كلمات في الدراما..عندما يكون الإنسانُ مشروع الكلمة/ أ.د. حسن عبود النخيلة
في كتاب “كلمات في الدراما” لمؤلفه ( د. عبد الفتاح مرتضى البصري) يكشف المؤلف عن بعد فكري تأملي ينطلق من الإنسان في طبيعته وتكوينه المتصل بالبيئة والمجتمع وظروف الحياة، فيكون متحدثاً عن الفن بصدق دون تعقيدات – وهذا متصل بطبيعة شخصيته الانسانية الفريدة. في عالم الاستهلاك اليوم الذي لا يتقبل هذا الصنف من العطاء الفريد.
يبتدئ ( كلماته) متصدّياً إلى (الايقاع والفكرة ).
وهو هنا يذهب الى تشخيص حرارة الفكر ، الفكر الذي يقترن بالإنسان الحر . وهو يجد ضمن تشيخص يتجاوز حدود المحلية الى العالمية. ان ( نورا) عند ابسن، تفصح عن هذا الايقاع الفكري اللاهب.
وهو يغاير المنظور المعتاد. في قوله : “ان صفقة الباب في ( بيت الدمية ) عند ابسن، لا تشكل اليوم ( صفقة اجتماعية) بهذا المعنى المحدود، بل هي صفقة ( باب حضارية) ضد افكار مقولبة”.
أمّا في صدد حديثه عن ( الفعل الداخلي) ــــ في مسار طرحه لكلماته في الدراما:
يجد أنّ تكنولوجيا الفعل الداخلي هي خطه هندسية واعية يضعها المؤلف المسرحي لشحن شخصياته بطاقة الفعل المرئي الذي سيتابع تصديره المخرج المسرحي بحنكته في جعل هذا الفعل يفصح عن هوية يكشف بها الطابع المحلي وادراك الزمان الذي يمنحه قوة مضاعفة .
وترصد كلماته ما يسمى بــ ( المسرح الرؤيوي)
وهو هنا يبحث عن علاقة تناسجية بين العرض المسرحي والمتلقي، تُلغى فيها حدود التمثيل ليدخل الجميع في اداء ما يتصل بالقضية العامة، ضمن تجريب بلا حدود .
يقول واصفاً التجريب بأنّه : “محاولة للوصول الى سبب مقنع لمصير الانسانية”.
ولأنّ ( المصير مجهول) يبقى التجريب مستمراً.
يجد المؤلف الدكتور ( عبد الفتاح البصري) في معرض ( الجدل القائم بين رؤية المخرج ورؤية المتلقي) . ودور هذه العلاقة البناءة في تشكيل الخطاب الفكري والجمالي، تأكيداً على التعارض في النحو الاغلب لهاتين الرؤيتين.
لذلك يقترح من موضع الخبرة الطويلة :
” إنّ قراءة النص قبل العرض – مهما كان نوع النص والعرض – قراءة ” غير مستحبة” .
ونحن نفضل : “قراءة النص من خلال العرض وليس قبله” .
ويبين في ذلك : “ان اكتشاف النص من العرض مهمة جمالية ومعرفية لا حدود لها، والعرض حقل اكتشاف لمواضع المتعة والدهشة والصدمة”.
وفي صدد رصد هذه القراءة لمرتكزات فكرية حملتها (كلمات المؤلف) في كتابه : ( كلمات في الدراما) ؛ فهو يناقش ( العلاقة بين الممثل والايهام ):
مبيناً طبيعة الصراع وعمقه، فنقطة الانطلاق للانتقال من عالم ( الممثل الانسان) إلى عالم ( الممثل الشخصية) هي لحظة (الايهام) تلك .
والايهام يتطلب مهارة غير اعتيادية لتحقيق الانسلاخ عن الذات الانسانية والالتحاق بالذات الفنية، وان الممثل يخوض صراعات متعددة مع ذاته ومع الشخصية المؤداة ومع الشخصيات الأخرى واحداث المسرحية ذاتها، لذلك تكون العلاقة بين لحظة الاداء المسرحي وفعل الممثل (لحظة تناقض كبير) . تتطلب مهارة كلية لضبط هذه التشظيات ومنحها وحدة جمالية.
يقف المؤلف د. عبد الفتاح، بانسانيته التي تتوافق مع معطيات ما اختاره ليدونه من كلمات في كتابه، فيقدم : نص (الرجل الجوف) لعادل كاظم ، ويرصد فيه قيمة الثالوث النسوي الذي حكم عليه بالاعدام – كما يطرحه نص عادل كاظم- الكترا وانتيجونا تجتمعان مع امرأة عراقية.
يكشف لنا عن موقف رهيب للمرأة العراقية. بكيفية تعاملها مع زوجها – بأن تقتله- بعد ان تبذل كل طاقتها لمنعه من الذهاب للحرب، ولكنه لا يستطيع ( خوفاً) . فتقتله لأنه لم يستطع ان يقول ( لا) .
يذهب بعد ذلك المؤلف د. عبد الفتاح ” لمناقشة الدراما التلفزيونية العربية”، فيتصدى للدراما السورية، راصداً لأكثر من عمل، كاشفاً عن قيمة الطرح الفكري فيها، والقيمة الفنية المؤسسة لها”.
ونرصد طرحه لمسلسل ( الزير سالم) الذي يفصح عن لعنة الحرب.
فيقول المؤلف في ذلك: “ان شخصية الزير تذكرني ببعض المسؤولين سواء في الشرق الاوسط او في بقاع اخرى من العالم، الذين لا يشغل بالهم سوى الحرب فهؤلاء لا يفكرون بشعوبهم واوطانهم، بقدر ما يمليه عليهم استعلائهم” .
والكتاب فيه من طروحات الفكر في استهامات متوالية، واجوبة غزيرة الكثير، على المستوى العالمي، والعربي، والمحلي .
ــ الدكتورـ عبد الفتاح مرتضى البصري ، كلمات في الدراما ، دار الفنون والآداب ــ العراق / البصرة ــ 2015 .