جلد الذات في النص المسرحي العربي”مسرحية الروبوتات يا ملك الزمان” أنموذجا/ د. علي جابر الطائي
يقع في حياة بعض الأفراد هفوات تنتج من ممارستهم لأمور مختلفة منها علاقتهم بالمجتمع أو عند اتخاذ قراراتهم المصيرية وهذا هو الحال الطبيعي، ولكن تلك الهفوات قد تصل إلى درجة الأخطاء وتكون عندها ذات أثر بالغ في النفس البشرية ويظهر الأثر أحياناً باللوم الذي يمارسه الفرد على نفسه وهو هنا يجلدها بسياط داخلية يسلطها على ذاته، ولكن هل جميع الأفراد بذات الدرجة من التعرض للأذى النفسي عند ارتكاب الأخطاء؟
يصعب إيجاد نسبة الندم واللوم عند أفراد المجتمع دون إجراء مسح لعينة واسعة من المجتمع المبحوث، وإما في جانب الكتابة الأدبية فيقاس الأمر بدلالات الكلمات وتأويل معانيها ودراسة النص وتحليله، وفي النص المسرحي العربي شواهد تطبيقية على جلد الذات ومنها ما كتبه (سعد الله ونوس) بعد حالة القهر التي عاشها المجتمع العربي، وتعرض الشعوب العربية إلى الاحتلال والتهجير وخرائط التقسيم وطمس الهوية، كما إن هذا المجتمع أنتج حكومات لم تقدم لشعوبها ما تحلم به، فكانت وبالاً آخر بعد هذا القهر والعدوان الخارجي، وتلتقي في هذا المعنى مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) مع مسمى جلد الذات، إذ كان فيل الملك في رأي ونوس هو العدو الداخلي الذي يدمر كل جميل، وبمباركة مجتمع خائف ومهزوم داخلياً، ولو عاش ونوس إلى الآن لكتب (الأفيال يا ملوك الزمان) فكلما تسلط على الشعب حاكم جلد الشعب ذاته وندم على خياراته وفكر بالهجرة من بلاده.
يعتمد الدكتور حبيب الظاهر في نصه المسرحي (الروبوتات يا ملك الزمان) على حالة المواطن العربي في هذا الزمان وكأن حالة الندم والهزيمة الداخلة متجذرة في المجتمع تتكرر مع كل جيل، ففي هذا النص دلالات واضحة تحيل قارئها إلى واقعية الحياة التي نعيشها، فمن سكان هذه المسرحية (حفار قبور: سمعه ثقيل، خياط: أعور، خباز: أعرج، صاحب مكتبة: لديه مشاكل في النطق) وهذه الشخصيات بمهنها الأربعة يراد لها أن تكون أوسع المهن تأثيراً في المجتمع ضمن هذا النص، فهي أما قبر ينهي حياة الإنسان أو خبز يعيش عليه أو ملابس تستره أو وعي يبني عقله، وخلف هذه المهن ما تدل عليه فقد كان العمل بهذه المهن في المسرحية سلاح أعتمده الحاكم لإذلال الشعب، وعلى ذلك تكونت العلاقات بدخول (الحمار والقرد) وأكل الخبز والعبث في المخبز وفي محل الخياطة، وخسارة الدفان عند دفنه لحمار وقرد الحاكم دون أجور دفن، بينما جعل الكاتب من صاحب المكتبة أقل الخاسرين فلم تدخل حاشية الملك من الحمير والقرود إلى المكتبة كون الحمير والقرود لا تهتم لما فيها، كما وضع الكاتب على لسان صاحب المكتبة إشارات للجيل الجديد الذي تمثل في المسرحية في بنت الدفان وأبن الخياط مع أن الكاتب وصفهما بقسوة وهي في الواقع حال العديد من الشباب العربي اليوم، فبنت الدفان لا يترك المشط شعرها الأشعث وفي يدها هاتف تتواصل به مع أبن الخياط الذي لا يفارق الحمام والصابون ما يميز طلته، ولكي لا يقطع العربي الأمل في أبنائه نهائياً فالأمل في هذه المسرحية موجود بأن الفتاة طلبت كتاب (الجمهورية الفاضلة) لتقرأه، بينما طلب الشاب كتاب (كيف تكون زعيماً في سبعة أيام بدون معلم) وهذه أسماء الكتب المختارة بدلالتها تشير إلى الحلم الضائع، وهو وجود سياسة ودولة مثالية يحلم بها الجيل الجديد.
ومع تأزم حالة عيش شخصيات المسرحية واستمرار الضغط عليهم باستبدال الحكومة للمقربين والحاشية مع كل حاكم جديد فتحول الاهتمام من الحمير إلى القرود إلى الروبوتات وكل هذا تلبية لهواية الملك وتفضيلاته، يقرر الممتعضون الهجرة وترك البلد لحاشية الملك عدا بائع الكتب الذي لن يغادر لأنه لن يخسر شيء، ولكن هل الهجرة هي الحل؟
في لحظات الشدة يكون قرار الحسم وحتى لا يتبع القرار هذه المرة جلد للذات، فإن (حبيب الظاهر) في هذه المسرحية يختلف مع ما أنهى به (سعد الله ونوس) مسرحيته فجعل الحل بيد الجيل الجديد الذي يفضل الصمود والتمسك بالوطن ورفض الهجرة في نهاية مسرحية (الروبوتات يا ملك الزمان).
د. علي جابر الطائي.
alijaberaltai@gmail.com