محاور الاستفهام في النص المسرحي ” أدب سسز” للكاتب علي العبادي/ علي حسين الخباز
استطاع الاستفهام اللعب بمكونات الوعي من أجل ترسيخ الأفكار وإثارة فاعلية التأويل والعمق الدلالي الذي يرسخه السؤال في نص مسرحي يعتمد على شخصيتين فقط، مما يعزز دور الحوار في رسم معالم الفكرة، ويؤسس فاعلية القراءة المغايرة.
الاستفهام يبعث على التأمل داخل تفاعلات الشخصية ويمنح المتلقي مفاهيم تخمينية للوصول إلى مرحلة الغور في أعماق الشخصية
المرأة 1: أنت لا تعرفين سوى لذة الاستفهام السمجة هذه؟
المراة2: (مستفهمة) كيف؟
المرأة1: آها ـ والله وتعرفين كيف ــ ولماذا ــ ومتى ـــ وأين، أكاد أنفجر من التفكير وأنت تلوكين الوقت باستفهامك الغير مجدي.
فلعب دورا كبيرا بتحريك فاعلية الدلالة وبناء المنظومة الفكرية عند الكاتب (علي العبادي) في أغلب نصوصه المسرحية السابقة، وفي هذا النص كان الاستفهام يمثل تحولا فكريا ليتجلى عبر هذا المسعى الاستفهامي مسعى فكري يقودنا عبر تعرجات الحوار ومساحات التأويل وتنشيط فاعلية الحدس وخلق تلميح ينفذ من خلاله المتلقي إلى روح النص.
الشخصية تشكو من النسيان يمتاز النسيان بخلق تنوع دلالي ومفاجأة المتلقي بأبعاد فكرية غير مشفرة ليكون النسيان وسيلة فنية تعبر عن نفسها من خلال السؤال الاستفهامي
(المرأة 2: إن نسترسل بالحديث
المرأة 2: أي حديث
المرأة 2: الذي اجتمعنا من أجله
المرأة 1: ما هذا الموضوع الذي يجعلنا أن نجتمع سوية؟)
وسع مضمون النسيان المنظومة الدلالية ليسط الضوء على اختلال الموازين النفسية والفكرية، وعدم القدرة على التكافؤ بين الإنسان وغاياته، وكانت غاية النسيان التماطل القصدي لإخفاء الحاجة وإظهار البديل، الذي هو المتنفس (المعهد) مفهوم التعويض النفسي واستعارة فنية للانفتاح على الدواخل النسية.
نجرد التركيز على مفردة (أعتقد) ترسم الملمح التعويضي للفراغ الفكري الذي تعيشه الشخصية وقصدها تجاهل الماضي بأثر أبعد من إمكانياتها العقلية وناتج ضغط الماضي والمخاوف من الأخطاء، الحوار بين الشخصيتين هو حوار بين الجهل والعلم، امرأة تدرك أبعاد اللعبة وامرأة تجهل حتى سبب الدعوة والاجتماع، وما الذي تريده من ضيفتها، يتحرك الاستفهام بأكثر من جهة فهو يستكشف ويسبر أغوار النص منه استنكاري ومنه استفهامي ومنه الساخر التهكمي وله القدرة على تحويل الشأن الخاص إلى مدرك عام، أثر التأويل.
(المرأة 2: ـ هل هذا مشروع جديد؟ هل يستحق أن تفكري به لسنوات؟ هل نحن بحاجة إلى معاهد أخرى، المعاهد تغزو البلد)، النص الذي يرتكز على البعد الاستفهامي يرسم إبداعه على أبعاده الفكرية واكتشاف البؤر النصية، والأمر المنسي هو أفق تأويلي، في نقل الأحداث لأنه يريد أن يستثمر القدرة التوصيلية إلى دلالات تأويلية، بمعنى هناك فكرة مؤجلة أبعدها الكاتب عنا ليشتغل بفكرة بديلة.
(امرأة 2: ما الهدف المرجو من هذا المشروع وما هو تخصصه؟
امرأة 1: العاهرات)
جرأة الفكرة تجعل المتلقي يعيد قراءة كل سؤال ويبحث بتأويل الفكرة القلقة، معهد يعمل على مكافحة الدعارة والعهر، ولعبة الزهايمر لعبة فنية أخفى من خلالها أحداثا مؤجلة وأظهر البديل الذي عرض من خلاله قضية المعاهد ومكافحة الدعارة والعهر واستثمار الواقع، والتفاعل معه عبر الاستفهام سيعمق الدلالة.
(المرأة 2: هل تعتقدين أن هناك من ينتمي؟
المرأة 1: مادام مجانا فهناك من ينتمي
المرأة 2: كل الأشياء أصبحت مجانية)
سعى الاستفهام إلى بناء أكثر من أفق للتوقع وهذا بعد جماعي، وللكاتب علي العبادي خبرة صناعة الاستفهام متعة فكرية وقادرة على تقديم الرؤية، رؤية الواقع، وإدراك الواقع، الواقع وفكر الواقع.
(المتدربة: هل يعني إني مسيرة)
ويصوغ السؤال بلا علامة استفهام
(المرأة 1: لا يوجد قانون في الكون يعطيك حق الوصاية على الآخرين)
اعتنى بالحوار الاستفهامي لتحقيق إثارة المتعة لدى المتلقي، تفاعل ذهني يحتاج إلى الكثير من الجهد لتحويله إلى مشهد بصري فرجوي.
الوصول إلى عقدة النص القوة المؤجلة والكامنة في الحوار
(المتدربة: تعرفين جيدا، إنك ذات يوم قررت أن تزجين بي في معترك الدعارة وقدمت لي سبيلا هائلا من الإغراءات فرفضت كل عروضك الباذخة بالوضاعة والخسة / الحقيقة مرة أليس كذلك؟)
القيمة في النص تبقى وسيلة لتنشيط الذات وتشغيل مخيلة المتلقي، وتترك له مجالا ليمارس حرية الخلق والتكوين عبر المخيلة، فيأسس عرضا تمثيلا داخليا مع الذات يصاحب قراءة المسرحية، وقدرة الكاتب علي العبادي بالمضمون الاستفهامي ناتج عن تعدد موهبته فهو شاعر، كاتب، ومخرج، ائتلاف هذه الأجناس صاغ منها تجربته التهكمية الفاعلة ومدرك الاستفهام.
(المرأة: أ تعرفين أنت تتحدثين مع من؟
المرأة 2: مع عاهرة متقاعدة، وشريفة على قيد الخدمة)
وقضية تكرار الاستفهامي وتكملة الكشف عن عمق المغزى
(مرأة 1: على ماذا دعوتك؟
مرأة 2: على أن أعمل في مشغلك النسوي الذي يقامر بالجنس اللطيف، وأن أكون رقما صعبا في صفوف العاهرات وأن أثبت كفاءة سوف تتم ترقيتي إلى مرتبة قوادة)
والثاني… حين يتحول الاستفهام إلى نشاط فكري يمنح الاختلاف بين الادعاء والحقيقة التي تبلور الشخصية والزهايمر هو مراوغة للابتعاد عن النهايات العادية وإعطاء الرؤية الجمالية المليئة بالحراك وبالدهشة.
(المرأة 2: بعض الفضائح لا تغطيها المشاريع العملاقة لا تدخلي في المشاريع التي هي أكبر من مقاسك وأن كانت فكرتها جميلة وتكنز أموالا وفيرة، لأن الأردية الفضفاضة تكشف عن تقزم أصحابها، أ تشربين الدواء أم أغادر؟ )
يحمل النص أسئلة عميقة وأفكار لها مدارك تتجاوز إمكانياتها إلى ما وراء الحروف.