قصة ‘استورياس’…فرصتنا الجميلة لمساءلة حقنا في العفو عن جلاد الأمس/ أسامة السروت

الغوص في المنجز الركحي للمخرج أيوب أبونصر، وهو العمل المسرحي الذي قدمته فرقة يوبا للإبداع المسرحي- الناظور، ضمن مسابقة المهرجان الوطني للمسرحي الإحترافي بالمغرب و المنظم بمدينة تطوان في دورته 23،  يقودنا للبحث في منظومة اشتغال إبداعي معقدة…

النص الماثل أمام طاولة العمل هو للكاتب الأرجنتيني أريال لادورفمان ،بعنوان “الموت والعذراء”.

والعرض المسرحي إذن، هو فرصة للبوح بأسئلة أرادها المخرج في إطار رؤية واضحة تنطلق من خلفياته الفكرية … التحررية و الثورية إلى أمد معقول…

لا يمكن أن نعتبر العرض تطبيقا حرفيا للنص الأرجنتيني، لكنه مبرر للبوح فقط ….فهل مازال للمبدع والفنان الحق في مساءلة تاريخه بكل حرية ؟ … هذا سؤال شرعي حاول من خلاله المخرج المبدع سرد رأيه من خلال جواب هو تصوره في مناقشة حقبة زمنية حارقة من تاريخ المغرب الحديث ( مابعد الإستعمار) ، وهي سنوات سميت بسنوات الرصاص، حين عرف المواطن فيها أشكالا من القمع و الحرمان من كل حقوقه البسيطة في العيش الكريم  مثلما حقه المشروع في التعبير و الرفض  وقول كلمة لا …

يختار المخرج شخصية ليلى التي تعيش هذيانا مزمنا بسبب اعتقال سابق طالها في ثمانينات القرن الماضي، تعرضت فيه لإنتهاكات جسيمة في جسدها وإنسانيتها…وهي الآن متزوجة من شخص مرشح لمنصب مرموق في وزارة العدل، لعله رئاسة لجنة المصالحة الوطنية. تشاء الظروف أن تتعطل سيارته لينتشله طبيب من الشارع فيوصله إلى منزله .

لا يتوفر وصف.

يحيطنا هنا التصور الإخراجي بغمامة الغموض، حيث يجد المتفرج نفسه أمام عالم بصري يحكي نفسه من خلال أدوات سريالية، ورمزية في آن نفسه.

ندخل إلى عوالم الهذيان من خلال ماتحكيه ذاكرة ليلى دائمة البحث عن فرصة للإنتقام من جلادها. هذا الجلاد يتضح صدفة أنه هو ذلك الطبيب الذي دعاه زوجها لشكره على معروفه. تقيد ليلى جلادها وتنطلق في حفلة ماجنة من طقوس باذخة في التعذيب، وتتعالى نبرة الأحداث فيكشف الجلاد /الطبيب عن تورط زوج ليلى نفسه في الأفعال الشنيعة التي ألمت بها والتي لم يكن إلا يدا باطشة  تعمل بتدبير صاحبها (الزوج) …

إنها صور تخلق نفسها في ذاكرة المتفرج، تحدد الصراع و تكسره لتعيد بناءه، ثم ينكسر الإيهام لينفتح باب التأويل و خلق المعنى والتساؤل داخل ذهن المتلقي.. المتفرج و السامع لأجواء المحاكمة المثيرة .

يعود بنا حكي المخرج إلى مشهد يعود فيه الزوج إلى منزله بصورة عادية، لنتبين أننا كنا في عالم / ذهن ليلى المريض والموبوء ببقايا العنف و كبت مظلوميتها.

وتنتهي المسرحية بحمام دم / رشاش دم يغسل جسد ليلى في مشهد يثير حواس المتفرج ويهيجها بموازاة مأساة البطلة ومعها مآسي الأبطال / مظاليم زمن سنوات الرصاص ..

لا يتوفر وصف.

تنتهي المسرحية بفيديو يهدي العرض لأحد مناضلات الريف، ويبقى عنوان العرض “استورياس” مادة خصبة لتَمَثل ما يمكن أن يكون في عرض، تعددت إمكانيات استيعابه من خلال حكاية هي قصص متعددة في قصة واحدة، إنها قصة التعذيب والإعتقال والقسري وسؤال القصاص الذي يتعدى مستوى التعويض المادي والإعتراف الرسمي، إلى ضرورة فتح نقاش مجتمعي يفضي لتعويض مجتمعي ،تيمته القطع مع كل ما يفضي للتراجع في حقوق الإنسان وحقه في الكرامة والعيش الكريم.

 

* أسامة السروت / كاتب وباحث مسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت