التحول الدراماتيكي في مسرحية “فوبيا” / قراءة نقدية للدكتور طالب هاشم بدن
مسرحية “فوبيا” اخراج حسين الذهبي، تمثيل: زين الكريدي كرار العبادي. مساعد مخرج: علي الساهر.
مقدمة …
تناول تاريخ الدراما منذ عصور قضت انطلاق أول ممثل بعربته متجولا حافظا أناشيد منشدا كل ما هو من شأنه يفيد الثقافة والبشرية على يد ( ثيسبيس) عبر الاشعار الهوميرية وعراقة الاغريق.. وسرعان ما ظهر الثالوث الخالد عبر مراحل تطور الدراما المتمثل ب( اسخيلوس ،سوفوكليس، يوربيديس) وما أحدثته تجاربهم الدرامية من تطور كبير وإضافات اثرت نظرية الدراما ونهلت الحضارات من نهر علومها قصصا وعبر، ولم تتوقف الحركة الفكرية وتبعها عدد كبير من الانشطة المتنوعة على مر الزمن فقد ظهرت نظريات ومدارس ومذاهب تناولت شتى انواع الصور البشرية وكيفية التعبير عنها بطرائقة متعددة ..
غير ان التعبير الكبير والمهم الذي اطلقه الاديب العالمي الانكليزي شكسبير قد اختزل العالم بأسره عندما قال :”الدنيا مسرح كبير وكل الرجال والنساء ممثلون فيها” ما هو إلا تعبير إجمالي لدورة الحياة وتداخل قصصها في ماضيها وحاضرها ولربما تلك المقولة تنسجم مع كل زمان ومكان وتصلح لأي وقت، إذ ان حياتنا حبلى بكل ما هو مثير وشائك يمكن ان نعبر عنه بصراع الاضداد.. الفكرة العامة لمسرحية “فوبيا” ..
ان المتتبع لنصوص الكاتب العراقي الراحل سعد اهدابي يجد انها تشكو نفسها وتحمل في طياتها هموم شعب كامل ابتلي بفقر وجوع وتشرد على الرغم من الخيرات التي تملأ أرضه غير انه يعاني قساوة السلطان وجور الحكومات التي عبر عنها اهدابي بما وراء الكلمة في نصوصه، ويمكن ان نطلق على نصوصه مرآة المجتمع المظلوم .. تجلت فكرة نص “فوبيا” من انزياحات وتشابك توليفة من نصوص عدة استطاع المخرج الشاب حسين الذهبي من ربطها بخيوط شفافة ربطا محكما وانتاج نص معد متناص عن مجموعة نصوص بطريقة دراماتيكية مزجت بين الماضي والحاضر صاغها بأسلوب يبعث في نفس المتلقي التشويق والابهار، فقدم فكرة الاضطهاد والقهر على وفق مسرح المنظر العالمي أوجست بوال مسرح المضطهدين وقد اختار ضمن انماطه المتعددة نمط مسرح المنتدى الذي جعل المتلقي جزءا من العرض بل مشاركا فيه بشكل تفاعلي خلاق، ومن الجدير بالذكر ان المتلقي في صالة العرض صار ضمن مشاهد المسرحية بحيث اعتقدنا للوهلة الاولى ان ألافراد الذين وقع عليهم اختيار المشاركة قد تدربوا ضمن كادر العمل حتى انني سألت احدهم “هل انت مع الممثلين؟؟ “، غير ان الاجابة جاءت منه انني لم اشاهد العمل الا الان واشركوني باللعبة المسرحية …يا لها من براعة في التقديم والتمثيل اننا لم نشعر بملل او تعب بل بقينا نترقب ونشاهد حبكة المسرحية وحوادثها وهذا ما عبر عنه المنظر العالمي اوجست بوال بقوله :”لقد مل الناس من الوعظ انهم يريدون ان يسمعونا اصواتهم “..
الصراع وتطور الحبكة..
كانت الانطلاقة الاولى لبداية مسرحية “فوبيا” مجموعة من صرخات طفل وضع في عربة جوكر ربما يراد منها عربة الزمن وتقلباته وصرخات بكاء طفل لولادات بلا أمل وعنوان ضاع مع زحمة المشردين والمقهورين من البشر ، وما جر تلك الثلاجة او عربة الموت من قبل ممثلين اثنين بوساطة حبل الا تعبير عن الويلات التي جرت الانسان بشكل عام وبلدنا العراق بخاصة طيلة فترات تعاقب الحكام والسلاطين عليه.. من تلك اللحظة بدأت حركة الصراع بالتصاعد مع وتيرة احداث المسرحية فتطورت شيئا فشيئا غير ان براعة الممثلين وتنوع الاداء أضفت على المسرحية طابع المرونة والتحكم المشهدي. فتارة يذهبون بالمتلقي الى عصر الرومان وتارة الى العصر الحديث وتمثيل حقب عدة وصولا الى الدخول بتراث الاسلام والعرب وغيرهم الامر الذي جعل من الصراع حلقة متناسقة سارت على مدرج عرج الى السماء بخيوط هلامية حتى ذروته في حركة مشهدية اختاروا من خلالها مجموعة من المشاهدين ليكون منهم ملكا يختار لرعيته شرابا غير شراب اهل القرية لينتهي به الامر الى قيود لا مفر منها ومن ثم تنفرج العقدة بتحول دراماتيكي خلاق ….
اللغة والحوار ..
غلبت على احداث المسرحية لغة سيميائية بسيطة عميقة الدلالات وفيرة المعاني يرى من خلالها المتلقي الازمات ويفسرها ويفكر بحلول لها بطرائق حياتية يسيرة بأمكانه التغلب عليها غير انه يحتاج الى دافعية ورأي وما على الممثلين الا ان يضعوه في تلك الحلبة ويجدون له تلك الحلول وهو مشارك ضمن حلقة الحوار فكل ما يجري في صالة العرض مطروح على شكل سؤال يستفز المتلقي بلغة واضحة دارجة لا غموض فيها وأمام المتلقي طرح الاجوبة او الاجابة على اسئلة مطروحة “جوعان …انطو خطية ..ساعدو محد يكدر يساعده؟؟”. إذ ان مثل تلك الحركة المشهدية اللارسطية تكررت بإبداع ولغة حوارية ايقاعية مميزة اراد من خلالها المخرج وجسدها الممثل بتوضيح نوع المساعدة وطبيعة الناس وانغماسهم بملذاتهم غير آبهين ولا مكترثين بمن حولهم، إذ تجلت لغة الحوار وحركة الممثل بصناعة عرض مغاير اظهر عري الناس من الانسانية..
مكملات العرض المسرحي..
استعان المخرج حسين الذهبي بأدوات ومكملات عرض مسرحية “فوبيا” بصندوق متحرك رسم عليه صور جوكر يمكن ان يفيد اغراض متعددة، وضع في داخله قطع قماش استخدمها الممثلون للتعبير عن الملك والعبد والساحر والرعية، فيما ذهب الى عمل فتحتين من فم الجوكرين المرسومين على جانبي الصندوق لم تريا بالعين المجردة وظفهما بشكل دراماتيكي جميل للتعبير عن عرش ملك بعد ان سحب من الجانبين قطعتي قماش أبيض قرابة 5m لكل جانب تنوع في استعمالهما وكان موفقا جدا في تلك الحركة، اضافة الى ذلك احتوى الصندوق على حبلين طويلين وبعض من اللافتات رسم عليها مجموعة من رموز من صفحات التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر ،انستا) وظفها من اجل اغراض العمل المسرحي وكانت متوافقة ومتميزة، وقد استعمل كذلك قطعة قماش كبيرة عبر من خلالها عن بيت قائلا :”ان كل الاتجاهات وطن من يدخل بيتنا لا يعبد آلهة الارض …” دعا من خلاله الى وطن يضم الصادقين والمضحين واصحاب الضمائر اليقظة..
خاتمة ..
جاءت مسرحية فوبيا صرخة ضد الخوف على الرغم من ان تعبير فوبيا يمثل الخوف او الهروب ، غير ان شبابنا الواعي ضمن عرضهم للمسرحية عبروا عن رفضهم لذلك الخوف وطغت روح الثورية لديهم ليقولوا كلمتهم ( كفى لتلك الماكنة الظالمة ولا خوف بعد الان) وهي صرخة مدوية ضد القهر والاضطهاد بوجه الطغاة والسلطان الجائر ..