المســرح والأمـــل : وثيقة الإحياء الفاعل وجمالية القراءة لتجربة سعد الله ونوس / ا.د. حسن عبود النخيلة
حقيقة الالتزام الإنساني تشكل محور الابداع، وديمومة التجربة لمن تزدحم ذواتهم بما يتهدد الإنسان، ويحاصر احلامه. ويقطع السبل امام تواصليته الايجابية، وتفاعله المشتبك مع شكل الحياة بصورتها النقية الصادقة خارج حدود التشويه المُفتعل.
يختبر الدكتور (حسن يوسفي) في كتابه “المسرح والأمل : قراءة سعد الله ونوس” مديات الانهماك الجاذب لمشروع الأمل، الذي يمثل صورة ناصعة للتجربة الانسانية في مفترقاتها النوعية، تلك التي تهبها لوناً مغايراً عن ردود الأفعال المعتادة، او تلك التي تمتص الواقع بسوداويته لتطلق اعتاماً لا حدود له.
كيف يكون الأمل ملازماً للأزمة ، متفرداً عنها؟.
يقرأ ذاته ، ليعطي دواءً يعلو عليها .
إنّ الراحل الكبير (سعد الله ونوس) – وكما نعلم جميعاً . لم ينفصل مطلقاً عن صناعة الإنسان في نصوصه، وكان يتحرى عوامل الهزيمة والانكسار ويعرضها في نصوصه، كاشفاً عن مسؤوليته وعدم حياديته عن الارتباط بمن يشكلون المه وجرحه في معاناتهم .
إنّ القارئ لنصوصه، يتكشّف لديه تلك الروح التي لا تهدأ ابدا، وهي تبحث وتنقب في زمن يُمنع فيه الإنسان من أنْ يظهر في صورته الطبيعية المتوافقة مع انسانيته، وقد كرس جملة من نصوصه لبث تلك الصور، كما افصحت عنها ( المقهى الزجاجي) ، ( جثة على الرصيف) ( مأساة بائع الدبس الفقير).
ليعطي ملخصاً ، يقارن فيه، مأساة العصر الحالي، بما افصح عنه المسرح من مآسٍ سابقة :
لقد كان القدر في مآسي الاغريق اكثر تبريراً واقل تفاهة، اما اليوم، فبائسة مدن الاقدار التافهة).
كيف يبرز جوهر الانسان – ازاء هذا الكم من التفاهة – ؟.
انطلق ( ونوس) من الذات المتماسكة، تلك التي لا تنفصل عن ( الأمل) على الرغم من انها تستحضر بجوارها مضاداتها المرصوصة، ولكن ليكشف عن وعي كبير بعدم انطلاء اللعبة وان الأمل في تأمله لنفسه لا يعرف حدوداً ولا نهاية ولا بقاء لمن يعتقدون بديمومتهم الزائلة.
على هذا النحو ، في زاوية قرائية متواضعة نضمنها هنا لما قدمه ( الدكتور حسن يوسفي) في تصديه لمسارات عندما ندرجها ونضع ايدينا عليها، يتضح لنا معنى الحياة والأمل، وكيف يكون لهما معنى متحققاً ، عبر تجربة هذا الكاتب المتفرد، الذي يغطي في تفكيره مساحة بلا حدود، تسري عبر الزمن، ولا تنفصل عنه تأثيرا وحضوراً وتفاعلاً ، لم يستطع يأس المرض السرطاني، ان يضعف هذه القوة وهذا العنفوان الانساني، الذي لا يعترف الا بالحياة ولا يستمع لصوت الموت.
من هذا المنطلق ، اعتبر (د. حسن يوسفي) ان الكتاب جاء في اوانه، لتزامن انتاجه مع مأساة الزلزال المروع الذي اودى بحياة الكثيرين من الأحبة في المغرب الشقيق، واراد ان يقول ( د. يوسفي) ان علينا ان نكون ونوسيين في الذهاب الى الحياة دوما والتصدي لما يحييها ويقويها وينعشها، وفضح ما يعترضها ( باستراتيجية تفكيكية عالية المستوى) كتلك التي، يشخّصها (د.يوسفي) ( عبر محكي الذاكرة) وهو يحطم تلك الترانسندنتالية الوهمية، التي طوقت حياتنا، ولم تزل تنحو الى هذا التطويق، ان لم نفككها ونضعها في موضعها الصواب.
إشارة مهمة، ورصد دقيق، من (د. حسن يوسفي)، ان يضع اليد على هيمنة التفكيك في استراتيجيات الكتابة المسرحية للراحل ( سعد الله ونوس) وقد، وجدنا ان هذا متحقق حتى في المحور الثاني، الذي يثبته الدكتور (يوسفي) تحت عنوان “امتحان الصواب”.
فبحسب اجابه (ونوس ) نفسه، انه في هذه المرحلة من امتحان الصواب، اراد ” الاغتسال من الأوهام” وانه ” يريد مسرحاً يزداد جرأة في استكشاف الفرد والمجتمع”.
للأمانة اقول : “ليس كم المعلومة الغني بخاضع لقراءة واحدة، كما وان قراءة عاجلة لا يمكنها رصد سعة مفترقاته الغنية، المدونة بصدق ومسؤولية عالية. لذا فأننا انتخبنا جزءا ميسوراً منها لتأكيده في هذه السطور”.
ادعو الاعزاء من الاكاديميين والقراء والعاشقين لصدق المواقف، وتلك العلاقة التي تجعل المسرح ملاذاً انسانياً لا يغفل الحقائق، وهموم الانسان ؛ بل يكرس ذاته بكل طاقتها ليكون ممتزجاً بها، معلناً عنها، ساعياً لإنهائها. ان يرصدوا (مدونة الحقيقة) هذه. التي اجدها وثيقة حية تدعونا للأخذ بما وثق فيها، لإحياء الموقف والتواصل مع هذا الصدق الانساني الذي نحتاجه بكل جوارحنا لنكون في عمق الزمن لا خارجه، وليكون لعملنا المعرفي، جدواه في صناعة المُتغير، ومواصلة العمل مع من بدأ به.
ا.د. حسن عبود النخيلة hasan.abboud@uobasrah.edu.iq
ـــ د. حسن يوسفي ، المسرح والأمل : قراءة سعد الله ونوس ، دار الفنون والآداب ــ العراق / البصرة ، 2023 .