نص مسرحي « حشرة القلاس » / تأليف: كريم الفحل الشرقاوي
شخوص النص
شخصية ممسوحة : شخص وجهه بلا ملامح ولا مقاسم.
المساعد الإجتماعي : يدير مكتبا مختصا في الرد على مكالمات الأشخاص المقبلين على الإنتحار.
عالمة الحشرات : باحثة مختبرية في علم الحشرات.
الجد المجند : جندي مسن متقاعد فاقد للذاكرة مصاب بهلاوس الحرب.
نجمة الإغراء : ممثلة سينمائية تصاب بتشوهات في وجهها بسبب لغم منسي.
الحفيد المجند : مجند شاب فقد رجله في حرب جديدة.
الغارة الأولى
تنفتح الإضاءة على الفضاء الركحي كاشفة عن خيمة عسكرية صغيرة تتسع لفرد واحد تنتصب في الوسط. يجلس أمامها على كرسي مربع قصير بدون مسند رجل مسن، أشعث، يرتدي بذلة عسكرية قديمة وخوذة الحرب ويحتضن بندقية خشبية كطفل أبله. بينما في الجهة اليمنى يجثم مكتب تزدحم فوقه الهواتف الثابتة يجمع ما بين الشكل المكتبي وشكل مجنزرة حربية كاريكاتورية. يجلس خلفه المساعد الاجتماعي الذي لا يرتدي سوى جوارب سوداء وقفازات سوداء وقبعة سوداء وسروال قصير إلى الركبة. يثرثر بدون انقطاع في سماعات الهواتف الثابتة دون أن يسمع صوته. بالتزامن مع ذلك تظهر على الشاشة الكبير المثبتة في خلفية الركح أعداد لا تحصى من الأفواه البشعة تثرثر بشراهة في الهواتف. وفجأة يقتحم الشخص الممسوح الوجه الفضاء الركحي ويفتح مظلة صغيرة ملونة وينخرط في رقصة تعبيرية شاعرية، فتظهر على الشاشة آلاف الآذان وهي تتساقط حول الأفواه الثرثارة كأوراق الخريف الجافة. وفي نهاية المطاف يستقر الشخص الممسوح الوجه منتصبا في الجهة اليسرى تحت بؤرة ضوئية مستظلا بمظلته الملونة. قبل أن يرفع يده بهدوء ويكتب كلمات في الفراغ ثم يمسح ما كتبه بأكمامه. تتعالى رنات الهواتف الثابتة. يرتفع تدريجيا صخبها مثل صافرات الإنذار.
المساعد الاجتماعي: (يرد على أحد الهواتف) ألو (يبعد السماعة عن أذنه) المعتوه .. بصق في وجهي وانتحر (يسجل الحالة على الحاسوب. يرن الهاتف من جديد فيرفع السماعة) ألو .. هنا المكتب المختص في الرد على الحالات المقبلة على الانتحار (ينصت وهو يتمخط أنفه) أنت الآن في حديقة الحيوان.. وستلقي بنفسك في بحيرة التماسيح.. جميل.. هل تعرف السباحة؟ جميل لا تعرف .. هل ستقفز بثيابك أم بالمايوه أم أملط؟ لا تقل لي بأنك ستكشف عن عورتك أمام إناث التماسيح العفيفات الطاهرات (يفتعل قهقهة باردة وهو ينصت في السماعة) لا تغضب.. نعم أنت محق .. لساني قديدة متعفنة .. ولكن إسمعني يا صديقي (بخشوع وشاعرية مفتعلة) قبل أن تقدم نفسك قربانا لمقصلة الموت.. أترك لنا كلماتك الأخيرة.. كلمات تضئ بها عتمة هذا العالم المتهالك.. أترك لنا بقاياك.. وصاياك.. خطاياك .. شظاياك..عشقك الأبدي للغياب..هيا يا صديقي..أترك الحروف الثائرة تنساب من ثقوب ذاكرتك كالشلال.. كالإعصار.. كالطوفان (يبعد السماعة عن أذنه ثم يضعها في اشمئزاز) هذه المرة لم يبصق في وجهي (يدون في الحاسوب) ألقى بنفسه في بحيرة التماسيح بعد أن أسمعني شرشرة تبوله في السماعة (يرن الهاتف من جديد يرفع السماعة وهو يتمخط أنفه) ألو .. هنا المكتب المختص في الرد على الحالات (يرن هاتف ثان يرفع السماعة ويلصقها بالأذن الثانية وهو يتم جملته) المقبلة على الانتحار (يرد على السماعة الأولى) تعتزمين سيدتي .. ابتلاع سم الفئران بعد أن ماتت قطتك .. فلذة كبدك المدللة (يعود إلى السماعة الثانية) توجه الآن بندقية الصيد إلى حلقك .. لأنك عدت من تلك الحرب المجنونة وأنت مصاب بنوبات السعار المزمن (يبعد السماعة عن أذنه) سعاره يخترق مخيخي (يرن هاتف جديد يضع السماعة الأولى ويرفع الثالثة) وأنت سيدي؟ تعتزم شنق نفسك لأن شركاتك أفلست كلها بسبب التداعيات الاقتصادية لتلك الحرب البعيدة (يرن هاتف رابع و خامس وسادس وسابع … يرفع كل السماعات و يضعها بمحاذاة المانيوتوفون ثم يضغط على الزر لينبعث صوته الشاعري من جديد) قبل أن تقدموا أنفسكم قرابين لمقصلة الموت .. اتركوا لنا كلماتكم الأخيرة .. كلمات تضيؤون بها عتمة هذا العالم المتهالك .. أتركوا لنا بقاياكم .. وصاياكم .. خطاياكم .. شظاياكم .. عشقكم الأبدي للغياب .. دعوا الحروف الثائرة تنساب من ثقوب ذاكرتكم كالشلال .. كالإعصار .. كالطوفان … )يرن هاتف أحمر ثابت فيلتقط المساعد الاجتماعي السماعة بسرعة وهو يغلق المانيوطوفون) مرحبا سيدي المراقب العام (ينصت باهتمام).
الشخص الممسوح الوجه: (يرفع يده بهدوء ويكتب في الفراغ ثم يمسح ما كتبه بأكمامه).
المساعد الاجتماعي: طبعا سيدي .. التقرير الشهري أمامي.
الجد المجند: (يزعق بصوت أجش في هاتف لاسلكي بلاستيكي للأطفال) لقد سبق وأن أخبرتكم في اللاسلكي بأن العدو يزحف.. أكرر يزحف.
المساعد الاجتماعي: (في الهاتف) صحيح سيدي.. لقد ارتفعت نسبة الإنتحار بين الساكنة خلال شهر أبريل بشكل مقرف.
الجد المجند: (يزعق من جديد عبر الهاتف اللاسلكي البلاستيكي) إن موقفنا في الجبهة الشمالية دقيق جدا.. أكرر .. دقيق جدا.
المساعد الاجتماعي: (يرمق الرجل المسن بنظرات حادة) شوت (ثم للهاتف) عفوا سيدي المراقب العام لست أنت المقصود .. حاضر سيدي (يعبث في أوراق التقرير بارتباك وقلق).
الجد المجند : إن موقف كتيبتنا في الجبهة الشمالية حرج للغاية .. أكرر .. حرج للغاية.
المساعد الاجتماعي : (يضع سبابته على فمه مطالبا الجندي المسن بالصمت ثم يتم حديثه في الهاتف) نسبة الذين تراجعوا عن فكرة الانتحار بتدخل هاتفي من مكتبنا بلغت صفر فاصلة واحد في المائة (ينصت بقلق) أوافقك سيدي .. إنها نسبة ضئيلة جدا .. لكن (ينصت بتوتر).
الجد المجند : (ينهض وينبطح على الأرض ثم يزحف على بطنه مستعينا ببندقيته الخشبية).
المساعد الاجتماعي : (في الهاتف) أنت على حق سيدي (يحول السماعة بتوتر إلى أذنه الثانية وهو ينحني بجسده ليراقب زحف الجندي المسن) إني أقوم بكل ما في وسعي لكي أقنعهم .. ولكنها حالات مستعصية .. حالات ميؤوس منها.
الجد المجند: (وهو يزحف) خذوا حذركم أيها الرفاق .. كتيبة من مشاة العدو تخترق الحزام الشمالي للجبهة (يتحول زاحفا نحو اليسار) لقد انطلق الزحف نحو الجحيم أيها الرفاق ..
المساعد الاجتماعي : (يقف مرتبكا والسماعة ملتصقة بأذنه) عفوا سيدي المراقب العام هناك حالة استنفار .. أقصد هناك حالة عاجلة مرشحة للانتحار .. أنا مضطر لإغلاق الخط (يغلق السماعة ويتجه نحو الرجل المسن غاضبا).
الجد المجند: (يوجه البندقية الخشبية نحو المساعد الاجتماعي) مكانك أيها الخنزير البري .. ضع ذراعيك خلف رأسك .. وإلا حولت جسدك إلى قنوات للصرف الصحي.
المساعد الاجتماعي: (يحاول الاقتراب منه) .
الجد المجند : قف مكانك .. وإلا أفرغت بندقيتي في قفاك .. أكرر في قفاك .. هيا استدر كي أميز قفاك عن بطيختك المغروسة بين كتفيك.
المساعد الاجتماعي: (يرن هاتف بالمكتب فيهرع إليه) ألو .. هنا المكتب المختص في الرد على الحالات المرشحة للإنتحار.
الجد المجند: (يزعق بأعلى صوته) أيها الجنود الأشاوس .. اخترقوا أحزمة العدو .. هيا يا رفاق السلاح .. تقدموا (يلقي بقنابل يدوية وهمية بعد انتزاع فتيلتها بأسنانه) هيا يا رفاق السلاح تقدموا (فجأة ينزلق طاقم أسنانه الاصطناعي من فمه فيلتقطه ويرجم به المساعد الاجتماعي ثم يزحف نحو المكتب) أكرر تقدموا ..
المساعد الاجتماعي : (ينحني برأسه حتى لا يصيبه طاقم الأسنان الإصطناعي ثم يغلق السماعة ويهرع نحو الجندي المسن ليسحله بالقوة من تحت المكتب).
الجد المجندى : (يتمطط كالأطفال) سأدمركم جميعا .. أكرر .. سأدمركم جميعا ..
المساعد الاجتماعي: (يحمل الجندي المسن من خلف ظهره ويعمد إلى إجلاسه بالقوة فوق الكرسي القصير) إجلس في مكانك .. هذا أمر عسكري.
الجد المجند: (يستكين فجأة وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة بلهاء) أمر عسكري !!!(يقف ويقدم التحية العسكرية بصرامة وانضباط) أوامرك سيدي .. أكرر أوامرك سيدي.
المساعد الاجتماعي: إذا لم تهدأ .. سأشحن جثتك بالصعقات الكهربائية الجحيمية (يصرخ في أذنه) أكرر .. بالصعقات الكهربائية الجحيمية (يسحب مذكرة صغيرة من جيبه ويدون فيها بتوتر) عاودته حالة الهذيان القهري وكالعادة لا يهدأ ولا يستكين إلا بالأمر العسكري.
الممسوح الوجه: (يرفع يده بهدوء ويكتب في الفراغ ثم يمسح ما كتب بأكمامه).
المساعد الاجتماعي: (يرن أحد الهواتف فيتردد فترة ثم يلتقط السماعة بامتعاض) ألو .. هنا المكتب المختص في الرد على الحالات المرشحة للانتحار .
(يظهر على الشاشة الكبيرة فضاء مسلخة غرائبية. تتدلى من الأعلى مشانق حديدية حادة وسلاسل وحبال وجرذان سمينة معلقة مسلوخة الجلد. يظهر الحفيد المجند وهو ينتعل حذاء عسكريا ويعتمر خوذة الحرب ويرتدي بزة قصاب بيضاء ملطخة ببقع الدماء المجمدة. ويتزين بأكسسورات وسلاسل ذهبية ونظارات شمسية ذهبية فاقعة).
الحفيد المجند: (من خلال الشاشة) مهمتك المستعجلة هي إسعافنا بأنجع السبل المؤدية إلى الإنتحار مع استعمال الوسائل الأكثر إثارة وفرجة ومتعة وإثارة وتشويق.
المساعد الاجتماعي : (من خلال الهاتف الثابت) أنت ؟؟!!!
الحفيد المجند: أفكر في تنظيم عرض أزياء رجالي باذخ وصارخ وفاضح .. سأسميه معرض الجثث المتفحمة .. سأمشي عاريا وسط الحضور وأضواء الكاميرات منتشيا بالنار وهي تلتهم لحمي .. ورائحة دخان شحمي المشوي تزكم أنوف الحاضرين .. أليست هذه فرجة انتحارية استعراضية صاخبة يا … أبي.
المساعد الاجتماعي : لا يا بني .. أتوسل إليك .. تخلص من هذه الهواجس الشيطانية المجنونة .. حاول أن تطردها .. أن تكنسها .. أن تقتلعها من مخيلتك اقتلاعا .. واعلم بأننا ننتظر عودتك إلى بيت العائلة كواحد من أبطال الحرب العظام.
الجد المجند: (يزعق فجأة) يا أبطال الحرب العظام .. إزحفوا نحو الأمام (ينخرط في المارش العسكري).
المساعد الاجتماعي : أسمعت .. جدك أيضا يعتبرك من أبطال الحرب العظام.
الحفيد المجند : مهمة بطلكم يا جدي .. انتزاع الكلمات من حناجر أسرى الحرب .. كنت أقتلعها اقتلاعا من جلودهم ولحمهم وعظامهم (يصرخ) أنا بطل المسالخ يا جدي (يشرع في سلخ جلود الجرذان) أنا الجزار .. الجراح .. القاطع .. الباتر .. الباقر .. اللاسع .. الحارق .. اللاذع .. اللاذغ .. القاضم .. الكاسر .. الناهش .. أنا البطل (يرقص ويغني على إيقاع أغاني الراب) أنا الجلاد .. الجزار .. الجراح .. القاطع .. الباتر .. الباقر .. اللاسع .. الحارق .. اللاذع .. اللاذغ .. القاضم .. الكاسر .. الناهش .. أنا البطل… (ينتقل راقصا بين الجرذان المسلوخة).
المساعد الاجتماعي: (يرن هاتف في مكتبه ثم ثان وثالث ورابع وخامس. تتوالى رنات الهواتف) هذه الهواتف اللعينة أعلنت علي الحرب.
الجد المجند: (يزعق) الحرب !!!(يوجه بندقيته الخشبية في كل الإتجاهات بينما المساعد الاجتماعي ينخرط كليا في ثرثرة مسعورة مع السماعات) لقد اندلعت الحرب في الجبهة الشمالية .. إلى السلاح يا رفاق السلاح (يقلد صوت الرصاص وينخرط في حرب وهمية).
الحفيد المجند: (مازال على الشاشة يرقص ويغني كلماته على إيقاع أغاني الراب).
(تكتسح المكان أبخرة الدخان .. ترتفع إيقاعات طبول الحرب المقعرة .. ينخرط الشخص الممسوح الوجه في رقصته الأنيقة بمظلته الملونة وسط الدخان).
إظ…………..لام
الغارة الثانية
على خلفية طبول الحرب التي ينبعث صداها البعيد من العمق القصي المقعر. يخترق ممر ضوئي ضيق كالخيط الرفيع ظلمة الركح لتمر في كنفه حشرة كبيرة سرعان ما يختفي أثرها في الاتجاه المعاكس. تنفتح الإضاءة على نفس الفضاء. يظهر المساعد الاجتماعي خلف مكتبه / مجنزرته الكاريكاتورية أمام الهواتف المتعددة وهو يدون في الحاسوب. تدلف عالمة الحشرات وهي امرأة ضخمة الجثة، بدينة وثخينة جدا. ترتدي بزة بيضاء وحذاء رياضيا.
عالمة الحشرات : (تطلق صفيرا عاليا) أنا هنا أيها الرشيق.
المساعد الاجتماعي: (ينهض ويفتعل انحناءة برأسه) مرحبا بضخامتكم.
عالمة الحشرات: (تطلق العنان لقهقهاتتها الصاخبة قبل أن تتجمد في مكانها بعد أن لا حظت انتقال الخيمة العسكرية الصغيرة من مكانها) كأني بهذه الخيمة الصغيرة قد انتقلت من مكانها ؟!!!.
المساعد الاجتماعي : (وهو يداري ارتباكه) لا شيء يا ضخمتي ينتقل ويهتز ويرتطم ويتلاطم في هذه الغرفة سوى أرطال لحمك وشحمك.
عالمة الحشرات: (ترسل قعقعاتها الصاخبة) لقد تدربت طوال اليوم على الرقصة التي سأتحفك بها ليلة زفافنا .. أنظر يا عزيزي (تنخرط في الرقص وفي نهاية رقصتها تتجه نحوه ثم تجره من ذراعه قبل أن تحضنه بعنف وهي تراقصه).
المساعد الاجتماعي: (وهو يختنق) أتوسل إليك يا ضخمتي .. أتركي لي فرصة لأكتب وصيتي الأخيرة .. ثم احضنيني كما تشائين.
عالمة الحشرات: (ترسل قعقعاتها الصاخبة من جديد) كيف لرجل مثلك .. يتلقى عشرات المكالمات يوميا من المنتحرين .. ومازال يملك روح الدعابة.
المساعد الاجتماعي : وكيف لامرأة مثلك .. تعيش يوميا بين الديدان والدبابير والبزاقات والحشرات المقززة … ولها شهية خرتيت من خراتيت العصر الجوراسي.
عالمة الحشرات: أقسم بأنني عندما أحضنك أحس بنفس مذاق جبنة تشيز بورغر المنصهرة باللحم المفروم حين أطحنها تحت أضراسي طحنا (تعود لقعقعاتها الصاخبة قبل أن تتجمد في مكانها بعد أن لاحظت من جديد انتقال الخيمة العسكرية الصغيرة من مكانها) لا تقل لي بأن هذه الخيمة الصغيرة لم تنتقل إلى هناك !!!
المساعد الاجتماعي : (يلكز بطنها مداعبا كي يحول تركيزها عن الخيمة) لا شيء يتحرك .. مجرد تهيئات يا ضخمتي.
عالمة الحشرات: ( تهتز أرطال لحمها من فرط قهقهاتها المدوية قبل أن تطلق العنان لشخيرها الفظيع) الظاهر أني سأفعل بك ليلة زفافنا ما تفعله عادة حشرة القلاس بذكرها.
المساعد الاجتماعي : وماذا تفعل حشرة القلاس ببعلها السيد أبو القلاليس؟
عالمة الحشرات : تلتهمه حيا .. قطعة قطعة في ليلة زواجهما.
المساعد الاجتماعي : يا إلهي .. حيا !!! وقطعة .. قطعة ؟؟؟.
عالمة الحشرات : هي أنثى غيورة جدا .. تلتهم زوجها إلتهاما حتى لا تبقي منه زعنونة لأنثى أخرى
المساعد الاجتماعي : إنها حشرة سفاحة (فجأة يرن هاتف بالمكتب) تبا لهذه الهواتف اللعينة.
عالمة الحشرات : لدي فضول جارف لأراك وأنت تحاور الأشخاص المقبلين على الانتحار.
المساعد الاجتماعي: (يجلس أمام المكتب بخيلاء ويضغط على مكبر صوت الهاتف قبل أن يرفع السماعة) آلو .. هنا المكتب المختص في الحالات المرشحة للانتحار.
(في تلك الأثناء تظلم الحجرة وتعزل الإضاءة الدائرية التبئيرية المكتب حيث يتواجد المساعد الاجتماعي والباحثة البدينة. ليظهر على الشاشة الكبيرة رجل ذو صلعة براقة يرتدي بذلة أنيقة وهو يداعب محفظة جلدية فاخرة بأصابعه المزينة بخواتم متعددة).
المنتحر الأنيق: لقد فكرت في الانتحار بهذا (يخرج مسدسا من المحفظة الجلدية ويستعرضه بأناقة ثم يضعه في قلب فمه) ثم غيرت رأيي وقررت الانتحار بهذه (يخرج من المحفظة أنشوطة ويلفها بأناقة حول عنقه) ثم تراجعت عن فكرة الشنق وقررت الانتحار بهذا (يخرج من المحفظة أنبوبا للحبوب المنومة ويبتلعها في جرعة واحدة ثم يبصقها في وجه الشاشة) ثم غيرت رأيي وقررت الانتحار بهذا (يخرج من المحفظة منشارا كهربائيا صغيرا يشغله فيرتفع أزيزه) أكيد أن هذا سيكون أكثر استعراضية وفنتازية وفرجوية … (وفجّأة يخرج الرجل الأصلع من المحفظة جرذا صغيرا أبيض اللون. ليفصل رأسه سريعا بالمنشار الكهربائي فيتلطخ وجه الشاشة بدمائه قبل أن يشرع في لعق الشاشة بلسانه وهو يرسل قهقهات صاخبة. تختفي الشاشة وتعود الإضاءة كما كانت في السابق).
عالمة الحشرات: حالات مدهشة .. ممتعة .. لذيذة .. تثير شهيتي (تطلق العنان لقعقعاتها المجلجلة ثم سرعان ما تنكتم في حلقها عندما تلاحظ انتقال الخيمة العسكرية من مكانها. تصاب بالتوتر وتسرع لتقف خلف ظهر المساعد الاجتماعي) أقسم بأن هذه الخيمة اللعينة كانت هناك .. قبل أن تزحف كالتمساحة نحو الجهة الأخرى.
المساعد الاجتماعي : أرجوك يا ضخمتي تخلصي من هذا الهذيان ..
عالمة الحشرات :(تتحسس بطنها) كلما أحسست بالخوف تنتابني العطمطة والهطمطة.
المساعد الاجتماعي : لا تعطمطي ولا تهطمطي يا ضخمتي .. أرجوك إهدئي وحدثيني عن سر اهتمام مختبركم بحشرة القلاس.
عالمة الحشرات : (تتحدث بلذة غريبة وهي تهرش صدرها الضخم) حشرة القلاس .. أيها الرشيق .. حشرة غير عادية … تعيش تسعة أعوام تحت الأرض في حالة نشوء وتطور فيزيولوجي بطئ. وبعد اكتمال نموها تدفعها غريزتها الطافحة للخروج والعيش تسعة أسابيع على أغصان الشجر .. لتسعد بأشعة الشمس الدافئة قبل أن تموت بعدها مباشرة.
المساعد الاجتماعي : ماذا !!!؟ تقضي تسعة أعوام في النمو من أجل أن تعيش تسعة أسابيع فقط !!!؟ أية حشرة معتوهة هاته .
عالمة الحشرات: ما يهمنا من حشرة القلاس أيها الرشيق .. هي التسعة أعوام الأولى .. حيث يقتصر غذاؤها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون بشراهة.
المساعد الاجتماعي : آه فهمت .. فأنتم تهتمون بهذه الحشرة المغفلة البلهاء من أجل حل مشكل تلوث الأرض.
عالمة الحشرات : ( تعبث بوجنتيه ) تماما .. أيها النبيه.
المساعد الاجتماعي : ما أعرفه يا ضخمتي هو أننا اخترعنا المبيدات لأجل تطهير الجو من الحشرات .. لا استعمال الحشرات لتطهير الجو.
عالمة الحشرات: (تخرج من جيب بزتها البيضاء عينات من حشرة القلاس في أنبوب زجاجي) أنظر .. إنها أشبه بدبابة صغيرة أليس كذلك؟ (تتحرك الخيمة الصغيرة في اتجاههما قبل أن تظهر فوهة البندقية الخشبية من ثقب ممزق).
صوت الجد المجند : (يزعق مقلدا صوت الرصاص ) طاق … طاق … طاق …
عالمة الحشرات : (تنتفض وتهتز من الفزع لترتمي في أحضان الباحث الاجتماعي فيسقط أرضا من ثقل حجم الباحثة البدينة وتسقط هي فوقه).
الجد المجند: (يطل راس الجندي المسن من جيب الخيمة العسكرية الصغيرة وهو يصوب بندقيته في اتجاههما) ماذا تفعلين فوقه أيتها الدبابة البشرية الفاجرة؟
عالمة الحشرات : (تصرخ من الفزع وهي تتمرغ فوق جسد المساعد الاجتماعي الذي يئن من ثقل جثتها الضخمة).
المساعد الاجتماعي : (ينطق بصعوبة تحت ثقل جثة الباحثة البدينة) إني .. أخخ ..ختنق …
الجد المجند : (يزعق في الهاتف اللاسلكي البلاستيكي وهو مازال يصوب البندقية إليهما) يا رفاق السلاح .. لقد أرسل العدو دبابات بشرية لاغتصاب جنودنا المرابطين بالجبهة الشمالية .. أكرر .. لقد أرسل العدو دبابات بشرية لاغتصاب جنودنا المرا…
المساعد الاجتماعي : (يقاطعه وهو ينطق الكلمات بصعوبة شديدة) عد إلى خيمتك .. هذا أمر عسكري.
الجد المجند : أمر عسكري !! (يرسم ابتسامة بلهاء) أوامرك سيدي (يختفي داخل خيمته).
عالمة الحشرات : العطمطة والهطمطة القصوى .. بطني ستنفجر.
المساعد الاجتماعي : أنا الذي سينفجر إن لم تنزاحي عني (الباحثة البدينة تنزاح عنه لتجلس مفترشة الأرض. ترن الهواتف تباعا فيهرع إليها المساعد الاجتماعي وهو يلهث) آلو .. هنا المكتب المختص .. في الرد على .. الحالات المرشحة للإنتحار.
عالمة الحشرات: أقسم بكل الأديان السماوية بأن مختبر الحشرات جنة فيحاء مقارنة مع هذا البيت الجحيمي.
المساعد الاجتماعي : … ولكن … إسمعني جيدا يا صديقي (بخشوع وشاعرية مفتعلة) قبل أن تقدم نفسك قربانا لمقصلة الموت .. أترك لنا كلماتك الأخيرة .. كلمات تضئ بها عتمة هذا العالم المتهالك .. أترك لنا بقاياك .. وصاياك .. خطاياك … (يصرخ) لا تفعل .. إنتظر … الغبي لقد انتحر قبل أن أتم إلقاء خطبتي الرسمية (يضع السماعة وهو يتنهد) لقد شنق نفسه بنفس الطريقة التي إنتحرت بها زوجتي الراحلة.
عالمة الحشرات : لا تقل لي بأنك أسعفتها هي أيضا في لحظة انتحارها بخطبتك الرسمية.
المساعد الاجتماعي: وبماذا تريدين أن أسعفها .. بعصير الخيار والزنجبيل.
عالمة الحشرات: أكيد أن زوجتك المسكينة لم تتحمل سعار مكالمات المنتحرين .. وغزوات هذا الجندي الخرف المخبول.
المساعد الاجتماعي : لقد كانت سنة حزينة .. فقدت خلالها زوجتي .. وتعرضت بعدها ابنتي لحادث فظيع.
عالمة الحشرات : إبنتك؟؟!!!
المساعد الاجتماعي : كانت ابنتي المسكينة ممثلة سينمائية بدأت تشق طريقا نحو الشهرة (يرسل غمغمة حزينة) في فيلمها الأخير ستقوم بتجسيد قصة حياة راقصة شهيرة عانت من ويلات حرب أهلية .. ولأن بعض مشاهد الفيلم تم تصويرها في المواقع الحقيقية التي سبق لها أن شهدت المعارك .. سينفجر لغم منسي .. ستشوه شظاياه وجهها الجميل.
عالمة الحشرات : يا للكارثة …
المساعد الاجتماعي : حتى عمليات التجميل لم تستطع إنقاذ وجهها.
عالمة الحشرات : اللعنة على هذه الحرب.
الجد المجند : الحرب !!!(يزعق وهو يطل من جديد من جيب الخيمة العسكرية الصغيرة مصوبا بندقيته في اتجاه الباحثة البدينة) لقد اندلعت الحرب من جديد في الجبهة الشمالية .. إلى السلاح يا رفاق السلاح …
عالمة الحشرات: (تصاب بالذعر فتغادر المكان عدوا).
المساعد الاجتماعي: إنتظري يا ضخمتي .. إنه لا يؤذي أحدا (ينظر إلى ساعته) لقد حان وقت حصته النفسية العلاجية (يقدم للجد لعبة إلكترونية) حصة البلايستيشن ستريحنا من زعيقك ونعيقك ونقيقك (يغادر).
الجد المجند: (يتلقف لعبة البلايستيشن بشغف طفولي. يفترش الأرض ويوجهها نحو الشاشة. فتظهر على الشاشة الكبيرة ألعاب فيديو تحاكي حروبا طاحنة مدمرة موجهة عن بعد).
إظ…………..لام
الغارة الثالثة
تظهر على الشاشة امرأة شقراء رشيقة ذات قوام جميل ترتدي فستان السهرة الطويل الأسود . تخفي وجهها خلف قناع ذهبي لامع وهي تمشي الهوينى وسط منحوتات نساء من صبار التين الشوكي. تظللها ستائر شفافة تهتز تحت تأثير رياح خفية. في العمق يظهر الشخص الممسوح الملامح يعزف على كونترباص متفحم من آثار حريق قديم. وفجأة تنزع المرأة الأنيقة قناعها الذهبي الباذخ فيظهر وجهها المشوه قبل أن تشرع في الرقص بين تماثيل الصبار الشوكي على إيقاع المعزوفة الشاعرية لعازف الكونترباص المتفحم.
تختفي مشاهد الشاشة الكبيرة لتنفتح الإضاءة على نفس الفضاء ينضاف إليه في وسط عمق الركح كونطوار خشبي أنيق على شكل بار صغير تصطف على رفوفه الخلفية أنواع من المشروبات الكحولية. بينما الجد المجند جالس على المقعد القصير أمام خيمته العسكرية الصغيرة محتضنا بندقيته الخشبية كطفل أبله وهو يعب من قنينة ويسكي. على إيقاع موسيقى حالمة يدخل الشخص الممسوح الوجه وهو يدفع أمامه تمثالا من نبات التين الشوكي على عجلات صغيرة. ليقف في مقدمة الجهة اليسرى تحت إضاءة تبئيرية. في تلك الأثناء تدلف امرأة شقراء ذات قوام جميل رشيق. تضع على وجهها قناعا ذهبيا رقيقا وهي ترتدي فستان السهرة الأسود. تنتقل إلى مكتب المساعد الاجتماعي حيث تشتبك الهواتف المتعددة وتلتقط هاتفها اللاسلكي الوردي.
نجمة الإغراء: (تعاتب هاتفها بأسى دفين) إختنق رنينك .. لم تعد تنقل لي دردشاتهم الصباحية .. ثرثراتهم النهارية .. همساتهم المسائية .. هسيسهم الليلي .. كنت يا صديقي تشاركني بوحي الدافئ السخي .. وتقتسم معي أسراري الصغيرة المتسسللة من ثقوب سماعتك لتستوطن سراديب ذاكرتي المعتمة (…) لقد كنت يا رفيق الأيام الخوالي شاهدا على شلال مكالماتهم اليومية الناعمة التي تلفظها ألسنتهم المدلاة كأفعى مندسة تحت لحافي .. تحت جلدي المتنمل (…) لقد كانت ألسنتهم اللزجة تدمن لعق أحذيتي الفاخرة .. وتتبتل بألوان فساتيني الباذخة .. وتترصد أحلامي وكوابيسي الليلية .. لتسعف بها صحفهم اليومية ومجلاتهم الأسبوعية وقنواتهم المتناسلة كالجراد (…) لقد كنت يا صديقي القديم ترن .. وترن .. وترن بلا كلل ولا ملل ولا سأم .. وها أنت اليوم أبكم .. أصم .. كأحجار المعابد القديمة .. ومتيبس تيبس أوراق الخريف الجافة (…) لقد لفظوك يا صديقي الوحيد كقماشة بالية .. كقمامة متعفنة .. كجثة متحللة .. لهذا تراني لا أكف عن رتق أكفان الغمام وأنا ألملمك مع بقاياي .. شظاياي .. قصاصات مساءاتي السائلة .. قبل أن أشرع في تزيين حزني الأثير .. حزني الذي ينتعل كعبا عاليا ويمشي الهوينى على حافة الخسوف .. حيث اللا أنا .. واللا أنت .. واللا عالم. فقط .. حفنة من الغمام أستوطنها وتستوطنني بعد أن انسحبت مني ملامحي .. وانسحبت مقاسمي .. وانسحبت أساريري … (تنزع قناعها الفضي الأنيق فتظهر تشوهات وجهها) أنا المنسحبة دوما وأبدا .. نحو الغروب .. نحو الأفول .. نحو الغياب …
(على إيقاع موسيقى داكنة يترنح جسد الرجل الممسوح تدريجيا لتنسجم حركاته مع إيقاع الموسيقى ثم ينخرط في مراقصة التمثال الشوكي قبل أن يلتحم مع نجمة الإغراء في رقصة شاعرية سرعان ما تتحول إلى رقصة أدائية قاسية. تنكمش الإضاءة ليظهر على الشاشة الكبيرة حشر لا نهاية له لأجساد آدمية شبه عارية بدون ملامح تنتعل أحذية عسكرية. منخرطة في حفل راقص صاخب وسط حقل جليدي أبيض ينتشر في أرضيته الصقيعية نبات الصبار الشوكي والغربان السوداء. ليتحول هذا الحشر الراقص في نهاية المطاف إلى ركام مهول من الأحذية العسكرية والصبار الشوكي والغربان السوداء.
تختفي الشاشة لتنفتح الإضاءة الركحية من جديد على الرجل الممسوح الملامح واقفا بجانب تمثال الصبار الشوكي. يخرج من جيبه شفتين بلاستيكيتين مكتنزتين ويلصقهما بصفحة وجهه الممسوح الدلالة ويشرع في التدخين عبرهما وهو ينفث الدخان في الهواء بانتشاء حالم. بينما نجمة الإغراء منكفئة على كونطوار البار الصغير ترتشف كؤوس الويسكي بقلق وتوتر).
الجد المجند: (يتقدم نحو نجمة الإغراء حاملا قنينته وهو يتمايل ويقدم لها التحية العسكرية)أوامرك سيدتي قائدة المجندات الجاسوسات.
نجمة الإغراء : (تنفث دخان سيجارتها بتوتر دون أن تلتفت إليه).
الجد المجند: ما زال جنودنا في الجبة الشمالية يتحدثون عنك .. وعن قدراتك الخارقة على تجنيد المجندات الجاسوسات الفاتنات .. وتدريبهم على تقمص أدوار العاهرات والغانيات والمومسات والساقطات والسافلات والرخيصات والوضيعات .. بهدف اختراق غرف النوم المنيعة لقادة العدو (يعب من القنينة) وهذا ليس غريبا على القائدة الأولى .. والساقطة الأولى .. والغانية الأولى .. والعاهرة الأولى .. والسافلة الأولى … (يقدم لها التحية العسكرية فتنحرف قدماه قبل أن يستعيد توازنه محتضنا قنينة الويسكي من السقوط).
نجمة الإغراء : طبعا أنا نجمة الإغراء الأولى .. وسأظل نجمة الإغراء الأولى .. ولن أتنازل عن مكانتي .. أسمعت .. لن أتنازل (تعب من الكأس بتوتر).
الجد المجند: هل ستجندينني أنا أيضا لاختراق غرف نوم العدو؟
نجمة الإغراء : عد إلى خيمتك أيها الجد المعتوه .. هذا أمر عسكري.
الجد المجند : أمر عسكري!! أوامرك سيدتي قائدة المجندات (يقدم لها التحية العسكرية ويعود للمشي جيئة وذهابا أمام خيمته الصغيرة وهو يعب من القنينة بين الفينة والأخرى).
نجمة الإغراء : (تفرغ كأس الويسكي في جوفها ثم توقد بأناقة سيجارة ذات فلتر طويل فاخر. تستعيد بعض التوهج قبل أن تركب رقما هاتفيا) آآآلو .. ألم تعرفني يا عزيزي (ترسل ضحكات بدلال مفتعل ) أعذرني .. لم أتصل بك منذ فترة طويلة لأني أسدلت كل الستائر وأعلنت حالة طوارئ قصوى بعد إشتباكي مع شخصية سينمائية إختطفتني مني ومن الناس ومن العالم … إنها شخصية مذهلة … لدرجة أني أصبت بتشنجات في عضلاتي من آثار الشد العصبي الذي أنهكه إنفعالي مع هذه الشخصية اللعينة التي تلبستني كما الشيطان (تنصت ثم تضحك وهي تسحب نفسا كثيفا من سيجارتها التي ترتعش بين أناملها) أقصد عضلات رقبتي وليست عضلات الساقين أيها الخبيث … فأنا أعلم أكثر من غيري اهتمامك التاريخي بالساقين أكثر من أية بؤرة توتر أخرى في العالم (تطلق العنان لضحكاتها الرعناء) هل تعلم يا عزيزي أنه من أجل عيون هذه الشخصية الساحرة رفضت الكثير من الأدوار .. والكثير من الأفلام .. وأغضبت الكثير من المنتجين والمخرجين الذين ما زالوا يصرون على مطاردتي ليل نهار (تسحب نفسا كثيفا آخر وهي تحاول الإلتفاف على توترها حتى لا يتسرب إلى صوتها) لقد صرت مسكونة بهذه الشخصية اللعينة .. أنام على أضغاث أحلامها .. وأصحو على شلال أفراحها وأتراحها .. وأعيش على إيقاع حياتها الصاخبة .. باختصار يا عزيزي لقد انصهرت مع هذه الشخصية حد الذوبان والحلول في روحها .. لدرجة أني أفكر فعلا بالتقدم ببلاغ رسمي لدى مصالح الشرطة للبحث عني .. بعد أن تاهت مني شخصيتي الحقيقية (ترسل ضحكاتها الصاخبة) ماذا؟؟ لديك مشروع سينمائي أهم .. وسيدر علينا أموالا طائلة ؟؟ !!!(تنط وتقفز كطفلة طائشة) رائع .. هيا أيها الساحر .. أفرج عما في جرابك وحدثني عن مشروعك الجهنمي (تضحك ببهجة وفجأة تتجهم مقاسمها) ماذا !!!! فيلم عن قصة حياتي ؟؟ !!! هكذا إذن .. تريد أن تتاجر بمأساتي .. تريد أن تستثمر فجيعتي في بورصة أفلامك الساقطة .. تريد أن تصدر إلى قنوات العالم صورة نجمة الإغراء الفاتنة التي صارت مسخا .. وطبعا لن تسمي فيلمك الجديد الجميلة والوحش وإنما الجميلة الوحش .. آآآخخ .. أيها الخرتيت البدين المنتفخ .. أيها الخنزير الحقير الكريه ..(تبصق على السماعة ثم تشرع في المشي جيئة وذهابا بتوتر مرضي) كلكم تريدون أن تتاجروا بمأساتي .. كلكم تريدون تحويل فجيعتي إلى حفنة من الأموال الوسخة .. لكني أنا مازلت أنا .. أنا الجميلة دوما .. والفاتنة أبدا .. أنا قنبلة الشباب .. وفتنة الكهول .. وغصة الشيوخ .. وكابوس نسائكم البدينات المترهلات (تتجه نحو المجند المسن) أخبرهم أيها المعتوه بأن طابورا من المنتجين والمخرجين ينتظرون إشارة واحدة من أصبعي الصغير.
الجد المجند : شوت (وهو ما زال يمشي مترنحا جيئة وذهابا أمام خيمته) أنا مكلف بمهمة عسكرية استراتيجية سرية (يعب من القنينة) لقد تم انتقائي من بين آلاف جنود المعسكر لكي أقوم بهذه المهمة المستحيلة .. مهمة حراسة خيمة زوجة قائد الكتيبة (يغترف من القنينة وهو يتمايل) قال لي سيدي القائد .. أيها الجندي المحنك .. ممنوع أن يقترب أحد من خيمة زوجتي .. أكرر لا أحد ماعدا الجنرال .. وهو سر عسكري استراتيجي (يتجشأ) وعندما رأيت الجنرال يقضي بعض الليالي في خيمة زوجة قائد الكتيبة .. أدركت بنباهتي وفطنتي وعبقريتي العسكرية التي لا تخطئ أبدا (يتجشأ) بأن الجنرال يغير مكان مبيته لتمويه العدو .. شوت .. إنه سر عسكري استراتيجي (يتجشأ).
نجمة الإغراء : تقصد سرير عسكري استراتيجي أيها المعتوه. (تعود للكونطوار وتلتقط سماعة اللاسلكي من جديد وتركب رقما جديدا بينما يستمر الجد المجند في المشي جيئة وذهابا أمام باب الخيمة وهو يتمايل ويرتشف من القنينة على فترات متقطعة) آآآآلو (تستعيد بسرعة فائقة دلالها المفتعل) إشتقت إلى سماع بحة صوتك أيها الوسيم (تسعف كلماتها بدلالها لكن رنات صوتها سرعان ما ستحتد) كل ما يصلك عني مجرد إشاعات .. أنا لا أعاني من اكتئاب حاد .. أنا لا أعاني سوى من سعار الهواتف وضجيج مكالمات المنتجين والمخرجين الذين يتسابقون ويتنافسون لإنتاج مشروعي الجديد .. لكني طبعا تجاهلتهم جميعا .. واخترت المنتج الأكثر بريقا وجاذبية (تنتفض فجأة) لا تقل لي بأنك منشغل بمشروع آخر .. وإنما أنت – كما الأوغاد الآخرين – تلفظني كقطعة خردة بالية بعد الحادث الفظيع (تتحسس وجهها بأسى وألم ثم تنتفض من جديد) أنت لست إلا واحدا من أولئك السفلة الحقراء الذين كانوا يتاجرون بجسدي وصوري العارية في أفلامهم الرديئة الخليعة .. سأفضحك .. نعم سأفضحك في مذكراتي .. سأقشرك قطعة .. قطعة … سأعريك كقرد الشامبانزي اللقيط (تغلق السماعة بعنف وهي تعيد دفن عقب سيجارتها المنكمش كما تدفن جثة متعفنة. تلتقط بتشنج زجاجة الويسكي ثم تعب منها مباشرة).
الجد المجند : (مازال يمشي ذهابا وإيابا أمام خيمته العسكرية هو يترنح و يعب من قنينة الويسكي قبل ان يتمايل ويهوي جالسا على الأرض) هذه ليست أول مرة أسقط فيها من علو شاهق (مخاطبا قنينة الويسكي التي مازالت في يده) فكثيرا ما قفزت من الطائرات العسكرية في عمليات إنزال المظليين (يهز رأسه بافتخار وهو يتململ) ذات يوم ونحن نتأهب للقفز من الطائرة العسكرية .. طلبت من قائد العملية وتوسلت إليه أن يعفيني من القفز .. لأن أمي رأت في منامها بأن مظلتي لن تفتح هذا اليوم .. فاستشاط القائد غضبا وسلمني مظلته وارتدى مظلتي وهو يأمرني بالقفز .. غير أنه خلال قفزتي الناجحة رأيت القائد ينزل أمامي دون أن تفتح مظلته فصرخت فيه … ماذا حدث للمظلة يا سيدي القائد؟ فبصق وهو يهوي نحو حتفه .. تفو عليك وعلى أمك المنحوسة (تنفجر قهقهاته الغريبة وهو يتمطط بشكل مرضي).
نجمة الإغراء: (تصرخ بعنف) لا أريد أن أسمع قهقهاتك المريضة أيها الجد المعتوه هذا أمر عسكري.
الجد المجند : أمر عسكري !!! (يحاول النهوض بسرعة لأداء التحية العسكرية لكنه يسقط من جديد جالسا من آثار الكحول. يضع قنينة الويسكي بمحاذاة كتفه كالبندقية ويتقاطع معها بكفه مقدما التحية العسكرية) أوامرك سيدتي (يتجشأ) قائدة (يتجشأ) المجندات.
نجمة الإغراء : (تركب بتشنج رقما جديدا وقد بدأت آثار الكحول تؤثر على لسانها ) ألو .. أعذرني عزيزي .. فأنا متوترة ومنفعلة جدا (يشتعل لهب سيجارة جديدة بين شفتيها المكتنزتين كجمرة جحيمية) السبب يا عزيزي هو الإرهاق الذي سببته لي شخصية فيلمي الجديد الذي اخترتك لإخراجه أيها العبقري(تنصت بتوتر وانفعال مرضي) بالنسبة للإنتاج سأقترض من البنوك .. سأنتجه لحسابي الخاص .. مادام نجاح الفيلم مضمون .. وأرباحه أيضا مضمونة (تنصت وعيناها زائغتان من شدة الانفعال وهي تنفث سحبا كثيفة من الدخان كأنها تنفث سما زعافا في خلايا العالم) الشخصية التي سأجسدها .. تحكي قصة عارضة أزياء فاتنة بدأت حياتها من الصفر لتصبح مع مرور الأيام ملكة العارضات في العالم (يمتقع لونها فجأة) ماذا قلت؟ !! تنصحني بأن ألتحق بمعزل طبي للأمراض العقلية .. آآآخخ .. أيها الشاذ الحقير .. يا مخرج أفلام الخلاعة والدعارة ( تبصق على السماعة ثم تشرع في المشي ذهابا وإيابا وهي تعب مباشرة من زجاجة الويسكي) خنازير .. سفلة .. حيوانات قارضة ومنقرضة (تعب مرة أخرى من الزجاجة) سأنتقم منكم .. واحدا .. واحدا.. ( تفترش الأرض والقارورة في يدها) لقد أدركت الآن الحقيقة .. إنكم تريدون تدميري .. تريدون التشطيب على إسمي من قائمة النجمات الساطعات المتلألئات .. تريدون إصدار حكم الإعدام على نجمة الإغراء الأولى .. النجمة التي طالما ألهبت خيال ورغبات الجماهير في كل مكان ( تفتح جوفها للقنينة وتترك الويسكي يندلق على شفتيها وعنقها وصدرها ) سأدمركم .. سأنسفكم نسفا .. سأسحقكم كحشرة حقيرة .. سأعريكم في مذكراتي قطعة .. قطعة .. (تنهض وتسقط ثم تنهض وتمشي وهي تتمايل و تترنح) نعم سأفضحكم جميعا .. سأنزع عنكم أقنعتكم المزيفة .. سأكشف للعالم كل العالم عن عوراتكم .. وأوساخكم .. وقذارتكم .. سأنزع عنكم ورقة التوت وأقشركم كالبصلة قشرة قشرة … (تمشي وهي تتمايل متجهة نحو الكونطوار تسحب مسدسا من أحد الأدراج وتشرع في إطلاق النار في كل الاتجاهات وهي تصرخ وتتمايل وتترنح) خونة … خنازير …. سأنسفكم جميعا … سأسحقكم جميعا … سأدمركم جميعا …
الجندي المجند : إلى السلاح يا رفاق السلاح (يلتحق بها وهو يترنح و يسحب قنابل يدوية وهمية وينزع فتيلاتها بفمه ويقذف بها قبل أن يسقط من تأثير الكحول وهو يزعق بقوة) هيا يا رفاق السلاح … إخترقوا أحزمة العدو … إلى الأمام يا أبطال الحرب العظام …
(تكتسح المكان أبخرة الدخان .. يشرع الشخص الممسوح الملامح في الرقص مع التمثال الشوكي …………. ترتفع إيقاعات طبول الحرب المقعرة …………. ).
إظ………لام
الغارة الرابعة
تنفتح الإضاءة على نفس الفضاء مع اختفاء الكونطوار والبار. المساعد الاجتماعي غير موجود. تدلف عالمة الحشرات البدينة ثم تشرع في البحث عن أنبوبة حشرة القلاس التي سقطت منها سهوا.
عالمة الحشرات : (تتجه نحو مكتب الباحث الاجتماعي) غالبا ما تدحرجت أنبوبة حشرة القلاس تحت مكتبه عندما سقطنا معا على الأرض ( تبحث عنها تحت المكتب قبل أن تجد الأنبوبة ) أخيرا وجدتك يا قلاستي الشهية اللذيذة.
الجد المجند : (يتسلل من خيمته الصغيرة. يرمق الباحثة بنظرات غريبة. هذه الأخيرة تضطر للإنسحاب خلف المكتب متوجسة منه).
عالمة الحشرات : مرحبا (بتوجس) أنا الباحثة المشرفة على مختبر الحشرات .. جئت لاسترجاع أنبوبة حشراتي التي سقطت مني سهوا.
الجد المجند : (يزعق ويضرب صفحة جبينه براحة يده) الآن أدركت سبب هزيمتنا في تلك الحرب اللعينة .. أكيد أنك كنت ترسلين لنا حشراتك المفخخة لتنفجر في معسكراتنا بالجبهة الشمالية (يوجه إليها بندقيته الخشبية) كيف لم أفطن الى هذه الخطة الجهنمية .. كيف؟؟
عالمة الحشرات : عفوا سيدي .. إنها ليست حشرات مفخخة ولا معبأة … إنها حشرات ممتصة لثاني أكسيد الكربون.
الجد المجد : (يزعق ويضرب صفحة جبينه من جديد) ثاني أكسيد الكربون+الهيدروجين+النيتروجين +الأورانيوم .. يا إلهي .. إنها حشرات حاملة لرؤوس نووية.
عالمة الحشرات : (تريه عن بعد الأنبوب الزجاجي الذي يحوي الحشرة) أنظر .. تأكد بنفسك .. إنها حشرة القلاس التي نجري عليها التجارب في المختبر القريب من هنا.
الجد المجند : (يزعق وهو يتربص بها) يا لكم من شياطين … أنشأتم مختبرا عسكريا سريا لإجراء التجارب الجرثومية بواسطة الحشرات القلاسية (يهددها بالبندقية) تريدون تدميرنا بالوباء القلاسي .. تريدون مسحنا من الكوكب .. لن أسمح لكم بذلك (يخرج من خيمته الصغيرة قناعا ضد الغازات السامة) الآن .. سأمسحك مسحا أيتها الدبابة البشرية المتعفنة (يضع القناع ويهجم عليها).
عالمة الحشرات : (تصرخ وهي تدور حول المكتب وهو يتعقبها ببندقيته) بطني ستنفجر من العطمطة والهطمطة.
الجد المجند : (يتوقف فجأة) العطمطة والهطمطة ؟!! أكيد أنها كلمة السر لاقتحام موقعنا العسكري.
عالمة الحشرات : (مازالت تدور حول المكتب. فجأة تتعثر وتسقط منبطحة على وجهها).
الجد المجند : (يرتمي فوق جسدها المنبطح وهو يصيح) إنها طوافة من نوع كوبرا تحوم فوقنا (ينقلب فوقها على ظهره ويقوم بإطلاق الرصاص من بندقيته الخشبية على الطوافة الوهمية ثم ينهض ويجرها من ذراعها ويرغمها على ولوج الخيمة الضيقة ثم يعود أدراجه ليواجه ببندقيته جنودا وطوافات وهمية) أيها الأوغاد لن أدعكم تقتحمون الموقع (الباحثة تهتز داخل الخيمة الضيقة. يعود إليها ويلكزها في مؤخرتها ببندقيته من خلف ثوب الخيمة فتصرخ من الألم) اخرسي .. أيتها الدبابة البشرية .. الأعداء سيستدلون على الموقع من خلال عطمطتك وهطمطتك (يلكزها مرة أخرى ببندقيته فتصرخ الباحثة محاولة الإنفلات من الخيمة الضيقة) قلت لك لا تعطمطي ولا تهطمطي.
عالمة الحشرات : (حين تعجز عن الخروج من الخيمة الصغيرة الملتصقة بجثتها الضخمة تضطر للوقوف والمشي حاملة الخيمة الصغيرة دون أن ترى شيئا) أخرجوني من هنا .. أغيثوني …
الجد المجند : (يتخلص من القناع المضاد للغازات السامة ثم يلطم صفحة جبهته) الآن فهمت لماذا كانت خيامنا تختفي في معسكراتنا الشمالية (يضرب مؤخرتها بعنف ببندقيته الخشبية من خلف ثوب الخيمة الملتصقة بجسدها الضخم) إذن … أنت جاسوسة بدينة مندسة في خيمتي.
عالمة الحشرات : (تصرخ) أخرجوني من هنا .. النجدة …
الجد المجند : (يلكزها من جديد بعنف) شوت .. دعيني أفكر (يفكر وهو يمشي جيئة وذهابا) جاسوسة + خيمة + حشرة القلاس (يلطم من جديد صفحة جبهته) أكيد أنها شفرة من الشفرات السرية لاستخبارات العدو (هاتف يرن بمكتب المساعد الاجتماعي فيسرع ليلتقط السماعة) ألو .. من؟ جنودنا في الحرب الجديدة؟؟ مرحبا يا رفاق السلاح (ينصت) ماذا؟ إنتحر زميلك أمامك بسلاحه وتفكر أنت أيضا في اللحاق به؟ إسمع .. لا تكثر من الكلام وأخبر قادتك فورا بأن حشرة القلاس حاملة لرؤوس جرثومية (ينصت) ماذا؟ المسدس مصوب إلى رأسك وأنت مستعد للضغط على الزناد؟ وهل هناك جندي في الحرب لا يضغط على الزناد (يصرخ في السماعة) إضغط على الزناد .. أكرر إضغط على الزناد (يبعد السماعة عن أذنه باستغراب) عجبا .. لقد صرخ صرخة غريبة .. أظنه تعرض لهجوم مفاجئ من طرف حشرة مفخخة (يعود للباحثة وهو يلكزها ببندقيته) أنت السبب أيتها الجاسوسة البدينة .. أنت السبب.
عالمة الحشرات : (تصرخ داخل الخيمة الملتصقة بجسدها الضخم) أرجوكم .. أنقذوني من هذا المعتوه .. النجدة ..
الجد المجند : سأفخخك .. وسألغم جثتك المعطمطة والمهطمطة .. لكي تتناثر أرطال لحمك وشحمك المشوي في الفضاء كما تتناثر الشهب الاصطناعية في احتفالاتنا الرسمية العسكرية بالنصر على الأعداء.
عالمة الحشرات : (تستغيث وتستنجد وهي تمشي بالخيمة الصغيرة) النجدة .. سيقتلني هذا المخبول .. أغيثوني ..
المساعد الاجتماعي : (يدخل مسرعا) توقف … هذا أمر عسكري (يسرع ليخلص الباحثة البدينة من الخيمة الملتصقة بجسدها الضخم).
الجد المجند : أمر عسكري !! (يقدم له التحية العسكرية وقد عادت ابتسامته البلهاء لترتسم على شفتيه من جديد) أوامرك سيدي.
عالمة الحشرات : (تختبئ خلف ظهر المساعد الاجتماعي وهي ترتعش) كاد أن يقتلني من الرعب .. يا له من كائن مخبول .. مجنون ..
المساعد الاجتماعي : أقدم لك اعتذاري باسمي الخاص وباسم أبي .
عالمة الحشرات : (باندهاش كبير) أبوك !!!؟؟
المساعد الاجتماعي : إنه أحد ضحايا الحرب القذرة.
عالمة الحشرات : (باستغراب) لم أفهم !!؟؟
المساعد الاجتماعي : لقد تعرض المسكين للأسر في تلك الحرب القديمة .. وهناك ذاق أهوال التعذيب الوحشي .. وعندما انتهت الحرب وتم تبادل الأسرى عاد شبه فاقد للذاكرة .. باستثناء بعض الومضات التي تستدعيها ذاكرته والتي ظلت مرتبطة بزمن تجنيده .. لذلك تلاحظين بأن كل تصرفاته ظلت ملتصقة بزمن الحرب. المسكين .. شراسة التعذيب كانت فوق طاقته.
عالمة الحشرات : جلادون همجيون.
المساعد الاجتماعي : ما يحزنني أكثر هو أن حفيده المجند في تلك الحرب الجديدة .. جلاد في معتقلات تعذيب الأسرى.
عالمة الحشرات : إبنك !!! يا للكارثة …
المساعد الاجتماعي : لقد صار المسكين يفكر ليل نهار في الانتحار للهروب من ذلك الجحيم.
عالمة الحشرات : فواجع هذه العائلة مع الحرب تكاد لا تنتهي (يرن هاتف في المكتب).
المساعد الاجتماعي : (يهرع للمكتب ويلتقط السماعة ويشغل المكبر الصوتي للهاتف الثابت) هنا المكتب المختص في الرد على الحالات المرشحة للانتحار.
صوت مسؤول عسكري : أنا مسؤول عسكري .. يؤسفني سيدي أن أخبرك بأن ابنك المجند في الحرب حاول الانتحار بالتوغل عمدا في حقل للألغام .. فقد على إثرها رجله اليسرى .. وهو الآن في طريقه إليك (تتصاعد الأدخنة وأصداء طبول الحرب المقعرة) .
إظ…………..لام
الغارة الخامسة
تنكشف الإضاءة على نفس الفضاء. المساعد الاجتماعي جالس خلف مكتبه بينما الجد المجند جالس فوق مقعده القصير محتضنا بندقيته الخشبية كطفل تائه. وعلى إيقاع موسيقى عسكرية يدلف الشخص الممسوح الوجه وهو يدفع أمامه كرسيا متحركا يجلس عليه الحفيد المجند الذي يرتدي بذلة سوداء أنيقة يتدلى من عروة صدرها وسام الشرف العسكري. ينتقل الشخص الممسوح الملامح ليقف كعادته في مقدمة الجهة اليسرى تحت بؤرة ضوئية خافتة.
الشخص الممسوح : (يرفع يده بتثاقل ويكتب بأصبعه في الفراغ ثم يمسح ما كتب).
المساعد الاجتماعي : ( يترك المكتب ويقدم التحية العسكرية بفخر مبالغ فيه لابنه العائد من الحرب) مرحبا بك في بيتك يا بطل.
الجد المجند : (تستنفره التحية العسكرية فيتقدم بسرعة نحو حفيده المجند ويقدم له التحية العسكرية بانضباط صارم) أوامرك سيدي الجنرال.
المساعد الاجتماعي : أحد المحاربين القدامى يقدم التحية العسكرية لأحد أبطال الحرب الجديدة (يقهقه بافتعال واضح) أنظر يا أبي إلى صدر حفيدك إنه يحمل وسام الشرف العسكري من الدرجة الاولى.
الجد المجند : (يظل منضبطا في مكانه رافعا التحية العسكرية) سأسهر سيدي الجنرال كالعادة على تلميع وسامك كل صباح.
الحفيد المجند : (ينظر في صمت دفين إلى الأفق البعيد بعينين تائهتين).
المساعد الاجتماعي : (مشيرا إلى رجل ابنه المقطوعة) أنظر يا أبي .. رجل اصطناعية فاخرة على نفقة الجيش.
الجد المجند : (يقدم من جديد التحية العسكرية بانضباط وصرامة) أوامرك سيدي الجنرال سأشرع حالا في تنظيف وتلميع رجلك الإصطناعية (ينقض على الرجل الاصطناعية ويحاول اقتلاعها بالقوة).
المساعد الاجتماعي : أترك رجله أيها المعتوه الخرف (يحمل الجد المجند بالقوة من خلف ظهره ويلقي به أمام الخيمة العسكرية الصغيرة) عد لحراسة خيمتك .. هذا أمر عسكري.
الجد المجند : أوامرك سيدي (يمشي جيئة وذهابا أمام خيمته الصغيرة).
المساعد الاجتماعي : (سرعان ما يرسم ابتسامته الباردة ويعود إلى ابنه وهو يسحب من جيب سترته الداخلي ظرفا فاخرا يفتحه بعناية شديدة ثم يشرع في قراءة محتوى الرسالة برنة طنانة) من وزير الحرب وشؤون اللاجئين إلى أحد أبطال الحرب العظام .. يشرفني شخصيا أن أتقدم إليك بأسمى عبارات الفخر والاعتزاز لما قدمته من تضحيات جسام .. لهذا قررنا أن نمنحك (ترن هواتف المكتب فيتوقف عن القراءة) معذرة يا بطل .. سأرد على هذه الهواتف اللعينة وأعود إليك فورا لأتم تلاوة الرسالة.
الشخص الممسوح : (يرفع يده بتثاقل ويكتب بأصبعه في الفراغ ثم يمسح ما كتب بأكمامه).
(يرفع سماعة أحد الهواتف) آلو .. هنا المكتب المختص في الرد على الحالات المرشحة للإنتحار (ينصت) ماذا .. أنت الآن تستعد لشنق نفسك بعدما ذبحت زوجتك وكلبتها المدللة (يضع كفه على السماعة مخاطبا إبنه الذي ما زال ينظر إلى الفراغ) لقد ذبح زوجته وكلبتها المدللة ذبح النعاج .. من الوريد إلى الوريد (يعود للمكالمة) ألو .. ماذا .. زوجتك لم تمت بعد .. مازالت جثتها تترنح وتنتفض وتتمطط (يضع كفه من جديد على السماعة مخاطبا إبنه) جثة زوجته ما زالت تنتفض كالدجاجة المذبوحة (يعود للمكالمة) ألو .. إسمع حاول أن تؤجل عملية الشنق حتى تلفظ دجاجتك أنفاسها الأخيرة .. عفوا اقصد زوجتك (ينصت في الهاتف) ما دمت مصمما على الانتحار فورا إسمعني يا صديقي جيدا (بخشوع وشاعريتة المفتعلة المعهودة) قبل أن تقدم نفسك قربانا لمقصلة الموت .. أترك لنا كلماتك الأخيرة .. كلمات تضئ بها عتمة هذا العالم المتهالك .. أترك لنا بقاياك .. وصاياك .. خطاياك .. شظاياك .. عشقك الأبدي للغياب (يصرخ في السماعة) لا تفعل .. إنتظر … الغبي لقد انتحر قبل أن أتم إلقاء خطبتي الرسمية (مخاطبا إبنه) كان الجيل القديم من المنتحرين يحترمون خطبتي الرسمية .. لكن هذا الجيل الغبي لا يحترم أحدا (يترك المكتب ويعود إلى إبنه الصامت الصموت وهو يشهر رسالة التهنئة من جديد) لنعد مجددا لرسالة الفخر والاعتزاز يا بطل.
الشخص الممسوح : (يرفع يده بتثاقل ويكتب بأصبعه في الفراغ ثم يمسح ما كتب بأكمامه).
المساعد الاجتماعي : سأعيد تلاوة رسالة التهنئة من السطر الأول .. بل من الحرف الأول (يفتعل قهقهة ويشرع في القراءة بلكنته الطنانة) من السيد وزير الحرب وشؤون اللاجئين إلى أحد أبطال الحرب العظام يشرفني أن (يرن أحد هواتف المكتب) تبا لهذه الهواتف الكئيبة .. عفوا يا بطل .. أنا مضطر للرد .. إنها مهنتي كما تعلم (يهرول ملتقطا السماعة) ألو .. هذه أنت !! .. مرحبا ضخمتي .. مرحبا بأرطالي المتلاطمة .. أقسم بأن هاتفي أصيب توا بالكوليسترول (يضحك مستمتعا) شكرا على تهنئتك .. لقد ترك رجله هناك .. لكن رأسه عاد مرفوعا .. طبعا إنه بطل عظيم (يشهر بأصبعيه عن بعد إشارة النصر أمام ابنه وهو مازال ممسكا بالهاتف) أسمعت .. إن ضخمتي تصفك بالبطل العظيم وهي تزدرد شرائح لحم الجاموس المجفف (يتم ثرثرته في الهاتف) نعم يا ضخمتي .. لقد توصلنا برسالة تهنئة من وزير الحرب شخصيا (ينصت) طبعا سأتلوها عليك عندما سنلتقي الليلة في مختبر الحشرات .. سأحمل معي أطنانا من وجبات التشيز بورغر .. وسنحتفل بهذه المناسبة السعيدة أنا وأنت وحشرة القلاس وكل القلاليس الأفاضل والقلاسيات الفاضلات ( يرسل قهقهة جافة وهو يغلق السماعة ويعود مسرعا إلى ابنه وهو يرسم ابتسامته الغريبة) لنعد مجددا لرسالة وزير الحرب وشؤون … أين وضعت الرسالة اللعينة (يبحث عن الرسالة في جيوبه) أين وضعتها (ترن الهواتف تباعا من جديد. يهرع إليها ويشرع في الثرثرة المسعورة مستعملا العديد من الهواتف الثابتة. تظهر على الشاشة أفواه فظيعة تتحدث بشراهة غريبة).
الشخص الممسوح : (يرفع يده بتثاقل ويكتب بأصبعه في الفراغ ثم يمسح ما كتب بأكمامه).
المساعد الاجتماعي : (يترك مكتبه بعد أن تختفي الشاشة) علي المغادرة فورا .. سنعود لرسالة التهنئة لاحقا يا بطل (يغادر مسرعا).
الحفيد المجند : (يرفع رأسه بتثاقل وعيناه الزائغتان تقتفيان خيوط التيه) أنظر يا جدي .. إنهم يقتادون الأسرى حفاة عراة إلى المسلخ الجحيمي .. حيث تصطف المشارط .. والقواطع .. والمباضع .. والأنصال .. والأسياخ .. والخطافات .. والنزاعات .. والكماشات .. والشقاقير .. والطماشات .. والبلاعات .. والشفرات الحادة .. واللاسعات الحرارية .. والمثاقب الآلية .. والصواعق الكهربائية… (يخلع الوسام بتشنج و يقذف به إلى الأرض) أنا لست بطلا يا أبي … لست بطلا ..
الجد المجند : (يسرع ويلتقط الوسام من الأرض ثم يقدم التحية العسكرية للحفيد المجند) أوامرك سيدي الجنرال .. سأقوم فورا بتلميع وسامك العسكري الشرفي (يشرع في البصق على الوسام ومسحه بكمه يكررها بطريقة كاريكاتورية).
الحفيد المجند : نعم يا جدي .. أبصق على وسام بطل المسالخ والمجازر.
الجد المجند : (منهمك بجدية عسكرية في البصق على الوسام قبل مسحه بأكمامه).
الحفيد المجند : (يقترب من الجد بكرسيه المتحرك) بل أبصق يا جدي على وجه بطلكم الذي كان يعلق أسرى الحرب كالنعاج.
الجد المجند : (يقدم له التحية العسكرية بانضباط صارم) أوامرك سيدي الجنرال .. سأبصق على وجهك (يبصق على وجهه ثلاث مرات متتالية بسرعة كاريكاتورية ثم يقف كالصنم رافعا التحية العسكرية).
الحفيد المجند : نعم .. أبصق يا جدي على قناع بطلكم المزيف.
الجد المجند : (يقدم له التحية العسكرية بانضباط صارم) أوامرك سيدي الجنرال .. سأبصق على قناعك المزيف (يبصق على وجهه ثلاث مرات متتالية بسرعة كاريكاتورية ثم يقف كالصنم رافعا التحية العسكرية) .
الشخص الممسوح : (يرفع يده بتثاقل ويكتب بأصبعه في الفراغ ثم يمسح ما كتب بأكمامه).
الحفيد المجند : (يضع راحتيه على أذنيه) صراخهم وعويلهم وأنينهم مازال يشق مخيخي (يترك الكرسي المتحرك ويمشي على رجله الاصطناعية. ثم يتخلص من ملابسه ليظل عاريا إلا من تبانه الضيق الذي يستر عورته وهو يصرخ في وجه الجد المجند) هيا يا جدي اجلدني بالسياط .. قلت لك اجلدني … هذا أمر عسكري.
الجد المجند : أمر عسكري !! أوامرك سيدي الجنرال (يسحب من الخيمة سوطا جلديا ثم يقدم له التحية العسكرية ويشرع في جلد حفيده المجند هذا الأخير يصرخ) هيا يا جدي .. مزق جلدي … أرسم بلسعات سوطك خرائط وأخاديد حمراء وزرقاء في لحمي المتعفن … حول جسدي إلى لوحة جحيمية تحتفي بتشققات جروحها المتقرحة والمتورمة … أنا البطل الجلاد .. الجزار .. الجراح .. القاطع .. الباتر .. الباقر .. اللاسع .. الحارق .. اللاذع .. اللاذغ .. القاضم .. الكاسر .. الناهش .. أنا البطل (يتحول مشهد السياط إلى مشهد راقص. حيث ينخرط الحفيد المجند المعاق في رقصة كوريغرافية برجله الاصطناعية) أنا الجلاد .. الجزار .. الجراح .. القاطع .. الباتر .. الباقر .. اللاسع .. الحارق .. اللاذع .. اللاذغ .. القاضم .. الكاسر .. الناهش .. أنا البطل (تزحف الأدخنة المعززة بأصداء طبول الحرب المقعرة. الشخص الممسوح الملامح ينخرط وسط الأدخنة في رقصته الشاعرية).
إظ…………..لام
الغارة الأخيرة
على إيقاعات موسيقية عسكرية صاخبة وانتشار البالونات وأوراق الاحتفال الملونة في الهواء. تنفتح الإضاءة على نفس الفضاء حيث يدخل المساعد الاجتماعي وهو يرتدي سموكنج فاخر وبجانبه عالمة الحشرات البدينة وهي ترتدي ثوب الزفاف الأبيض وتدفع أمامها كعكة الزفاف الكبيرة. يشرعان في الرقص على إيقاعات الموسيقى العسكرية الصاخبة. وفجأة تنقض عليه وتقبله بعنف فينهار مغشيا عليه على الأرض فتعمد عالمة الحشرات إلى إسعافه بالضغط على صدره بكفيها فيسترجع وعيه ويعودان إلى الرقص الصاخب من جديد. ترن الهواتف تباعا فتتوارى الموسيقى.
المساعد الاجتماعي : يهرع إلى الهواتف فتظهر على الشاشة الكبيرة بتقنية الرسوم المتحركة غابة كثيفة من ناطحات السحاب بينما آلاف الأشخاص يتساقطون من نوافذها كأوراق الخريف) هناك موجة انتحار جماعي غير مسبوقة في المدينة .. مئات الآلاف من المنتحرين والمنتحرات يقذفون بأنفسهم من نوافذ ناطحات السحاب.
عالمة الحشرات : أنت الذي أصررت على الاحتفال بزفافنا في اليوم العالمي للإنتحار . إسمع أيها السلوقي ..الليلة سأتزوجك .. ولو أقدمت البشرية جمعاء على الانتحار الجماعي.
المساعد الاجتماعي : لا تغضبي با ضخمتي .. سأسعفهم كالعادة بخطبتي الرسمية (يرفع كل السماعات ويضعها بمحاذاة المانيوتوفون ثم يضغط على الزر لينبعث صوته الشاعري قبل أن يعود لمواصلة الرقص الحميمي مع عالمة الحشرات. بينما مازال يظهر على الشاشة – بتقنية الرسوم المتحركة – آلاف من الأشخاص يقذفون بأنفسهم من نوافذ ناطحات السحاب) أيها الناس .. قبل ان تقدموا أنفسكم قرابين لمقصلة الموت .. اتركوا لنا كلماتكم الأخيرة .. كلمات تضيؤون بها عتمة هذا العالم المتهالك .. أتركوا لنا بقاياكم .. وصاياكم .. خطاياكم .. شظاياكم .. عشقكم الأبدي للغياب .. دعوا الحروف الثائرة تنساب من ثقوب ذاكرتكم كالشلال .. كالإعصار .. كالطوفان (تغلق عالمة الحشرات المانيوتوفون فيختفي الصوت ومعه الشاشة) ماذا تفعلين .. إنتظري .. لا تغلقي فيض خطبتي الرسمية.
عالمة الحشرات : (تفتح ذراعيها) تعالى أيها الرشيق .. اليوم سنخوض حربا طاحنة.
الجد المجند : الحرب !!!(يخرج من خيمته زاعقا وهو يوجه بندقيته نحو البدينة) إستعدوا يا رفاق السلاح .. لقد أرسل العدو من جديد دبابات بشرية لاغتصاب جنودنا في الجبهة الشمالية .. إلى السلاح يا رفاق السلاح (عالمة الحشرات تصاب بالذعر وتختفي خلف المساعد الاجتماعي).
المساعد الاجتماعي : إجلس مكانك .. هذا أمر عسكري.
الجد المجند : أمر عسكري !! أوامرك سيدي (يقدم التحية العسكرية ويجلس بهدوء الأطفال).
المساعد الاجتماعي : إسمع يا أبي .. قد أتفق معك بأنها دبابة بشرية ومدرعة آدمية ستحول فراشي إلى ساحة حرب ساحقة ماحقة .. لكني لا أريد أن أكون العضو الوحيد في العائلة الذي يتخلف عن خوض ويلات الحرب.
الجد المجند : الحرب !!! (ينهض متربصا متوثبا)
المساعد الاجتماعي : إجلس مكانك .. هذا أمر عسكري
الجد المجند : (يقدم التحية العسكرية ويعود للجلوس بهدوء الأطفال).
نجمة الإغراء : (تدلف وهي ترفل في فستان السهرة الباذخ وتتزين بقناعها الحريري الصغير مرسلة قبلاتها الهوائية بسخاء في كل الاتجاهات).
المساعد الاجتماعي : (مهللا مرحبا) ها قد حلت نجمتنا الساطعة لتشاركنا حفل الزفاف.
نجمة الإغراء : معذرة .. تأخرت عن الموعد .. ولكن ماذا عساي أن أفعل .. الجماهير الحاشدة تعترضني في كل مكان .. كان علي أن أضع توقيعي على غابة من الأوراق .. نعم غابة من الأوراق .. ولولا تدخل رجال الطوارئ ورجال المطافئ ورجال الضفادع ورجال القواقع … لما استطعت الوصول إلى مكان التصوير … حاضر .. سأحضر نفسي لتصوير المشهد حالا (تحاول التركيز واضعة وجهها بين راحتيها. وعلى إيقاع خلفية موسيقية ترفع رأسها وقد أصبحت نظراتها لاسعة حادة وهي تمشي الهوينى في صمت جليدي قبل أن تضع على رأسها باروكة تتفرع منها الأفاعي كأغصان الشجر ثم تنزع عن وجهها قناعها الفضي فتظهر بشاعة وجهها) أنا ميدوزا الأسطورة … أنا ميدوزا الفاتنة التي غارت من جمالها وبهائها الربة أثينا فحولتها إلى رمز للبشاعة … أنا صاحبة النظرات الفتاكة التي تحول كل شيء إلى حجر .. نعم كل شيء .. الشجر والمطر والبشر … أنا صاحبة خصلات الأفاعي التي تلتف حول أعناق الرجال لتنفث في شرايينهم سموم الغواية والصبابة والرغبة المتوحشة … أنا التي تكتب قصائدها على شواهد قبور عشاقها .. وتحتسي أنخاب النشوة في الجماجم المقعرة للهائمين والتائهين والملفوظين والمنبوذين والملسوعين والمحنطين … (تنحني للجمهور منتشية بأدائها).
المساعد الاجتماعي : (يصفق بحرارة مبالغ فيها) رائع يا نجمة النجمات .. رائع .. (لعالمة الحشرات) إنها ابنتي التي حدثتك عنها .. رغم أن أدوار الإغراء خانتها إلا أنها صارت الآن وبلا فخر نجمة أدوار الرعب.
عالمة الحشرات : أدوار الرعب !! (تتحسس بطنها) بدأت أحس بالعطمطة والهطمطة.
الحفيد المجند : (يدخل الشخص الممسوح الوجه وهو يدفع أمامه الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه الحفيد المجند مرتديا بدلته السوداء الأنيقة).
المساعد الاجتماعي : مرحبا يا بطل .. كنا في انتظارك لنحتفل أيضا بعودتك منتصرا من تلك الحرب الكئيبة .. الجميع يعلم بأنك غادرت مواقع تعذيب الأسرى والتحقت بالجبهة الأمامية (وهو يوقد شموع الكعكة بمشعلة تتخذ شكل مسدس) إن العائلة ستسعد بسماع كلماتك التي ستخلد بها هذا اليوم الاستثنائي.
الحفيد المجند : (وهو ينظر إلى الأفق بعينين زائغتين تائهتين) كان القيظ جحيميا .. وكانت سواقي العرق اللزجة المالحة تبلل أجساد كتيبتنا الكامنة خلف حقل ألغام سري .. وفجأة اخترقت مسامعنا ضحكات ملائكية لأطفال صغار وهم يتسابقون خلف كرة تدحرجت في اتجاه حقل الإعدام المشؤوم .. وقبل أن نلتقط أنفاسنا كانت أشلاء الصغار تتطاير في الفضاء .. وأطرافهم الفتية تتناثر في الهواء .. ودماؤهم البريئة تخضب أبخرة الإنفجارات باللون الأحمر القاني .. كان المشهد جحيميا .. مزلزلا .. مدمرا .. و بعد انقشاع أبخرة الدخان المتكاثفة .. استبد بنا مشهد طفل صغير وهو يحاول بعناد خرافي .. إعادة ذراعه المبتورة إلى مكانها .. أعاد الكرة مرة ثانية فلم يفلح .. وثالثة فلم يفلح .. ورابعة وخامسة … (يطلق أنات باطنية عزفتها أوتار أحشائه بمرارة).
المساعد الاجتماعي : لقد اقتحمت يا بطل حقل الألغام لتنقذ الطفل .. فخرج الطفل يحمل ذراعه المبتورة ورجلك المقطوعة (يبحث في جيوبه) سأتلو أمام الجميع رسالة التهنئة التي أرسلها لك وزير الحرب وشؤون اللاجئين .. أين وضعت الرسالة اللعينة .. أين وضعتها؟.
عالمة الحشرات : لقد صار قدوة وبطلا محبوبا لدى جميع المجندين والمجندات.
المساعد الاجتماعي : وخصوصا المجندات الفاتنات (يفتعل ضحكاته الجافة).
الجد المجند : (يزعق) المجندات الفاتنات !! لقد حولتهن قائدة المجندات الجاسوسات إلى عاهرات وغانيات ومومسات وساقطات وسافلات ورخيصات ووضيعات .. بهدف اختراق غرف النوم المنيعة لقادة العدو.
المساعد الاجتماعي : (إلى إبنه) جدك لا يتذكر سوى المجندات الفاتنات (يطلق ضحكاته الباردة).
نجمة الاغراء : هناك .. في تلك الجبال الشاهقة البعيدة .. عندما كنا نصور فيلمي الأخير كانت مجندات الثوار يرتدين خياما سوداء .
الجد المجد : إنهن جاسوسات يتخفين في خيامهن .. وكانت كلمة السر لديهن هي خيمة + بدينة + حشرة القلاس.
نجمة الاغراء : شوت .. لا تتحدث مرة أخرى عن الحشرات .. فأنا لا أطيقها .. أكرر لا أطيقها.
المساعد الاجتماعي : كفاكم حديثا عن الحرب والحشرات ودعونا نلتقط صورة جماعية للعائلة . (يقفون بجانب الجد المجند بما فيهم الشخص الممسوح الوجه. تسمع أصوات إلتقاط الصور التي تنعكسها الشاشة الكبيرة بشكل طبيعي ثم بأشكال وصيغ رقمية متعددة).
عالمة الحشرات : سأجلب حشرتي القلاسية لتلتقط معي صورة تذكارية في ليلة زفافي (تنسحب إلى الخارج).
( ……… ترن الهواتف تباعا ثم يتلاشى ضجيجها……….ا )
المساعد الاجتماعي : كنت أود ان يكون الاحتفال في مستوى الحدث لكن هاته الهواتف كما الحرب لعنة تطارد هذه العائلة المنكوبة.
نجمة الإغراء : تبا لهذه الهواتف اللعينة .. كأنها تختار الوقت المناسب لتصدح بسمفونيتها البغيضة (تلتقط هاتفها الوردي اللاسلكي من بين الهواتف العديدة المصطفة فوق مكتب المساعد الاجتماعي) قدرك يا هاتفي المسكين أن تجاور هاته الهواتف المقيتة التي تنبعث منها رائحة الموت بسخاء (تحضنه كطفل رضيع).
(……….ترن الهواتف تباعا مصحوبة هذه المرة بخلفية طبول الحرب الآتية من بعيد ……..)
الحفيد المجند : (يغلق أذنيه براحتيه) اللعنة .. إنها لا تكف عن الرنين … طنينها رصاص فولاذي يخترق جمجمتي.
باحثة الحشرات : (تعود وهي تعدو وتصيح وقد استبد بها الرعب والهلع).
المساعد الاجتماعي : (يهرع إليها) ماذا بك ؟ ماذا جرى ؟؟
باحثة الحشرات : (وهي تلهث) إنها حشرة القلاس … لقد تضخم حجمها بشكل مخيف .. وصارت وحشا مخيفا رهيبا .. وحشا كاسرا ضاريا سيجتاحنا جميعا.
الجد المجند : (يزعق وقد استبدت به هستيريا الحرب) إلى السلاح يا رفاق السلاح … حشرة القلاس المفخخة والمحملة برؤوس جرثومية ستجتاح العالم … هيا يا رفاق السلاح … تقدموا …(ترتفع إيقاعات طبول الحرب يقوة).
في تلك الأثناء تجتاح بيت العائلة حشرة ضخمة لها ملامح دبابة …………………………………..
تظهر على الشاشة الكبيرة ملايير الحشرات الزاحفة تجتاح المدينة …………………….
وتحول كل شيء إلى أطلال منخورة ……………………………………………………… ……………………………………………………………………………………….
الشخص الممسوح الوجه والملامح ينخرط في رقصته الشاعرية……………………. ……………………………………………………………………………………..
إظ………….لام
كريم الفحل الشرقاوي
عن: منشورات مركز نون للأبحاث الدرامية والمسرحية والاستراتيجيات الثقافية