مسرحية “صفصاف”.. بين سحر العرض وتقنية الإخراج/ كريم شنيار الفجر

تاليف ودراماتوج: علي عبد النبي الزيدي

مكان العرض: بغداد دائرة السينما و المسرح مسرح الرشيد

تم العرض لثلاثة أيام : 23 – 25 / 9 / 2023

 

 1/ المقدمة :

مسرحية “صفصاف” عمل مسرحي باذخ في الجمال، رغم الالم والضياع والآمال المفقودة التي تبحث عنها شخصيات العرض المسرحي, مسرحية “صفصاف” ضياع وإغتراب، وسط زحام الحكايات. صفصاف كانت عرضا قاسيآ على الذات الانسانية، بحيث الانسان يعرض همومه على نفسه أولًا لكي يألف الهم، ومن ثم يطرحه بصيغة الفوضى الخلاقة، حيث الناس تضيق بهم السبل في كل شيء المكان، الزمان، الحكايات، الازقة الأرصفة، السعادة، وكل هذا  يؤدي إلى الفوضى في العيش، الفوضى في التحرك، الفوضى في تشابك الأزمنة، ويبقى المكان اللامكان وسط زحام الاحداث من حروب ومجاعة، ونفايات، و الأرصفة تضيق بالناس كلما كانوا سعداء.

 

2/ مسرحية “صفصاف” وحالات الضياع.

كثيرًا ما نشعر نحن البشر بالضياع وعدم الاستقرار، وهذا هو زمان اللا يقين بكل شيء، الزمن، الأحلام، الأماني، الخلاص وقد يورث الضياع الحيرة والعجز تجاه الواقع فكيف ننجو من هذه الفوضى. والحياة مزيد من البناء والهدم، الفوضى والاستقرار وهذه الطروحات كلها تصيب الإنسان وتزرع فيه المخاوف نتيجة التساؤلات حين تبقى هذه الشعور تشكل حضورًا كبيرًا في حياتنا. وشعورنا بالغربة والانفصال عن النفس وعن الآخرين يولد العزلة وانعدام المعنى في إنسانيتنا وقد ندخل في مرض نفسي أو جسدي مثل القلق والوسواس القهري أو الأنفصام.

ويبقى الأمل المعلق هو المفتاح لتحسين الحياة اليومية، الأمل هو إحدى العواطف الأيجابية التي تعتبر من الفضائل الأنسانية.

وهنا يظهر مؤشر مهم لمؤلف العمل والدراماتوج الأستاذ علي عبد النبي بانه يريد ان يدخلك في عوالمه وعوالم أحداثه ويجعلك عنصرًا مهمًا وفعالًا ومؤثرًا في الحدث المسرحي ،

علي عبد النبي يدخلك في الايهام، ليس إيهامًا للمتلقي، بل هو إيهامًا للشخصية على الخشبة، بحيث تؤدي دورها بصدق وحميمية وتعكس إيهامها الى المتلقي، بكل تفاصيله، بحيث يتعاطف مع الشخصيات ويعتبر نفسه جزء من الحدث وهي فعلا لأنها تمثل قضاياها الخاصة والعامة.

لا يتوفر وصف.

3/ تدوير الخطاب :

تدويل الخطاب المكرر تعاني منه الكثير من الاعمال المسرحية التي شاهدناها سابقا سواء كانت قريبة أو بعيدة سواء كان هذا  التدوير للمفردة أو الجملة أو لمعلومة، أو حكمة ما،  أو أصوات مختلفة أو رسائل أو الأضواء، مثل مفردة ( أربعون عاما ) وكل مفردة لها وقع خاص، وتعامل معها الممثل بتوجيه من الدراماتوج بحيث عندما تطرح لها وقع معين وأثر واضح وهناك تساؤل لكل ما طرح من مفردات أو جمل على شكل خطاب او معلومة معينة ماذا يعني او ما يريد المؤلف أن يقول :

أولًا :- ( أربعون عامًا ) هل هي سنين العمر بعد رحيل الشباب .

ثانيًا : ( صوت القطار ) هل هو زمن متحرك، هل هو رحيل، هل هو دخول شخصيات جدد.

ثالثًا : ( طاسات الماء )تعني طرد الشر، العودة الامنة, أمل مؤجل.

رابعًا :- ( الغبار ) (الذي يتطاير من ملابس اثناء احتكاك الشخصيات مع بعضها ) هل هو تعب مستدام، جعبة للألم المتوطن، جمالية .

خامسًا :- (الرسائل ) هل تعني الانتظار، تعني الحب، أمل في عودة .

سادسًا :- ( الأمكنة ) الأعتزاز في المكان ( انت تقف في مكاني).

سابعًا :- ( البيت الأبيض ) إشارة الى الكعبة، المشفى ، دائرة التجنيد ،بيت الحبيبة، دائرة البريد.

ثامنًا :- ( الأرصفة ) الطويلة والقصيرة والمقطعة.

تاسعًا :- ( الترفك لايت ) وهو اكثر الشواخص الموزعة بشكل هندسي على خشبة المسرح وقد يكون التوزيع عشوائيا لكن هندسته واضحة للمتلقي .

عاشرًا :- ( اللون الاخضر ) يمثل العبور واللاعبور ، يمثل السد المانع،

الحادي عشر :- (الضفة الاخرى ) تمثل الخلاص .

 

الازيـــــاء :

أولآ : (الرثة) : تمثل الفقر والأستلاب والأغتراب والضياع .

 ثانيًا : (القديمة) : تمثل زمن مضاف ،تاريخ مزيف ، منظومة حياة.

 ثالثًا : (الفضفاضه):تمثل سعة الفقر ، انعدام النعمة ،عبثية .

 

 

4/ علي عبد النبي الزيدي والأستفادة من اللحظة الدرامية .

 في العرض المسرحي “صفصاف” هناك لحظات انسانية مشتتة إستطاع الدراماتوج علي عبد النبي ان يلملم هذا الشتات الموضوعي ويفرزه على شكل مضامين مرمزة ودلالات مركزية تشكل نواة لهذه الكتله المبعثرة وهي من المواضيع البشر، حيث لعب الدراماتوج دورا مهما في لملمة هذا الشتات وصبه في موضوعه واحده هو الهم الأنساني لاعطائه هوية خاصه وكما أراد ان يشد به إيقاع الموضوع مما يوفر الأحساس بالحميمية، حيث يؤدي هذا الشتات الى الذروة الدرامية وهي تعتبر من المثابات الضرورية للعرض المسرحي من حيث الشخوص وقضاياهم وما تضمر كل شخصية من هموم وانفعالات وحالات شعورية تكاد تنطبق على جميع شخصيات العرض المسرحي صفصاف .

حيث استطاع الدراماتوج علي عبد النبي إقتناص لحظات الألم، وإهمال الانسان من قبل الدولة ومؤسساتها، وتحويل الموضوع الى متعة معرفية تسعد الممثل والمتلقي .

إهتم الدراماتوج علي عبد النبي إهتمامًا كبيرًا بالفعل الداخلي الذي يؤدي  بالتالي الى فعل سلوكي القصد منه الأندماج والتقمص، وهذا لا يعني ان الدراما توج علي عبد النبي (يعتمد البناء الدرامي التقليدي) والذي يتكون من بداية ووسط ونهاية لا بل هناك تكنيك سايكلوجي، اي ان مجموعة افعال الشخصيات المتصارعة والمتصالحة في بعض الاحيان تشكل الفعل العام للمسرحية وهذا لا ياتي من فراغ، بل هناك احساس كبير من قبل الممثلين لايقاع العرض المسرحي من – التمتع والكيفية – في الاداء حيث نرى هناك توازن بين الحركة الممثل والحدث. وهذا ياتي من تحديد العلاقه بين الممثل والاخر. حيث ان علي عبد النبي لم يقحم نفسه في التكوينات, لغرض جمال محدد، بل سعى الى تكوينات تفسر وتساعد على فهم الحدث. حيث سعى الدراماتوج علي عبد النبي الى عدم الترهل في العمل المسرحي سواء كان هذا الترهل زمني أو حواري أو حركي . بحيث أتسمت معالجاته على توضيح الفكرة من خلال قدرات الممثلين والتفسير والأيحاء من خلال الرمز، والإشارة .

لا يتوفر وصف.

5/ علي عبد النبي الزيدي والتركيز المتوقد على خشبة المسرح

ما لمسناه في العرض المسرحي “صفصاف” هناك وعي متقد من قبل الممثلين حيث يحافظون على الوعي لحظة بلحظة وهناك تركيز وإنتباه لمتابعة ما يقال وما يجري حوله من الاحداث، وهنا ياتي التركيز من المران والممارسة المستمرة نتيجة التدريبات على خشبة المسرح حيث دئب الاستاذ علي عبد النبي على تدريب الممثل على قدراته الذهنيه رغم ان الممثل إمتلكها إما عن طريق السليقى أو الفطرة أو نتيجة المران والممارسة اليومية.

في مسرحية “الصفصاف” نرى الممثلين مراعين المسافات فيما بينهم سواء كانت قريبة أو متوسطة أو بعيدة، والممثل وهو يخطو يراعي كيف ينظر الاشياء الموجودة على خشبه المسرح حيث هناك رؤية متفحصة من قبل الممثل للاحداث عن طريق الاصغاء والاستماع، اي ان تصغي، معناه أن تسمع وتفكر ،وان تسمع، معناه تسمع وتتخيل، حيث كان العرض مسرحية “الصفصاف” فيه مجموعة كبيرة من التراكيز اللغوية وان صاحبتها بعض المفردات الشعبية من اجل تدعيم الحدث فنرى الصراخ الشعوري، والتفاعل مع الادوات، ورد الفعل السريع، والأحساس بالموسيقى أيضا. وهناك قدرة كبيرة على المبالغة في الحدث من قبل الممثلين في بعض الأحيان .

  

6/شخصيات علي عبد النبي الزيدي في مسرحية صفصاف.

الشخصية هي ظاهرة إنسانية معقدة الى حد معين، وهي تعتبر نموذجًا نسبيًا للسلوك والاتجاهات والمعتقدات والقيم. شخصيات علي عبد النبي الزيدي في مسرحية صفصاف، لا تؤمن بالحاضر، نتيجه ماضيها المتردي، ولا تؤمن بالمستقبل، لانه نتيجة حتمية وغير مستدامة بمجهوليه الاستمرار، فهم عاجزون عن التعبير الصريح وليس لديهم صداقات حميمة. محبين لشهواتهم وأطماعهم وقد يكونون سميحين الوجه من الخارج ولكن المشاعر الداخلية هرمة، يعتقدون بانهم مضطهدين لا يتوقعون الا الأسوء من الآخرين في أي وقت بسبب ضعفهم، والتقلب في المزاج هو من سماتهم أحيانا، معجبين بأنفسهم، وأحيانا متكبرين بعض الشيء وهنا ياتي التكبر من فراغ، مما يسبب لهم ألم داخلي قد يدفعهم للاكتئاب النفسي فنرى الشخصيات دائمًا تشكو من الوحدة وعدم الأهتمام من الاخرين، يشعرون دائمًا ان سرقة المشاعر من قبل الآخرين هي مستدامة في حياتهم لذا نراهم يهربون من مواجهة الاخرين لاسباب كثيرة مثل عدم تحمل المسؤولية وعدم اتخاذ القرارات وان اتخذت فهي خيبة دائمًا لذا ينظرون الى أنفسهم بانهم اناس فاشلون لانهم يكرهون النجاح وهذا سبب إنهزاميتهم المتكررة بسبب عدوانيتهم لبعضهم، فهم يتلذذون باهانة بعضهم البعض مما يسبب لهم هذا العمل بتأنيب الضمير، ولكن قلة الحيلة وفقدان الاحساس وغياب القلب الرحيم، يؤدي الى خلخلة المشاعر واحيانا انعدامها تماما مما يسبب ضعف التعاطي بالخير والفرح والايجابية، فهم شخصيات كثيره الجدل دون الوصول الى نتيجة حتمية يعانون من فقدان الثقه بالنفس وبالآخرين، فنرى شخصيات علي عبد النبي في مسرحية صفصاف تبالغ أحيانا في نفسها أو في سوء ظنها بالآخرين فنراها تارة متكبرة وتحب القيادة والسيطرة على الآخرين وأحيانا نرى البعض منها تمتلك الثقة المزيفة في إستعباد الآخرين وجعلهم خاضعين بالأكراه، شخصيات علي عبد النبي لا تحب الأنتقاد من قبل الاخرين بسبب صراحتهم المفرطة بل هي تسعى أن تكون صاحبة الأمر، لكن الخيبة والضياع، نتيجة الحروب والأهمال، جعلها غليظة القلب، مفتقدة الحنان والرحمة مما جعل تعاملها عدواني مع الاخرين، فهي تعاتب بشدة وتنهزم بشدة، بسبب رأيها الضعيف واستسلامها الى الظروف وتحكمات الاخرين ،مما يؤدي الى تكتم في المشاعر الداخلية.

لا يتوفر وصف.

7/ الخاتمة :

ان الفن المسرحي هو نظام جمالي قائم على التناسب والمحاكاة، والأستاذ علي عبد النبي هو الأنسان الشغوف والمهووس بالمسرح، لما يحمل من رؤية فلسفية في الكتابة، وتنعكس رؤياه على العملية الأخراجية لما لديه من تنظيم تقني وصناعة أدبية محكمة في الخطاب المسرحي، ولديه مفاتيح سحرية تعطيه القوة والقدرة في التحكم في خيوط العمل المسرحي أو ما يسمى باللعبة المسرحية، والأستاذ علي عبد النبي الزيدي، مرن وغير متعصب، وله دراية ومعرفة مسبقة في كتابه النص المسرحي ولا تقتصر وظيفته على الكتابة، وانما لديه مقاييس إخراجية، ولديه المعرفة العملية (لفضاء الخشبة)، وعمليه الانتقاله من الكتابه النص، الى الكتابة الاخراجية لانه ايضا لديه أداء للتوليد والتجسيد والخلق والأبداع. فالكتابة الأخراجية لدى الأستاذ علي عبد النبي تجسد الإفكار المبتكرة بواسطة وسائل تقنية غايتها إبراز الرؤية جمالية المجسدة بوسائل العرض المسرحي. وأن للمسرح، حضور وجداني روحي متجانس، مع روح الخشبة وروح المتلقي.

واخيرًا أقول بصدق، إن مسرحية “صفصاف” عرض مبهر بسحره, وجمال تقنياته. شكرًا لك استاذنا الفاضل علي عبد النبي الزيدي ، لقد تعلمنا منك الكثير، يا سيد المسرح.

* كريم شنيار الفجر /العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت