بالمغرب: إصدار العدد الرابع عشر من مجلة “دراسات الفرجة”/ بشرى عمور

صدر مؤخرا عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل ـ قطاع الثقافة، العدد الرابع عشر من المجلة الفصلية المحكمة “دراسات الفرجة”. وقد تضمن العدد ملفا عن الجسد الفرجوي وساهم فيه ثلة من الباحثين والأكاديمين المسرحيين.

وافتتح العدد بمقدمةمن توقيع (خالد أمين /هشام بن الهاشمي) والتي احتوت على الآتي:

تعد الفرجة اليوم فضاء للتناسج والتقاطعات الخطابية المتعددة والمتباينة، وعلى هذا الأساس ينظر إلى الجسد الفرجوي من وجوه مختلفة. فهو الجسد الناطق والمتحرك، أو الخاضع للرقابة الثقافية، أو ذلك الجسد السردي والمتخيل، أو الجريح والمضطهد… كما قد يتجلى الجسد بوصفه موطنا للقدرة على مقاومة البناءات الثقافية المستبطنة في ممارسات الهوية الجماعية، أو لعله مزيج من كل ما سبق.

هكذا، يغدو الجسد الفرجوي موطنا لظواهر عاطفية، وفضاء تقاوم فيه مختلف التقاطعات والهويات ومحاولات التوحيد المزيف، وموضعا لنقش أو نسج السرديات… كما يشكل أيضا موطنا للندوب وآثار التحولات الثقافية وكتابة المحو. بيد أن هشاشة الجسد وقابليته للتأثر تجعل الجسد الفرجوي عرضة للاعتداءات والهجومات المتواصلة، ومثال ذلك العروض الأدائية لمارينا أبرامو، وأيضا رسومات أنطونان أرطو، من حيث هي استعارات ممتدة لسعي هذا الأخير لتحرير الجسد الفرجوي، إذ غالبا ما يتم التعامل مع الجسد كما لو كان جثة تخضع لعملية تشريح” (ستيفن باربر،1999).

بالمقابل، فالجسد يخضع نفسه للترويض والتدرب على صنوف الألم في طقوس المقاومة والممانعة الكفيلة بتمكينه وتسليحه لمحاصرة الهيمنة وإرباكها. إن الجسد حين يمتلك مقاليد القوة يغدو منفتحا على القراءة من دون أن يكون مفتقرا إلى الحديث عن نفسه، ليصبح ناطقا بلغة نابعة من أدائه الخاص، لغة المرونة والاتساع والرمز متجاوزا بذلك سجون اللغة والثقافة.

لقد بات الجسد الفرجوي اليوم، مع الانتشار الواسع للممارسات الأدائية الجديدة الموغلة في استعمال الوسائط، مزيجا متشابكا من الأجساد على المسرح والشاشة. هنا، يمكن على الأقل تحديد ثلاثة أنواع من الأجساد المؤدية: الجسد الافتراضي، والجسد المادي للمؤدي، والجسد الفينومينولوجي (بيوكا، 1997). وفي ضوء هذا الأفق نكون إزاء جسد سائل غير ثابت، جسد في حالة من التدفق الأدائي المستمر.

وضمن السياقات العربية الإسلامية، يعكس الجسد الفرجوي الأبعاد الجسدية والرمزية للمجتمعات العربية في تنوعها الثقافي؛ إذ يلتئم هذا الجسد لتعزيز أنظمة المعتقدات التي تمت أسلمتها منذ القرن السابع الميلادي. بل حتى الخط العربي الإسلامي بوصفه شكلا مقننا للكتابة، يُعتقد أنه “هندسة الروح المعبَّر عنها من خلال الجسد” (الخطيبي والسجلماسي، 1976) فقد مثل الوشم على أجساد النساء ­مثلا­ في المغرب علامات البلوغ في السن والخصوبة. وبسب القيود الإسلامية المفروضة على الوشم، نقلت هذه الطقوس القديمة من أجساد النساء إلى مصنوعات يدوية مثل تاحرويت (الحجاب الأمازيغي) وإلى السجاد والفخار والنجارة والزليج وغير ذلك. وعلى عكس الحجاب التقليدي، المعروف بتواضعه وابتعاده عن كل ما يثير الإعجاب، يشكل تاحرويت في منطقة سوس امتدادا للجسد النسائي المفعم بألوان وتصاميم ترمز إلى الخصوبة.

ومن جهة أخرى، لطالما كانت مسألة الحيز القابل للكشف من الجسد خاضعة لرقابة وقيود مفروضة على أداء الجسد الفرجوي، وقد أفضى ذلك إلى كثير من الجدل داخل المجال العمومي المسرحي وخارجه. ففي التراث العربي الإسلامي، يتلازم الجسد والعورة بدرجات متفاوتة بين الرجل والمرأة. وهو ما يفسر حاجة الجسد الأنثوي إلى الحجاب/ السترة. ولعل أبرز مثال على ما نحن بصدده هنا الجدل الكبير الذي أعقب عرض مسرحية “يا كبير” خلال الدورة العشرين لأيام قرطاج المسرحية، في 10دجنبر2018. وهو عرض سوري ألماني تجاوز فيه المؤدي على نحو صادم العرف العام في العالم العربي فيما يتعلق بحدود كشف الجسد. لقد أثار هذا الأداء الذي تمحور حول الحرب الأهلية المأساوية في سورية، عاصفة من النقد اللاذع خارج الدوائر المسرحية، بينما حظي باهتمام وطني ودولي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وسواء أكان الممثل أم الشخصية من كشف الجسد على الركح كليا، وسواء أكان ذلك ضروريا لإلقاء الضوء على القصة أم لا، لاتزال هناك أسئلة محيرة تنتظر الإجابة عنها.

وفي مسرحية “كفر نعوم” (2010) وهو عرض مغربي، خلعت الممثلة/المخرجة ثيابها قطعةً قطعةً مبقية على لباسها الداخلي فقط، مما صدم الجمهور الذي رآها مستلقية نصف عارية على خشبة المسرح. بذلك يصبح جسدها قادرا وفاعلا ومشكلة جنسانية تتخطى الحدود التي رسمتها الثقافة المغربية التقليدية. وتعد مسرحية “ديالي” (2012) لفرقة الأكواريوم المغربية مثالا آخر على العروض التي تستفز ميول الجمهور المغربي للحكم الأخلاقي. إن الفظاظة والهجوم اللذين تتسم بهما مونولوجات “ديالي” تُعلن عن موقف داخلي غير مريح.

طالما أن ما لا يمكن التعبير عنه علانية على خشبة المسرح لا يمكن أن يوجد بشكل أدائي، فإن أي محاولة لإلغاء المعجم الجنسي من المسرحية سيكون بمثابة عمل من أعمال العنف ضد جسد الأنثى نفسه، ومحاولة مستترة باسم “حشومة”، أو “اللياقة والصواب السياسي”، أو تقليد ذكوري لطرد الجسد الأنثوي من فضاء الفرجة المغربية والفضاء العام. تلح تلك الممارسة المسرحية على إعادة كتابة جسد الأنثى داخل كلا الفضاءين، وأيضا إعادة تشكيل مجموعة متنوعة من البناءات الجديدة للمرأة المغربية من خلال جسد فرجوي جريح يبرز تفاصيل ندوبه وجراحه.

بتخصيص ملف العدد الرابع عشر من مجلة دراسات الفرجة لموضوع “الجسد الفرجوي”، نسعى إلى إبراز مواقف مغايرة بما يقتضيه الأمر من تمحيص وتدقيق وتوسع، انطلاقا من مجالات معرفية وفنية مختلفة منها دراسات الفرجة؛ وهو المجال المعرفي الذي حقق في السنين الأخيرة تراكما معرفيا هاما وصار يشق طريقه بخطوات ثابتة في العالم العربي. وبالتالي الوقوف عند أشكال مختلفة من الجسد منها على سبيل المثال لا الحصر: الجسد الصامت، والجسد الراقص، والجسد الرقمي، والجسد المبتلى، والجسد المنكشف، والجسد الشعري، والجسد المقاوم، والجسد في الفرجات الشعبية، والجسد في التراث العربي والتراث الإنساني، والجسد بين المقدس والدنيوي، وغيرها من ضروب الأفعال والأشكال الجسدية.

ففي مستهل ملف العدد أكد محمد النوالي في دراسته على محورية الجسد في الثقافة العربية، كما شدد على ضرورة موضعة الجسد في سياقه الثقافي حتى يمكن تجاوز أحكام بعض النخب الذي نأت بتوجهاتها عن تفكير المجتمع وثقافته لكونه في نظرها ملوثا ثقافيا، ووجهت أحكامها القيمية عليه، حين ادّعت حيازة الحقِّ المطلق في الوصاية على الجسد. وبناء عليه فوضت لنفسها شرعية الحديث عنه، ورسم معالم مستقبل ثقافته وتوجيهه لمقاصدها، غير عابئة بالإحساس العام والمعتقد. وهو ما يسقطها في راديكالية متطرفة تفتقد المرجعية الفكرية الصلبة. أما عبد الرحمن بن إبراهيم فقد حدد الشحنة الدلالية للجسد الفرجوي، ثم وقف وقفة متأنية عند الجسد المسرحي وتجريبيته وماهيته وتجلياته وصولا إلى البعد التناسجي لثقافات الفرجة الشعبية المغربية… وتناول محمد المقدم موضعة الإدراك بين النفس والجسد في الاستدلال الفلسفي، مما جعل الجسد موضوعا منسيا يقيم على أنقاض الموضوعات الأخرى وإشكالاتها. وهو ما يتيح بناء خارطة تسمح بإعادة ترتيب وعينا بالحدود التي تحكمت في تمثل الجسد ضمن الإبدالات المعرفية، وتثري تجربتنا الجمالية، وتسهم في رفع الالتباس والغموض الذي يكتنف فهمنا لجدل غياب الجسد وحضوره.

واختارت نورة أخرو مقاربة الجسد الفرجوي في الرحلة الاسبانية انطلاقا من “مدينة النعاس لأنطونيو دي سان مارتين”، وقد اعتمدت في مقاربتها على آليات النقد الثقافي والدراسات ما بعد الكولونيالية والتفكير العابر للحدود لوالتر د. مينيولو، و”النقد المزدوج” لعبد الكبير الخطيبي، وتناسج الثقافات” عند خالد أمين. أما عبد الله مطيع ففي دراسته الموسومة بـ”فرجوية جسد المدرس وأقنعة المقاومة” وقف عند الوضع المفارق لجسد المدرس مشبها إياه بجسد الممثل، متوسلا مقاربة إثنوغرافية تسعى إلى فهم تمسرح جسد المدرس في سياق التجربة المعيشة، وفي علاقته التفاعلية مع المتعلمين، في فضاء الفصل، وباحة الاستراحة، وقاعة الأساتذة، مستندا إلى حساسية نظرية مستلهمة من دراسات الفرجة التربوية….كما تتبع عادل العناز مفهوم الجسد انطلاقا مما حبره حسن المنيعي في كتابه “الجسد في المسرح”. وهكذا وقف مليا عند مفهوم الجسد وما أثاره من إشكاليات في النقد المسرحي المغربي. ثم انتقل إلى تحديد متخيل المسرح لدى حسن المنيعي استنادا إلى محورين بارزين هما: “الجسد الفرجوي أو الواحد المتعدد: تصورات وخلفيات”، و”الجسد والمسرح: ظاهرة سلطة الانفلات”. أما كريم الفحل الشرقاوي فقد وقف عند الجسد الفرجوي في إطار علاقته بسلطة الخطاب من جهة، وحضور الجسد في المسرح المعاصر من جهة ثانية، استنادا إلى رؤى وتصورات آلان كابرو الذي يعتبر أحد رواد ومؤسسي فن الحدث أو الفن الأدائي، كما اعتمد على وجهات نظر مارينا أبراموفيتش في دراستها للجسد الوبائي وفنتازيا الأدائية المفرطة… وقارب محمد لعزيز موضوع الجسد في فن العيطة، فبعد أن حدد الإشكالات المتصلة بالجسد في الثقافة العربية، انتقل إلى استنطاق العناصر المؤطرة للجسد في فرجة الحلقة من قبيل: الموسيقى، والغناء، والشعر العيطي، والرقص… كما وقف عند الجمهور الذي يتفاعل مع جسد “الشيخة” ولا يمكنه الفكاك من سلطتها.

أما نوران مهدي عبد العزيز عزيز فأبرزت الأهمية التي أضحت تشغلها التقنيات الحديثة في عالمنا المعاصر، لاسيما في مجال الفن المسرحي، من خلال دراستها للعرض المسرحي “بِكسلPixel” لمراد مرزوقي. وهكذا تناولت العلاقة بين الواقعي/ المرئي، والافتراضي/غير المرئي. في حين قاربت هبة عمر محمد عبد الواحد الجسد السوري ما بعد الثورة، حيث يمتزج الديني بالسياسي في إعادة التمثيل المسرحي. فالمسرح الوثائقي السوري ما بعد الثورة يحقق تأريخا للوقائع برؤية إبداعية من خلال الجسد. مما ينتج مروية شعبية. وسلطت نزهة حيكون الضوء على التناقضات التي تحيط بالجسد الأنثوي، عبر مفهوم “القيد الجسدي”، وهو تجسيد لمقولة الممثل الانتحاري… فالمسرح الأنثوي في هده الدراسة هو حركة انتشاء ووجود، وقوّة مقاومة مضادّة، هو مكافحة للضدّ والندّ على السواء، مما تماهيا بين جسد الممثلة وجسد الشخصية الأنثوية في مسرحنا العربي، لتصبح معه قضايا المرأة على الركح هي قضايا جسدها. كما ناقش بنيونس عميروش الجسد المحظور في المنحوتات الصرحية (المَيْدانِيَّة) وضمنها الأنصاب التذكارية باعتبارها تعبيرا عن احتياجات الإنسان الثقافية، إذ تشبع رغباته الأزلية وتحول قدراته الجماعية إلى رمُوز معبرة، ولذلك لا يمكن أن تظهر الصروح التذكارية إلا في الأوقات التي يسود فيها وعي موحد، أما المراحل العابرة فلم يكن في مقدورها خلق أي أنصاب تذكارية دائمة.

وفي باب متابعات شارك كمال خلادي بقراءة عنونها بـ: “كيف قرأ خالد أمين بريشت؟”، كما قدم هشام بن الهاشمي قراءة في كتاب “فورة الخشبة: في الكتابة المسرحية الجديدة بالمغرب”. أما في باب حوارات فنجد حوارين: الأول معنون بـ:”عبد المجيد الهواس: الدراماتورجيا الركحية في مسرحية “ما تبقى لكم” وحوار الوسائط”. والثاني معنون بـ: “رضوان احدادو: كائن فرجة أو ليس للفرجة بداية.. ليس للمتعة نهاية.

 

Peut être une image de texte

 

حيث آثار العدد جملة من أشكال متنوعة من الجسد، من خلال البحوث كالآتي:

ـ “الجسد المكشوف على الركح تحرر أم  حذلقة وابتذال” لمحمد نوالي.

ـ “الجسد الفرجوي صوت، وما الروح إلا الصدى الناجم عنه والتابع له” لعبد الرحمن بن إبراهيم.

ـ “الجسد والنفس، مراجعة لموضعة الإدراك في الاستدلال الفلسفي” لمحمد المقدم.

ـ “الجسد الفرجوي في الرحلة الإسبانية: “مدينة النعاس” لأنطونيو دي سان مارتين نموذجا” لنورة أخرو.

ـ ” فرجوية جسد المدرس وأقنعة المقاومة” لبعد الله المطيع

ـ “تناسج الجسد الفرجوي بين المسرح والبرفورمونس: التجربة الفرجوية التونسية نموذجا” / لكريمة بن سعد.

ـ “متخيل الجسد في النقد المسرحي المغربي: تجربة الأكاديمي حسن المنيعي نموذجا”/ لعادل العناز.

ـ “الجسد الفرجوي وفنتازيا الأدائية المفرطة” / لكريم الفحل الشرقاوي.

ـ “جسد الشيخة في فرجة العيطة” / لمحمد لعزيز.

ـ “الجسد بين الواقعي والرقمي في العروض المسرحية الراقصة (عرض بكسل لمراد مرزوقي نموذجا)”/ لنوران مهدي عبد العزيز عزيز.

ـ “الجسد السوري ما بعد الثورة والفلكلورية: السياسي والديني وإعادة التمثيل المسرحي”/ لهبة عمر محمد عبد الواحد.

ـ “الجسد الأنثوي فرجويا من الجسد المعنف في النص إلى الجسد المستلب في العرض.. نماذج آمنة الربيع و نعيمة زيطان”/ لنزهة حيكون.

ـ “الجسد المحظور في النحت الصرحي” / لبيونس عميروش

كما غطي العدد  متابعتين مابين القراءة و الكتابة االمسرحية لكل من:

ـ “كيف قرأ خالد أمين بريشت؟؟؟”/ لكمال خلادي,

ـ ” فورة الخشبة: في الكتابة المسرحية الجديدة بالمغرب”/ لهشام بن الهاشمي,

بالإضافة إلى ذلك ، فإن هذا العدد يحتوي على مقابلات حصرية مع شخصيات مسرحية، بما في ذلك:

ـ السينوغرافي والمخرج: ” عبد المجيد الهواس: الدراماتورجيا الركحية في مسرحية :”ما تبقى لكم” وحوار الوسائط” / لسيف الدين آيت موسى.

ـ الكاتب المسرحي: “رضوان حدادو: كائن ينبض فرجة أو (ليس للفرجة بداية.. ليس للمتعة نهاية)/ لبعد العزيز جدير.

ـ “الزمان المستعاد” / لمحمد قوتي.

Ultras Body:Processes of Creativity and Performance ” / Mohamed Jalid

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت