أثر التضاد في نص “دوي الفراغ” للكاتب (شوقي كريم حسن) / علي حسين الخباز
شكل التضاد بنية أساسية في نص “دوي الفراغ” للكاتب شوقي كريم حسن، لتمثيل الواقع وللتعبير عن صراعات النفس البشرية، ومنحنا التأويل القادر على توكيد المعنى، بدء من تكوين شخصيات النص
1) كاترين مجندة أمريكية في الثلاثين من العمر
2) جيمس مجند زنجي في منتصف العشرينات
3) روبرت مجند أبيض في الخامسة والثلاثين من العمر
كشف التضاد عن البؤر النفسية التي جعلت النص عبارة عن حلبة أفكار، برز في الوجه، الأول ثنائية (سيدٌ وعبدٌ) بما تحمله من أبعاد فكرية تساهم في بلورة شخصية كل واحد منهما.
واحد يمثل الحرية الزائفة، والطاغية ترعى الإرهاب، والعنصرية، والطبقية والوحشية، والآخر العبودية والرق المذل ليصل الأوامر حد الامتهان
ـ جيمس
ـ نعم سيد
ـ خذ الكلبة وفسحها لأنها تشعر بالحزن والكآبة.
السؤال الفلسفي الذي يطرحه العبد جيمس (من أعطى الحق لمن؟)
× (سيد وعبد)
× حروب خلفها حروب وآثام لا تنتهي.
والمعروف أن بنية التضاد من البنى الأسلوبية القائمة على إظهار قيمة التوترات النفسية. في الوجه الثاني، الصراع مع الذات، بناء التضاد الداخلي للنفس البشرية بينها وبينها (كيف يمكن للسرور أن يعم الأنفس الخربة؟)
تتنوع الأسئلة
(من أجل ماذا نبيع أرواحنا لشيطان الكراهية؟)
ويظهر التضاد في عمق هذا الصراع
ـ (الوطن القوي يعني إنسان قوي)
ـ (محاولة غريبة يا سيدي يمكن للأوطان أن تكون قوية بالحب والسلام، أن تأخذ إلى أحضانها أوجاع الناس لا أرواحهم)
ويثمر التضاد الكثير من الجدل بوجود حالات تناقض بين المفاهيم، والحوار التضادي قادر على كشف مساحات واسعة من الرؤى تثير المتلقي وتكسر رتابة النص.
ـ (دلني على وطن انتصر بالحب؟)
وهناك تضادات مضمرة تحمل تضادها في ذاتها لتكون تصورا في ذهنية المتلقي
– (أريد أن أعيش حياتي كما أرغب لا كما ترغبون)
أي بمعنى أن يكون التضاد غير مباشر.
في الوجه الثالث، تظهر لنا علاقة التضاد، جمالية المضمون كل ما في هذه الأمكنة أشعرها ضدي.. الماء.. الشجر.. الأزقة… الشوارع… تلك الوجوه التي تنظرنا بكراهية واضحة.
حين تشكل كاثرين العنصر النسوي الوحيد في هذه الحرب، مجندة أمريكية، لها تضادها النفسي والمعنوي والفكري لكونها تميل إلى الهوى العراقي وتتغنى بالفرات، يهودية من أصل عراقي، يظهر التضاد في الموقف، الرؤى وقد تكون دائرة الصراع خفية وتعمق في التجربة.. (المحنة أننا لا نعرف لوجودنا إجابة وأي الأمكنة نحرسها غير وجودنا المرتقب الخائف؟)
تظهر في هذه التركيبة الثلاثية (كاثرين.. جيمس.. روبرت) مساحات من التضاد بين الكراهية والحب وبين الوطنية والغربة بين الحرب والسلام.
وفي الوجه الرابع، كاثرين ترى أن المسافات تقترب ذلك لأن العزلة تربك الوقت.
العلاقة بين (الذات الانسان، والموضوع الوطن) التضاد داخل الذات الكامنة في أغوار النفس، تدخل كاثرين مجندة في أركان الاحتلال وتبكي لأن شيئا ما يشدها إلى العراق، الغريب في تضادات هذا النص أنها تعطي فسحة لتكامل الضد، طرف يبني الطرف الاخر، مناطق تلتحم ليكون بعض الخير شر وبعض الشر خير.
كاترين: ـ سري يجعلني ألعن أيامي كلها، ما كنت أريد المجيء إلى هنا لكني جئت.
(هي تقاتل من تحب)
ـ شيء مجهول يشدني إلى عالم ما كنت أعرف أنه طيب إلى هذا الحد.
هذا التضاد ليس تضاد مفردات، وإنما توازي الثنائيات يسير طرفيها جنبا إلى جنب لبناء النص. والتضاد يمثل إحدى الروابط المهمة في نص “دوي الفراغ”، اجتماعهما في نفس المدرك الشعوري، هناك ألفة عالية عند الشخصيات بين الألم والتعب والغربة.
(كاثرين: في قلب هذه العتمة أناس ينتمون إلي وأنتمي إليهم دون أن يعرفوا بوجودي أو أعرف بوجودهم، ربما حين تقع أبصارهم عليّ تهزهم الكراهية ويتمنون لو أطلقوا الرصاص صوبي)
والنص استثمر هذا التداعي إلى بناء الموقف بما يمتلك من زخم الواقع، والخيال، والتوقع، والرأي، هناك فكرة مقنعة لكن يصل بنا إلى أن نقتنع بفكرة التضاد، ليس على أساس المبدأ وإنما على أساس انسجامها مع الشخصية، أراء روبرت كلها سلبية لكنها تنسجم مع شخصية روبرت وأفكاره وانتماءه لعالمه، وتعبر عن أخلاقية الفكر الأمريكي وما تربى عليه من تعالي، بينما كاثرين تقول:
ـ أنا مشدودة إلى زمن لا أعرفه، أماكن وجواري ونساء لم أراهن من قبل، وجوه تعبة وأكف تلوح ناحيتي دون أن أدري لماذا، لكم في أعماقنا من المقابر؟
وللتضاد إمكانية رفع الفاعلية النصية، وهناك من يراه مبعث للصورة الفنية ولكل قراءة رؤاها، كل شخصية من شخصيات النص له تضاد، جيمس بما أنه رجل موت لكنه يرفض الموت يرفض أن تكون للأحلام قبور، أما التضاد الذي هو أساس تكويني في شخصيه كاثرين
ـ ماذا يحدث لو أنك عرفت أن سلاحك موجه باتجاه أناس يسكنون أعماقك؟
للتضاد أهمية في إثراء النص الأدبي وتعزيز الدلالة وتنبيه المتلقي وشده يكشف عن الصراع الذي يدور في النص، هو صراع مرير بين الأسود والأبيض، روبرت الأبيض لا يطيق رؤية الزنجي وجيمس الزنجي لا يطيق رؤية روبرت الأبيض.
روبرت: ـ أنا أكره اللون الأسود، أكره الظلمة، اللون الأسود يجلب المصائب.
جيمس: ـ الأبيض لون مشؤوم، لا ملامح له ولا تميز لون الأكفان هذا علامة تفاخرون به وهو يشبه الفراغ.
أغلب النقاد يتفقون على أن التضاد من المهيمنات الأسلوبية الطاغية في معظم النصوص الإبداعية وفي نص مسرحية “ذوي الفراغ”، استخدم التضاد وسط بؤرة الحرب، أبناء فريق الواحد لكنهم يختلفون في الكثير من الأمور، يتضادون في أغلب الأمور التي ينتمون لها، وهذا يعطي للمضمون فاعلية التأويل، جيش جاء ليقاتل من أجل المال، واحد يرى في الحرب تعالي أمريكا على الشعوب، يعني امتلاك الشعب الأمريكي الأبيض إلى التعصب والقتل والدمار، والمجند جيمس الأسود وكأنه جاء ليسترد منا حريته، ويمسح بنا عبوديته، وظلم الرجل الأبيض له، وكاثرين تقاتل من تحب وسط ازدواجية صارخة، تضاد داخلي محوره النفس، روبرت يرى أن عظمة أمريكا أشياء لا يعرفها سواه، جيمس يرى أمريكا وطن قاس، ممتلئ بالبؤس والحسرات.
كاترين المجندة الأمريكية تحلم ببغداد والفرات، ربما لها شعور بالانتماء إلى بغداد وإلى الفرات وشعور آخر ينتمي إلى هوية يهودية يرى أن الفرات ملك لخارطته.
يرى الكثير من النقاد أن توقد الحزن النفسي والقلق في نص يعني اعتماد هذا النص على التضادات، الثنائية، هناك ثبات في الموقف، في السياق وفي الرؤية القادرة على إثارة إحساس المتلقي.
كاثرين ترى الماضي عبارة عن أحلام.
روبرت يرى الماضي أحزان تكبل الخطوة وتضيع المستقبل.
بينما رؤية كاثرين للماضي ليس باعتباره تاريخا ذهب ولم يعد، وإنما هو جذر لشجرة الماضي، هو الحاضر وهو المستقبل، جذور تنمي الديمومة والحياة، ليس هناك مستقبل بلا ماضي.
جيمس يرى الزمن عبارة عن مشاعر لديه إفريقيا دافئة كأحضان الأم.
ـ إفريقيا الحقيقة الوحيدة التي أعرف
التضاد تركيب بنائي ينهض على طرفي متنافرين لإنتاج دلالة أدبية ويحقق تفاعلات بين طرفي التضاد، ولتصل كاثرين في خاتمة هذه التضادات الفكرية إلى أن
ـ تنظر إلى روبرت ببطء وتطلق الرصاص
وليولد في الوجه السادس سؤال استفهامي (إلى أين خطاك؟)
نص مسرحي يرتقي إلى جمالية عالية عبر التضاد محققا إنجازا إبداعيا باستحقاق.