المهرجان السَّابع للمسرح الجامعي ينطلق برؤى فنِّيَّة جديدةٍ في ولاية صور.. العاصمة السياحيَّة لعام 2024م/ د. عزة القصابي (حصريا)
قُدِّمت فعاليات المهرجان المسرحي السَّابع لجامعة التِّقنيَّة والعلوم التَّطبيقيَّة بولاية صور بسلطنة عُمان، وتنافست في هذا المهرجان فروع الجامعة المختلفة: صور، صحار، صلالة، الرستاق، عبري، نزوى، إبراء والمصنعة، حيث عُرضت ثماني مسرحيَّات خلال الفترة من 28 أبريل حتَّى 2 مايو 2024م.
وتخلَّلت هذه الفعاليَّة جلسات نقديَّة؛ بهدف تطوير قدرات المواهب الطُّلابيَّة، والارتقاء بمهاراتهم الفنِّيَّة…وعلى اعتبار أنَّ الفنَّ المسرحي أبو الفنون، تنصهر في بوتقته العديد من الفنون: الدِّيكور والفنون الجميلة، والأداء التَّمثيلي، والمؤثِّرات البصريَّة؛ كالإضاءة والسينوغرافيا والمؤثِّرات الصَّوتيَّة والموسيقيَّة. لقد شهد مسرح جامعة التِّقنيَّة والعلوم التَّطبيقيَّة بصور تنافسًا مسرحيًّا ممزوجًا بحماس الطَّلبة المشاركين، الذين سعوا للارتقاء بأدائهم الفنِّي، والعمل بروح الفريق الواحد، وتحويل أعمالهم المسرحيَّة إلى ورش فنِّيَّة.
مسرحيَّة “عزلة إجباريَّة”
في اليوم الأوَّل، قُدمِّت مسرحيَّة “عزلة إجباريَّة” لجامعة التِّقنيَّة والعلوم التَّطبيقيَّة فرع صور، وهي من تأليف عباس الحايك، وإخراج الطَّالبة حوراء المغيزية، والتي تحكي قصَّة أسرة تعيش عزلة اجتماعيَّة وفكريَّة، فرضها الأب على أسرته، وحتَّى عندما أرادت زوجته التخلُّص من هذه العزلة، كان عقابها الموت. ورغم رحيل الأم منذ زمن، فإنَّنا نلاحظ روحها تتسلَّل في أحداث العرض وتزور أسرتها وتعاتب زوجها لأنَّه أنهى حياتها عندما سعت للتخلُّص من هذه العزلة!…فيما ظلَّ أبناؤها أسرى للجدران الأبدية… حتَّى جاء ذلك اليوم الذي تمرَّدوا فيه وهربوا عن والدهم؛ بغية مشاهدة العالم الخارجي!…وفي المقابل،عانى العرض من ضعف التِّقنيَّات الفنِّيَّة كالإضاءة والصَّوت، وتمركُز الحركة على خشبة المسرح في منطقةٍ واحدة، والتي أثَّرت على التَّواصل والتَّفاعل مع الجمهور، لذلك كانت العزلة الإجباريَّة شكلًا ومضمونًا.
مسرحية “كوتارد”
أمَّا العرض الثَّاني فكان لفرع الجامعة بصحار بعنوان “كوتارد” للمؤلفة سارة الشبلي وإخراج عبدالسلام الشبلي. تظهر في هذا العرض مجموعة من الفنَّانين التَّشكيليين، الذين ينتهجون مدرسة (الكوتارد) في الرَّسم؛ القائمة على تشويه الذَّات، ثم تحويلها لرسومات جاءت أقرب لمرحلة (الدراكولا والأشباح)، وهو فنٌّ يتدرَّج من الجَمال إلى القبح!…فيما تكاملت الشَّخصيَّات في الأداء التَّمثيلي والدِّيكور في رسم اللَّوحة الفنِّيَّة…وجاءت خلفية المسرح أقرب للمعرض الفنِّي. وظهرت على الخشبة الهياكل المعدنيَّة التي أسهمت في بناء التَّصوُّر الإخراجي للعرض…واستغلها الممثلون باعتبارها معبرًا لهم..وتناغمت موسيقى العرض مع الرُّسومات وأرواح الممثلين وجمالية الأداء التَّمثيلي!
مسرحية “مطلوب للزبالة”
وفي اليوم الثَّاني، قُدِّم عرضان مسرحيَّان لفرعي الجامعة بالرستاق وإبراء…حيث قدَّم فرع الجامعة بنزوى عرض “مطلوب للزبالة”،وهو من تأليف عثمان الشطي وإخراج الطَّالب صفوان الشعيلي، إذ تجسِّد المسرحيَّة حكاية أسرة مكوَّنة من زوجين كان لديهما طفل غير سوي ومجنون، فيقرِّر الأب دون رحمة أو إحساس التخلُّص منه، حتَّى لا يؤثِّر ذلك على مكانته في المجتمع، ولا يريد أنْ يخسر سمعته…ويظهرأمام الإعلام والمجتمع بالصُّورة اللائقة،في حين تحاول الزوجة/الأم الاحتفاظ بطفلها لكنَّ الزَّوج النَّرجسي يمنعها من ذلك!…ويظل الابن يعيش في حاويات الزبالة مشردًا…ويظهر وهو في حالة صعبة أقرب للمشردين في الشوارع…ويستمر الوضع حتَّى يتصادف ذلك مع موقف آخر دال على أنانيَّة رجل/ ضابط، عندما أراد هو الآخر التخلُّص من ابنه غير الشَّرعي من عشيقته، ورغم رغبتها في الاحتفاظ به، فإنَّ الضَّابط يمنعها ويتخلَّص من ابنه ويرميه في القمامة أيضًا!
ويحتضن الابن/ المجنون ذلك الرَّضيع، الذي كان قد فارق الحياة، ويظل المجنون يتعامل وكأنَّه على قيد الحياة!… وعندما يعلم الضَّابط بذلك، يقوم بالإبلاغ عن المجنون بأنَّه قاتل الرَّضيع!..وأنَّه يقوم بخطف الأطفال ويستحق العقاب. تميَّز العرض بالاهتمام بالسينوغرافيا العامَّة،حيث شاهدنا الدِّيكور الخلفي بمثابة “السِّياج” الفاصل بين كواليس المسرح وواقع حياة الممثلين، مع توظيف الإضاءة بصورةٍ جماليَّة، ومحاولة استفزاز العناصر الداخليَّة للممثلين…لذلك نجد هناك تغييرًا في “الإضاءة” بما يتناسب مع المواقف الدّراميَّة.
وتظهر على جدران دِيكور العرض بعض العبارات المكتوبة المستوحاة من النَّص، والتي عبَّرت عن باطن الشَّخصيَّات…وهناك توازن بين الكتل المتناثرة على خشبة المسرح؛ فنجد الأداء التَّمثيلي عندما يعاقب الأب الزوجة بالضرب…بينما يظهر الابن/ المجنون في زاوية أخرى وهو يتألم…إضافة إلى حركة المجاميع التي تتمسرح وتغنِّي وتدق على الدُّفوف…والتي شكَّلت لوحاتٍ فنِّيَّةً بواسطة الإضاءة والمؤثرات الفنِّيَّة الأخرى.
مسرحية “اللَّوحة”
أمَّا العرض الثَّاني بعنوان “اللَّوحة” الذي قدَّمه فرع الجامعة بإبراء، رائعة المؤلف والمخرج العبثي يوجين يونسكو، وإخراج الطَّالب أسامة المغيري. والمسرحيَّة عبارة عن لوحةٍ داخل اللَّوحة، حيث تظهر على يمين المتلقي مواقف تناقش قضايا الحياة التي عاشها الرَّسام…وسرعان ما يتحوَّل العرض إلى مسرحيَّة داخل المسرحيَّة (الميتاثياترو)، ونشاهد الشَّخصيَّات تتحرَّك وترصد قضاياها…بينما “الرَّسام ومساعده” يظلان في مكانهما دون حركة…وتسلَّط الأضواء على الشَّخصيَّات الشَّاخصة في اللوحة.
وهناك رؤيتان بصريَّتان قدَّمتهما المسرحيَّة؛ الأولى من خلال اللَّوحة الأولى، والتي كانت تصف حياة القيصر العظيم وصراعاته، ومحاولة استدعاء روحه…وترديد المقولة الشهيرة “حتى أنت، يا بروتس؟”…عندما اغتيل الإمبراطور (يوليوس قيصر) على يد صديقه (ماركوس بروتوس)، كما في مسرحية “يوليوس قيصر” لوليم شكسبير. وفي مشهد آخر بعنوان “اللوحة الثانية”، التي للفكر والأعراف الإجتماعية وتحول المنزل إلى سجن…لا يستطيع الجميع الهرب لأن الأبواب أصبحت مغلقة ومحاصرة. كما قدَّم العرض لوحة من الواقع في الجزء السفلي أو خشبة المسرح الموازية للجمهور، حيث الرَّسام ومساعده الذي كان يقوم برسم لوحاتٍ متناقضة ومتباينة، تتحدَّث عن الزَّمن المعاصر والأزمان السَّابقة، فما الحياة إلا لوحات متغيِّرة ومعبِّرة.
مسرحية “النِّصف الآخر من السَّماء”
وفي اليوم الثَّالث، قدَّم فرع الجامعة بالرستاق عرضًا بعنوان “النِّصف الآخر من السَّماء” من تأليف آيةالكلباني، وإخراج محمد الفارسي. وتتحدَّث المسرحيَّة عن أربعة جنود كانوا يعيشون حياةً صعبة، ويقاسون من ويلات الحروب والبُعد عن أهلهم وذويهم،كما ظهرت عليهم بعض الكدمات والجروح على الوجه واليدين. قُدِّم العرض على خشبة مسرح سوداء، تميل للتجريد باستثناء بعض قطع الدِّيكور…إضافة إلى “الأرجوحة” التي استُخدمت كمنبرٍ لصعود وهبوط الجنود، الذين ظلوا يصعدون وينزلون وكأنَّهم يعانقون النِّصف الآخر من السَّماء، كما استُخدمت الطَّاولات الصَّغيرة لوظائف متعدِّدة، مثل الصُّعود والنُّزول ووُضِعت الإنارة فيها، فظهرت بمظهرٍ جمالي ودلالي للإشارة إلى حركة الجنود باللَّيل، وصعوبة الرُّؤية بسبب الظَّلام.
مسرحية “قطرة من القمح”
كما قدَّم فرع الجامعة بظفار العرض الثَّاني بعنوان “قطرة من القمح” من تأليف نائل الجرابعة وإخراج عدنان البلوشي، والذي استوحيت أحداثه من تاريخ ظفار وتجارة الُّلبان في ظل حكم امرأة/ ملكة كانت تعيش في مدينة سمهرم، بمعية إلهة تدعى (سين)…وكانت الملكة تخضع لسلطة الإلهة وبطانتها ووصيفتها ووزيرها، والذين كانوا يحيكون الدَّسائس للشَّعب.. وأخيرًا اتَّهموا فردًا من عامَّة الشَّعب بسرقة (قطرة قمح) واعتبروها خيانةً عُظمى فاعتقلوه…تمهيدًا لتقديمه قربانًا للإلهة (سين).
جسَّدت المسرحيَّة عالمًا أسطوريًّا حيث بلاط الملكة والمعبد في منتصف المسرح… وكيف أنَّ الجميع يعمل على خدمتها، وكذلك نصب (الإلهة) الذي يقع خلفها بشكلٍ موازٍ… تخلَّلت رؤية العرض البصريَّة الدُّخَّان والبخور، كما استوحيت الأزياء من الثَّوب الظفاري التقليدي..كذلك أبدعت (الماكيير) في وضع المكياج المأخوذ من التُّراث الظفاري. الطبول…صوت الآلات الموسيقيَّة التي تخلَّلت العرض حيث البرغام ورقصة الربوبة والهبُّوت…وبين الحين والآخر، نشاهد المؤدِّين وهم يرقصون ويغنُّون ألحانًا شعبيَّة مستوحاة من التُّراث الظفاري.بشكلٍ عام، سعت معظم الشَّخصيَّات لإيصال رسالة العرض بشكلٍ تمثيلي واستعراضي وغنائي راقص… والعمل بروح الفريق الواحد.
مسرحيَّة “الموت المستعار”
وفي اليوم الأخير، قدَّم فرع الجامعة بعبري عرض مسرحيَّة “الموت المستعار” للمؤلفة آية الكلباني، وأخرجه محمد اليعقوبي. وجسَّدت أحداث المسرحيَّة معاناة الإنسان في الحياة، وصراعه مع ذاته بعد تفاقم ويلات الحياة، وانخفاض سقف التَّوقعات في التَّعامل مع البشر وصراعاتهم التي تنتهي لصالح الأقوى. وركَّزت رؤية العرض البصريَّة على المستويَين (المستوى الأعلى) حيث الكومبارس والمنشدين والمؤدِّين الذين يعلِّقون على الممثلين، الذينكانوا في المستوى الأعلى..وكانوايرتدون أزياءً تمزج بين اللَّونَين الأبيض والأسود…وتظهر امرأة تتحاور مع الممثل الذي في الأسفل، الذي يرغب في التخلُّص من حياته بين الفينة والأخرى…ويمكن مشاهدته وهو يستنفد محاولاته البائسة في التخلُّص من الحياة!.. لكن سرعان ما نراه يعود للحياة مرَّة أخرى!كما يظهر شخص آخر على يمين عين المشاهد، وكأنَّه في مختبر يحضِّر (مركَّب دوائي) يساعد الرَّجل الآخر على الانتحار!
ورغم سوداويَّة الحياة التي سعت الكاتبة لتأكيدها، فإنَّ صوت المنشد الذي كان يُنشد في المسرح مع الكومبارس…يوحي بالأمل في الحياة، وكان الممثلون ينشدون معه لحنًا غنائيًّا على الإيقاعات التُّراثية. بشكلٍ عام، قدَّم العرض رؤية موازية للحياة؛ حيث الموت والانتحار كحلٍ بديل!…لمواجهة قضايا الحياة بصورٍ بشعة!… وهذه الرؤية السوداوية لا تتناسب مع الحياة والنِّضال والتفَّاؤل مهما كانت عقبات الحياة.
مسرحية “الرِّهان ما بعد الأخير”
كما قدَّم فرع الجامعة بالمصنعة العرض الثَّاني بعنوان “الرِّهان ما بعد الأخير” من إخراج خالد بالفورا وتأليف محمد المسلمي…والذي يتحدَّث عن رهان مجموعة من الشَّباب حول قضايا الحياة المختلفة، بصورةٍ عبثيَّة تجسِّد متاهات الواقع؛حيث الخير والشَّر، والبقاء والفناء والحرب… وغيرها من موجعات الحياة التي تجعل الإنسان يعيش في دوَّامات متلاحقة ومتتالية!
تخلَّل العرض توظيف “الشَّاشة التلفزيونيَّة” التي توسَّطت خشبة المسرح، وكانتتبث صورًا لأعلام ورموز مسرح العبث الذي ساد أثناء الحرب العالميَّة، وربما أراد فريق العمل من خلال هذه الصُّور التَّأكيد على أنَّ فوضى وعبث الحياة مستمر حتَّى وقتنا الحاضر، وأنَّ الإنسان في نضالٍ دائمٍ من أجل كسب الرِّهان ما بعد الأخير!وتمكَّن المخرج الطَّالب بالفورا من توظيف مهارات الممثلين الجسديَّة، وإبراز الصِّراع مع الحياة وتحدياتها المتعدِّدة، والقائم على تجريد المنصَّة، واستخدام أدوات وأكسسوارات بسيطة؛ طاولة، كراسي، وشاشة…وجميعها مفردات أسهمت في جعل الممثلين يتحرَّك ونبحرِّيَّة، ويتراهنون ويلعبون ويؤدُّون على خشبة المسرح بحرِّيَّة.
وفي ختام المهرجان السَّابع للمسرح الجامعي، حصل عرض (قطرة من القمح) لفرع الجامعة بظفار على أفضل عرض أوَّل متكامل، فيما حصد عرض (مطلوب للزبالة) لفرع الجامعة بنزوى أفضل عرضٍ ثانٍ، وجاء المركز الثَّالث لعرض “النِّصف الآخر من السَّماء)” لفرع الجامعة بالرستاق.
فضلًا عن حصول معظم الفروع على الجوائز الفرديَّة، إذ تنافس الطلبة على حصادها، لتكون حافزًا ملهمًا لهم في المستقبل للاهتمام بالفنون والمسرح وتنمية قدراتهم كما جاءت في توصيات لجنة التَّحكيم، التي تشكَّلت من عضوية كلٍّ من: الفنَّان صالح زعل والمخرج العراقي كاظم نصار، والناقدة الدكتورة عزة القصابية.
د. عزة القصابي / ناقدة وكاتبة من سلطنة عمان