قراءة في منهج سوزوكي/ ياسر قاسم
استمد المسرح الشرقي معارفه من ما جال في طقوس و روايات كان فيها الإنسان هو الكفة الفاعلة و المنتجة بما فيها من مقومات واقعية تعنى بإنتاج الفعل وعدم الامتثال الى القوى الغيبية كمصدر للديناميكية. اذ يكون الجسد الانساني هو الفاعل الأكثر تأثيرا بما يشار اليه من صيغ مشهدية يستنطق خلالها معان عدة، قد يشارك خلاها الصوت الذي يكون مكملا ومشارك هام في توطيد المعرفة واحقاق التواصل الذاتي وما يحيط بالذات الى عوالم قد تتعدى الواقع. لذا فأن المنتج الكتابي الذي جاء به المؤلف انبثق من الموروث المسرحي في الشرق المتمثل بالهند و الصين واليابان ليكون اخرها هو الحلقة التي تم الانطلاق منها بما تحمل من مسميات جاءت على شكل متباين وفق ما دون وما لوحظ عبر الحراك الفني المسرحي الذي نجم عنه المسميات الأشهر في الثقافة اليابانية كالتالي (نو . كيوغن . بونراكو . كابوكي ) .
فقد خص المؤلف في قسم الكتاب الأول الجزء الأسفل من الجسد مسلطا معرفته على فسلجة الساق و القدم على وجه الخصوص مذعنا بأن الاستخدام الفني لحركة الاقدام في اليابان لم يستمر بالتطور سيما ان المسرح الحديث بات مملا كونه بلا اقدام ومن ذلك التعبير المجازي يحدد الكتاب مؤشراته التي تتعارض مع انتعال الحذاء الذي يحد كثيرا من الاداءات التي تجعل من الممثل حرا في تكويناته الجسدية سيما وضعيات القدم لذا فأن لباس القدم بالنسبة لفن البالية جاء على نحو مغاير يطابق ما تنتجه القدم من طاقة قد تضمحل اذا ما حددت فليس غريبا ان يكون لباس القدم في الفن المذكور مشابها الى لباس ( التابي ) الياباني الذي تكاد تكون فيه القدم في راحة تامة كونه يقترب الى جورب يحافظ بواسطته على القدم التي خصها المؤلف والمدرب سوزوكي في منهجه الذي يرى فيه بأن هناك اهمية كبيرة عند تلامس القدم بالأرض فثمة ثراء في طاقة الروح عبر موائمة الموسيقى ضمن تدريب يوافق خلاله ضرب اخمس القدم في الارض علاوة على الحركة و السكون واكتساب المعرفة التي ينجم خلالها طرد الطاقة الجسدية و كبتها و التركيز على اهمية و قوة الجسد من خلال مراحل التمرين الذي تتكشف خلاله الحفاظ على الإيقاع فأن الدق المستمر على الارض دون ارخاء الجزء االعلويمن الجسم يؤدي الى حفظ وانسياب للطاقة وما عكس ذلك يودي الى اضطراب في التنفس بدايته الجزء العلوي من الجسم وفقدان السيطرة والاهتزاز و عدم حفظ الايقاع فما يدونه سوزوكي وما يطبقه على متدربيه هو ان الطاقة الناتجة عن ضرب القدمين في الارض جزء منها يمتص وجزء اخر يرتفع الى اعلى الجسد وهنا على الممثل معرفة امكانية السيطرة على الطاقة الكامنة في الجسم وعملية حصرها في منطقة الحوض و التركيز على اهمية القياس و الموازنة بين الجزء السفلي و العلوي اثناء الحركة المستمرة وعملية الضرب بأخمص القدمين ومن خلال ذلك يتجه المنهج الذي يروم من خلاله سوزوكي الى المسير باتجاه ضبط الإيقاع والتأكيد على اهمية العلاقة ما بين الجسد والارض و الشعور بكينونة الجسد عبر ذلك سيما ان الجسد فاني و مستقره الأرض ويقارب المؤلف و المدرب ذلك بما جاء ضمن رقصة البالية الكلاسيكية (البروته) وكيفية العلاقة الحميمة ما بين الراقص ومايحدد ذلك عبر قدميه وملامسة الأرض فثمة انسجام وارتبط وانصهار ما بين الجسد وطاقة الأرض ويستطرد المؤلف على ان ذلك موروث ياباني قد يتطابق مع طبيعة الاجساد اليابانية بما تمثله المواصفات الجسمانية قياسا بممثلين امريكان فأن بفقدان الطاقة واختلال التوازن وارد سيما الامريكان تكون ارجلهم اكثر طولا من الارجل اليابانية الا ان ذلك لا يمنع من اجتياز ذلك بالنسبة للمثل الامريكي او الاوربي وحتى العربي اذا ما طبق ما يراد به التمرين وطبيعة الفائدة عبر الممارسات الفنية و المسرحية على وجه الخصوص فالجسد عبر هذه المرحلة يرتحل من محدوديته الشخصية الى نطاق اوسع واكثر شمولية صوب مناحي عالمية يكون الجسد فيها ناطقا .
ولايعدوا الكتاب من ذكر لبعض المناطق في اليابان تتخذ من شعيرة او طقس الضرب بالقدم على الأرض وسيلة للتخلص من الارواح الشريرة و طردها علاوة على تفسيرات لمصطلحات كانت تردد ابان تلك الممارسة لطرد الارواح الشريرة او الخنازير الوحشية فأن الفلاحين في احدى المناطق كانوا يرددون كلمة ( شيشي ) التي يقصد بها الخنزير الوحشي بالأضافة الى بعض من الاعتقادات السائدة في احداث ذلك يودي الى ان تنهض الارواح التي تمكث تحت الأرض مساندة الالهة وطرد الارواح الشريرة واحلال الارواح الخيرة في المكان وتمكينها من المؤدي لذا فأن الكثير من الحركات التي تعنى بها القدمين في كل من النو و الكابوكي هي مشتقة من ما سبق من تحركات بدنية سارت بموجبها الدراما اليابانية كما جاء في مثال النو المذكور في الكتاب و استخدام الاماكن المختلفة كهضبة او مرتفعات تحتوي على قبور كذلك بناء مسرح نو واشتماله على جرات مغروسة تحت الارض وقاع المسرح مجوف فثمة اصوات مغايرة وثمة طاقة وحميمية على شكل وملمح مختلف ولا يقف الكتاب عند وصوفاته ومآثره الطقوسية اذ يؤكد على ما دون في الكتب السماوية في التعاطي مع الطاقة فنجد حاثة موسى عندما غادر وضرب بعصاه الحجر بأمر من الرب فوجد الماء علاوة على الشعائر المتباينة بالنسبة لتعدد الثقافات .فما جاء في قسم الكتاب الاول وماتلاه لا يبتعد من وصفات وجهوزية ممثل الكابوكي و احيان كثر ممثل النو علاوة على نشر ما جاء ضمن دراسة اجراها تاتوكيتشي خاصا بها الثقافة اليابانية وما يتعلق بعادات اليابانيين في وضوعيات الجلوس ليأتي بعد ذلك اقتباس مهم خص به كتاب (احاديث حول الاقدام) لمؤلفه (كوندوشيرو) اذ وضح فيه بأن الحيوانات التي تمشي على أصابع رجلها و لاتلمس بكعوبها الارض هي الاسرع على الاطلاق اذا ما قورن ذلك بحركة الممثل على المسرح سيما راقصي البالي بالإضافة الى فئات اخرى تبسط القدم على الارض فتكون اقل سرعة من غيرها كما البشر الذي هو بحاجة الى ان يتبع الحيوانات التي تمشي على اصابع رجلها او على باطن القدم وفق ما يتطلب اليه المنحى الذي يسير اليه العرض او الشخصية فراقص البالي لا يشابه الممثل في المسرح الواقعي او مابعد ذلك من اتجاهات تلت الواقعية كذلك ما يملي طبيعة الجسد و العمر.
فلم يمضي المؤلف من استطراد يفضي بإعلانه عن الاصول المعمارية والمقاصد التي جاء على غرارها بعض من المجسمات او القطع الصلدة فالبرج الذي كان يبنى فوق البوابة الامامية لمسرح الكابوكي ما هو الا المكان الذي يعتقد بأنه مكان الالهة حتى ان الممثلين يتوجهون اليهم بالتحية كما الانحنائة في فن الباليةالكلاسيكي اذ يعتقد بوجود الالهة خلف المشاهدين اذ لم يتوافق ذلك الى ما اليه التطورات و المعرفة التي افضت بحكم المشاهدين او اعتبار الالهة هم جمهور المسرح انفسهم ليخوض الكتاب بعد ذلك في قسمه الأخر مبتعدا عن الاشتغال الجسدي والممارسات الفكرية ليقترب صوب حادثة تمخضت عن الوجود المتمثل بالكنية التي تعود الى ثبات القيمة الفنية من خلال ذلك وماجاء عن لسان ممثل النوكينزهيساو عندما تقدم مليونير بطلب شراء المنزل الذي يعود الى العائلة بغية مصادرة الجهود الممتدة الى جذور عميقة سيما ان العائلة تمتلك مسرحا مهم كرست من خلاله عائلة كينز ان يكون اسمها لامعا عبر اداءاتها لفنون النو الذي تحدد بعض من ملامحه وخصائصه في هذا القسماذ يكون من بينها لو سقط ممثل النو ميتا اثناء دوره على خشبة المسرح يستمر الاداء على عكس الكابوكي الذي يستحيل ان يسجل فيه مثل هذا الامر اذ يستطرد المؤلف كم من الاحداث التي لا يغيب فيها مناحي الفنون الشرقية لا سيما النووالكابوكي .
عوضا عن التجارب الذاتية و المجتمعية التي ما يرسخ خلالها المسرح مؤكدا ثباته رغم التطور الذي تضمن على تفصيلات الحياة بشكل عام والمسرح على وجه الخصوص فالتدوينات الغير مؤرخة تجول مع الكاتب في منطقة ( توجا مورا ) وتسليط الضوء عن تفصيلات حياتية منها اكثر من كونها فنية سيما وجود افتراضات وامكنة و وجود مخرج واختيار فالكتاب لم يسهب في تدوين المنهج ولم يوجز في ذلك الا انه كما يجد الباحث بأنه امسك بالعصا من المنتصف اذ وضح في مقدمته غاية مهمة يسند اليها مؤلف كامل ا انه اجاز بالوصف وحدد الية الاشتغال ليأتي بعد ذلك بتجارب ابتعد بعض قليل منها عن مضمون الرسائل الموجهة الا ان المسرح وجد طوال المتن النصي سيما التأكيد والتشديد على المسرح الشرقي بما فيه من مسارح جاء منها فن الكابوكي او فن النو لتحتوي نهاية الكتاب على نصوص مقتطعة لأهم كتاب الدراما الكلاسيكية .
* ياسر قاسم/ مسرحي عراقي