تسطير انطباعي عن مسرحية “مدرسة الطغاة” للكاتب الالماني ابريش كستنر / علي حسين الخباز
كسر الاطر الزمكانية في أي نص مسرحي سيمنحنا بعدا فضائيا فينفتح على جوهر الحدث باعتباره معبرا عن الآم الإنسان في كل جيل وفي أي مكان كان، يوحد هوية الجرح الإنساني في كل وعي، ومسرحية “مدرسة الطغاة” للكاتب الالماني ابريش كستنر تستلهم معاناة المانيا في عصر الطغاة، استشعر الخطر الطاغوتي النازي ولكنه رفض مغادرة المانيا اعتزازا بأمه الوحيدة واصرارا على ان يكون شاهدا على جرائم النازية، أسئلة كثيرة راودتني، أسئلة تعرف هي جوابها قبل غيرها، هل الكاتب ابريش كستنر عراقي؟ هل عاش فترة في العراق؟ هل قرأ حالنا وكم عانينا، هذا هو المسرح يا صاحبي يعبر عن معدن الإنسان، والطغاة هم نفس الطغاة في كل التواريخ والبلدان، وكسنتر عالج فكرة الطغيان في شكل هزلي، قدم لنا الطغاة عبارة عن تلاميذ في مدرسة أنشأتها حاشية الحكم لتربية وإعداد اشباه الرئيس، وفي المدرسة يتعلم الاشباه كيف يقلدون الرئيس في المشية والمظهر والملبس، وهذا هو واقع العراق الذي عشناه، ويبدو انه واقع اكثر من بلد.
تتكون المسرحية من تسع لوحات، اللوحة الاولى، عشت فيها وانا أرى الرئيس يجلس على كرسي يشبه العرش مرتديا الزي الرسمي المزدان بالأوسمة والنياشين، يحاول المؤلف ان يتفادى أي شخصية من شخصيات التأريخ المعاصر فهو تجنب أي اشارة الى الحقبة النازية ولا يريد ان يبرز ملامح أي طاغية معاصر وانما اراد ان يبرز ذهنية الطواغيت كيف تعمل في خداع شعوبها وخيانة الأمم، السعي الدائب لإضعاف الروح المعنوية الطريقة التي يتم بها تعليم شؤون السلطة السياسية، احتفال جماهيري اعاد في ذاكرتي تاريخ 28 نيسان احتفالات عيد الميلاد وتلك الاحتفالات الراقصة على جراح الامة من ضحايا الحروب والسلب والنهب، احتفال جماهيري كبير تحضره عائلة الرئيس الزوجة وابنه الوحيد وجميع النخبة الحاكمة من الوزراء وكبار رجال السلطة، يتقدم رئيس الوزراء بتوسل مبالغ به ليقبل طلب الشعب باختياره رئيسا مدى الحياة، الوطنية ليست بحاجة الى اقتراع، ولو جرى اقتراعا سيكون بنعم او لا وحينها يفوز بنسبة 99،98 الرقم المعهود بجميع اقتراعات الرؤساء، ويسألون الجماهير هل انتم موافقون فيكون الجواب نعم موافقون، الرئاسة تدور في ذهنية الحكومات اعتمادا عل ما تمتلك الحكومة من عدة عسكرية وعدد يردع اعداء الوطن، لتكون للبلاد هيبة ويقوم الرئيس بالقاء خطابه التأريخي ويتعهد باعادة اجزاء من الوطن المسلوب، ويقسم انه سيعيد للبلاد كل شبر سليب ويطرد الغزاة ويطهر البلاد ويكون بوابة من بوابات الامآن، ويحمد الله سبحانه ان البلاد تنعم بوحدة الصف وقناعة الشعب وكل شيء من أجل الشعب، وهناك القلة القليلة من المعارضين فليذهبوا الى الجحيم، وليخرجوا من البلاد، البلاد لا تريد من لا يريد الرئيس، فهم عبارة عن خونة مرتزقة لهذا سيتنازل الرئيس ويستجيب لطلب الشعب ان يبقى رئيسا مدى الحياة، واهم شيء هو عزة الوطن، المهم ان الرئيس وهو يخطب للجماهير يتعرض لاطلاقة قناص تسبب له بعض الجروح البسيطة، ويعلن الرئيس في خطبته عن كرم سيادته فيعطي الشعب مكرمة من مكارمه السخية ويعلن عن اعفاء الف مسجون سياسي والتفاصيل سيعلنها وزير العدل، حينها يخاطب عميد الدبلوماسيين الرئيس :” سيادة الرئيس انا احمل اليكم تهاني دول العالم اربع مرات، الاولى لمناسبة عيد ميلادكم الميمون، والثانية مبايعة سيادتكم مدى العمر ونجاتكم من جريمة الاغتيال والرابعة المكرمة السخية باعفاء الف مسجون سياسي من السجناء السياسين”،نجد في النص المسرحي مدرسة الطغاة اكثر من ملمح يحتاج الى قراءة.
الملمح الاول:
جاء في مقدمة المؤلف وهو يتحدث عن فكرة المسرحية، سلبوا من الكثيرين امانيهم إلا انهم اغتنوا بخبرة جديدة لقد تعلموا من خلال النموذج الالماني ان الإنسان مع احتفاظه بكامل الشبه الفوتغرافي مع أخيه الإنسان قد يشوه حتى لا تستطيع ان تتعرف على ملامحه، الإنسان المدرب على التخلي عن كرامته وضميره الانساني، الإنسان الممسوخ المرتدي قناع إنسان فان رؤيته من ابشع المناظر، وبالرغم من ان هذا الإنسان يستهزئ بكل وصف لقد حاولت ان اصفه،
الملمح الثاني:
كسر افق التوقع يجعل النص ينفتح على حدث جديد مفاجىء يباغت المتلقي، هناك تفاعل بين بنية النص والمتلقي، فجأة يتغير حدث المسرحية، ليزيد الاثر الجمالي باللامتوقع، الكثير من الافكار الاستبدادية تم توظيفها بشكل طبيعي الى ان حدثت المفاجأة لتعلن زوجة الرئيس عن سوء معاملة الرئيس : ” ان الرئيس سلوكه بغيض ولا ينقص الا ان يضربني أمام الناس هل يستطيع ان يفعلها عندما كان زوجي على قيد الحياة” ، لتكشف ان المشهد كله عبارة عن مسرحية، تخاطب وزير الحربية : “ايها الخنزير المتخلف عندما كان زوجي حيا لم تكن تجرؤ ان تقول كهذا في وجهي”، المسرحية تمثل من قبل مجموعة من السياسين يديرون شؤون الدولة دون رئيس يقومون بتدريس شبيه الريس على السلوك وتعبيرات الوجه والايماءات ونبرة الصوت، إذا مات رئيس يمكن للحكام الحقيقين استخدام الممثل البديل ليكون الشبيه، واهل الرئيس الميت عليهم تأكيد المصداقية لخدعة الناس، والرئيس الذي يمارس الرئاسة هو مجرد دمية لا أكثر، استطاع نص مسرحية “مدرسة الطغاة” ان يفضح الاستبداد ويعري الفكر الذي يتجسد عبر خداع الشعوب في كل جيل، الطغاة نفس الطغاة يتوارثون، يذهب طاغية ليأتي طاغية آخر.