تمثلات البيداغوجيا في نص “سهرة طويل القامة” للكاتب عمار سيف/ حيدر جبر الاسدي
رغم ان البيداغوجيا مصطلح لم يتم الاتفاق عليه بشكل نهائي وهو محل خلاف واختلاف على حد سواء، حيث أخذ مدياته المعرفية والجمالية بين الأوساط العلمية طيلة الفترة الفائتة، وهو مصطلح اغريقي شمل التربية والتعليم والفن، وايضا هو مفهوم يعنى بفن تربية الأطفال كذلك يعنى بتعليم المهارات سواء كانت مادية أو غير مادية، الا ان دوركهايم حدده ضمن علم التربية ومفهوم التربية، والذي يعنينا في الأمر أن هذا المفهوم يتمترس في فكرة النص الذي كتبه عمار سيف ونسقه العام، والموسوم “سهرة طويل القامة” وهو نص كتب للاطفال، فمن بنية العنوان الرئيسي يقودك إلى ان الأحداث تجري بحسب زمكانية محددة من الليل بوصفه سهرة، وعادة السهرة لها دلالاتها التي تتمظهر فيها حالات من الراحة والاسترخاء والمتع، وأن كانت تخضع لطبيعة السهرة الا ان مسراها العام تدل على ما ذهبنا اليه، إلا أن سهرتنا هنا من نوع خاص حيث يفتتحها طفل طويل وضعيف وهو ينقاد بسبب جوعه إلى المطبخ، كأي متسلل إلى المكان ليسرق شيء ما، وهو بحالة حذر وخوف من ان يستيقظا الوالدان بعد ان ملىء شخيرهم المكان، يدخل الطفل وهو يبحث عن شيء يأكله ترافقه اغنية تدل على عظم جوعه (جائع جائع لااشبع ..جائع جائع لااقنع ..اكل اكل دون حساب …اكل اكل لااسباب…اذهب لأكل وارجع )، وهذه المقدمة كأنشودة وهي من الآليات المستخدمة في نص الطفل كمدخل عام، هدفها ادخال الطفل/ المتلقي في الجو العام للحدث، وكذلك خلق متعة اللعب والاتصال بالفكرة، وقد وضحت طبيعة شخصية الطفل وما يمتلكه من صفات غير مرغوب بها وهي معاكسة للاسس السليمة عند الطفل القويم، فعدم وجود القناعة وعدم وجود أسباب الأكل، كذلك غياب المحاسبة، كلها أمور سلبيه تزيد من انحراف الطفل بل وهلاكه، والهدف من وضع هكذا صفات للطفل من قبل الكاتب هو لتوضيح أمور مستقبلية قد وضعها في المتن الدرامي للنص، ثم يدلف الطفل إلى المطبخ ليحيل الكاتب القدر وهو إحدى أدوات الطبخ إلى شخصية لطيفة وعارفة بحيثيات الامور بمعنى أنسنة هذه الشخصية جاءت مطابقة للحكمة التى وردت من خلال مجريات الأحداث،
القدر : (وهو يخاطب الطفل) بعد أن تركتني ورحمتني نظرت هي _ ويعني امه _ لداخلي وقالت ..الحمد لله الذي جعل القدر نظيفا ولا يحتاج إلى الغسل ..غسله بلسانه.
الطفل : (ينزعج وهو يعيد الغطاء للقدر) بل انت بخيل لاتملىء نفسك بالطعام، كأن نار الطبخ تلتهم نصف الاكل الذي فيك، وربما انت اصلا تاكله.
القدر : انا اكله؟!
هذا الحوار بدء الحدث الصاعد كمقدمة لتحديد الحبكة الأولى من النص وهي بيان موقف الطفل من القدر وموقف القدر إزاء ما يقوم به الطفل من أفعال غير صحيحة تؤدي إلى سوء وضعه الصحي، كونه لايمتثل إلى التعليمات حيث بدء الاتهام والتسقيط والتشكيك في وضع الاكل داخل القدر، ثم يحاول الكاتب ان يبني ثيما ثانوية من خلال توسعة الحدث وايضا إضافة الإثارة والتشويق من خلال دفع الصراع باتجاه أفق أكثر سخونة، فقد احدث حالة من الجدل بين القدر والطفل، كما أنه _ اي الكاتب_ ميز بين الشخصيتين من خلال إبراز أبعادها
القدر: التكرار في بعض المواضيع هو ما يجعل المعلومة تسكن عقلك الذي لا يعرف غير التفكير في بالأكل .
الطفل : لو انهم يضعون بداخل الكتب بدل المعلومات طعاما (بلهفة) للهمتهم لهما..
القدر : تقصد الكتب
الطفل: الكتب والطعام الذي بداخلهم
(حركة اللهم)
اريد بهذا الحوار أن يشار إلى قضيتين أساسيتين الأولى هي حالة الشراهة الموجودة لدى الطفل والثانية نظرة الطفل إلى الكتب والعلم وهي بالتأكيد نظرة قاصرة، كما أن ثمة أمر آخر أن الكاتب حاول من خلال الحوارات اللاحقة ان يفعل الكوميديا بشكل كبير حتى يحافظ على المتعة واللعب وسحرية النص، كذلك قام بتأجيج الحدث الدرامي عبر زج شخصيات أخرى كشخصية البراد (الثلاجة) بوصفها الحافظة الأساسية للطعام.
البراد : جئت الي بعد أن افرغت مابالقدر؟
الطفل : (بأدب واحترام) مساء الخير ست الحسن ومالئة البطون الجائعة.
الثلاجة: مساء التملق.
طبعا هذه إشارة إلى أن الطفل بدء يتكلف لأجل الحصول على الغذاء الذي يريد، لكنه لم يخرج بشيء بعد جدل كبير بينه وبين الثلاجة والقدر، حتى يخرج لنا الكاتب أنشودة حوارية تفضي إلى أن على الطفل ان يلتزم بتعليمات الثلاجة والقدر معا فهي من صالحة وإلا فإنه لن يستطيع أن ينجوا، ويحاول كلا من الثلاجة والقدر ان يحتالا عليه لأجل أن يعيداه إلى رشده، فكأنهما معادلا موضوعيا للوالدين الذين يقومان بالنصح والإرشاد، وهي التفاته مميزة من الكاتب.
الثلاجة : لا لا تاكل
الطفل : اكل اكل
القدر: كلا كلا
الطفل : جائع جائع
الثلاجة : اصبر اصبر ، عقلك يسلم
القدر : حاول حاول جسمك يسلم
الطفل : لا لن اعلم، لا لن اعلم
وبهذه الأنشودة القصيرة ثمة خطاب واضح لكل الأطفال ان العقل السليم في الجسم السليم وهو ما تشيره أنشودة أخرى من قبيل (لا ناكل الكثير فإنه خطير وانت ياصغير لابد أن تتعلم) فهذه المحطات التعليمية مهمة جدا في بناء فكر الطفل وتوسعة مداركة، واعتقد ان ما يميز نص الطفل هو اتباع أساليب التعليم بشكل يسمح للطفل قبول هكذا أساليب وهظمها واتباعها، والكاتب الذي يسبك هكذا أفكار في نصه يستطيع أن يقدم نصا تعليميا مميزا يحقق الأثر المراد تحقيقة، وقد استطاع الكاتب ان يوظف هذه الادوات البسيطة ومن خلال حكاية افتراضية ان يرسم لنا مسارات تعليمية فيها من الدلالات والجماليات ما يثير حفيظة القارئ، وكذلك ما يعضد المستوى التعليمي الممسرح وأن يوصل التعليمات والنصائح إلى الطفل بوصفه حاضنة رئيسية لهذه الأفكار وهو المستهدف الأول، ومن هنا ما قاله الفلاسفة قديما عن الطفل (فليس الطفل بحد ذاته هو غاية التربية وإنما هو المجتمع. ولذلك فقد كان في تقدير فلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو أن التربية، بما هي نشاط مصيري بالنسبة إلى لمجتمع، ينبغي أن يُعهد به إلى الدولة، إذ هي تهدف إلى تكوين الإنسان بوصفه مواطنًا في المدينة أي جزءًا من كل ).
اخيرا …تجدر الإشارة إلى أن النص حصل على جائزة افضل نص في مهرجان التربيات الابتدائيات حيث قدم من قبل النشاط المدرسي في كركوك من ضمن خمسة عشر عرضا مسرحيا لمختلف محافظات العراق..
* حيدر جبر الاسدي/ الناقد العراقي