عرض ” الفتاة والغابة” بين الحكاية الدرامية والمحاضرة المدرسية/ علي جابر الطائي

يحدد مخرج عرض مسرحية (الفتاة والغابة) الفئة المستهدفة كجمهور بالأعمار من أثنى عشر عام صعودا معللاً اختيار هذه الفئة العمرية والتي يسميها الناشئة بانها تكاد تكون منسية في العروض المسرحية الاحترافية لمسرحنا العراقي والعربي، وذلك ما كتبه في ديباجة التعريف بالمسرحية والتي حصلنا عليها عند حضورنا العرض على قاعة مسرح الرشيد في بغداد بتاريخ 5/12/2023، وبدء العرض في الساعة الحادية عشر صباحاً.

وبانطلاق العرض تظهر لقطات على شاشة الداتاشو تبث لقطات من أفلام لحروب تاريخية شهدها العالم وفيها جنود يتقاتلون ثم تتبعها لقطات لحيوانات في غابة تظهر هجوم أسد على فريسته وقتلها يرافق هذه اللقطة صوت بشري يصف شعور الخوف والألم في تلك اللحظة، كانت الافتتاحية التاريخية والفلم في الفيديو المعروض نقطة انطلاق الأحداث والمراد منها كما سنستعرض التهيئة لموضوع الحروب والاعتداءات بين المخلوقات على الأرض.

لا يتوفر وصف.

تتوالى الأحداث في العرض بدخول الراوي والذي يظهر من ملابسة أنه يعيش في مطلع القرن العشرين في بغداد فهو يلبس البنطال والقميص ويلف نفسه بعباءة رجالية وعلى رأسه غطاء بشكل قبعة صغيرة، وأما الشخصيات الأخرى فكانت بطلة المسرحية فتاة الغابة بملابس تلميذة مدرسة ومعها مجموعة من الحيوانات وكانت تلك الحيوانات مجسده بواسطة ممثلين يلبسون ملابس بأشكال كالأرنب والثعلب والغورلا وحول المسرح وزع المخرج أشجاراً ونباتات، وكان في انتقال العرض من لقطات القتال والحروب والافتراس إلى الراوي قطع زماني ومكاني فلم يوضح العرض مبرر منطقي لوجود الراوي البغدادي ضمن الأحداث ولكي يعالج المخرج هذا القطع جعل الراوي يأخذ دور المرشد في حوار جاء فيه:

الراوي: باستثناء الحرب دفاعا عن الوطن وتحريره فالحرب منبوذة، الحرب مشؤومة الحرب لا تخلف إلا الأرامل والأيتام …

وبعد ذلك يلتقي الراوي بفتاة الغابة ويستغرب من وجودها في الغابة ويعود مرة أخرى ليأخذ دور المعلم، في حوار منه :

الراوي: نحن نعرف من يسكن الغابة وأنتم تعرفونه يا أصدقائي، يسكن الغابة .. معي معي .. الحيوانات ، الزواحف، الطيور (يكلم الفتاة) وأنت لستي من جنسهم فما حكايتك إيتها الفتاة الجميلة ؟ ها ؟

وتعود بذكرياتها للحظة العثور عليها في سلة داخل الغابة وتربيتها على يد الحيوانات، ولكن يكسر مسار الحدث المعروف حوار الغورلا بعد أن يدخل المسرح باحثاً عن الفتاة : … أنها ابنتي … أبنتي.

وهنا لا نعرف العلاقة البايلوجية بين الغورلا والفتاة البشرية، ولا يحق لنا تأويل الأمر دارونياً لأن المعنى الداروني للتطور لا أثر له في بقية الأحداث، ومما يؤكد أنها من البشر ولا علاقة بايلوجية لها مع الغورلا إجابتها عن سؤال الراوي لها عن أهلها فقد أجابت.

الفتاة : لا أعرف من هم، ولا إين يكونون، ولذا فإن سكان الغابة هم أهلي…

لا يتوفر وصف.

وتروي الفتاة ما حل في الغابة من قتل ودمار حتى تجمعت كل فصيلة من الحيوانات في قطيع وعاد السلام في الغابة! لتحتفل الحيوانات وترقص ولكن لم يستمر الحال طويلا حتى عادت الفتن بسبب تجار السلاح كما تروي الفتاة، وظهر بعد ذلك ثلاث حيوانات من بينهم الغورلا وهم يتحدثون عن الحرب والسلاح ويبث على شاشة الداتاشو مجموعة من أنواع الأسلحة التي يصنعونها، وبعد التفكير يقررون الاستعانة بالفتاة لتجد لهم حل وتساعدهم في مشروعهم التدميري، وفي معرض حديثهم عن الفتاة يتذكرون موقف سابق لها فتظهر وهي تلقي عليهم محاضرة عن ويلات الحروب ومنها الحرب العالمية مستخدمة في شرحها جهازاً إلكترونيا محمولاً كالتابلت تحمله في يدها! وتظهر على الشاشة صور الحرب العالمية والقنبلة النووية ثم حرب فيتنام واحتلال فلسطين يرافق ذلك صوتها المسجل، ويعود ليظهر الراوي بعد هذه الأحداث ويسأل الفتاة ماذا جرى بعد ذلك، فتكمل الأحداث أذ تعود بطريقة الفلاش باك إلى لحظة استعانتهم بها اذ تقرر أن تصنع لهم كبسولة فضاء بعد أن تستعرض لهم بطريقة محاضرة مدرسية أسماء الكواكب وصفاتها وموقعها بالنسبة للشمس وتظهر صورة وأسماء الكواكب على الداتاشو في الخلف فيقرروا السفر إلى المريخ وفي لحظة الانطلاق تفجرها بهم وتتخلص منهم فيحتفل سكان الغابة بالخلاص.

لا يتوفر وصف.

ومما يشاد به في العرض طاقات الممثلين الكبيرة في الأداء وتناغمها مع بعضها البعض وكذلك فاعلية عناصر الإضاءة والأزياء والتأثيث الدال للمكان كغابة، ومن الملاحظ في هذا العرض الصبغة التعليمية في الطرح وأن كان سياق عرض المادة العلمية يتم بعرضها كتمثيل على المسرح، ولو عدنا إلى الفئة العمرية المستهدفة من 12 عام صعوداً وقارنا المادة العلمية مع وعي تلك الفئة يكون هناك شقين من المادة بعضها شملت صور الحروب ومشاهد العنف والافتراس وهي مواد لا يستحسن عرضها في مسرح الطفل، والشق الثاني استعراض الكواكب ومعلوماتها ونحو ذلك وهو يصلح كمحاضرة لتلاميذ دون 12 عام، ولتكون الحكاية درامية مقنعة كان من الضروري تقليل أسلوب التقرير المباشر وإحالته إلى أحداث لها مبررات في استعراض تفاصيلها، كما كان من الممكن الاستغناء عن الراوي تماماً وردم الفجوة بين وجود راوي وأحداث تجري في غابة بطلتها فتاة لها ذات حكاية (فتى الأدغال) في وجودها وتربيتها وأغلب ما تم سرده كان على لسان الفتاة ووجودها في الأحداث أقرب إلى المنطق لكونها نشأت في الغابة.

** علي جابر الطائي 

alijaberaltai@gmail.com

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت