وعربية. لكن هل احترمت ما جاء في مقترحات المهرجان (وفق الاعلان المؤرخ في 5 يوليو 2023) وهي:
1- ما هي عمليات التأسيس والابتكار للمشهد التجريبي المعاصر .
2- ما هي علاقة التجريبي بين المحلي والعولمي.
3- ماهي علاقة التجريب بالثقافة الشفاهية.
4- سمات المشهد التجريبي العربي .
او حتى ما اقترحته اللجنة العلمية:
1- التجريب المسرحي في مصر .
2- التجريب المسرحي في الخليج العربي.
3- التجريب المسرحي في الشام والعراق.
4- التجريب المسرحي في المغرب العربي.
5- التجريب المسرحي في المهجر.
هل كانت مدة الانجار المطلوب كافية والتي حددت في ((40 يوما) تاريخ: 15 اغسطس/غشت 2023 آخر يوم (وفق الاعلان)؟؟ يعني قبل الافتتاح ب 15 يوما. هل البحوث التي شاركت جاءت نتيجة افراز لما احتوته استمارة المشاركة؟؟؟ أم فصلت لشخصيات مختارة مسبقا من الادارة العليا؟؟؟. وهل المحور الاخير “التجريب المسرحي في المهجر” اختزل في تجربتين عراقتين فقط؟؟؟ اين باقي التجارب العراقية، لو افترضنا ان هذا المحور خصص للبلد الشقيق العراق؟؟؟ ولو كانت عامة اين باقي التجارب العربية؟؟؟
من خلال حضورنا والمواكبة المباشرة لاطوار الندوة (بث مباشر سواء من موقع المهرجان او موقع مجلة الفرجة) تبث جليا ان اغلبية الورقات جاءت غير مكتملة في طرحها و معلوماتها وارتكبت بعضها أخطاء تاريخية مسرحية، مما نتج عنه استياء وهجوم (سواء من خلال مناقشة بعض الحضور، او في التعليقات على البث المباشر أو تدوينات الفيسبوكية). كما علمنا باستياء بعض من بعثوا بورقاتهم ولم يتوصلوا لا بالرفض ولا القبول وكأن الاستمارة مجرد تمويه اعلاني فقط،
هنا أوجه سؤالي للجنة العلمية: ماهي المعايير التي تم الارتكان عليها للتحكيم في البحوث؟؟؟ أين مآل البحوث المرسلة عن طريق الاستمارة؟؟؟ لماذا لا تتكلف اللجنة عناء الرد على أصحابها؟؟؟؟؟.
نعود لنقطة أخرى، وهي مهام تسيير/رئاسة الندوات، تم تسجيل تفاوت في الطريقة التي اتسمت أحيانا بعدم احترام الوقت، واحتكار السلطة، مما حرم البعض حتى من قراءة الخطوط الرئيسية لورقته. وهناك جلسات بها المحصل والأخرى لا…
الشيء بالشيء يذكر، حتى المحصلين اشتكوا انهم لم يتوصلوا بالورقات المطلوب مناقشتها وتحصيلها الا بمدة جد قصيرة (يوم قبل الافتتاح)
فلجنة علمية بمستوها الاكاديمي و الادراي وبعنوان كبير وعميق وجب منح الندوة الفكرية هيبتها ورصانتها الأكاديمية تتلاءم وقداسة المسرح….لان كل الورقات تعتبر بحثا محكما…
الاصدارات:
من ضمن حسنات الدورة الثلاثين، إصدارات مسرحية تنوعت ما بين ترجمات لدراسات وأبحاث علمية في المسرح وعلومه، هي: (الفنون الأدائية والشتات العربي في أوروبا) تأليف د. عمر فرتات، و(تمثيلات الهجنة الثقافية في المسرح) تأليف د. شيماء مكرم، و(الأدائية) تأليف إيريكا فيشر ليشته وترجمة د. مروة مهدي عبيدو، و(فن المسرح) تأليف جيمس هاملتون ترجمة: أحمد عبد الفتاح، كما يصدر المهرجان أيضا كتاب (مهرجان أبو الهول: أول مهرجان ميتافيرس في العالم) تأليف هايل على المذابي، وكتاب (نظرية الدراماتورجيا) تأليف جانيك زاتوفسكي وترجمة أحمد عبد الفتاح.
وهذه الدورة توزعت الاصدارت ورقيا وكذا عبر النت (منصة المهرجان) حتى يتوفر عليها كل المهتمين ببقاع العالم.
المركز الاعلامي…. بصيغة إلكترونية:
جرت العادة، وفي الدورات السابقة، المهرجان يتوفر على مركز اعلامي قار لكن للأسف هذه الدورة انقرض، كل معلوماتنا نحصل عليها عبر كروب واتساب، برغم تواجد فيلق كبير من الاعلاميين المحليين و بعض من العرب. فالمفروض يجهز فضاء خاصا تتوفر فيه كل الخدمات. ويستقبل فيه أيضا كل المواكبات اليومية للاعلاميين الضيوف. للاسف سجل بعض الاعلاميين اعادة نشر ما يتم توزيعه على الواتسب.. أين المهنية.. أين الاحترافية… ما هي الاضافة التي ساهم بها؟؟ أين التغطية الخاصة به؟؟؟
حتى النشرة اليومية اختارت ان تكون الكترونية، وثامن اعداد افتقرت لإجراء حوار واحد مع اكبر شخصية مسرحية عربية قيمة وقامة عرفتها الدورة (د. صلاح القصب)، اكتفت فقط بشخصيات محلية و رؤوساء بعض المهرجانات الخليجية.
الضيوف…بين التقادم والسياحة المسرحية
كما سبق وأشارنا أعلاه، أن هذه الدورة نظمت في ظروف اقتصادية خانقة وبعد انفراج طفيف من بعد حالة ترشيد للنفقات التي سلكتها البلد خلال النصف الأول من السنة..وكعادتها أم الدنيا تصر أن تلم الشمل باحتواءها وكرمها..وتنظم في شخص وزارتها للثقافة مهرجانها المسرحي الدولي السنوي (التجريبي) وتدعو إليه مسرحيين من بقاع العالم… لكن كان اللجنة العليا ان تقتصر على الضيوف المنتجة وليس المستهلكة…
كيف ذلك؟؟…. توزع ضيوف المهرجان على النحو التالي:
1/ ضيوف بمهام محددة: عضوية التحكيم، مشاركين/مسيريين للندوات، اعلام.
هاته الشريحة توزعت هي الاخرى لشطرين: الأول استمر في مهامه و متابعتها المتواصلة لكل فعالياته يوميا والثانية من يقوم بالدور المنوط به ويتبخر في أجواء سياحية.
2/ ضيوف أشباح: الذين لا دور لهم سوى مرافقة ركب سيد رئيس المهرجان، حضورهم مرهون بحضور شخصه سواء بالعروض او الندوات… واغلبيتهم هؤلاء من يحتسبون على التقادم الابداعي، بحيث لم نشاهد لهم أو نقرا لهم أي منجز مسرحي لمدة تفوق عقد من الزمن. يعني مستهلكين ومهيمين على تواجد كفاءات مسرحية حقيقية. للاسف تمتعت هذه الشريحة بكرم حاتمي شمل وسائل النقل (وصلت احيانا لسيارات خاصة)، حتى أماكن المسرح تحجز لهم باسم ضيوف الرئيس، تخيلوا معي صفا من اقسى اليمين الى اقصى شماله (حصل ذلك في احدى القاعات، مما جعلني استفسر فردوا علي صف خاص بالتحكيم والضيوف، فقلت حسنا لكن التحكيم به سبعة أشخاص ومن المؤكد يجلسون وطبعا لن يتفرجوا وهم مستلقيين… اذن هناك كراسي ستبقى فاغة… فرد علي الباقي لضيوف د. سامح، فرديت انا وزملائى أيضا ضيوفه.. فلولا تدهل أحد أعضاء اللجنة العليا و رئيس لجنة التحكيم لكان مصيرنا الشارع).
3/ ضيوف بدعوة غير شاملة للتذكرة و الاقامة: هؤلاء يصيرون اولا على الاقامة بنفس اقامة المهرجان و شراء كل الامتيازات، المهم يلتقطون صور تؤكد انهم فعالا متواجدين حتى ولو عل حساب مصداقية المهرجان. ومن يراهم يمتعض ويتهم المهرجان بالترهل والتميع.
يا سادة ياكرام، لو فعلا تحتسبون على المسرح، فهو فرجة الفقراء، فرجة البسطاء من يجد نفسهم قادرا على معايشة اجواء لابد ان يتحرر من النرجسية الفضفاضة فهي تعبر فقط عن جوع روح صاحبه… المهرجانات العربية الاخرى لم تسجل ذلك، فهي توفر حافلات للكل ماعدا لجنة التحكيم، اقامة موحدة للكل، لا تحجز امكنة لاحد، هناك مهرجانات توفر تذاكر العروض وتترك الحرية في اختيار الاماكن.. لا أحد يرافق رئيس ولا مدير مهرجان… التجريبي مهرجان عمومي وليس مهرجان سياحي مسرحي خاص.
وحتى الذين اتوا على حسابهم رجاء لا تشددوا الخناق على اقامة المهرجان، وتوقعون اللجنة المنظمة في حرج و ازعاج واضطراب.. انتم تتسببون لهم أيضا في مآزق هم في غنى عنها. لو فعلا قلبكم على التجريبي ومصر ساهموا في الحفاظ على العراقة و الأصالة والتواضع والبناء لهما..