النص المسرحي ” الوامض نزوة الراشد” للشاعر شوقي كريم حسن / تسطير.. علي حسين الخباز
سأتجنى على النص المسرحي “نزوة الراشد” للكاتب المسرحي ( شوقي كريم حسن) وأدعي أنه نص شعري وامض أمتلك روح الشعر وجملة موحية مكثفة تدل على معان متعددة و تجنح نحو السردية وتحتوي على مرتكزات الانزياح في بناء الحوار المسرحي
( لطيف : كل شيء مباح إن مات الشاعر….. كل شيء” )
لا يمكن أن تمّر الجملة الشعرية مروراً عابراً في النص المسرحي بل تبحث في قدرة الكشف على الدلالة المستترة ، فهي عملية جذب للمتلقي النشيط ليستنطق ويضيف ،ويسعى المبدع لتوليد إثارة في لا شعور المتلقي ويترك انطباعاً معرفياً تأملياً عميقاً قائماً على الايجاز،
( لطيف:ـ لماذا ـ ولماذا ـ ولماذا تحملنا الاجابات إلى الجنون )
هذه الجمل الشعرية تجعل النص المسرحي عبارة عن أفق فكري على مستوى الرؤية وتجعل النص فكرياً يحمل الاسئلة الموجعة ، ما هو مرتكز الشاعر الحياتي إذا كان وجوده يضبط موازين الكون؟ وما علاقه الفكر بالجنون؟ أعتقد أن استخدامه لشظايا شعرية منثورة على جسد النص تشد أواصر المتلقي مع نصه بما يثيره من فكر ومشاعر
( كل شيء مباح في زمن تلوثه ضحكات القتلة)
ولإن الشاعر المسرحي شوقي كريم حسن لا يريد لنفسه الانكسار و يستنهض بخفة ورشاقة معانيه
( ما معنى صوت يتغنى بالحب وسط كل هذا العذاب ؟)
جرأة تتجاوز حدود المألوف وفكر ساخر له براعة الحكمة المعبرة
(لطيف :ـ ويل طريق لا يسلكه شاعر فالشعراء روح طرقات المدن المغدورة ، ماذا تعني ساحه الميدان بدوني؟)
يتصاعد الحوار الوامض إلى المعنى المفتوح .
(الصوت :ـ ليس وحدك من تنسيه الأحلام وجوده )
الومض الشعري في النص يحرك البنية الداخلية ويمتلك سمات الومضة ليُضيء الفكرة، و يمتد إلى ما بعد الجملة لتكون برزخاً لا ينقطع بين الجملة والنص وهذا الأسلوب الوامض يذهب إلى لغة الشعر في جرسه اللغوي و مبناه وينمو ليتحول إلى بناء فلسفي يطرح الاسئلة الكبيرة لتسأل المرأة، كيف أموت؟ ويسأل
لطيف :ـ كيف يموت الشاعر؟ ما معنى الموت ؟ما معنى الموت؟ ليصل المعنى عبر الصوت معناه يا شاعر أوهامك … إعلان الرفض في زمن مرفوض).
يرتكز الحوار في النص المسرحي على واقع مؤول يدل على بؤر إجتماعية وسياسية لواقع مأساوي، بطريقة توحي إلى رسم المشهد المسرحي بمساحة تكثف الحدث وينتهي في لحظة توتر
( لطيف نم يا ولدي يا منسي فالناس جميعاً قد ناموا ..في زمن تنهق فيه الرغبات الساسة من نحن وإلى من نطلق القصائد ؟).
من الممكن رصد التركيب الجمل وعذوبة السبك والتداخل الكبير بين شعرية الجملة و سردية الحوار ،منطق ارتكاز اللغة العميقة و الثرية والقادرة على منحنا التصورات المجسدة في و جدانيتها العميقة ، تنوع اشتغالات الكاتب شوقي كريم حسن بين كتابة القصة والرواية والسيناريو والمسرح هذا التنوع منحه التمكن على اغناء المفردة وليبتعد بجمله النصية عن المباشرة والتقريرية بلغة صادمة تراوغ المعنى و تستدرج متلقيها إلى الشغف،
( لا معنى للنوم وسط كل هذا الضجيج لا معنى لجلوسي بين الفوضى وضجيج الكلمات”/ الكل يموت في هوس الرغبة، لما لا نلوث أعمارنا بالجنون ؟)
يميل إلى المنحى الشعري في صياغة النص القادر على إضاءة المعنى وتوظيف الحقل الدلالي، يعمل بجد ليُستثمر العمق الشعري وسعة الدلالة وتأكيد الحضور الفكري ، و الانزياحات الشعرية تظهر مديات الخبرة باتقاء ما يساير النص و يتوسع بعذوبة شعرية عبر الحوار النصي ، تسهم الازاحة في خلق جمالية جذب وتجسد الأحداث ويحقق الانزياح الدلالي روح التواصل مع المنجز لنشر شعريتها على جسد النص
( كم من الأحلام يبس جذعها ، … شعراء نحن …وهم القتلة ” نحن القتلة بحزن نعم … نحن من نقتل دنيا الجوع بسؤال الرحمة صائحاً ،أطلق هنا أرجوك فالزعيم يمر..مر وقت شبابي مر .. من يشتري حذاء الزعيم / من يشتري شاعر بخمس فلوس)
دخول اللغة الانزياحية في سرديات النص المسرحي ليس بالشيء العادي ولا هو بالشيء المتيسر بل في هذا المحور تكمن الصعوبة التدوينية وعلو الفن ، التوافق بين ومض اللغة في الشعر والحفاظ على روح التنامي في النص المسرحي واستخدام التقنيات النصية المتاحة لتجسيد الواقع ، قرصات شعورية اندهاشية تعبر عن لحظات انفعالية انتشرت على طول جسد النص لتستوعب التجربة والرؤية و المغايرة ومسايرة الحراك الحياتي و التمرد بجرأة اللغة ،جمل مكثفة قائمة على الخيال وعلى الدهشة والرفض والاحتجاج والمغامرة والحلم
(آه لو عدت صبياً لبنيت ضريحاً وألبسته خرق الشعراء وأحلام صباهم)
الفكرة الاساسية التي أعتمد عليها نص نزوة الراشد هي زحزحة الرتابة و قراءة المشاعر والأحاسيس والأفكار والحياة اليومية والظرف الشخصي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومن ثم ترشيق هذه الفوضى والخروج بمبتكر فني لنص له عدة خصائص إبداعية قادرة على توظيف الشعر في الحوار المسرحي ،أنا لا أتحدث عن المسرح الشعري وإنما أتحدث عن الجملة الشعرية في النص المسرحي كونها تحتاج إلى لغة مركزة ومعبرة تعبيراً مباشراً بلا تعقيد أو دوران ، فهي تبتعد عن التراكيب المتداخلة، وتعمل على لغة نثرية مهمتها التوصيل الابلاغي، أما لغة الشعر متعددة أوجه التلقي رمزيه تعبر عن أفكار
(نزق لأني آخر من سيطلق غناء العنادل في سماء الرصاص /راشد يزرع /ماذا تزرع في زمن الألغام ؟)
أشهد أنه نص مسرحي أدهشني فكتبت تسطيري وبكامل قواي العقلية