قراءة انطباعية في نص مسرحي “مونومانيا” للكاتبة (سحر الشامي)/ علي حسين الخباز
كل نص مسرحي له ثقافته وأفكاره ورؤاه، وخاصة عندما يكون المسعى الجمالي فلسفياً، ففي نص مسرحية “مونومانيا”، للكاتبة المبدعة (سحر الشامي) أي الهوس الأحادي الذي هو عبارة عن انشغالات ذهنية مزيج من (الفكري، الانفعالي، الوجداني) وحملت شخوصها كثيراً من الرؤى والأفكار، وارتكزت على العديد من المحاور الأسلوبية التي أسهمت في دفع الفعل الدرامي، وتنميته نحو الذروة النصية.
شكلت شخصية البطل الثقل الأكبر من مساحة الفعل الدرامي مع وجود تلك الأساليب الكشفية المتنوعة، ومنها الحوار الاستفهامي الذي هو محاولة لإثارة عقل المتلقي ورفع فاعلية الدراما في النص، والحوار يشكل لنا انفلاتاً متنوعاً للولوج الى عمق الخطاب النص المسرحي، فالحوار كان موافقاً مع عمق الشخصية نفسياً ومعنوياً يميل الى الكشف عن معاناة الشخصية ورؤاها، وعبر النص عن المشاعر الإنسانية ومتناقضاتها، وصراعاتها وجعلت الحالة موضوعاً لإبداعها، وإظهار إمكانية الكاتبة في إدارة النص النفسي بإمكانية فوضى الهاجس النفسي نحو الباحثة الاجتماعية، تغيير نوع المعاملة في أول دخوله حتى تستقبله بلفظة دكتور وحين عرفت انه نزيل المصحة، انتقل عندها هاجس الخوف، الوهم، فبدأ الكشف عن الاضطراب النفسي عند الباحثة الاجتماعية، مثل تدوير الكرسي، إشارة الباحثة الى النزيل بكبرياء، ثم وضعها لمرادفات المفردات وهذا يعني أن الكاتبة تدرك مفاهيم المدرسة التعبيرية، واستطاعت الغرز بها الى خبايا النفس، وعدم الانخداع بالمظاهر السطحية.
المريض بكامل الأناقة وبكامل الوعي، بينما وجهت بذكاء أصابع الهوس الى الباحثة الاجتماعية، وارتكزت على المسعى الاشاري فشرب الماء مثلاً شربت الباحثة الاجتماعية الماء ليس بعد مرحلة عطش حقيقية، وانما اثر حالة الخوف التي عاشته حين شعرتها انها والمجنون بمتنفس واحد، الخوف ونظرات الشزر والأسئلة المربكة والتعجيزية، استطاعت الكاتبة (سحر الشامي) أن تنجح أولاً في كشف العلاقة الاجتماعية بين الجنون والعقل داخل شخصية النزيل وعلاقة الباحثة الاجتماعية بالزوجة؛ كونها شغلت دورها، وأدت مهام الشخصيتين، وعلاقة الطبيب من الإيجابية لتفهم الوضع الإنساني المنبثقة بين محبة الزوج وكره الزوجة، واختيار الحرية كمعادل يبعد الهر الحبيب عن شرور الانسان وعلاقة الشرطة بالحقيقة، والبحث عنها حيث الاعترافات القسرية تعلن لاعدالة القانون الأرضي، واستطاعت تغيير مجرى الفعل الى تغييرات متمكنة داخل النص، أظهرت سمات جدية لتغيير البطل؛ كونه شخصية ارتكازية فهل البطل المجنون، أم الباحثة الاجتماعية عندما نحس انها جسدت الواقع الإنساني؟ اتسمت شخصية الباحثة الاجتماعية بالغرور والتعالي، وعانت من الإحساس بالشؤم والخوف من الجرأة، صبغ الأظافر، عور الهر، باعتبار اتحاد الشخصين الباحثة الاجتماعية والزوجة، وعملية المكياج تعلن الانشغال بما هو ذاتي بعيداً عن رحمة المواساة ومشاركة المعاناة واستيعاب النزلاء.
ركز النص المسرحي على الانسان على قضاياه، ومظلوميته ضد أصحاب السلوك الانتقامي، وهذا ما يجعل النزيل يمتلك الثقة بالنفس مقابل الرضوخ للمؤتمر الخارجي، فهو اعترف بجريمة لم يقترفها، وأخذ براءة لم يعلن عنها وغير متوقعة، وشخصيات المسرحية غير منطوية على نفسها إلا بتفاوت تضادي أحياناً، النزيل يفهم النياشين التي تطالبه الباحثة بها هي الجراح المبثوثة على جسده، والباحثة الاجتماعية عندها مفردة النياشين تعني انواط الشجاعة، تتسم شخصيتها باللامعقولية وخاصة عند اختبار معرفة السكر عن الملح بدون تذوق، توجيه الأدوار بالصمت، السؤال عن العصور التي يراها النزيل جميعها حجرية.
شخصية الباحثة شخصية تسلطية تتسم بالخيلاء والغرور والشعور بالعجز عند مشهد الاسترحام وتقلب تعزيزاً للمذلة، إعادة مشهد التوسل، بينما المجنون النزيل ينعم بالنضج العقلي والذكاء وقدرة عالية على التعايش مع التسلط بمرونة فيكتشف روح الانتقامية عند الباحثة الاجتماعية والتوجس، ويلعب اطار الصورة دوراً مهماً لجذب الاهتمام.
الكاتبة (سحر الشامي) أبدعت في رسم حدود شخصياتها خارج حدود التنظير، فانقلبت المعادلة ليصبح المجنون حكيماً، ويسبر أغوار المريضة الباحثة الاجتماعية لتقر انها تكره أباها.
إذن، هناك مؤثثات معدة مسبقا لاستيعاب العلة النفسية من خلال صخب الضحك غير المبرر، التقاط السيلفي، تجاهل الألم الإنساني، حركة الكرسي، بينما المجنون يتسلح بكامل الوعي ليصل الى نتيجة:
(سأفعل ما يختاره عقلي لا ما يختاره لي الاغراب).
باعتبار جميع الأحداث التي مرت هي من طبع الاخرين، اختاروا له القتل وهو لم يقتل أحداً، اختاروا له التعذيب واختاروا له الجنون:
(سأكون رهن إشارة نفسي، ولن اقحمها فيما يطلبه الآخرون منها).
أظهرت كل إمكانيات ابطالها، الباحثة الاجتماعية تتميز بأسلوب الغلظة والتبرير والاسئلة التعجيزية لتصل الكاتبة الى ذروة فعلها الدرامي وتدخل النقيضين في اطار واحد لتقول: لقد تساوى في عالمنا الجنون بالعقل، نص تعبيري يمتلك قيمة إبداعية، ونضوج فكري ودرامي ليعلن عن وجود كاتبة لها مواصفات عالمية.