كتاب الخميس (الحلقة الرابعة والأربعون)/ عرض و قراءة: علي حسين الخباز
(تداخل جماليات الرمز للشخصية السامية بين النص الدرامي والقرآن الكريم الدكتور عزيز جبر يوسف)
عرض القرآن الكريم بعض مشاهده القصصية عرضاً درامياً، تضمنت خصائص الدراما البنائية من التمهيد الدرامي والذروة الدرامية وخصائصها الاسلوبية كالتشويق والجذب ليبدأ بالتمهيد الدرامي والذروة الدرامية وخصائصها الاسلوبية: كالتشويق والجواذب وغير ذلك، ثم الحبكة والتصوير وسعة مساحات التخييل.
نجد خصوصية كتاب (تداخل جماليات الرمز للشخصية السامية بين النص الدرامي والقرآن الكريم تأليف الدكتور عزيز جبر يوسف)، تكمن فيما شخصه الاستاذ الدكتور ماجد نافع الكناني في مقدمته اذ اعتبرها أول دراسة تبحث في المنطقة المحظورة بين القرآن الكريم والدراما؛ كونها تتناول الشخصية السامية الثانوية تحديدا، نجد أن سمات هذه الدراسة لا ترتكز على نمطية البحث البياني بل يتجاوزها الى الاحساس الجمالي وما يثيره في روحية التلقي، والدخول الى مفهوم الذات الذي يشكل ابرز ابعاد الشخصية بما تمتلك من انماط قيمية فكرية ونفسية.
تتلخص الفكرة اولا بالبحث عن الشخصيات الثانوية التي جاءت حسب تعبير المؤلف بلا معايير فكرية لتقويمها عبر تشخيص جماليات الرمز للشخصية الثانوية السامية، وتداخلها بين النص الدرامي والقرآن الكريم، ويشخص في مقدمته مقوم اساس في تشكيل بنائية النص الفكرية الى الشخصية التي هي محور مركزي في بنية النص.
ولكون الموضوع يحمل مجسات دقيقة لا يمكن تبسيطها، لكن من الممكن تلخيص بعض الرؤى التعريفية التي تحتاجها لبلورة مفاهيمنا، لذلك ستتجاوز البنى التعريفية للشخصية دراميا، وندخل الى البحث عن الشخصية في النص القرآني، ونستميح المؤلف عذرا لهذا الاجراء. البطل في المفهوم القرآني:
هو القانون التاريخي المرتبط بعقيدته وانسانيته واخلاقه وسلوكه، فالبطل ليس النبي يعقوب (عليه السلام) بل (الهداية) في يعقوب، و(الحسد) في اولاده، والبطل ليس النبي يوسف (عليه السلام) ولا في امرأة العزيز بل هو (الطهارة والأمانة) أي السعي لمفهوم معنى تصوير الفعل الانساني والذي يشتمل على المشاعر والافكار، فالإنسان في المفهوم القرآني لم يذكر لاستعراض الاحتمالات المحتملة، لكنه يحمل قيما ومبادئ؛ كونه اعطى قانون البرهان الفعلي.
الشخصية القرآنية مركز الأفكار احيانا مبهمة، وتكون من الاناس ومن الطيور والحشرات أو ارواحا خفية من الملائكة والشياطين والجان، شخصيات الرسل تسيرها المبادئ.. حلم ابراهيم، حصانة يوسف.. ويعد رسم الشخصية لوناً من الوان التصوير بما تمثله قصة نوح وفتية الكهف، قصة مريم.
ويصل الباحث الى غياب الجانب الفسيولوجي للشخصية حيث القرآن الكريم لم يهتم الا بالبعد النفسي والفكري والاجتماعي، وهذا بمعنى ان الاسلوب القرآني حسب نظرية التصوير المعنى عند سيد قطب، فهو يعبر بالصورة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور وعن النموذج الانساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي رسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الانساني شاخص حي والطبيعة مجسمة مرئية.
يركز الدكتور عزيز على مسألة احتمال (التصوير الحسي) عدم ذكر الطول أو اللون، هذا هو المنهج الغالب في القرآن الكريم، لكننا نرى اشارات خاطفة للجانب الحسي ان كان يخدم الغرض في السرد، فابنة شعيب قالت لأبيها في وصف موسى: “يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين” برزت على صفتين، صفة حسية وهي القوة، والأخرى الامانة، وهي صفة معنوية.
وأشار الى قوة جسم (طالوت) في العلم والجسم، او الوصف عن طريق الايحاء لا التصريح كما وصف لنا جمال النبي يوسف (عليه السلام)، وأحيانا تهمل الشخصيات لتبرز الاحداث، كتدمير ثمود وعاد، لابراز الفطنة والاعتبار، وتذكر القصص القرآنية اسماء الرسل لتحقيق القوة التأثيرية الدينية من خلال النماذج الانسانية المثالية.
اما شخصية المرأة يعتني بوصفها الحسي ولا يهم بذكر اسمها الا في مريم (عليها السلام)؛ لكون ذكر الاسم ينسجم مع العرض الديني لتحقيق نسبة عيسى (عليه السلام) وتحقيق معجزة خارقة، اما بقية النساء يذكرهن بأسماء ازواجهن (امرأة نوح، امرأة لوط، امرأة عمران) وعبر عن بلقيس (امرأة تملكهم) وتنوعت صفات النموذج النسوي، فجرأة امرأة العزيز، وحياء ابنة شعيب، وتدين امرأة عمران، وعفة مريم.
وعرض القرآن خصائص البناء الدرامي، وبرزت فيها اجزاء العمل الفني المبدع، واتسمت باللغة الحوارية الرشيقة وانتقلت بالحدث من عمقه الزماني ووضعه بين يدّي المتلقي كأنه يقع امام ناظريه، وهناك نقطة مهمة فعلى الرغم من اجتماع اعلى عناصر النجاح، لم يخرج النص عن صدقه في محتوى الدرامي، ولا في حبكته الدرامية والحوار يأتي على صور واشكال، فقد يكون الحوار ذاتيا مثل: قصة ابراهيم وهو يتأمل في المشهد الكوني، وقد يكون الحوار بين شخصيتين حوار ابراهيم مع أبيه وقومه، وقد يكون بين الشخصية والطير كما في قصة سليمان والهدهد، او مع الشيطان كما في مشاهد الاتباع والمتبوعين يوم القيامة حين يتخلى الشيطان عن اتباعه.
ويرى الدكتور عزيز جبر ان هناك (فجوات فنية) بين المشاهد القصصية ليقوم خيال القارئ بملئها؛ لأنها تكون حاضرة في ذهنه وان لم تذكر في السرد وصولا الى الذروة الدرامية تتبع القصة القرآنية عدة طرق فنية لتحقيق عنصر المفاجأة، مثل قصة عرش بلقيس الذي عرفنا انه جيء الى سليمان وبلقيس لا تعلم ذلك، ولكن مفاجأة الصرح الممرد من قوارير، حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، ومرة يكون هناك سر وتواجه المفاجأة البطل والقارئ مثل مشهد مريم والملك، ومشهد المخاض.
والحبكة تعني الطريقة التي يتم بها سرد الاحداث، هناك اتفاق بين النقاد عن الترابط التكاملي بين الحبكة والشخوص في قصة يوسف ويرى الدكتور يوسف ان احكام الحبكة جاءت من خطوة البدء التي كانت رواية الحلم، أو الرؤية، فتكون النهاية هي تأكيد وتفسير لتلك البداية، وفي قصة أهل الكهف نبدأ في بداية موجزة ثم تأتي تفصيلات الأحداث متوالية ومشوقة، وهناك ملاحظة دقيقة وهي أن سورة يوسف هي السورة الوحيدة التي اعكتفت بقصة واحدة، قصة يوسف شملت ثلاثة أنواع من الاحلام.
الحلم الخاص بشخصية الحالم وهذا الحلم تمثل في ثلاثة أحلام، حلم يوسف (عليه السلام) في رواية الأحد عشر كوكباً، وحلم صانع الخمر والخباز، الشخصية الثانوية امتلكت الحكمة والوقار، عند يعقوب نبوءة أعطت مساحة تشويقية ثم تسلسل الأحداث تسلسلها الزمني (الحب، التبني، السجن، ولاية مصر، الكيل، عودة ابويه واخوته).
والبطل الثانوي يبرز هدف محدد يلقي به الضوء على الشخصية الرئيسية كان النهي: “لا تقصص” يهيء ذهن المتلقي الى الأحداث، وكانت عنصر تنبؤ ان اخوة يوسف أيضا ثانويون لهم أدوار مهمة في ابراز هدف محدد يلقي انارة على الشخصية الشخصية، ويبلور لنا أفكارا ومواعظ سلوكية مهمة، وحدد هدف بعض مكامن الاشتغالات؛ لكونه لم يحدد مكان الاحداث ولا حدد التواريخ، ولم يصرح بالأسماء، ولم يبين لنا ماهية العبد الصالح الذي التقاه موسى (عليه السلام)، ولذلك لمكانة حكمة علم القدر الأعلى، وهذه الشخصية الثانوية يقال انها الخضر، وهناك من يقول انها يوشع بن نون.
ونرى شخصية ثانوية أخرى هي (آسيا بنت مزاحم) يشير لها القرآن العزيز بامرأة فرعون ان فرعون غضب عليها، فمددت بين أربعة اوتاد عندما كانت تعذب والملائكة تريها منزلتها، يتوضح لنا وجود صراع قوي بين قوى الخير وقوى الشر على صعيد النفس الانسانية وعلى صعيد المجتمع.
الصراع يتضمن أنواعا متعددة: صراع يوسف (عليه السلام) الشخصية الرشيدة مع الشخصيات الثانوية: (اخوته، امرأة العزيز، نسوة المدينة، صراع ضد الظروف الجب، البيع ربيعا، الابعاد، السجن، صراعه ضد نوازع الهوى من النفس الإنسانية بكبح شهوة الانتقام ضد اخوته، شهوة الجنس مع امرأة العزيز) هذا الصراع يمكن استخلاصه في المواقف الدرامية المتعددة التي حفلت بها القصة.
ويرى السيد المؤلف أن شخصية العزيز تختص مهمتها الفنية في تطوير احداث القصة في ثلاثة مواقع:
1- موقفه من يوسف في صراعه مع امرأة العزيز.
2- رؤياه التي فسرها النبي يوسف (عليه السلام).
3- توليه ليوسف على خزائن الأرض.
والخطوة النهائية في نمو السلوك نحو الايجاب، وبهذا تحولت الشخصية من سطحية الى شخصية نامية تؤثر في تسلسل الاحداث، ليكون لها شأن في تعزيز العمل، كما نجده في شخصية مؤمن آل فرعون، هذه الشخصية التي قدمت هدف السورة المباركة تماما فهو جادل فرعون بالمنطق والعاطفة والحب والحرص وباستخدام التأريخ ثم ذكرهم بيوم القيامة وبلقاء الله تعالى ثم التفويض لأمر الله تعالى.
وفي فصل مستقل عرض قضية الإيحاء العلاجي والنفس للشخصية القرآنية، البحث القرآني في النفس يعرض قضيته الشخصية الإنسانية أو علم النفس الحديث مثلا، قوله تعالى: “خلق الانسان هلوعا” والهلع من الخصال النفسية، وهو ليس صفة عرضية على شخصية الانسان، وانما هي من خصوصيات خلقه وتقويمه الذاتي و”هيت لك” في قصة يوسف (عليه السلام) جانب من جوانب علم النفس لم يكن متبلورا في القرون السابقة، وموقف النبي يوسف الرافض هو احترام امانة العزيز، النبل البطل الكبير امام الدناءة والشهامة امام ضعف المرأة وردع الذات من الخيانة، وهذا طور جديد من الايحاء التربوي النفسي، وهذا الإيحاء التربوي هو معالجة نفسية.
تقوم القصة في القرآن الكريم على أسس وخصائص فنية، العرض التصويري لا يخبر بها مجرد اخبار، وانما يصورها بأسلوب تصويري، فإذا القصة حادث ومشهد يجري كقصة أصحاب الجنة مشهد إبراهيم وإسماعيل في بناء الكعبة، مشهد نوح وابنه في الطوفان، قصة أصحاب الكهف ونجد امثلة فيها تصوير العواطف والانفعالات، قصة موسى (عليه السلام) من الرجل الصالح، قصة مريم عند ولادتها.
وهناك نوع آخر من الأمثلة، رسم الشخصيات وبروزها في القصة القرآنية، قصة موسى (عليه السلام) مع فرعون، قصة إبراهيم (عليه السلام) مع قومه، قصة يوسف، وقصة سليمان (عليه السلام) مع بلقيس.
بعض المشاهد تصور شخصياتها ويرسمها على أدق ما يكون الرسم، وابرع ما يكون التصوير، استجلاء البعد الجمالي وآليات التصوير الفني أو الادرامي جعلني أقف ملخصا امام وفرة المعنى الانطباعي الموجود وما تتمتع من توظيفات جمالية قادرة على الاكتفاء المعنوي، قدم لنا أنموذجاً تحليليا كموجز العرض التصويري من مشاهد قصة أصحاب الكهف، صور لنا في المشهد الأول فتية يتشاورون في امر ما بعد الهداية.
وكان المشهد الثاني مليئاً بالحركة التصويرية عرض لحالهم وهم ينفذون ما عزموا عليه. وفي المشهد الثالث صورة حية لخلجات نفسية، مخاوف، اسباب للنجاة. والمشهد الرابع حالهم والناس قد تحولوا من كفر الى ايمان، بعدما ينفتح على التنويع في الاستهلال بالقصة، والبدء بأغرب مشهد يثير الانتباه مثل: (وهل اتاك حديث موسى (عليه السلام) وبتقديم الخلاصة تصاغ القصة بشكل خلاصة، مثل: “أم حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا” ومن ثم الاستهلال بذكر الاسباب والنتائج أو ذكر القصة مباشرة بلا مقدمة ولا تلخيص.
والعرض التمثيلي يقوم على ابراز المشاهد. وخامسا: العرض التمثيلي يبرز المشاهد الرئيسية والحلقات الاساسية من القصة مثل: (قصة نوح) تضع امامنا مشهد نوح (عليه السلام) وهو يتلقى الوحي الالهي، ويخبره بحلول العقاب، ويأمره يصنع السفينة التي هي سبب نجاته ومن معه، ثم يسدل الستار، ليرتفع عن مشهد نوح (عليه السلام) وهو يقوم بصنع السفينة فيستهزئون به والفجوة التي تركها بين الاحداث ليملأها بالخيال. ويركز المؤلف على قصة يوسف ومشهديتها وهكذا مع قصة أم موسى (عليه السلام)، المهم هو ان مميزات الدراما في القرآن؛ كونها لا تعتمد على ما تعتمد عليها الدراما الأدبية: كالتخيل لبنائها على قصة صادقة، ولأنها جزء من الوحي.
وتبتعد الحبكة الدرامية القرآنية عن استحداث الشخصيات وابتكار الاحداث زمانا ومكانا، تعتمد على الاحساس. قدم الدكتور عزيز جبر يوسف دراسة ترتقي الى مضمار الدراسات الجادة في خصائص الدراما البنائية الاسلوبية اضافة الى خصائص البيان القرآني.. ومن الله التوفيق