البحث النخبوي في معطيات المفهوم التداولي..” تأويل الزي في العرض المسرحي”/ علي حسين الخباز
الكتابة في المنحى الاختصاصي تأخذنا إلى تجارب امتلكت حضورها النخبوي، وسعت الرشيدة منها إلى البحث عن المفاهيم الشمولية التي تطرح لنا الكينونة المعرفية بمفهوم تداولي، لامتلاكها قدرة مدعومة، كخبرة مبدعة قادرة على تقديم ماهية المعروض، وحقيقته الفنية والقيمية المتجددة عبر حداثوية الرؤى، وخاصة فيما يعني بالموضوعة المسرحية التي تحتاج إلى الكثير من الإثارة للتنبيه الى وجودها، وبث المفاهيم المكونة لماهية المسرح، كوسيلة فنية ترفع من شأن الثقافي المعرفي، فاستطاع الدكتور (حيدر جواد العميدي) أن يقدم في كتابه: (تأويل الزي في العرض المسرحي) قراءة اختصاصية بروح شمولية، عرف لنا جوهر التأويل في المنظومة الاتصالية للمسرح… إذ تجاهلت العهود السلطوية العابرة الكثير من قيم البناء المعرفي.
لهذا يرى السيد الباحث أن الفعالية التأويلية المؤثرة قادرة على بناء ذهنية تلقي واعية، تستوعب الواقع التأريخي لتبني من مؤولاته المستقبلية حكمة مدركة، قدمت التأويل بمعنى النبش في المضمر، والبحث بين الصيغ الدرامية المتكاثفة، لدعم المعنى: كالإضاءة، الديكور، حركة الشخصيات، الأزياء… لتوفير الأجواء المشحونة بالعاطفة، بوصفها علامات معرفية، فنجده قد مرّ على الكثير من المستويات المعرفية المتنوعة، اكتنز آراءها بنظم تفسيرية، ليصل عبر كل هذه الآراء إلى مفهومه الخاص.
التأويل يعني تخليق معنى ما وفقاً لمرجعيات معرفية منفتحة على معان متعددة. ويرى الدكتور حيدر العميدي أن التأويل فن أبدعه العقل الإسلامي، واشتغل على جملة من الدلالات: كحرية الانتقال الى المعاني الروحية، والوصول الى الحدسية عبر لامحدودية المعاني، والتقريب بين قيم جديدة بتأويل جديد، عوالم تحفيزية دوّنت الكثير من العلاقات سعياً لتكوين العوالم الخاصة.
الكاتب والباحث العميدي لم يسعَ لعرض آراء فردية بقدر سعيه لعرض مناهج تبنتها مدارس وموجهات فنية، اقترنت بأسماء فنية، ترى أن معنى التأويل الحقيقي هو الوجه الأنصع للمجاز، أي أنه اجتياز دلالي يمهد لتعددية المعنى، وهذا ما يبلور معنى المعنى، ويجعلنا أمام أهم المواضيع المعاصرة، عملاً على سلامة التأويل المرحلي إلى تغريبية غير مفهومة عند الكثير من الكتاب… وأمام هذا الفعل التغريبي، لا يبقى أمام المتلقي إلا تحميل النص بما لا يحتمل.
وقد شخص الباحث الدكتور العميدي أهم المرتكزات الأساسية لفنية التأويل، وهو الوعي، حتى عند تجلي عمليات التخييل، نحتاج إلى مقومات إدراكية، ترتقي بالفعل المسرحي، سبل إجرائية قدمها البحث، غاصت في أعماق المفاهيم التأويلية، كتلك التي صاغها الفكر العربي الإسلامي برؤى مجموعة من المفكرين العرب، وقدم التأويل في الفكر الفلسفي العربي المعاصر، وبيَّن كذلك ماهية التأويل في الفكر الفلسفي الغربي. بحث الدكتور العميدي في الحراك المفاهيمي المتعلق في مسائل التأويل، من خلال التنوعات الاستشهادية التي كشفت عن مديات بعيدة الغور، للولوج إلى عمق المعنى، حتى أصبح التأويل يفهم المبدع أكثر من فهمه لنفسه، ومثل هذه المسافة التجاوزية تعني أن فهمنا لإمكانية النص تجاوز القصدي المؤثث من قبل الكاتب، دلالات فكرية غنية (للزي المسرحي)، توظف كل جزئية من جزئياته، قدرة بلاغية تلج العمق الإبداعي، مستثمرة أدواته، لتضمير البنية الفكرية… فقدم الدكتور العميدي دراسة عن أزياء مجموعة من المسرحيات لمخرجين عراقيين، تنوعت تجاربهم وتمايزت للارتقاء بجماليات النظم الاشارية، بملابس عراقية: كالصاية، والقميص، والنطاق، و… و… فوثقت لنا تلك الأعمال الفنية باللون والخطوط والضوء، لتتجاوز معانيها المعجمية… طاقة خلاقة وجهد قويم للدكتور العميدي، بما اكتنز بحثه من دلالات وعوالم الزي المسرحي التأويلية.