(سلافومير مروجيك) كاتب مسرحي من المهجر/ د. فاضل الجاف
في لقاء صحفي مع الكاتب المسرحي البولندي سلافومير مروجيك (1930-2013) في عام 1982، طُرح عليه سؤالٌ من قبل الكاتب السويدي أوتو مانهايمر:
– منذ متى أنت تعيش في باريس؟
-حوالي خمسة عشر عامًا
-هل تركت بولندا كلّاجئ سياسي؟
-لا، لقد غادرتها بمحض إرادتي وبقيت هنا، ولا شيء مثير (درامي) في ذلك. واليوم أنا مواطن فرنسي.
-لكنك ما زلت تكتب باللغة البولندية؟
-لابدّ لي من ذلك، لأنها لغتي الأم، وكنت في الثالثة والثلاثين من عمري عندما غادرت بولندا، لذا فقد فات الأوان لتغيير اللغة.
-كنت لا تزال في بولندا عندما أثبتت أنك كاتب مسرحي يتمتع بمكانة خاص
-من حسن الحظ ليس فقط في بولندا، بل بدأت أشتهر في الخارج أيضًا على أي حال، بحيث أصبحت قادرًا على أن أعيش من عائدات مسرحياتي.
-إذاً الكتابة المسرحية كانت مهنتك منذ أن أصبحت بالغا؟
-لم أمتهن مهنة غير الكتابة. لقد بدأت أعيش من عائدات مسرحياتي منذ أن كان عمري 20 عامًا.
في كتابه المرجعي The theatre of the absurd ي(مسرح اللامعقول) يصف الباحث المسرحي العالمي Martin Esslin الكاتب المسرحي البولوني سلافومير مروجيك بأنه أهم كاتب مسرحي من بين كتاب المسرح الطليعي البولوني الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن المنصرم.
في البحر الفسيح، إخراج: فاضل الجاف، ستوكهولم 1987
كان مروجيك في عنفوان شبابه عندما غادر بولونيا عام 1963، ولكن إلى أين؟ السؤال يطرحه مروجيك في مسرحيته ( المهاجران)، فمثل معظم اللاجئين، لم يكن يعرف أين سيحلّ به الترحال، وفي أي بلد سيستقر، بقدر ما كان يعلم أن الآوان قد آن للرحيل، الإنسان، كما يذكر في مسرحية المهاجران، لا يغادر إلى بلد، بل يغادر من بلد، وأن عليه أن يغادر بولندا الخاضعة للحكم السوفييتي في ظل الإرهاب الستاليني وكان آنذاك في سن الخامسة والعشرين، فبدأ يرتحل من بلد إلى آخر، إيطاليا أولا، ثمّ إلى المكسيك، إلى أن استقر به المقام في باريس ليقضي هناك معظم سن شبابه. وقد عبّر عن معاناة الهجرة وشظف العيش في المنفى في مسرحيته الشهيرة (المهاجران).
كان مروجيك قلقًا بشأن بولندا، القلق الذي ظلّ يداهم روحه وعقله طوال سن حياته في الغربة وفي منفاه الاختياري، وقد عبّر عن همّه الوجودي والسياسي في جميع مسرحيات الطويلة وقصصه القصيرة، بلغة مشحونة مفعمة بالتهكم والسخرية وبطابع غروتسكي رمزي. ويتفق النقاد، وفي مقدمتهم أسلن، على إعتبار مسرحيته الشهيرة (تانغو) 1965 أكثر أعماله تكاملا وعمقا وفرادة.
في تانغو يصوّر مروجيك بولونيا في صورة أسرة كبيرة، تديرها أم مثقفة، لكنها تغتصب يوميا من قبل العامل إيدي، البروليتاري الأجنبي الفظ والشخصية الجلفة التي تظهر في المسرحية كرمز لشخص ستالين، وبالندّ من ذلك نجد شخصية الابن، آرثر، الذي يعاني جراء ذلك المشهد أشد المعاناة. ويلجأ بعض النقاد إلى عقد مقاربات بينها وبين مسرحية هاملت، وإعتبار آرثر شخصية قلقة باحثة مشابهة لشخصية هاملت في عدة جوانب.
بدأ مروجيك مسيرته الأدبية في المسرح بمسرحية الشرطة” بوليس” عام 1958، ففيها كشف عن موهبة أدبية فريدة وأسلوب متميز من بين جيل الشباب من كتاب المسرح الطليعي البولوني ممن تأثروا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بمسرحيات الكاتبين فيكتيفيتش وغومبروفيتش..
ومسرحية البوليس تدور حول آخر رجل ثوري مناهض للنظام في بلد يحكمه نظام فاسد. وهو آخر معارض قابع في سجن النظام. فمن جهة يرفض بطل المسرحية التوقيع على إستمارة الإستسلام سنة بعد سنة، ومن جهة أخرى تحاول الشرطة إقناعه بالإستمرار في المقاومة والبقاء في السجن كرمز للمعارضة ضد النظام، فالنظام الفاسد بحاجة إلى معارضة صورية، لكن البطل المعارض يفاجئ رئيس الشرطة بالموافقة على التنازل عن ثوريته بالتوقيع على إستمارة الاستسلام، الأمر الذي يسبب خيبة أمل للشرطة.
وفي المنفى استمر مروجيك في تأليف عدد من المسرحيات التي قدمت على المسارح العالمية، وقد حظيت مسرحياته بعروض متميزة في معظم الدول الأوربية، وفي فرنسا والسويد بشكل خاص.
المهاجران، إخراج: فاضل الجاف، شتوتكارت، ألمانيا، 2017
من بين أهم مسرحياته: السفير، فيجسلاف، في عرض البحر، التعرية، الحفلة، الليلة المسحورة، النبيّان، المهاجران.
أما مسرحيته الأخيرة (حب في قرم) فهي آخر مسرحية كتبها، وهي تصور مأساة تخلي ستالين عن بولونيا لألمانيا النازية في مطلع نشوب الحرب العالمية الثانية، وكأن المسرحية كانت صدى أو إمتدادا لمسرحية تانغو.
ويدرج مارتين أسلن في كتابه مسرح اللامعقول مسرحيات مروجيك ضمن مسرح اللامعقول، وهو تصنيف لم يلق قبولا من قبل مروجيك، إلا النقاد يلمسون سمات مسرح اللامعقول في معظم مسرحياته. ومروجيك نفسه، لم يخف إعجابه بأسلوب صموئيل بيكيت في العديد من المناسبات.
بعد خمسة وعشرين عامًا من حياة المنقى ، عاد مروجيك في عام 2008 إلى بولندا، ليستقر في مسقط رأسه بمدينة كراكوف.
التعرّي، إخراج: فاضل الجاف، ستوكهولم 1989