سأمارس سلطتي كمتلقي…النص المسرحي “إميدوس” للكاتب شوقي كريم حسن / علي حسين الخباز
اقتران وعي المتلقي بوعي النص، يمنحه استمرارية لها القدرة على أن تعبر زمكانية النص، وتحريك بنية المضمون إلى عوالم تفاعلية أكثر تأثيرا، ما دام النص أساسا هو منتج فكري طليق غير خاضع لخصوصية ذاتية.
لي ما للكاتب شوقي كريم حسن من حق في قراءة النص بما أمتلكه من تجاوب واستجابة روحية عاشت وانصهرت في النص، وبما يمتلك النص من دلالات تخص معنايَ كإنسان أعيش في واقع مرتبك، مقاربة الواقع النصي وانفتاح مضمونه ليشمل الواقع الفكري المدرك بمضامين اجتماعية وسياسية.
نجح المؤلف بأثارة المتلقي شعوريا، وشيد بنصه علاقات متينة مع وعي متلقيه.
الشخصيات التي كونت النص عندي ما يماثلها من رموز سياسية وعندي كهنة يصدرون فتاوي القتل والإبادة والدمار وجنود أمن وجواسيس ومهرجين ومهرجات وشعب مظلوم فاقد لهويته. ارتكز شوقي كريم حسن على شخصيات تاريخية تركت آثرا في الذاكرة، عاش إميدوس في مدينة آشور والزمان أيام حكم الملكة سمير أميس 820 قبل الميلاد، اعتمد على فكرة مستمدة من التاريخ والتاريخ انفتح على هم الإنسان العام، والإبداع يعبر عن أحاسيس ومشاعر ومكونات ووصف وحوارات مؤثرة قادرة على تمثيل القيم الإنسانية والفكرية ورؤية أحداث تتعايش مع نفسية المتلقي، ولهذا تجدني أتنفس النص عبر مؤثراته التي أثرت على أحاسيسي ومشاعري ورؤاي.
القضية ليست قضية كلمات بل سلطة المدرك كمنجز فني، ابتدأ النص من رؤيا لحلم ملك آشوري رأى الشمس وهي تأكل أجزاء من آشور، حدائق وأنهار، أنا رأيت الشمس في هذا النص تأكل أجزاء من بلدي لتستلهم الفكرة بكل معانيها، نتأمل في رأي الملك، (إننا لا نحلم بوهم) ويسأل (أتعرف ما المستقبل؟)
يكشف عن عوالم الأثر الذي يرتبط بسلطة الملوك، تفسيراتهم ،استغلالهم لكل الشعائر من أجل رغباتهم، الكاتب شوقي كريم حسن جسد في هذا الأثر أفكاري وانتقل بي بواسطة لغة عبقة بالدلالات، الشعارات الانفعالية ليست جديدة على التاريخ، وهذه العوالم الشعورية رسمت الموقف الجمالي، هذا العالم ليس من كلمات، ولا محاكاة واقع معين بتاريخ معين، أنماط بشرية معبأة في كل تاريخ، البحث في المضمون، البحث عن كل ما يعمق العلاقة بين النص، البحث في الشؤون الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، لهذا جعلني أشعر أن النص معاصر وليس تاريخي إلا من حيث الديكور، يتحدث عن مواضيع مهمة مثل الصمت والوحدة ولا يرى خارج حدود الذات والأحلام، لم يترك النص مساحة بينه وبين متلقيه، وهو يحمل بؤر فلسفية ليقظة هي أساس من أساسيات النص، لكل فعل أو حدث رؤية فلسفية، الملك يرى (ما أتعس إنسان تموت أحلامه) شجرة بلا جذور كيف تعيش؟ يجيبه المهرج (حكيم النص) ما فائدة جذور بلا أرض؟، عمل النص على اكتشاف الذات وإثراء النص بحكمته الإنسانية ليعبر عن معنى الأرض والهوية والانتماء (الجذر الحقيقي أن تنمو أشياؤك بصدق) ومضات شعرية شكلت مركز الرؤية والتلقي وأتاحت لي الكثير من الأسئلة والأفكار.
سعيت لأعيد صياغة المؤثر النفسي بفاعلية قراءتي للمنجز، النص وأنا، رسالة النص وعقليتي وثقافتي ورؤياي، رسالة ظاهرة ورسالة ضامرة، وملكة قراءه تستمتع بجمالية النصوص بالرؤية والرؤية بالتفسير والحركة والإيماءة، التدبير، القدرة على التأويل دلالة المجاز واهتمامي بالكشف عن معناي في النص، أنا المتلقي وهذه مملكتي التي شيدها الكاتب، يقول الملك عن معاناته (ملك يأكل وحدته) ويسألني (أيرعب الصولجان الناس إلى هذا الحد؟)
ثم يصهر رغباته التي يعدها رغبات آشور، النص عالم كبير يمثل القناة التي توصل الكاتب بالمتلقي، والتلقي هو التبصر، فهم الأفكار، المعاني، والقيم المعروضة والمشاعر.
والحمولة الفكرية عبر قصة ملك يتبع غريزته، يطمع بالاستيلاء على زوجة القائد إميدوس الذي خاض الحروب من أجل مجد آشور لأنها جميلة تدعى سمير أميس، وهي تستثمر هذا الملك الأحمق وصولا إلى عرشها فيصبح مكمن التعاطف مع القائد أميدوس الذي حافظ بجهاده على آشور وإذا آشور تتخلى عنه، وتطالبه أن يتنازل عن عرضه وعشقه وتعد هذا التنازل عقلا. (القائد: ـ أي عقل هذا الذي يجعلك تساوم على امرأة تحب، وزوجة كنت تحلم بها، قاتلت من أجلها؟ أي عاقل هذا الذي يجعلك تقابل الرغبة بالصمت)، أسالني متى تتعطل الحكمة؟ عندما يبيع الإنسان روحه وعشقه وهواه، حين تسلب منه ذاته فيضيع، متلقي أبحث عن نص خارج النمطية، خارج التوصيف، يرتكز وجودي فيه.
أرقى حالات التلقي هي التي تجعلني أفهم مكونات النص، قدر يقبل القراءة والتحليل والتركيب، نص مفتوح على معايير التذوق يحمل عمليات التلاقي الفكري بحسن القبول، كبير الكهنة، سماسير الفكر والدين يفهم هذا الاستلاب بمعنى آخر (زواج الملك من سمير أميس هو جزء من مصلحة آشور ومن مصلحة الدين وجزء لا يتجزأ من فعل وطني جبار، يرى كبير الكهنة أن إميدوس يمتلك باصرة حب لآشور لا تنفصم عراها بهذه السهولة لهذا يخاطبه ليجدد معنى هذا الحب الذي يسري كما الدم في العروق (التنازل عن زوجتك للملك آشور دين مستحق، وافق يا إميدوس خذ ابنة الملك زوجة ملكية).
نص مسرحي قابل للحياة/ للتجدد/ للثورة واستنهاض فكري وعقلي، يصر الملك على خوره النفسي وطمعه ولذته ويفلسف (لذة الملك قداسة، رغبتي لا بد أن تتحقق سمير أميس لي لوحدي…)، هذا الفعل الآمر يمتلك مساحة واسعة من العلائق الروحية عندي لأعرف معنى أن يكون الملك بهذه الضحالة ليمنحني الدلالة، ويمنحني التقاطع الروحي مع عالم السلطة والكثير من الأسئلة.
يثير هذا الموقف من وعي عقلي يحتكم أجوبة مثمرة مع استمرار السؤال أمام سطوة الكهنة، السلوك العقلي المهان لهذا يرى القائد إميدوس أن زيف الآلهة هو الذي أخذ عقلي، سلبني ألق انتصاري سمات فلسفية تمتلك مقاربة وتلامس في كينونة المعتقد، تعبد لي طريقة أفكاري ورؤاي حين ترتبط بمعنى أن أرى في محنة إميدوس الكثير من وقائع الحيف التاريخي الإسلامي في مرتقاه الأول قد يتغير معنى السلب بين الحقيقتين بين آشور والكوفة بين كهنة آشور وعاظ السلاطين في كل عصر، يبقى مفهوم كل العصور (إن الحد بين خطوة وخطوة هو مقبض السيف)
من سمات النص المسرحي (إميدوس) الانفتاح والقابلية على احتواء الأفكار واستيعاب مختلف الرؤى، جدحات فكرية ثورية عارمه (القائد: ـ إن جنون الرغبة تأكل أكثر الأشياء سموا تحت ظل ما يمكن أن نسميه هنا في آشور الإرادة السامية) امتلك النص عوالم مهمة من الأفكار التي تواكب تجليات العصر ومشاكله، واحتواء هذا الزخم الشعوري الحاد، من خلال تجسيد حقيقي للمعاني الوطنية والإنسانية وهي تذبح بيد العروش.