التصوف في “تويتر نسائي” / م. م. عمر عبد الجبار
مسرحية قُدمت على خشبة مسرح الرافدين بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح من تأليف وإخراج د. إيمان الكبيسي وتمثيل نخبة من طلبة معاهد وكليات الفنون الجميلة، إذ تتمحور المسرحية عن صرخة نسائية بوجه العالم وهي رسالة لكل مواطن تمثل دعوة للحب والسلام تترجم ما يدور في الشارع العراقي من خيانات سياسية وفكرية واجتماعية ما زالت مستمرة،
تتمحور أحداث المسرحية حول دمية ماريونيت تكتشف خيانة اللاعب الذي يحرك خيوطها وبعد صراعات مع الذات وتناقضات بين الحب والانتقام، والرغبة والعزوف، والاستلاب والثورية التي تتجسد في شخصية الدمية التي تذهب الى محاولة التغير من عالم واقعي ملموس الى عالم مثالي اخر عبر التخاطب مع الالهة من أجل تغيير جنسها من دمية إلى كائن بشري يكون معادل موضوعي لشخصية الحبيب (اللاعب) الذي يعترض ويفرض القيود من أجل إيقاف ثورتها وإحباط طموحها وتقدمها لكنها تصل إلى ما تريد وتحصل على حريتها التي تؤهلها بأن تقاضي المجتمع والأعراف البالية وكل القيود المجتمعية عبر مقاضاتها لذات الحبيب ومحاسبته.
على مستوى النص فقد ظهرت الكثير من الملامح الصوفية منها مسار الحدث الذي يحيل إلى الرحلة والانتقالات من حال إلى حال آخر، كما أن النص اتخذ مسارا دائريا.
للمسرحية بعدين تنطلق منهما لتؤكد بعدا جديدا مغايرا، البعد الأول خارجي يرتبط بعلاقة ظاهرية والآخر ذاتي مرتبط بالشخصية المحورية عبر التثوير والتحريض على الحقائق الزائفة نحو المعرفة الحقيقية وصولا إلى بعد جديد يجعلنا نحاكم هذه الشخصيات بوصفها شخصية واحدة ذات هدف واحد، واتسم النص في كشفه عن الحقائق تماثلا ً والرؤيا الصوفية، فيرى في الظلام عالما ً مجهولا ً كاشفا ً من خلاله النور.
كما كان لرمز الأنثى في النص المسرحي حضورا ً متميزا في الشخصية المحورية التي مثلت المعرفة والجمال والحرية والحركة مُتخذتا ً من الصبر مقاما بصمودها وتصديها. كما انعكس من رمز الشمس الكثير من المعاني والدلالات الذي برزت من خلال مخاطبات حوارية على لسان الدمية مع الدمى المتهالكة، أو مع الحبيب تارة ومع الآلهة تارة أخرى.
تتوافد خصال الصوفية للشخصية المحورية بابتعادها عن القوة والعنف وحبها للسلام، مسلمة ذاتها للقلب والمشاعر والحدس، فتتخذ من الزهد والمجاهدة والصبر مقامات ترتقي إليها في رحلتها الروحية، فكانت (الدمية) تجوب الآفاق من خلال تأملها في سفر حياتها الدائم دون أن تبرح مكانها.
وتعمد (الدمية) بتمردها وانزياحها عن المتوارث والعرف نحو العبادة الحقة عن طريق خيار الحرية، فقد أدركت (الدمية) أن الذات الإلهية حرة لا يمكن أن توضع في معبد، بل تواجدها في كل مكان وزمان لا تقترن بشيء ما، ومن ملامح التصوف التي استعارها النص في مشاهده الأولى ما اصطلح عليه في الفكر الصوفي بـ (وحدة الوجود)، إذ تجسد (الدمية) أن كل ما موجود في العالم الأرضي من صنع الخالق وشاهد على وجوده وانعكاس لصورته، في حالة تناص بين قصة حب الدمية للاعب مع التجربة الصوفية في حالة الوصول واللاوصول، فالمتصوف يسعى إلى ما يريد بغض النظر عن امكانية الوصول أو اللاوصول من خلال تجربة تنتقل من الخصوص إلى العموم،
كما تتوارى الثنائيات الضدية في متن النص مثل (الليل والنهار، الموت و الحياة ، الوصول ـ اللاوصول ، الحضور ـ الغياب ، السر ـ العلن ) ضمن عالم حلمي يقترن فيه الزمن بالحال، فحالة الشوق التي تعتلي المحب ليس لها زمن ولا ميعاد ولا مكان، وهذا ينطبق على المتصوفة فلا وجود لـزمان حسـابي فالزمـن حـامـل أزمان ماضية وحاضرة، أما على مستوى العرض فقد حملت شخصية الدمية بذرة صوفية من بحث معرفي له شموليته الإنسانية حيال المرأة وعوامل تحررها نحو الـكـشـف المعرفي، فضلا بعض العلامات المسرحية التي تسير بخط متعاضد مع الرموز الصوفية في اختيار ألوان الزي والإضاءة واستعارة الأمكنة ومستوياتها ضمن مدلولات صوفية،
كما أكد العرض في أكثر من تكوين تشكيلي على التكوينات الدائرية، ولم يبتعد العرض عن استعارة بعض الطقوس الصوفية التي تشابه حلقات الذكر من حركات وإيماءات فضلا عن لبس التنورة وتوظيف الدفوف وأصوات الناي وبعض الآلات النقرية التي لها حضور في الطقس الصوفي.