انطباع في كتاب (نظريات الإخراج) للدكتور حسين التكمه جي/ علي حسين الخباز
تنبثق جملة التصورات عن أي رصيد مرجعي فني جمالي يرتكز على ما يوفره التجريب من خصوصية اتجاهية لكل تجربة، وفقاً لما يعرضه هدف المنجز، وكتاب (نظريات الاخراج) للدكتور حسين التكمه جي، عبارة عن دراسة في الملامح الأساسية لنظرية الإخراج، وهدفه الأساس هو تحديد المسعى التوجيهي عبر قيم المدلول المعرفي ومفهوم النظرية، وهذا المدلول محكوم بالتباين والاختلاف، باعتبارها خصائص وأساليب عند البعض، واتجاهات مسرحية عند البعض الآخر، وهناك من اعتبرها أسساً منهجية واختيارات جمالية.
وشكلية الكتاب عبارة عن قراءة في الموروث الفني، وأسئلة ارتكز عليها العمل الاحترافي: هل هناك منطوق نظري لكل فعل وتحديدات الخصائص والاتجاهات؟
وأثار المؤلف مسألة في غاية الأهمية، إذ اعتبر أن بعض الخصائص النظرية قد تأتي عفوية، ووضع مساحة مهمة للعضوية الأسلوبية، فهو يؤكد ان لا وجود للصدفة، بل هي خطوات رائدة تلك التي حققت حضورا عند المبدعين. فالإخراج مرتكز أساسي تنظيمي، وتشكيل جمالي لبناء صورة العرض، ويقدم وجهة نظر الموضوعة لفكرة كانت تعتبر المؤلف هو المسؤول الاول عن تنظيم العرض، وتوزيع الادوار، واغلب المؤلفين كانوا يقومون بإخراج مسرحياتهم.
وظهور المخرج في حياة المسرح، وفر اتجاهين: الاول المخرج المفسر، والثاني المخرج المبدع، ويرى الدكتور (حسين التكمه جي) أن امكانية الاجتهاد بالنسبة للمخرج حق مشروع في تقديم العرض دون المساس بأفكار المؤلف وآرائه، وهذا الرأي من اكثر الآراء التي لابد من الاحتفاء بها، ليكون النص طرفا لا يقبل المصادرة في تحقيق الموقف الابداعي، ولا بأس في تعدد القراءات الاخراجية لنص واحد، لكن السعي الاخراجي الآن يفكر جادا في اقصاء النص.
إن تسامي فن الاخراج جاء نتيجة ارتباطه بوسائل التطور التي اتاحت للعلوم الاخرى المساهمة في إبراز قدرات المخرج الابداعية: كعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الوراثة، والفلسفة، وعلم اللغة، والإشارة… فالمخرج يستند الى تبني الافكار التي تحاكي الوعي على وفق رؤيته.
ويطرح الدكتور التكمه جي مسألة مهمة، إذ يعتبر المنطوق النظري لنظرة المخرج، لا يختلف من حيث الصياغة عن المنطوق الرياضي والهندسي، وهذا يضعنا أمام تساؤل لمعرفة المنطوق التنظيري النصي، اي الكتابة للنص المسرحي، فليس هناك مفهوم استقراري ولا نص ممنهج ضمن آلية المنطوق الرياضي الهندسي.
نقطة مهمة وقف عندها المنجز، وهي أن بعض المخرجين غير معنيين بالمساحة التنظيرية المؤثثة بقدر التفكير بسمات عرض مبتكرة، وعلى الغير أن يدرس ويتأمل في التحديدات التنظيرية.
وقدم الدكتور التكمه جي فصلاً عن مكونات الواقعية المرتكزة على مفهومي (التقمص والاندماج) والفن المسرحي أرقى من بديهيات الحياة، لذلك صار الطموح ايجاد مستقبل الغد؛ لكونه صورة تركيبية للفن، تنصهر فيها كل العناصر، وتوسعاً في مجال التصميم البصري، كان البحث عن الجمال المطلق ورفض التفاصيل الواقعية، فوجدت خصائص النظر بثلاثية الأبعاد (الظل، الضوء، اللون) والاستعانة بالإضاءة لتحقيق عنصر التجسيم، ثم مرور تيار المسرح التعبيري الذي فرض بدوره اسقاط الأسطورة، فولدت العديد من الأساليب المتنوعة لتحقيق التغريب، وانحصرت صيغ التركيبية في ما بعد التعبيرية، لجمع كل الأساليب في أسلوب واحد، فنجد أن هذا الكتاب كما عبر عنه الدكتور سعدي عبد الكريم من الفن التحليلي الراقي في نظريات الاخراج المسرحي.