لعبة العبث في النص المسرحي (أدب سز) للكاتب علي العبادي/ علاوة وهبي*
“ادب سز ” نص مسرحي ديو دراما قصير للكاتب (علي العبادي) احرز به الكاتب المرتبة الاولى في جائزة (علاء الجابر للإبداع المسرح- التأليف المسرحي الموجه للكبار) دورة الفنان الكويتي (صقر الرشود) التي نظمها ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي – الدورة السادسة، (دورة الفنان محمود ياسين)، 2022.
يقع النص في مشاهد ثلاثة،وهي:
المشهد الاول: فيه امراتان تعمل احداهما على انشاء معهد للطهارة، وقد دعت صديقتها لتخبرها بمشروعها وتعيينها مدربة فيه الي جانبها، لتدريب النساء العاهرات علي الطهارة.
المشهد الثاني: نحن في المعهد مع المدربة والمتدربة، المدربة هي المراة الاولى صاحبة المشروع والمتدربة لا شك انها المراة الثانية، في الاول تدعي انها صحفية .
المشهد الثالث: نعود الى مكان المشهد الاول مع الصديقتين، ونكتشف انها صاحبة المشروع كانت عاهرة، وانها اغرت صديقتها لمرات عديدة، ان تمتهن مثلها الدعارة. كما نكتشف انها مصابة بالزهايمر.
هي لعبة عبثية يلعبها (علي العبادي) في هذا النص القصير والجميل، وكعادته يعزف على وتر (التيك تاك-tiktak) في الحوار بين الشخصيتين، او يمكن القول: (تضرب اضرب).
يبدو ان (علي العبادي) يعشق المذهب العبثي في المسرح خاصة اذ له عدة نصوص من هذا النوع، وهو من الكتّاب المواظبين علي الكتابة في العراق ومن المتشبعين بالثقافة المسرحية، والمجيدين لها كتابة، وقد عرفت نصوصه انتشاراً في الوطن العربي، وقدمت بعض نصوصه في مسارح دول عربية مختلفة.
كلما قرات له نصا امسكني من خناقي، وطوقني باسلوبه ولغته العربية الجميلة، وقدرته على ادارة الحوار بين شخصيات نصوصه، والعمل تصاعد نحو الانفراج النهائي. انه من الذين حفروا باظافرهم وجديتهم اسمائهم في جدارية كتّاب المسرح في العراق.
ان نص (ادب سز) الذي يتناول فيه على موضوع من المواضيع المسكوت عنها في الادب العربي عموماً وليس في المسرح فقط. يعد واحد من النصوص المغامرة كما يصنفها الكاتب التونيسي (عز الدين المدني) والنصوص المجازفة كذلك.
(ادب سز) مهم لموضوعه اولاً، ولعبثيته ثانياً، اذ قليلة هي النصوص العبثية في الكتابات المسرحية العربية، ومما يزيد في جمالية النص عند (العبادي) الاختصار الجميل في جمل الحوار الذي يعطي للعمل ديناميكة وحرارة أكثر ويبعده عن الترهل اللغوي القاتل في غالب الاحيان. والذي ياتي على أو يغطي على موضوع وهدف العمل. الدعوة الي تأسيس معهد للطهارة شيئ جديد في المسرح عندنا وموضوع غير مسبوق.
المسرح عند (العبادي) لعبة ولعبة جميلة برغم عبثيتها. ولان العبث منتشر حولنا في حياتنا اليومية فان (العبادي) يعمل في نصوصه في الغالب علي تحويل هذا العبث إلى مألوف يومي علينا القبول به، والتعامل معه وكأنه واقع لا فر منه.
هل يتحول الواقع إلى عبث في حياتنا أم يتحول العبث فيها إلى واقع؟ سؤال قد لا يطرحه (العبادي) أو أنه لم يطرحه بشكل مباشر، لكننا نكتشف وجوده في ثنايا النص ونحن نمضي في قراءته نحو ذروته.
ختاماً، كم أنا معجب بنصوص (علي العبادي) وفتوحاته العبثية في مسرح حياتنا اليومية، وحياتنا المسرحية في يومياتنا المعيشية. فهنيئا للعراق بهذا الكاتب وهنيئا للمسرح في العراق بفتوحاته ونصوصه الجميلة، وهنيئا للحركة المسرحية العربية عموما بكتابات (العبادي) المسرحية . ولا غرابة في الأمر فـ(العبادي) إلى جانب أنه كاتب فهو مخرج وممثل وباحث، مما يعني أنه حين يكتب نصوصه يستخدم كل تخصصه تلك، فتأتي نصوصه كاملة ومكتملة محكمة البناء.