نص مسرحي: “لمن.. نتكلَّم؟” / تأليف: محمود أبو العباس
اللَّوحة الأولى
الدِّيكور: هيكل خشبي.. عبارة عن مقطع عرضي لبئر في طور الحفر.. هو منصَّة بارتفاع مترين ونصف.. عرضيًّا خمسة أمتار.. وعمق ثلاثة أمتار.. المنصَّة مفتوحة من الأمام وتدور حولها حواشٍ مسنَّنة كأنَّها أكوام تراب بعد الكراء.. في وسط المنصَّة بئر محفورة بقطر مترين.. وثمَّة قماش شفَّاف يحيط بالفتحة إلى أسفل البئر بحيث تكشف الإضاءة ما بالدَّاخل.. ونجد سلَّم يرتبط بالهيكل الخشبي وسلَّم آخر من الحبال في داخل البئر.. في العمق توجد خيمة العاملين.. وأدوات الحفر: (حبال.. مسحاة.. نقار أو كزمة.. وعاء لنقل التُّراب.. سطل).. الشَّخصيَّات بملابس تقليديَّة ومغطَّاة بالطِّين وكأنَّهم خرجوا من قبر.
(من داخل البئر المحفور يشع نور قوي وحاد ونسمع (الرَّجل) يصرخ بقوَّة).
الرَّجل: تعال.. تعال.. الحقني.. (يعاود الصُّراخ) هل أصبت بالطَّرش؟ تعال واسعفني.. النَّجدة.. النَّجدة.
(الشَّاب يخرج من خيمته وهو يعدِّل هيئته.. وقد غطَّى وجهه النُّعاس).
الشَّاب: من أين يأتي هذا الصَّوت؟
الرَّجل:الحقني.. آخ قدمي.
الشَّاب: (لا يدري ما يقول) ها.. النُّعاس ثلم نصف عقلي.. (يصيح) أين أنت؟
الرَّجل: هنا في داخل البئر.
الشَّاب: وما تفعل في البئر في ليلة النَّحس هذه؟ (يصعد السُّلَّم الخارجي إلى أعلى).
الرَّجل: قدمي انحشرت بين فكَّي سن صخري.
الشَّاب: على مهلك.. ها أنا قادم. (ينزل إلى داخل البئر.. ويحاول تخليص قدمه) تقودك قدمك كل ليلة.. لتتحرَّش بهذه الحفرة.. وتدري أنَّ عمل اللَّيل تحفُّه المخاطر.. ماذا.. هل لك ثأر معها؟
الرَّجل: لم تعصني أعماق الأرض يومًا.. انتبه.. قدمي (يحسُّ بالألم).. وإذا بهذا السِّن الصَّخري يُظهر أمامي عناد الوحوش.
الشَّاب: يا رجل.. قلت لك اتركه لي.. فإنَّه سرعان ما يذوب تحت ضربات فأسي.. فهو لا يستطيع مقاومة إصراري على تفتيته.
الرَّجل: صخرة مثل كابوس تجثم على صدري.. حتَّى في النَّوم لا تفارقني.
الشَّاب: (يضحك) حتَّى في الأحلام صار يستدعيك.. وأنت الَّذي سخرت منه في البداية.. قلت.. انظر.. ربَّما هذا كنز تركه الأجداد.
الرَّجل: الأجداد لم يورثونا إلَّا الهم.. أخرج قدمي أوَّلًا ثمَّ تكلَّم..
الشَّاب: (يرفع الحجر) ها.. والآن اسحبها برفق.
الرَّجل: آخ.. (يسحب قدمه).
الشَّاب: (يصعد إلى أعلى البئر) والآن…
الرَّجل: تدري.. لقد باغتني إحساس بالقبر وقدمي مدفونة.. أحسست أنَّ التُّراب تسلَّل عبر مساماتي إلى جسدي.. واختنقت.
الشَّاب: ماذا.. هل تتنفَّس من قدميك؟
الرَّجل: أحسست به جرحًا يتنقَّل عبر جسدي.. جرح لا يشبه الجروح.. ليس تهتُّك في الجلد ولا من جريان دم.. وإنَّما إحساس بالغبن تملَّكني.. شعور لا أدري ما هو.
الشَّاب: ما أدهاه من غبن دفعك لمصارعة الحجر.. ربَّما هو العناد.. يالتعاسة العناد الَّذي انتقل من البشر إلى الحجر.
الرَّجل: ماذا أفعل وقد بدت لي هذه الصَّخرة وكأنَّها تقف وتتحدَّاني.. تزدحم في خيالاتي كعجوز شمطاء تلفَّعت بثوب طهارة مسروق.. الثُّقوب فيها مثل عيون جاحدة أوَّل الأمر تراءت لي مومياء فعاملتها برفق.. ولكن ما إن صارعها زندي حتَّى بدت لي مثل أصلب الجبال.
الشَّاب: ومن الَّذي دفعك لفعل ذلك؟
الرَّجل: أنت لا تصدِّق أنَّها تزورني في الحلم وعند كل إغماضة جفن.. آه.. أحلامي هي الَّتي تقودني لمثل هذه المهالك.
الشَّاب: قل نحن وبإرادتنا نسعى للمصائب سعي المستجير.. نقبِّل يديها كي تصطلح معنا.. ترفسنا بكلِّ قوَّة لتبعدنا عنها ونحن نتشبَّث بها.. نتوق إليها توقًا.. حب قديم بيننا وبينها.
الرَّجل: ها.. أنت لا تصدِّق ما أقول.
الشَّاب: من إحساسي بخرافة أحلامك.. أنت تدري لماذا أحلامنا بالأسود والأبيض.. وليست بالألوان؟
الرَّجل: تسخر منِّي.
الشَّاب: لا.. أسألك.. هل حلمت مرَّة.. حلمًا ملوَّنًا؟
الرَّجل: لا.. ثمَّ ما هذا السُّؤال السَّخيف؟
الشَّاب: لأنَّه لا فاصل بين فسحة التَّمنِّي البيضاء.. والقلوب الأشد حلكة بالسَّواد.. لذا تبقى الأحلام حبيسة الرَّأس.. وليس للأطراف حق فيها.
الرَّجل: أكمل.. أكمل ما تبقَّى من جنونك الَّذي سيجهز على ما تبقَّى من عقلي.. قلبتها غمًّا فوق الغم الَّذي أنا فيه.. ثكلتك أمّك.
الشَّاب: (تتعالى قهقهاته) ذكَّرتني بفيلم قديم.. ثكلتك.. هاهاها.
الرَّجل: وأنت ذكَّرتني بقدمي المنتفخة.. الَّتي ستنفجر عليك وعليَّ.
الشَّاب: صحيح.. سأتدبَّر الأمر.(يقترب من صندوق قديم قرب الخيمة.. ويُخرج منه لفافات قماش، وقنِّينة فيها زيت.. يصبّه على قدم الرَّجل) السِّن الصَّخري هذا أعجوبة الزَّمان.. يزداد بريقه كلَّما أثقلنا عليه بالضَّرب.
الرَّجل: لا أدري.. ربَّما هي من خزائن هذه الأرض الَّتي تعجُّ بخيرات لم تُشبِع بطون جياعها.
الشَّاب: يا رجل.. اتركها للزَّمن.
الرَّجل: زمن ملَّ منَّا.. ومللنا منه.
الشَّاب: حقًّا.. قل لي.. لماذا كلَّما أقترب منك بكلمة.. تبتعد عنِّي؟
الرَّجل: لا أطيقك..جئتُ هنا هربًا من لقاء البشر.. وقرَّرت أن أفرغ غضبي بهذا التُّراب والحجر.. وإذا بك تخرج لي من طيَّات الصَّحراء يلفُّك الغموض والصَّمت.
الشَّاب: لو عرفت سببي.. لبطل عجبك.. كل واحد منَّا مُستودَع للأسرار.. أسرار كأنَّها هذه البئر.. آبار كالسَّنوات.. كلَّما توغَّلت فيها ردّك سن صخري من حيث أتيت.. حجر كالدَّوَّامة طحن فينا بقايا العمر.
الرَّجل: أنت الآخر تعاني من الصَّخرة؟
الشَّاب: ما بالك كلَّما قلت لك حجر أو سن صخري.. تقلبها صخرة؟
الرَّجل: بالنِّسبة لك مذكَّر.. أمَّا أنا فكلّ ما يعصاني مؤنَّث.. (مع نفسه) ذقت مرارة خيانتها مرَّات ومرَّات.
الشَّاب: الصَّخرة تخون؟
الرَّجل: ها.. طبعًا في كلِّ ضربة فأس.. أطعم هذه الحفرة من روحي وجزاؤها لي الهلاك.
الشَّاب: كيف الصَّخرة تخون؟
الرَّجل: (مع نفسه) أولى بوادر الحقد تأتي من الخيانة.
الشَّاب: طيِّب.
الرَّجل: وآخرها.. حين تحس بأنَّ الخيانة مخلوطة بدم من تحب.. وتأتي أنت البليد.. بهاتين اليدين تقدِّم روحك وقلبك لمن لا يستحق.. وتبرق في عينه رأفة بك.. ويظن بأنَّ طيبتك غباء وسذاجة.. يدمِّر كل أحلامك الورديَّة به.. ويسخر منك لأنَّك لا تبادله الخيانة.. فما جزاء من يخون؟
الشَّاب: (يرفع من على الأرض إحدى أدوات الحفر) أشقُّ صدره بهذه.
الرَّجل: إذا أردت أن تشقّ صدر كل من خان.. فإنَّك ستحتاج إلى زمن وسواعد..بل وسترتكب مجازر.. لأنَّه لا ينجو أحد من عقابك.
الشَّاب: (يضحك بفتور) يا رجل اتركها للزَّمن.
(يدخلان الخيمة).
(مؤثِّر ضوئي قصير وموسيقى.. لمرور الوقت).
اللَّوحة الثَّانية
(يدخل السَّائق وهو شخصيَّة مرحة.. يشتغل مع الرَّجل والشَّاب في حفر البئر.. غير متواجد باستمرار وبأعذار ملفَّقة.. يسوق السَّيَّارة الخاصَّة بالمجموعة.. ويؤمِّن المواد الغذائيَّة لهم).
السَّائق: (يقدِّم ساقه اليمنى) حين تدخل إلى مكان غريب عليك.. ولك فيه حاجة.. قدِّم ساقك اليمنى قبل اليسرى.. لأنَّ ذلك يدفع بالبركة والخير على مجيئك.. تعال ولا تتسمَّر في مكانك.
(يدخل الرَّجل الأب وهو كبير السِّن.. يحمل معه صرَّة ملابسه.. يتفحَّص المكان).
الأب: لا يختلف هذا المكان عن الأماكن الَّتي جئتُ منها.
السَّائق: كُفَّ عن التَّعليق.. فقد أتعبت قلبي وأنا أتنقَّل معك من مكان لمكان!
الأب: أشعر بالوحشة حين تطأ قدمي مكانًا لا أعرفه.. أحس أنَّه ينقلب عليَّ.
السَّائق: كلّ الأماكن متشابهة.. ولكن الَّذي يغيِّرها هم البشر.
الأب: قلتها.. وهي مازالت تلعب في طرف لساني.
السَّائق: ما هي؟
الأب: كلمة البشر.. هذا ما أبحث عنه.. أبحث عن بشر.
السَّائق: وأنا ماذا؟ المهم يا سيِّدي الجميل.. النَّاس في هذا المكان يختلفون عن غيرهم.. هنا يجتمع من تقيَّأتهم الأرض.
الأب: ربَّما أجد فيهم ضالَّتي.
السَّائق: هنا ستجد ما يسرّك أيضًا.. هنا الأخوة في اليوم العاشر ولم يفتِّتوا سنًّا صخريًّا.
الأب: سأكون خير عون لهم.
السَّائق: بل قل هم الَّذين سيكونون خير عون لك.. ماذا تظن؟ أنت هنا في نزهة؟
(الأب يقف وقد سيطر عليه النَّوم).
السَّائق: (ينتبه) ها قد عاد إلى النَّوم.. يا عم.. يا.. عم.. (يوقظه).
الأب: (يفيق) ها.. ها.
السَّائق: أتمنَّى أن يكون هذا المكان هو خاتمة السّوء.. وتستقر فيه.. تفضَّل واقترب..(يقتربان من الخيمة) هذه الخيمة خدمة خمس نجوم.
الأب: المهم مكان يحمي رأسي من الشَّمس.
السَّائق: (يضحك) ها ها.. رأفة الشَّمس لا تغنيك عن قسوة الزَّواحف.. من العقارب والأفاعي.. والـ…
الأب: أنا كفيل بها.. فلم يبقَ في هذا الجسد ما يغري الزَّواحف.
السَّائق: (يصيح قرب الخيمة) يا.. ما اسمه؟
الأب: من؟
(يخرج الرَّجل من الخيمة).
السَّائق: يا مرحبا.. يا مرحبا.. جئتكم بالمؤونة.. تعال وساعدني في جلبها.
الرَّجل: لا تسعفني قدمي.. (يعرج).
السَّائق: لا يهم.. تعال (يؤشِّر للأب) تعال معي نجلب لكم المؤونة.
(يهمّان بالخروج).
الرَّجل: ألم تبلِّغ الإدارة بأنَّ عددنا لا يكفي لحفر هذا البلاء.. البئر؟
السَّائق: (وهو يدخل حاملًا علبة كارتون كبيرة ويترنَّح) أخبرتهم.
الرَّجل: وماذا قالوا لك؟
السَّائق: لقد ابتعثوا لكم هذا الشَّيخ الرَّائع.. خبرة.. خبرة في حفر الآبار.
الرَّجل: لسنا بحاجة إلى خبراء.. نحتاج إلى عضلات.
الأب: ما زالت عضلاتي قويَّة.
الرَّجل: (يصرخ به) لا تحدِّثني قبل أن أوجِّه لك الكلام.
السَّائق: لِمَ تقسو على الرَّجل وهو بكبر أبيك؟
الرَّجل: قلتها بلسانك.. بكبر أبي.. عضلاته لا تكفي لحمل جسده.. فكيف يعمل؟
الأب: جرِّبني يا بُني وسترى.
الرَّجل: قلت لك ابلع لسانك.. ولا تتكلَّم.. اصمت.
الأب: أنت.. لا تقل أدبك.
السَّائق: أنا أستأذن..(يذهب مسرعًا).
الرَّجل: (يوقفه) إلى أين.. تعال.
السَّائق: عندي أشغال.
الرَّجل: بل ستبقى هنا.
السَّائق: أين؟
الرَّجل: معنا هنا.. في هذه الصَّحراء.. تحت الخيمة.. في قلب الصَّحراء.. تحفر معنا.. تعمل معنا.
السَّائق: ومَن يجلب لكم احتياجاتكم؟
الرَّجل: تأتي يوم أو يومين في الأسبوع.. وباقي الأيام…
السَّائق: أيرضيك أن أترك زوجتي.. وزواجنا ما زال طازجًا.. شهر العسل.. ألا تكمل فضلك عليَّ وتتركني أذهب إلى هناك.. حيث الفراش الدَّافئ.. والـ…
الرَّجل: (يخنق السَّائق وكأنَّه مصروع) فراش دافئ.. كلمة لطالما لطَّخت ذهني بصور الخيانة.. لطالما خلخلت مشاعري.. ودفعتني للقتل.. لو تعلم.
(يتقدَّم الرَّجل الأب لتخليص السَّائق.. فيدفع الرَّجل).
الأب:اتركه.. وإلَّا.. (يحاول الهجوم على الرَّجل).
السَّائق: (يعترض الأب ويوقفه) لا.. اتركه.. هذه ليست المرَّة الأولى.. فلقد تعوَّدت رقبتي على هاتين الكفَّين.. (يهمس) فهو أجبن من أن يخنق نملة.. آه نسيت.. النَّملة ليس لها رقبة.
الرَّجل: تدفعني من أجل هذا الكذَّاب.. مذ جئت إلى هنا وهو يتحجَّج بالزَّواج وشهر العسل.. شهره بسنة هذا الـ…
(يهجم الرَّجل على السَّائق الَّذي يختفي خلف الأب).
السَّائق: دخيل.
(يصرخ الرَّجل من ألم في قدمه.. فيخرج الشَّاب من الخيمة.. في هذه الأثناء يودِّع الأب السَّائق وهو يحتمي به).
الشَّاب: ها.. ما بك.. طار النَّوم من مقلتي.. في كلِّ لحظة لك مفاجأة.. ما بك؟
الرَّجل: ألم.. ألم يقيِّد قدمي.. مثل امرأة تخون في ربيع العمر.
الشَّاب: أوه.. سأُجن من هذه الكلمة.. لسانك لا يتلذَّذ إلَّا بهذه الكلمة!
الرَّجل: بل.. مرارتها أشد من السُّم على قلبي.
الشَّاب: مَن حرَّكك من مكانك؟
الرَّجل: ومَن يردُّ على هذا الـ… غيري؟
الشَّاب:هل جاء؟
الرَّجل: وجلب لنا هديَّة.
الشَّاب: هل عدت لأحلامك الخائبة؟
الرَّجل: لا.. لقد أحضر لنا ثالث.. يساعدنا في حفر البئر.
الشَّاب: إيه.. هذه هي الحسنة الوحيدة في حياته.
الرَّجل: لا تفرح.. رجل أقدم من هذه الصَّحراء.. بل كأنَّه خرج من قبره للتَّو.
(يدخل الأب.. فيجد الشَّاب يُعدِّل من وضع الرَّجل.. ينظر للشَّاب ويتمعَّن بالنَّظر إليه.. يقترب منه).
الأب: أنت.. أنت.. أنت هنا.. (يغمى عليه).
الرَّجل: ها.. ألم أقل لك؟
الشَّاب: (يضحك بقوَّة) قال أنت وأغمى عليه.. ما أسعدني وأنا هنا.. على يميني مخلوع السَّاق.. وعلى يساري آخر مُغمى عليه.. الله الله.. سأحفر البئر لوحدي.. وبعدها يضعون نياشين على صدري.. ويقولون هذا هو الولد الفرد..الَّذي نهشت مخالب صبره قسوة هذه الأرض.. وفتح فيها جرحًا سيدرُّ على النَّاس ماء.. (يستدرك) و.. و.. لم تقُل لي.. لِمَ نحفر هذه البئر؟
الرَّجل: السَّؤال ذاته.. كنت قد سألته قبل شهرين.. ولم يردني جوابًا منهم.. فقط جاء الأمر احفروا بئرًا.. لمن؟ لا أدري.. ماذا بعد الحفر؟ لا…
الشَّاب: لا تدري.. وها نحن نقف عند مكان صلب في البئر.. ماذا نفعل؟
الرَّجل: لا أدري.. يبدو أنَّ هذه البئر هي الهدف.. لذا بعثوا لنا بالإمداد (يشير للأب).
الشَّاب: لو أنَّهم بعثوا لنا بعكَّاز هذا الرَّجل لكانت أكثر نفعًا منه.. افعل معه شيئًا.. وإلَّا أدركه الموت.. وأدركنا الاتِّهام بموته.
الرَّجل: لا أستطيع الحراك.
الشَّاب: وأنا لم يمتلئ رأسي براحة النَّوم.. (يتثاءب) تصبح على بلوى.
الرَّجل: وأنت… (الدَّهشة تلفّه).
(إضاءة سريعة وموسيقى).
اللَّوحة الثَّالثة
(الرَّجل يفترش الأرض والأب ينام على ساقه).
الرَّجل: يا عم.. أستحلفك بمن تحب.. انهض.
الأب: (يدمدم) أمممم…
الرَّجل: قلت لك انهض فالوقت ليس ملكنا.. وسيأتون بعد قليل لينظروا في أمر هذه البئر والصَّخرة.. انهض.. ماذا أفعل؟ (يغلق أنف وفم الأب.. فيشعر بالاختناق.. ممَّا يدفعه للنُّهوض مسرعًا).
الأب: آه.. ما هذا.. ماذا تفعل؟
الرَّجل: انهض فقد يبست ساقي من ثقل رأسك.
الأب: أين هو؟
الرَّجل: مَن؟
الأب: أتكون الرُّؤيا قد أعادت صورته أمامي!
الرَّجل: ما بك؟
الأب: ألَم يكن معنا ثالث؟
الرَّجل: نعم.. وذهب.
الأب: أقصد شابًّا غير الَّذي جلبني هنا.
الرَّجل: آه بالطَّبع.. موجود داخل الخيمة.
(الأب يذهب مسرعًا).
الأب: أيكون الحظ فعل فعلته! وابتسم ليضع حدًّا لهذياني ويومي الَّذي يمرُّ ثقيلًا.
الرَّجل: ماذا قلت؟
الأب: ما اسمه؟
الرَّجل: مَن؟
الأب: هذا الشَّاب.
الرَّجل: لم أسأله عن اسمه.. ثمَّ ما نفع أن أسأله وما عاد للأسماء معنى..(ينتبه له) لِمَ أنتمضطرب؟
الأب: أنا يا ولدي عشت طوال عمري وأنا أمدُّ بصري إلى مدى لا تصل إليه يدي.
الرَّجل: لم أفهم.
الأب: أقصد.. لطالما خانتني عيوني.. وأتمنَّى أن تكون خيانتها هذه المرَّة.. لصالحي.
الرَّجل: يا رجل.. من هنا تبدأ الخيانة (يشير إلى عينه) من هذه الفتحة.. فعبرها.. تتوق إلى ما هو ليس ملكك.. فتكون الخيانة.
الأب: ومتى يخرج من الخيمة؟
الرَّجل: تستطيع أن تدخلها في أيِّ وقت.. أنت الآن واحد من المجموعة.. تعال وساعدني لندخل سويَّة.
(يتحرَّكان خطوتين.. يظهر الشَّاب.. ينظر إليه الأب).
الأب: (يختل توازنه) أنت!
الرَّجل: اثبت.. (يُعدِّل من وضع الأب).
الشَّاب: (يقترب من الأب بتحدٍّ واضح) ماذا تريد يا عم؟
الأب: ما اسمك؟
الشَّاب: قل.. أ..أ.. ثاني.
الأب: وهذا اسمك الحقيقي؟
الشَّاب: لا.. هو أيضًا سفر الأجداد.. مبتدأها ثانٍ.. ولا ينتهي بغير ثانٍ.
الأب: وجهك.
الشَّاب: ما به؟
الأب: عيناك.
(الرَّجل يسحب الشَّاب جانبًا).
الرَّجل: احذر هذا الرَّجل.
الشَّاب: ماذا يريد؟
الرَّجل: لا أدري.. ولكن الأمر لا يخلو من… (يهمس في أذنه).
الشَّاب: (يمسك بيد الأوَّل) سألحق يدك بساقك المكسورة.. مَن هذا؟ وماذا يُريد؟
(الأب يلف ويدور حول الاثنين).
الرَّجل: (ضاحكًا) هذا سن صخري متحرِّك (يدخل الخيمة).
(يصعد الشَّاب مسرعًا إلى البئر).
الأب: إلى أين؟
الشَّاب: (يتوقَّف) اسمع أيُّها الرَّجل.. دعك من ملاحقتي وإلَّا…
الأب: نبرة صوتك.. (يضرب أذنه بيده مرَّات) يا أذني.. أخبرني هل هذه النَّغمات من عزف حنجرته.. لطالما أطربني هذا الصَّوت.. فهو الَّذي اكتشف حاجتي إلى الأذن.. اسمع.. كل الزَّغاريد والزَّقزقات وموسيقى الطَّبيعة فيه.. بل إنَّ أنين الصَّحراء أصبح إيقاعًا للرَّقص.. كم يدهشني الفرح.. فقد سجَّل غيابه عنِّي وشمًا في دهاليز قلبي.. هل تشعر بما أشعر به؟
(ينزل الشَّاب عند حديث الأب إلى البئر.. حيث يلتفت الأب فلا يجده).
الأب: أين ذهب.. (يتحرَّك فرحًا) ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتها.. فرجت وكنت أظنّها لا تفرج!!
(يركض مسرعًا رغم كبر سنّه.. يتسلَّق السُّلَّم.. فيصل إلى فتحة البئر).
الأب: ماذا تفعل داخل البئر؟
الشَّاب: أرقص.
الأب: فرحًا بوجودي قربك.
الشَّاب: بل مذبوحًا برؤية وجهك.. (يصعد حيث فتحة البئر).
(إضاءة خاصَّة.. حزمة ضوء رأسيَّة على الاثنين.. موسيقى مناسبة).
الشَّاب: ماذا تريد؟
الأب: أنت هو؟!
الشَّاب: من هو؟ تكلَّم.
الأب: دعني أطبع وجهك في روحي.
الشَّاب: ما هذا الكلام؟ لِمَ تحدِّق بي.. وكأنَّ عينيك التصقتا بوجهي!
الأب: أريد أن أُميِّز ملامح وجهك يا ولدي.
الشَّاب: ولدك!!
الأب: أنت ولدي.. (يفتح ذراعيه لاحتضانه.. بينما الشَّاب يدفع يديه وينزل مسرعًا).
الشَّاب: إذا اقتربت منِّي فستلقى مالا يسعدك.
الأب: حفيت قدماي وأنا أدعس الرَّمل.. أحسّ أنَّ الصَّحراء قد شربت خطواتي.. عيوني شكَّلت كل ما حولي وجه واحد.. هو وجهك.. السَّراب وكأنَّك تركض باتِّجاهي.. والرِّيح لا ترضى تعزف لحنًا إلَّا صوتك.. بعد غربتي وضياعي تريد ألَّا تعترف بأنِّي والدك!
الشَّاب: (يمسك بالأب ويهزّه هزًّا عنيفًا) أفق من نومك.. مزِّق حلمًا كان من خرافات خيالك.. انتبه لي واعرفني جيِّدًا.. أنا لست ابنك.. لست ولدك.
الأب: لست ولدي! عجبًا..(ينتبه لنفسه وينظر ليده بتمعُّن) هل يمكن أن تكون هذه اليد ليست يدي؟ وهذا الجسد.. أأكون قد سرقته من رجل مخبول! هل يُعقَل أنَّك لست ولدي!
الشَّاب: اهدأ يا عم.. أجبني.. هل يستطيع أحد أن ينسى ملامح ولده؟
الأب: (بهدوء) بلى.. فعندما تكون ذاكرتك عرضة للغزو.. دماء ودخان وبقايا أشلاء.. وبيوت كأنَّها تراكمت من أثر زلزال.. عندها من البديهي.. لا أن تنسى ملامح ولدك وحسب.. بل تنسى ملامح وجهك.
الشَّاب: فهمت.. انهض يا عم.. أنت لا تدري لماذا يختار النَّاس مثل هذه المنافي.
الأب: وأقساها أن تكون القلوب منافٍ.. ما أثقل أن تحمل منفاك بين أضلعك.. يرافقك أينما تذهب.. ولا تستطيع الفكاك منه.
الشَّاب: قم لتسترح في الخيمة.. فربَّما يرتاح عقلك لترى الأشياء بوضوح.
(يذهب الشَّاب إلى البئر).
الأب:(ينفرد لوحده) هو ولدي.. وهي نفس الخطى.. بل حركته.
الشَّاب: (يسمع ما يقوله الأب.. يبتسم وينزل إلى البئر.. يضرب بفأسه السِّن الصَّخري.. يصيح بصوت عالٍ) عليك ألَّا تستغيث من قوَّة ضربتي على قمقم هذا الرَّأس الفارغ.. أيُّها السِّن الصَّخري.
(يستمرُّ بالضَّرب بقوَّة مع تصاعد الموسيقى وتبدُّل الإضاءة).
اللَّوحــــــــة الرَّابعــــة
(فوق هيكل البئر.. في زاوية.. يجلس الشَّاب أمام شمعة موقدة.. يُخرج الرَّجل رأسه من الخيمة.. يجرِّب المشي دون أن يعرج.. يحرِّك جسده حركات رياضيَّة).
الرَّجل: الحمد لله فلقد زال الألم.. وبإمكاني العودة للعمل.. فإنَّ أتعس أنواع الخيانات.. أنَّك تأخذ مقابل راحتك مرتَّبًا شهريًّا.. (ينتبه للشَّاب) ها.. ماذا تفعل هنا وحدك؟
الشَّاب: أحتفل مع روحي.. لعلَّها تعود إليَّ.. ما عدت أطيق غيابها عنِّي.. اليوم دعوتها لنحتفل حول هذه الشَّمعة.. غير أنَّ روحي مثل هذه الشَّمعة.. سرعان ما تذوب.. ولا تبقي إلَّا دخانًا وأثرًا.
الرَّجل: كلام شعراء.
الشَّاب: ومن فينا ليس بشاعر؟ كلّنا نشعر بهذا الحزن والضَّنك.. الَّذي يتحلَّق حولنا.. انظر إلى كلّ اتِّجاهات الصَّحراء.
الرَّجل: (يلفُّ برأسه حول نفسه) ها.. وماذا بعد؟
الشَّاب: هل لها حدود؟
الرَّجل: كلَّا طبعًا.
الشَّاب: ونحن لا نعرف طريقًا لمغادرتها.
الرَّجل: إذن فنحن محكومون بالبقاء هنا.
الشَّاب: بل نحن في سجن مفتوح.. اسمه سجن الهواء الطَّلق.
الرَّجل: (يضحك) عجبًا ما تقول.. أنا أيضًا أشعر برغبة في قول شيء.. هو أشبه بالبكاء.
الشَّاب: ولكنَّك تضحك.
الرَّجل: شرُّ البليَّة.. ها.. قل لي بمناسبة البليَّة.. إلامَ توصَّلت مع عمِّك؟
الشَّاب: (ينهض مستَفَزًّا) عمّي!! أتعرف عمّي؟
الرَّجل: الرَّجل الَّذي جاءنا قبل أيَّام.
الشَّاب: نعم.. نعم.. مازال ينظم فيَّ قصائد.. وهو مقتنع تمامًا بأنِّي ولده.
الرَّجل: هذا الهذيان.. تخاريف آخر العمر.. ففي مثل عمر هذا الرَّجل.. تتشابك عنده صفحات الماضي.. ولم يبق من صور المستقبل إلَّا نثارها.. يجترُّها.. وهو مؤمن بأنَّه يقولها أوَّل مرَّة.
الشَّاب: ولكن مراقبته لي.. تربكني.
الرَّجل: إذا لم تسرق فلماذا تخاف السُّلطان؟
الشَّاب: لا أدري من أين جمع أدلَّته للمطالبة بأبوَّتِه لي.
الرَّجل: ربَّما يكون الرَّجل غير مخطئ.. وأنت لا تريد الاعتراف.
الشَّاب: ماذا تقصد!
الرَّجل: قل لي ما سرّك؟ لِمَ أنت مرتبك؟ النَّوم القليل.. والإصرار على الانصراف للعمل حتَّى في غير وقته.. ثمَّة ما يؤشِّر.. إنَّك تعاني من شيء.
الشَّاب: لا…
الرَّجل: ربَّما هو يدَّعي جنونًا يبغي من ورائه إلقاء القبض عليك.. (يضحك).
الشَّاب: (يُستَفَز ويركض باتِّجاه إحدى الأدوات ويرفعها مهدِّدًا) لا تقرب منِّي.
الرَّجل: ما بك.. أمزح.. انزلها.
الشَّاب: مزاح سيكلِّفك تهشيم وجهك.
الرَّجل: إذا كانت هذه رغبتك.. فتعال وهشِّم ما شئت.
(يحاول الشَّاب أن يضرب الرَّجل.. لكنَّ الأوَّل يرفعه بطريقة ما ويسقطه أرضًا.. يخرج الأب صارخًا).
الأب: توقَّف.. (ينزع الآلة من يد الرَّجل ويهمُّ بضربه).. ماذا تريد منه؟ أخبرني.
(يدخل الرَّجل مسرعًا إلى الخيمة).
الأب: انهض.. هل تسبَّب لك في أذى؟ (يحاول إصلاح وضع الشَّاب).
الشَّاب: ارفع يديك عنِّي.. وابتعد عنِّي.
الأب: لم أفعل لك شيئًا.
الشَّاب: هذا المكان لا يسعنا نحن الاثنين.
الأب: حسنًا.. حسنًا.. سأذهب إلى عملي (يذهب لحفر البئر).
الشَّاب: اذهب للجحيم.
الأب: أين السِّن الصَّخري؟
الشَّاب: لقد حطَّمته.
(الأب يعمل بجد.. الرَّجل يقترب من الشَّاب معتذرًا).
الرَّجل: هل تسامحني؟
الشَّاب: أنت.. ألم أقل لك لا تتدخَّل في شؤوني؟
الرَّجل: كنت أمزح.. أحاول تخفيف المشكلة عليك.. لا تخف منِّي إذا كنت متورِّطًا في أمر ما.. ربَّما ستجد فيَّ معينًا لك وأنت لا تزال غضًّا طري العود.. سرّك هذا الَّذي يقودك إلى هزَّات متتالية.. ربَّما تجد حلّه عندي.
الشَّاب: ما تعوَّدت أن أفضي بسرِّي لأحد.. من الحكمة ألَّا أكون مستباحًا.
الرَّجل: من حقِّك.. فالسِّر إذا خرج من اثنين.. شاع.
الشَّاب: فكيف تريد منِّي أن أبوح لك بسرّي؟
الرَّجل: لأنَّك واحد.. وأنا الثَّاني.. والسِّر حين يجثم على القلب.. يَخنُق.
الشَّاب: تحاصرني الآن بأمان.. أشعر به أنِّي مختنق.
الرَّجل: لن تجد صدرًا أوسع من صدري في حفظ سرّك.. أقسم على ذلك.. قل.. ربَّما تأتيك المساعدة من ضعيف مثلي.
الشَّاب: وإن أفشيتَ سرّي؟
الرَّجل: معنى هذا أنِّي أخون.. وتدري حكم الخيانة عندي.
الشَّاب:اسكت.. اسكت.
(الرَّجل يضع يده على فمه في إشارة للسُّكوت).
الشَّاب: أنا.. أنا مطارد.. متَّهم بالقتل.. وهناك من يبحث عنِّي طلبًا للثَّأر.. أخي دفعني لقتل امرأة كان يحبّها.. إنَّها ابنة عمّي.
الرَّجل: لماذا؟
الشَّاب: (يسكته بحركة من يده) المرأة دفعته لأن يسلب منّا كلّ ما نملك.. عائلتنا القويَّة المتماسكة انهارت بادِّعاء أخي الجنون.. حبّها ثمَّ خيانتها له.. أوصلته إلى حافَّة الموت.
الرَّجل: (ينهض منفعلًا) أي؟
الشَّاب: دعاني يومًا وهو منهار.. قال لي.. سرقت أموالنا وليست مشكلة.. صورتها الأنقى وهي تحبّني تمحو السَّرقة.. ولكن أن تخون.. كنت أكاد أنساها.. فبعد سنوات من هجرانها لي.. تعود لي تطلب حلًّا لأنَّها خانت.. اعتصرني الألم.. ودفعني إلى حافَّة الجنون.. وأصوات في رأسي تدفعني للانتقام.. بي قوَّة تمحو ذكراها من الدُّنيا.. ولا تمحوه من قلبي.. فصبَّ كل تلك القوَّة في يديَّ اللَّتين حملتا عليها وقتلتها.
(ينهض الرَّجل معجبًا بما سمع.. ويُقبِّل الشَّاب من جبينه).
الرَّجل: الآن أصبحتَ لي خلًا وأخًا.. أنت لست بقاتل.. بل دافعت عن الرُّجولة.. بل عرفت قيمة الخيانة.. وقدَّرت ثمنها.. اسمع.. سيظلّ الموضوع سرًّا بيننا ما حييت.. ليس فقط دفاعًا عن الحق.. بل تقديرًا لموقفك المثالي من الخيانة.
الشَّاب: ألم أقل لك.
الرَّجل: ربَّما جاء هذا الرَّجل لمراقبتك فعلًا.
(يدخل السَّائق حاملًا صندوقًا).
السَّائق: السَّلا… كم…
الشَّاب: ها..ألم ينتهي بعد شهر العسل؟
السَّائق: أيَّام.. أو بضعة أيَّام.. يا الله.. شدَّة وتزول.
الشَّاب: هل جلبت لنا.. الـ…
السَّائق: كل شيء.. (يتحرَّك مسرعًا باتِّجاه الخيمة ليضع الصُّندوق).
الرَّجل: أراك في عجلة من أمرك.
السَّائق: (يبتسم بخوف) زوجتي معي بالسَّيَّارة.
الرَّجل: العروس.
الشَّاب: وكيف قطعت شهر العسل وجئت؟
السَّائق: فضول الزَّوجة.. أرادت أن تعرف أين أعمل.
الرَّجل: ولماذا تتعبها؟
السَّائق: رأسها النَّاشف.. لا تصدِّق أنِّي أشتغل في صحراء.. في كلِّ مرَّة تقول.. كم من النِّساء معكم في العمل.. وأنا أضحك على عقلها.. وأقول.. لا تُعَد.. أصرَّت على المجيء.. رغم أنَّها حامل.
الشَّاب: ماذا.. ماذا قلت!!
السَّائق: آ.. آ.. آ.. (يتلعثم بالكلام).
الرَّجل: حامل.. قلت زوجتك حامل؟
(يحاول السَّائق الهرب في مسكانه).
الشَّاب: لابُدَّ أنَّه شهر عسل أصلي.. وليس مغشوش.
الرَّجل: منذ متى وأنت متزوِّج؟
السَّائق: من أشهر.
الشَّاب: ولماذا تكذب؟
السَّائق: وكيف أعيش؟
الرَّجل: الكذب…
السَّائق: (يقاطعه) خيانة.. أدري.
الشَّاب: وجزاء الخائن…
السَّائق: القتل.. وأولادي الأربعة يتيتَّمون.
الاثنان: وعندك أربعة أولاد؟!
السَّائق: أنا أعمل هنا منذ سنوات.. ويشفع لي أنَّ أفواج من البشر تأتي.. وأفواج…
الاثنان: (يكملان) تذهب.
السَّائق: رحمة الله لوالديكما.. قلت مادام قد تساوى الأقرع وصاحب الشَّعر.. والجهد ضائع سواء تعمل أم لم تعمل.. فلماذا أجمِّد حيلتي؟ فسلكت دربًا قصيرًا.. وهو أنِّي متزوِّج.. وهذا صحيح.. وأنِّي في شهر عسل دائم.. لأن زوجتي تقول لي باستمرار.. سأجعل أيَّامك كلّها عسلًا.
الاثنان: ها…
السَّائق: فهل أنا غلطان؟
الرَّجل: لا ندري ما تخبِّئ لنا هذه الصَّحراء من أسرار.
السَّائق: لو أنَّها نطقت.. ووصفت ما شهدته من ظلم.. الله وحده يعلم ما ستقول.
الشَّاب: وأنت ماذا تقول؟
(يُخرج من الصُّندوق هاتفًا قديمًا أسود اللَّون.. ويربطه بسلك مخبَّأ في إحدى الزَّوايا).
الرَّجل: وما هذا؟
السَّائق:هاتف..أتَّصل بالدَّائرة ليسعفوكم بمن يساعدكم في العمل.
الشَّاب: ولماذا تخبّئه عنّا؟
السَّائق: من عشرة أيَّام وأنتم هنا.. وعشرة أيَّام غير كافية لبناء جسور الثِّقة.. لأنَّ المثل يقول.. صادق صديقك سنة.. وبعد السَّنة جرّبه.
الرَّجل: ونحن.
السَّائق: أنتم في طور.. “جرّبه”.
الرَّجل: ولهذا السَّبب تخفي عنّا الهاتف؟
الشَّاب: لماذا؟
السَّائق: التَّعليمات تؤكِّد على عدم السَّماح لكم بالاتِّصال بالعالم الخارجي.
الرَّجل: حقًّا!
السَّائق: حقًّا.. طبعًا.. هم أخبروني بذلك.
الرَّجل: المهم..اتَّصل الآن لنسمع رأيهم بالسِّن الصَّخري.
الأب: (من داخل البئر) يا رجل.. يا هذا.. أنت.. هذا سن صخري آخر.
السَّائق: يبدو أنَّ فم هذه البئر يحوي أسنانًا أكثر من حاجته.. ولاشكَّ أنَّه سيأكلنا واحدًا واحدًا.
(يردِّدها حتَّى يخرج مسرعًا.. بينما يذهب الاثنان إلى البئر).
اللوحـــة الخامســـة
(الرَّجل يناول الأب ماءً ليشرب).
الرَّجل: ما شاء الله.. عافية تذيب الصُّلب.. وهذا الجرثومة الَّذي أتى بك.. قال عنك.. سرير متنقِّل.
الأب: بمعنى؟
الرَّجل:أنَّك تترك أغلى مَنْ تحب.. وهو في الرَّمق الأخير.. وهو ينازع الحياة.. لتذهب للنَّوم.
الأب: (يشهق).
الرَّجل: سلامات!
الأب: عادةً ما أشهق بالماء.
الرَّجل: ربَّما من ضعف في قلبك.
الأب: قلبي لو صدق ظنّي.. فإنَّه بكبر إبهامي هذا.
الرَّجل: لماذا؟
الأب: من الفراق.. يقولون إنَّ الفراق يقضم القلب.. ويُجهز عليه بمرور الأيَّام.
الرَّجل: لم تَقُل لي.. من أين جئت؟
الأب: من أرض الله الواسعة.
الرَّجل: أعلم.. ولكن من أيِّ منطقة أنت؟
الأب: من.. من.. أ..أ.. نسيت.
الرَّجل: ها.. لماذا تراقب ذلك الشَّاب؟
الأب: إنَّه ولدي.. ولا يريد الاعتراف بي.
الرَّجل: لماذا؟
الأب: لا أدري.
الرَّجل: هل لك ابن آخر؟
الأب: ها.. لا أدري.
الرَّجل: ولكن عليك أن تدري حتَّى تسوق قدميك إلى المكان الصَّحيح.
الأب: أخبرني عنه أنت.
الرَّجل: أنا أسمع فقط.. قل أنتما عندك.
الأب: لو أخبرتني عنه شيئًا.. فإنِّي سأقول لك ما يَشْدَه عقلك.
الرَّجل: بأمانة.. وتحدِّثني عن الصَّحراء؟
الأب: عن الصَّحراء.. أرض الله البكر.. وكيف أصبحت مرتعًا للُّصوص..عن خيانة البعض.
الرَّجل: وعن؟
الأب: عن كلِّ ما يدور في هذا الصُّندوق الصَّغير.. (يشير إلى رأس الرَّجل).
الرَّجل: أيقظ ذاكرتك معي.. هل لك.. ابن مجنون؟هل لك…
الأب: أكمل.
الرَّجل: ابن أحبَّ امرأة خانته.. فدفع بأخيه لقتلها.. هل تذكر أنَّ في الأمر حادثة قتل؟
الأب: لا أمر يخلو من حادثة قتل.. في هذه الذَّاكرة المقتولة.. إذ لولا القتل لما استوت هذه الأرض.
الرَّجل: وإذن…
الأب: ولدي هذا قتل زوجة أخيه!!
الرَّجل: بالضَّبط.. وأنت جئت هنا للبحث عنه وتسليمه للقضاء.. لا أخفي عنك خوفي من هذا الشَّاب.. ومن مرافقته.. فربَّما هناك من يفتري عليَّ ويتَّهمني بالتَّستُّر على أفعاله.
الأب: خوفك في محلِّه.. ولكن من أخبرك بهذا السِّر الخطير؟
الرَّجل: هو.
الأب: إذن.. سيكون ابني غصبًا عنه.
الرَّجل: كيف؟
(يخرج الشَّاب من الخيمة.. يحمل مجرفة).
الرَّجل: (يهمس) ها قد جاء (يرفع الرَّجل صوته وهو يذهب صوب الخيمة.. وراح يشرح للأب الَّذي نزل يضرب الأرض بقوَّة.. حتَّى يتباطأ وتأخذه سكرات النَّوم) حسنًا أيُّها الأب.. عليك أن تحفر حول السِّن الصَّخري ليتسنَّى لنا رفعه على الأقل.. فقد قال لنا السَّائق.. إنَّ آلات ستأتي بعدكم لتدكّ المكان.. وتُخرج أحشاء الأرض.. سألته.. ما هي أحشاء الأرض؟ قال بالحرف الواحد.. شيء يخرج من أرضنا.. ونهلك في استخراجه.. لكنَّه ليس لنا.. ما هو؟ يمكن أن تسمّيها فزّورة.. ما هو الشَّيء؟
(مع صعود الشَّاب إلى فتحة البئر.. ضربة موسيقيَّة).
الشَّاب: نائم.. سيظل هذا المأفون يلاحقني إذا لم أضع له حدًّا.. عليَّ أن أنهي حياته بطريق الخطأ.. غير المقصودة.
(يجرف قليلًا من التُّراب ويُلقيه في البئر بهدوء.. ثمَّ يعاود مرَّة ثانية وثالثة. وحين لا يشعر الأب.. يزيد من كمِّيَّة التُّراب.. فتوقف عمله عطسة قويَّة من الشَّيخ.. ثمَّ يتبعه سعال.. يتوقف الشَّاب فينظر إليه الأب).
الشَّيخ: أكمل لماذا توقَّفت؟
(الشَّاب ينزل بسرعة من السُّلَّم الجانبي)
الأب: (يصرخ) ما الَّذي شلَّ يديك في أن تهيل التُّراب عليَّ؟ تعال.. تعال يا ولدي.. (يبكي) تعال وأكمل.. فإنَّك تحقِّق لي أمنية لطالما راودتني وأنا أبحث عنك.. أن تواريني التُّراب.. ما أسعدني الآن وأنت تهيل التُّراب عليَّ وأنا حي.. بدل أن تدفنني وأنا ميِّت!
الشَّاب: (يعود للصُّعود مرَّة أخرى) يا إلهي.. ماذا تريد منِّي أيُّها القديم؟ أيّ شرر يتطاير من هاتين العينين؟
الأب: سأطفئهما.. لِمَ لا تصارحني بالحقيقة؟
الشَّاب: بماذا؟
الأب: بما في قلبك.. قل لي أنت ولدي.
الشَّاب: بالزُّور.. هل تريد منِّي أن أدَّعي غير ما أنا عليه؟
الأب: ذلك يبرِّئك من تهمة القتل!
(ينزل الشَّاب راكضًا باتِّجاه الخيمة.. يتوقَّف.. ثمَّ يعود راكضًا.. يتوقَّف قرب السُّلَّم).
الشَّاب: ماذا تعني؟
الأب: قل.. المعنى في قلب الشَّاعر.
الشَّاب: اسمع.. أنا أخرج المعنى من قلب الشَّاعر.. وإنَّ قسمات هذا الوجه.. فيها ما يوحي بشرٍّ يكفي لغطاء مدينة.. وأنا لا أخرج المعنى من قلبك فقط.. بل سأضطر أن أخرج قلبك من هذا الصَّدر الَّذي يفور غلًّا.
الأب: افعل ما يحلو لك.
الشَّاب: إذن.. الَّذي قال لك ذاك الجبان الَّذي أودعته أسراري.. سأ…
الأب: (يقاطعه ويقف في طريقه) تعال ولا تفضح نفسك.. فحين تعاتبه تؤكِّد له أنَّك فعلت فعلتك.. ولكنَّ صمتك يبيِّن أنَّ كلامه تلفيق.
الشَّاب: سئمت منك وأنت تتلصَّص عليَّ.. كأنَّك تطلبني بثأر.. فمن أنت أوَّلًا؟
الأب: لا عليك منِّي.. بل عليك أن تحذر منه.. لأنَّ من يخونك مرَّة.. يخونك مرَّات.
الشَّاب: بل عليَّ أن أحذر منك.. ابعد عنِّي.. ولاتكن ظلّي.. فأنا لا أخاف منك.. هل فهمت؟
الأب: فهمت.. ولكن عليك أن تفهم بأنِّي أستطيع أن أثبت لك أنَّك ابني.
الشَّاب: كيف؟
الأب: اكشف لي ظهرك.. (يحاول رفع قميصه للأعلى).
الشَّاب: ما أنت فاعل أيُّها المجنون؟
الأب: ثمَّة ما يميِّز ابني.
الشَّاب: لا.
الأب: إذن.. سأشكوك إلى الشُّرطة.. أقول لهم أنَّك.. قاتل.
الشَّاب: لا.
الأب: إذن اعترف ولو لدقيقة.. بأنَّك ابني.. عندي سر سأقوله لك.. وعليك.. (ينتابه التَّعب) أنا.. أنا.. (يسقط على الأرض).
الشَّاب: ما بك؟
الأب: لا شيء.. أحتاجك ابني حتَّى لو كنت وهمًا.. فأنا مصاب.. مصاب بـ… بـ…
الشَّاب: بماذا؟
الأب: بالسَّرطان.. وأبحث عن ولد ضاع منِّي.. ربَّما حين ألتقيه سيريق دمعة من أجلي.. الزَّمن لم يبقِ للأبوَّة شأن.. لم يعد أولادنا تلك الأكباد الَّتي تمشي على الأرض.. أكبادنا هشَّمتها الأزقَّة المظلمة.. والاتِّهام الباطل.. والوجوه الَّتي تشتري بنا وتبيع.. وروائح استشاطت بها الأرض فتنفَّسناها حبًّا.. وإذا بهذا الحب يقتلنا.. جميعًا.. واحدًاواحدًا.
(يغيب الأب عن الوعي).
الشَّاب: (يصرخ) أبي.. أبي.. أنت أبي.. لا تفارقني.
(يخرج الرَّجل من الخيمة مندهشًا).
(موسيقى وإظلام).
اللَّوحة السَّادسة
(الرَّجل والشَّاب، متقابلان).
الشَّاب: وتدَّعي بأنَّك تكره الخيانة.. بل وتحتقر من يخون.. وجئت إلى هنا حتَّى تتخلَّص من خيانات كثيرة.. كلَّفَتك عمرك..وإذا بك أنت مخترعها.
الرَّجل: لم أدَّعِ كذبًا.
الشَّاب: فماذا تسمِّي أنَّك تفشي سرّي لرجل لا أعرفه؟ وكنت قد شكوت لك منه مرَّات.. من أنَّه يراقبني ويرصدني.
الرَّجل: كيف لا تعرفه وأنا سمعتك بملء أذني تقول له.. أبي.. أبي.. وبكيت.
الشَّاب: وهل وجدتني عديم المشاعر؟
الرَّجل: إذن لماذا لا تعترف بأنَّه أبوك؟
الشَّاب: هو ليس أبي.. ليس أبي.. ألا تفهم لغتي؟
الرَّجل: أفهم.. أفهم.
الشَّاب: ولكنَّه رجل صارحني ببلواه وحقيقة سرّه.. وطلب منِّي عطفًا.. طلب منِّي أن أكون ابنه.. ولو لبضعة دقائق.. فاستجبت.
الرَّجل: وقبلت هذا الدَّور.
الشَّاب: ليس كما نفَّذت أنت دور الخيانة.
الرَّجل: أنا لا أخون.
الشَّاب: كيف لا تخون وقد قلت للرَّجل سرًّا أودعتك إياه! ألست القائل بأنَّ من يفشي سرّ صاحبه خائن؟
الرَّجل: ومن العيار الثَّقيل.
الشَّاب: فلماذا تفعل ما تكرهه؟
الرَّجل: الكذبة الصَّغيرة ليست خيانة.
الشَّاب: بل هي البداية.
الرَّجل: أنا لم أخنك.. وإنَّما أردت أن أقرِّب وجهات النَّظر بينكما.. هو يدَّعي أنَّه والدك.. وأنت قاتل.
الشَّاب: لست قاتلًا.
الرَّجل: لا تتراجع.
الشَّاب: ربَّما سأصبح قاتلًا..إذا استمرَّ بك الحال فتدفعني لتنفيذ ما تتَّهمني به.. وربَّما أنت الهدف.
الرَّجل: (يذهب للخيمة) تعال واسمع.. ستكون شاهدًا على قتلي.. إنَّه يريد قتلي.
الأب: (يخرج من الخيمة متعبًا) ولدي ليس بقاتل.
الشَّاب: وأنا لست ولدك.. قلتها لك للمجاملة.. تنفيذًا لرغبتك.
الأب: تكذب عليَّ!
الشَّاب: ماذا أفعل وقد غبت عن وعيك.
الأب: تحفر قبرًا وتدفنني.. قبل أن أسمع هذا الهراء منك.
الشَّاب: (يذهب إلى داخل البئر متهرِّبًا) نحن جئنا هنا لنحفر بئرًا.
الرَّجل: (يتبعه إلى داخل البئر) لا تختلف هذه الآبار عن القبور.. فهذه مقبرة أيَّامنا.. وتلك مقبرة أجسادنا.
(يبدآن بضرب السِّن الصَّخري بالتَّناوب مع الحوار).
الشَّاب: السِّن الصَّخري الجديد أقوى وأصلب.
الرَّجل: ألم تسمع بأنَّ الآلات ستأتي لرفعه.
الشَّاب: إذن احفر حوله.
الرَّجل: (للأب) لِمَ تقف هناك؟ تعال وساعدنا.
الشَّاب: يمكنك أن تذهب إليه.. وتدعني لوحدي.
الرَّجل: لا تستطيع عمل ذلك لوحدك.
الشَّاب: بل أستطيع.. فقط غادرني.. فأنت خائن.
الرَّجل: لا تقل هذه الكلمة النَّتنة عنِّي.
الشَّاب: وأنا أشعر بالغثيان حين أنظر لوجهك.. مجسّدًا بين طيَّات جلدك الخيانة..تجعلني أتقيَّأ قلبي.
الرَّجل: سأستدعي غبائي لنسيان ما تقول.. وسأحاول معك فتح ثغرة هنا.
الشَّاب: فُتِحَت ثغرات في عقلي ولم أستطع تصديقك.
الرَّجل: انتبه.
الشَّاب: ما هذا؟
الرَّجل: رائحة قويَّة ونفَّاذة.. تهبُّ من هذه الثَّغرة.
(يتزاحمان على صعود سلَّم الحبال.. ولكنَّهما يشعران بالاختناق.. فيقعان أرضًا.. ثمَّ يحاولان).
الشَّاب: اغلق انفك وفمك.. اقطع نفسك ولا تستنشق هذا الدَّمار.
الرَّجل: ربَّما تكون غازات سامَّة.
الشَّاب: أشعر بالدُّوار.
(صوت ومؤثِّر دخان يخرج من باطن الأرض.. موسيقى عنيفة).
(يدخل السَّائق مسرعًا وبيده علبة كارتون كبيرة).
السَّائق: لقد أضافوا لكم حصَّة جديدة على المؤونة.
الشَّاب: الحقنا.. نكاد نختنق.
الرَّجل: وأنا سأموت.
(يأتي الرَّجل الشَّيخ مسرعًا).
السَّائق: ماذا يحصل؟
الرَّجل: غاز.. غاز.. غاز ينبعث من باطن الأرض.
(السَّائق يزغرد فرحًا ويرقص.. ويرقص.. والرَّجل يحاول سحب الشَّاب.. لكنَّهما يسقطان مرَّة أخرى في البئر).
السَّائق: اتركوه يخرج..فقد جاءنا الخير..هذه بوادر النَّفط في هذا المكان.. استمرّوا بالحفر.. احفروا بئرًا وثانية وثالثة.
الأب: ماذا يحفران.. وهما على حافَّة الموت! (يصعد مسرعًا.. موسيقى عنيفة.. يخرج الرَّجل مختنقًا.. ويسحب الشَّاب الَّذي يسعل).
السَّائق: إلى أين.. ارجعوا.. احفروا البئر.. نفط.. إنَّه النَّفط.. ثلاثة حروفتطرِّز حروف أسمائكم بالنُّور.
(الأب يقوم بردم البئر بإعادة التُّراب إلى مكانه.. بينما يساعده الاثنان.. الرَّجل والشَّاب).
الأب: لا.. لا.. لا نريد جرحًا جديدًا..لا نريد مأساة أخرى.. فمع كل بئر تتشظى الأجساد.. تتناثر الرُّؤوس..لسنا بحاجة إلى هموم جديدة.. إنَّهم يعتصرون قلوبنا فيفجِّرونها آبارًا.. لابُدَّ أن نضع حدًّا لهذه المأساة.. يكفينا مآسٍ.. هيَّا أوقفوا أوجاعكم.. هيَّا أوقفوا أوجاعكم.
(يستمرُّ الثَّلاثة بردم البئر مع تصاعد الموسيقى).
السَّائق: ماذا فعلتم.. هل ردمتم البئر؟
الثَّلاثة: (يشيرون برؤوسهم.. نعم).
السَّائق: (يطلق صرخة قويَّة كما النِّساء حين يفقدن عزيزًا).
موسيقى النِّهاية
ملاحظة جد هامة:
كل من يتصدى لإخراج هذا النص يجب ان يحصل على موافقة الموقع في شخص مديرته (بشرى عمور) تحديدا
فالرجاء الاتصال على:
الهاتف/ الواتساب: 00212665069189
الأيميل: alfurja.com@gmail.com