المعادل الموضوعي في مسرحية “الرقعة” للكاتب الجزائري (محمد الكامل) تسطير…/ علي حسين الخباز

تمتلك القراءة الانطباعية الحرية الكاملة في تفسير وتأويل النص، واقتناص الدلالة وإنتاج معاني العمل الإبداعي، ونص مسرحية “الرقعة” للكاتب محمد الكامل الذي اعتمد في بنيته على المعادل الموضوعي، يمتلك مديات تأثيرية عالية، والتعبير عن المواقف يشكل بديلا فنيا لصور مضمرة. المعادل الموضوعي هو مسعى جمالي لتعميق الدلالات، بدءا من العنوان (الرقعة) لتتحول رقعة الشطرنج بديلا عن الوطن، اللاعبان عندي يمثلان الحكومات والجداريات بديلا عن الحدود الجغرافية لكل بلد، ولعبة الشطرنج عبارة عن ميدان قتال والبيادق الجند والقلاع، وليوظف هذه الرموز للتعبير عن الواقع ومكوناته، وخلق مساحة شعرية قادرة على بعث رؤى فكرية غير مباشرة.

الإبداع الحقيقي أن يلجأ إلى المقوم الفني المعتمد على الدلالة وإثارة المشاعر عبر عوالم شعورية خارج سيطرة المنثور، للبحث عن جوهر الإدراك ــ الأحلام ــ حركة الزمن ـــ الخوف ـ ألا ترى معي أن السيف قطع دابرنا وأصبحنا كالتماثيل مالها عنوان)

أحد النقاد يذكر أن المعادل الموضوعي هو هروب من العاطفة إلى التعبير الغير مباشر عن أوجاع النفس، وهذا التشخيص النقدي هو بحد ذاته يشكل معادلا موضوعيا، وعند الكاتب محمد الكامل هو الدخول الى عمق الموضوعية والشعورية

(الثاني: (يتأمل مربع منطقة الوزير) أيها الوزير افعل شيئا الثرثرة تأخذنا الى القبر) هناك فكرة وهناك قضية ومشاعر تلج أعماق المعنى، القضية ليست في الرقعة والوزير الشطرنجي، والقبر، القضية في التأويل الصارخ بالوجع.

(الأول: من الأعمى؟ أنا أم من ينتظر الوزير أن يخبره بحنكته في صناعة المكائد والدسائس، وعند استفسار الثاني، تهتز الجدارية ومع اهتزازها صوت غامض يردد كلمات غير مفهومة

(الأول: نعم… نعم مكائد ودسائس، أليس هذا عمل الوزراء؟) أعود لمفردة توظيف ما يترسخ بالذهن من خزين عقلي وثقافي ومن أحلام التغيير، الثورة الخروج بالوطن إلى العالم وليس من الوطن.

الأول… (بشيء من العصبية ـ أريد أن أرحل أريد أن اعيش ـ لا أريد أن ابقى حبيس هذه الرقعة اللعينة لكني أسعى جاهدا أن نحلق عاليا، وقد اعترفت الميقات لا بد منه)

رى النقاد الكبار أن الانفعال لا يبدع لذلك يحتاج إلى تعبير مماثل يعادل التجربة، ويبتعد عن التقريرية الخبرية، والإبداع عملية خلق عقلية، يتطلب النضج الفكري ليعالج أمور فلسفية بإحساس يضمن قدرة التأثير.

ولنتأمل في هذه الومضات البارعة.

(الثاني: ـ كلنا نعرف الله وقت ما نريد أن نعرفه، أما غير ذلك فلكل منا طريقه // أنا بشر مثلك تماما أقول الحقيقة حين أكذب)

أبدع الكاتب المسرحي (محمد الكامل) بقدرة التفاعل الذي يترك بصمته، ونلاحظ مع العمق الفلسفي الذي يعمر النص نجده مبتعدا عن الغموض الذي يتهم به دائما كتاب الشعرية العالية والجدحات الفلسفية.

انسجام الحوار مع حركة الجدارية، التي شكلت ديكورا يدل على الحدود الجغرافية.

(الثاني: ـ في هذا الزمن الموبوء، نسأل الموءودة بأي ذنب قتلت؟ / الجدارية التي تحمل رسم البيدق الجندي تتحرك ببطء شديد مصدرة صوتا حزينا يئن.)

(الأول: ـ ويسأل الغاوون أين سبيلكم ألم يستجب رحيلكم عن هذه الأرض)

القضية تكمن في الابتعاد عن الخبري والاشتغال، في بعث التصورات المثيرة للوجدان، التوازن الفكري، للمدلولات الواقعية، وترسيخ البعد الإنساني وبناء الموقف، الارتكاز بالأثر الفني عند المضمون.

(الثالث: ـ بحثت طويلا عن ملاذ أحس عبره أني لست بيدقا في رقعة حرب، لم أختر مكانها ولا زمانها، يساق بين المربعات مثلما شاءوا، أحس أني لست رقما في بطاقة تقف بين طوابير طويلة عساها تلقي شفقة أو احسان)

رغم الإحساس بقرب هذه الكلمات إلى الواقع والأثر النفسي، قدم النص لغة خلاقة تحررت من السياقات فصارت أليفة بكل ما تحمل من دلالات جماليتها في تأويلها، تصرخ في فكر المتلقي بقدرتها الواسعة على الإيحاء.

(الثالث: ـ أرادوا مني أن أكون بيدقا وأردت أن أكون إنسانا / أردت أن أختار الرقعة التي أعيشها).

قدم الكاتب محمد الكامل نصا مسرحيا ببنية درامية مبنية على الانزياح والنهايات الصادمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت