الارهاب في المونودراما / محمد محسن السيد

توطئة:

تعد ظاهرة الارهاب من الظواهر القديمة التي اقترن وجودها بوجود الانسان على الارض، والارهاب ظاهرة قديمة حديثة تعد من اخطر الظواهر النفسية والتربوية والاجتماعية التي تهدد كيان الانسانية، وهي ظاهرة شمولية فلم يقتصر الاهتمام بالارهاب على علماء النفس والاجتماع والسياسة والقانون -كما هو معروف – فقد حظي باهتمام كل علماء الارض باختلاف توجهاتهم واختصاصاتهم وعليه فظاهرة الارهاب تعد من اخطر اشكال التهديدات الامنية التي تواجه. الدول المتنوعة لانها تستهدف امن واستقرار ومستقبل مجتمعاتها.

– الارهاب (لغة واصطلاحا):

الارهاب (لغة): هو الخوف والفزع، ورهب يرهب رهبة رهبا: خاف، مع تحرز. والرهبة: تعني الخوف الشديد .(1) والارهابي هو الذي يحدث الخوف والفزع والذعر للاخرين، بعمل مفزع ومخيف، ويرهب غيره.(2) في الاصطلاح : لم يرد فيه العلماء الا ماورد في معناه اللغوي، حيث لا يوجد تعريفا واحدا له، ويكون منضبطا، لاستحالة استخدامه في معنى واحد لاغير، فهو مصطلح، حمّال اوجه يمكن حمله واستخدامه في مجالي الخير والشر سواء، فالإرهاب في تطبيقاته العملية ياخذ معاني إصطلاحية وفق مايراد منها ويخطط من اجلها. (3)

– انواع الارهاب:

أ‌- الارهاب المشروع (الارهاب الايجابي): وهو اعداد القوة بكل عناصرها والحصول على وسائل استخدامها المختلفة بشكل يؤمن إرهاب وإخافة العدو وإعوانه لمنعه من العدوان وردعه عن الظلم والقهر والاستعباد وهذا انوع ينفرد به النظام الاسلامي عن غيره من الانظمة الاخرى . وهذا يعتبر من ضمن اولئ مهمات (الجهاد) في الاسلام.

ب‌- الارهاب الغير مشروع (الارهاب السلبي): وهو محاولات وعمليات استخدام القوة الغاشمة للعدوان على الغير للظلم والقهو والاستعباد. بقية السيطرة، على مقدرات الدول والشعوب المستضعفة ونهب خيراتها .

ج- الارهاب المعاكس (مكافحة الارهاب المعادي): وهو محاولات وعمليات استخدام القوة لرد الارهاب المعادي ومقاومته ومنعه من تحقيق اغراضه، كالعقوبة بالمثل او للرد على الظلم والعدوان. والاسلام يحبذ هذا النوع من الارهاب، ويعتبره من الاعمال الجهادية ويثيب القائمين بها في الدنيا والاخرة .(4)

ومن المعلوم – في هذا العدد – ان للارهاب صورا كثيرة تتعدد بحسب بواعثه ومصادره. وهناك بهذا العدد ثلاث نواحي رئيسية للارهاب:

1- الارهاب على وفق مرتكبيه او القائم بالعملية الارهابية وهو قسمان فردي او جماعي وارهاب دولة، حيث يتمحور حول الفئات الارهابية وعملها. (5)

2- الارهاب وفق الشكل الذي يقع فيه (الارهاب الحسي والارهاب المعنوي).

3- الارهاب على وفق نطاقه (الداخلي والخارجي الدولي).(6)

– اشكال الارهاب:

1- الارهاب الفكري: وهو من اخطر الاشكال في الساحة الاسلامية ويعني القضاء على العقيدة والشخصية الاسلامية ويعتبر الغزو الفكري الواجهة الحقيقية للارهاب الفكري المعادي.

2- الارهاب السياسي: وهو لايقل خطورة عن سابقه ويدعو الى تحلل المسلم من القيادة والتوجيه الاسلاميين عن الرابطة الاسلامية والقبول بالعلمانية التي تعتبر الواجهة الحقيقية للارهاب السياسي المعادي، والتي بدورها تؤدي بالنتيجة الى القبول بـ (العولمة) او النظام العالمي الجديد.

ج- الارهاب التاريخي او الحضاري: ويرمي الى التشويه الفكري والحضاري للتاريخ الاسلامي، ومن وسائلهم في هذا الصدد حركات الاستشراق والمستشرقين .

د- الارهاب الاجتماعي: ويبغي الغاء الرابطة الاسرية باي شكل من الاشكال فالدعوات المشبوهة لتحرير المرآة ومشروعات تنظيم الاسرة ومحاربة تعدد الزوجات واستغلال جمال المرآة في نشر الرذيلة والاباحية والفاحشة وغيرها من الدعوات التي تعج بها وسائل الاعلام والنشر، كلها ارهابا اجتماعيا خطيرا.

هـ -الارهاب الاقتصادي: ويشمل جميع المحاولات التي تؤدي الى السيطرة على المنابع المادية لاقتصاد الامة بغية ابقاء الامة تحت طاولة الفقر والعوز ومنعها من التفاعل مع الحياة وبناء المستقبل الزاهر لابنائها .

و- الارهاب العلمي: ويرمي الى منع الامة الاسلامية من انتهاج المنهج العلمي في كافة مناحي الحياة وإشغال افرادها بالفن والفنون. والثقافات العامة التي لا تسمن ولا تغني من جوع .

ز- الارهاب النفسي :ويعني القضاء على (التلاحم النفسي) لدى افراد هذه الامة، وإشاعة الفرقة والبغض والتباغض ونشر جميع الامراض المعنوية الاخرى فيما بينهم.

فجميع المحاولات والعمليات الرامية الى نشر الخوف والقلق من المستقبل والشعور بالاحباط لدى الاجيال المسلمة والتقليل من الحماس والطموح وطلب المعالي لدى الشباب تعد من الوسائل المهمة في شن الارهاب النفسي المعادي. (7)

– الارهاب ومخاطره:

للارهاب اخطار كثيرة ومتعددة، ويعود ذلك لكون الارهاب حرب بغير قواعد ولا قوانين، وضحاياه ليسوا بالضرورة اطرافا في الصراع الدائر، بل هم في اغلب الاحيان ليس لهم علاقة بالقضية التي من اجلها قام الارهابيون بعملياتهم ،فكل شي يمكن ان يكون هدفا للعمليات الارهابية بلا استثناء، ولم تقتصر اثار الارهاب ومخاطره على جانب دون اخر ، بل انها عمت كل جوانب الحياة المختلفة منها : الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية والدينية.

– الارهاب وتطبيقاته في المونودراما:

قلنا ان الارهاب اخذ مساحة كبيرة والقى بظلاله على كافة المجالات والاصعدة بما فيها الثقافية باعتباره ظاهرة عالمية. وعليه فان من ابرز الوان الثقافة يبرز المسرح باعتباره – ابو الفنون -كما يقولون – وعليه فنحن هنا لعرض مصاديق (عينات) مما جادت به قريحة الكتاب المسرحيين ازاء هذا الموضوع الحيوي والمهم. وقد اخترنا ابتداءاً – نماذج منتخبة من المسرحيات لجعلها نماذج مختبرنا المسرحي المخصص بالمونودراما حصرا. وهنا نحط الرحال مع اولى هذا النصوص وهو مسرحية (المسلخ) للكاتب حميد الناعس السوداني حيث تناول فيها موضوع الارهاب وعالجه بطريقته الخاصة ورؤاه الفنية حيث يشير الكاتب في أولى سطوره الى زي الممثل باللون الاحمر القاني وهو دلالة الدم واشارة الى ضحايا البطل، ونراه كذلك يؤكد هذا الامر بخصوص شخصية البطل بعبارات وجيزة – منذ الوصلة الاولى – كما جاء في حواراته الاولى:

:ماذا؟! صحيح ان بعضنا يتحول دائما الى وحش كاسر، … اكيد ان بداخل كل منا وحشا صغيرا.

وهذا نراه يشير الى دموية الشخصية بتكراره لكلمة (وحش) ودلالاتها الواضحة في بناء نفسية البطل وانغماسه بعملية القتل وولعه بها عبّر مفردات هي: (طقطقة عظام ، جثة متفسخة، الرعب الوراثي الذي كان ينبض فينا) .

ويستمر الكاتب بالتعريف ببطله وعمله اذ نراه يقول: “عملي معهم ياسادتي (مشير الى ضحاياه) . عملي اسئلة ماورائية مطلقة فارغة احيانا من المعنى لكنها تبحث” (يشير الى قلبه) ما يشبعه من تأثير وهي اشارة واضحة وجلية على قسوة القلب الذي اعتاد على هكذا اعمال اجرامية. ونراه يبرر اعماله تلك بقوله:”ما اقوم به الان واجبا سماويا مقدسا علي تنفيذه لابد من ذلك”. وهو ههنا يعطي لنفسه مبررا ومسوغا لما امتلات نفسه وروحه به من تعطش للقتل والجريمة بدون وجه حق. ويستمر بما ولع به مسترسلا: “انا جيل من الموت هرمي اسود. لم تكن فيه نساء نائحات يندبن لماذا لا يصلي الاخرين بالعذوبة نفسها ؟! اريد نواحا”. صبيانيا مفزعا: “فنراه يتلذذ بسادية قارة في زوايا ذاته المريضة ليجعل من مرض نفسه لذة ماوراها من لذة و هو يتعطش للمزيد من دم ضحاياه المظلومين”. ونراه تارة اخرى – اي البطل – يعيش الحرب ودمارها وما ينتج منها بكل جوارحه حتى نراها باتت جزء لا يتجزء من صميم حيانه لذلك نراه يقول: “مدفون انا في – خرائب الحرب – ملامحي الممتدة امتدادا سحيقا، ضائع بين تقاطع الطرق وبين جدران لزجة”.

ويستمر ببوحه الغريب. هذا حتى نراه يقول:”نعم كنت جلادا … امُني نفسي بحرية لم اجدها. يا للهول لست ادري” وهنا يكشف لنا انه يمارس نوعا من مخادعة الذات واقناعها بما تمارسه من دون ارادة حقيقية بل هي اقرب الى غسيل الدماغ منها اقرب واقرب. ونراه يخادع نفسه مرة اخرى ماضيا في تعرية دواخله النفسية قائلا: ” … لم تكن هزيمة اذاً . هو انتصار واضح (بخذلان) بل هزيمة .. لا انه انتصار .. لا”.

وهنا نراه يصل الى صراع نفسي كبير مترددا لا يعرف وجهته الحقيقية التي هو في دوامتها واسير عوالمها. ويستمر في تعطشه الدموي هذا الى نهاية المسرحية فنراه يقول وهو يختم حواره فيها: “تعالوا نلقم كل منا نفسه … فلنتبع جوعنا الازلي الممسوح مثل اي ظل ساخط مكبوت يدوي في الظلام . اظن ان الضيوف وصلوا “.

ليستمر في منواله الذي اختطه له وحشية دموية لا تتفل ابدا عن ممارسة دمويتها بكل عنجهية ورعونة منزويا في مكانه المعزول والمظلم ظلام روحه المتلبدة بغيوم الظلم والتسلط والدموية التي عبر عنها بقوله: “ان الضيوف وصلوا”. وهو يعني بالتاكيد ضحاياه الذين ينتظرهم. مؤكدا المقولة التي تقول :”للقسوة قلب انساني”.

واذا انتقلنا الى نص مسرحي اخر هو وجع من نوع آخر مختلف تماما عما سواه سطره يراع الشاعر الفذ منذر عبد الحر وهو (حياة مجهولة الهوية). وهو اولى محاولاته في مجال المسرح وهذا ليس بالامر الغريب عليه كونه ذاتا مبدعة تمتلك الارضية المطلوبة لتجربته الجديدة هذه. يبدء الكاتب نصه مما انتهت به كتابات الاخرين. اعني: “لماذا البدء من ذروة الحدث؟!” وللاجابة على هذا السؤال الاشكالي (بحسب الراحل خضير ميري)، نجد ان عتبة العنوان تحيلنا الى تضاريس وطن من نوع اخر مختلف جدا تضاريس، سمتها اشلاء واوصال مقطعة ومتهرئة ومفقودة عبر اساليب القتل والتعذيب والاغتيالات والتفجيرات الارهابية.

من ابجدية الدم واللوعة هذه ودمارها المروع للانسان انبرى النص في استنطاق هذه لاحداث المرعبة والمذهلة ليجعل منها مسالته الاثيرة ويصوغها بحكاية تختلف عن كل الحكايات الاخرى المعتادة. ومروراً باستفهامية السؤال التي مررنا بها قبل قليل فان هذا الاسلوب نراه يكثر في متن النص وسناتي على بعض مصاديقه – لاحقا – فبطل النص (جثة/شاب) قتيل وجدوه ممدوا على جرف النهر. وهذا لابد من الاشارة ان البطل هنا هو احد ضحايا الارهاب – عنوان البحث – وامتداداته لكل اعمال الاجرام والقتل هو ادانة واضحة للارهاب وكان حال لسانه يردد قول الخالد الجواهري في رثاءه لاخيه جعفر:

اتعلم ام انت الا تعلم     بان جراح الضحايا فم

فالارشادات التي جاءت في اول النص من خلال سطوره العشرة الاولى توضح لنا بشكل تام زمان ومكان الحدث وهي الوحدات التي تشكل قوام البناء الفني للنص المسرحي، وحين نتوغل في متن النص بل من خلال اسطره الاربعة الاولى نراه يجيبنا على سؤاله: “ماهذا، اين انا ؟ ومنذ متى وانا نائم هنا على طين الشاطئ ؟” فنراه يجيب:” .. فانا لا اتذكر شيئا – سوى اللحظات التي مسكني فيها ملثمون ثلاثة، ثم اطلقوا الرصاص عليه”.

وهنا تتوضح لنا ان القاتل هو احد رجالات فرق الموت السيئة الصيت.

ويستمر الكاتب في اسئلته الكبيرة والقلقة فنراه يقول: “.. هل انا وجود أم عدم ؟!”

ومباشرة يجيب على سؤاله قائلا : “طالما كنت بهذه العزلة الصارخة فأنني إذن في برزخي”. ونراه يفضح كل اعمال الاجرام ورجالها الذين لا يراعون اي حرمة لتلك الاجساد التي يتفننون في ايذائها وقتلها بابشع الطرق واغربها، لذا نراه يقول بشانهم ساخرا ومتهكما: “الحمدلله انني لم اتوزع الى قطع، ..تعرفون ان هناك اليوم (بالة) في الانسان، اي والله، شخص بالة، واعضاء (بالات) .. لان الانفجارات تفسخ جثة البشر وتجعله قطعة هنا، وقطعة هناك .. رجل هذا .. ويد ذاك ، وانف هذا وأذن ذاك . ياه ما ابشع هذا التصور؟!” وهذه السخرية اللاذعة والمريرة تحيلنا الى المضحك المبكي من حياتنا المعاشة الراهنة.

ويستمر في متواليته الساخرة تلك مشككا حتى في اوصاله: “كفي اليسرى تقول كانت لي زوجة، لا اتذكر عنها اي شيء الان … هههه من قال انها يدي؟ ماذا ..لا.. قد تكون (بالة)وهي لرجل متزوج؟”.

مؤكدا ما قاله قبل ذلك بقليل بحواراته السابقة مستحضرا شخصية فرانكشتاين وصداقا لنماذجه التي ذكرها باعتباره مصنوع من مزيج من اعضاء البشر البالة. ثم يستمر بمحاكمة اعضاءه الاخرى وهل هي له ام لغيره من البشر البالة، ساقه اليسرى، واليمنى، راسه، عيناه، قلبه. ونراه يصرخ صرخته المدوية بحكم تصاعد الحدث وهو يقترب من غايته فيقول: “ايها الانسان.. ما اصعب بناءك .. وما اصعب هدمك. ترى اي عصر مسخ هذا الذي جعل الانسان مزيجا من اعضاء مركبة مشترك فيها عدد من الاشخاص المتنافرين ليكون فرانكشتاين جديدا”.

وهذه ادانة كبيرة وصارخة لكل الذين يهدمون الانسان كونه، بناء الله، بحسب قول احد العظماء حيث يقول: “الانسان بنيان الله ملعون من هدم ذلك البنيان”. وهنا يمضي بناء البطل ليفلسف الموت فنراه يقول: “الموت هو الحرية الاكيدة في حياتنا. الموت الذي تعنونه انتم. هو السرّ الابهر، السرّ الذي نخاف مواجهته طمعا بماذا؟ هاه .. حياة .. واموال وقصور واطماع لا نشبع منها .. حتى ندرك سرابها”.

وكأنه يجيب قاتليه. ويوضح لهم سراب ماهم فيه. ويستمر البطل في ادانة هؤلاء الجناة ويطلق عليهم صراخاته المتكررة في مدونة التاريخ الخالدة فنراه يقول: “نعم اسمع سيارات اسعاف.. وإطلاقات نارية.. ههه.. ضحايا جدد.. ومجرمونا اكثر خبرة وشراسة ووحشية.. لا اعرف ماهو شعورهم الانساني بعد ان ينفذوا جريمة؟ لا لن ابرئ قائلا .. لانه حاقد ..و دميم.

وهل هناك ادانة اكثر من هذه الادانة ومن ثم اطلاق هنا الصفات الشنيعة جدا عليهم.

وينتقل بنا صوب الارهاب الفكري وحربهم ضد كل شيء جميل فنراه يقول:”تقول لي (اي الموجة البنفسجية) لو تعلم من اين جئت وماذا احمل؟ يا لها من دهشة .. هي من حبر ودم .. اكبر الذي سطرت فيه بغداد امجاد الحضارة، لم يحتمل الظلاميون نوره فاغرقوه في النهر، ومزجوا فيه الدماء..” اخبرتني الموجة : “ماذا فعل التتر ببغداد، وهي ما عمله هولاكو .. وكيف ساد الظلام دهرا الظلام الذي يعشقه المجرمون الذين يريدون اعاقة كل شيء جميل”.

ونراه هنا يندد بكل الجناة عبر التاريخ ويدينهم مرورا باشبهاههم من رجالات فرق الموت بشتى اشكالهم وازمانهم.

وقبيل نهاية المسرحية بقليل نراه يكرر ادانته الصارخة بوجه كل هؤلاء الجناة قائلا: “بامكانكم رؤية الجثث الصغيرة لابناء النور، هم خطايا عالم العقل والتمدن، حملتهم الموجة على ظهرها. لا لن ترحل، بل ستنزل الى القاع ثانية”، لتواصل نشيجها ويستمر شارحا فلسفة الموجة والوانها فنراه يقول: “امواج امواج، تعبر الزمن وتستغيث بصمت. لكل منها اسرار وهموم ومواجع، لكل منها تاريخ لم يكتبه احد، خشية حاكم جائر، او طمعا في امجاد رخيصة”. وهنا تتحول الموجات الى مدونات تكتب تاريخ الاسى والوجع الانساني المدير ليكون شاهدا حيا وخالدا يدين كل من يستهين بالنفس الانسانية.

وهنا يستقر بنا المطاف الى نهاية المسرحية فنرى البطل يواجه مصيره الحتمي مستشعرا السعادة مؤمنا بقدره قائلا: “ارى كل شيء الان، احياء الوعي البديل يحتفلون بقدومي، انا طري عليهم، سيضمدون وحشتي برفيفهم، لتلفني موجة عذراء هي ام تحنو عليَّ . انا قتيل الوعي الاول. الدفي مدار الوعي البديل. اتوارى عنكم شيئا فشيئا.. ياخذني انهر القاع اسراره.. مرحى ايها الماء. مرحى”. وهناك يؤكد ولادته الجديدة هناك في عالم العدل والنقاء، تلك حكاية قتيل الوعي الاول وهي اشارة الى ان هناك اعداد من قتلى الوعي القادمين لان الحياة معركة الوعي واللاوعي الخير والشر هكذا ابتداءات بقابيل وهابيل وهكذا تنتهي حكاية حق وباطل لا تتوقف علئ مدار الايام والسنين.

وهنا ننتقل الى كاتب اخر له رؤاه ونظرته الخاصة النافزة الى – موضوع البحث – المني الارهاب ومن اي زاوية سوف يتناوله ومن المعلوم ان زاوية النظر هذه تختلف من كاتب الى اخر، بحسب ثقافته وخبرته وتجاربه ورؤاه الفنية، لذا نراه يتناول موضوع الارهاب من زاوية اخرى تماما مختلفة ففي نصه (اطفائي ثيوس) يتناول الكاتب القدير علي عبد النبي الزيدي حكاية اطفائي ومعاناته وما يتعرض له بسخرية لاذعة مسقطّا اراءه على واقع غريب وعجيب. جاعلا في محصلته اطفاء جهنم بلد لا يهدأ ابدا وبمرارة وتهكم كبيرين. فالمكان هنا غرفة في مركز اطفاء الحرائق، ونلاحظ من الوهلة الاولى تكرار النداءات التي تبلغ الاطفاءي وترشده الى اماكن الحريق فتبدا الصفحة الاولى بل الاسطر الاولى بما يلي: الاطفائي: (صوت الهاتف)):يرفع السماعة) : “نعم تفضلوا، ايه احنة مركز اطفاء الحرائق. نعم وين الانفجار، بيا مكان؟!”

وهكذا يتكرر هذا المشهد بتكرارات تتزايد تباعا حتى تصل الى اربعة انفجارات او اكثر، وهذا الامر وتلك المهنة نراها تفرض استحقاقها نفسيا على ذات الاطفائي شاء ام ابى فنراه يقول:

الاطفائي: لا شيء سوى الحرائق . كلما يرن جرس الحرائق اذهب مسرعا لذلك الشارع حتى اطفئ ماتبقى منه ، وما ان انتهي حتى يرن جرس الحرائق مرة اخرى ، فاذهب مسرعا مسرعا لشارع اخر حتى اطفئ شبح الموت الذي يتجول هناك، وما ان تتوقف النار فيه .. حتى يرن جرس الحرائق مرة اخرى.

هكذا نرى ان حياة هذا البطل عبارة عن دوامة متتالية من تكرار العمل اليومي الممل حتى يصل به الامر الى صراخه الفاجع:”ايها الناس .. لاشيء هنا سوى النار، كل ساعة هنا حريق”.

وكل دقيقة هنا حساب . وكل لحظة هنا يوم قيامة !.وهنا تبرز فكرته الغرائبية الساخرة يصنع سلم لاطفاء نار جهنم في محاولة منه للصعود فيه الى السماء ، فنراه يعمل على ذلك، ونراه يلامس الواقع جدا عبر وخزاته له ونظرات الناس له بعد ان علموا بفكرته الجهنمية تلك فنراه يقول : “كافي عاد، خابصين بغداد عليمن (يردد) يا اطفائي ياجبان ياعميل الامريكان (يضحك بقوة) ايه شنو تهمتي؟ جماعة يكولون عليَّ هذا ازنديق، وجماعة كالوا هذا كافر، وجماعة كالوا هذا فاسق وصاحب ضلالة، وجماعة كالوا انت اشرف مواطن بهذا الوطن”. ونراه يجيب فورا على تساؤلاتهم تلك بقوله: “لم افعل شيئا سوى انني اردت ان اصعد على هذا السلم الطويل الى السماء لكي اطفئ نار جهنم”.

وهو هنا يذكرنا -مع الفارق- بنبي الله نوح(ع)و سفينتة، حتى نرى ان احدهم يصفه بذلك:

الاطفائي: اقوى شي اجاني واحد سكران قبل يومين، وكف جوة بشارع يطوطح، كلي يقلد السكران بحركاته وطريقة كلامه. شنو عيني تريد اتصير نبي؟ هاعيني النبي نوح؟ ها عايزه بعد بس انبياء بهل وطن. هو ياهو الاجة وصار نبي، وصار بطل عربي مدري قومي، مدري عالمي، مدري امير عالي مدري وطني، مدري سياسي ومعارض.

ويستمر في سخريته اللاذعه مقلد السكير: ” … وانت جاي اسويلك درج طويل حتى تصعد بيه للسمه وتنقذ البشرية مثل ماتكول، خوش عليك بشرية! (يصيح بيه)ابو الحرايق، كضيت عمرك بس اطفي بينه، هسه تريد تطفي نار جهنم فوك بالسمه!”.

وهو هنا ايضا يذكرنا ويذهب الذهن الى محاولة عباس بن فرناس بالتحليق والطيران، ولكل جديد حلاوة كما يقولون. ويستمر هكذا دوه كلل في مشروعه هذا فنراه يقول: “ساصعد على هذا السلم الطويل مغي خرطوم الماء، اطفئ مصدر النار فينتهي عصر الخوف والحرائق والعبوات التي تريد نسف احلامنا، اطفئ نار جهنم من اجل ان لا يحترق قلوب العاشقين في بغداد، فقلوبهم اطرئ ما يكون. وهنا ادانة لواقع مكبل بالحرائق والعبوات والموت الذي قضى على كل شيء في الحياة .

ونراه في خضم هذا العالم الجهنمي المخيف لا ينسى ترافته وروحه الشفافة وتغنيه بالعشق واهله. ثم ينتقل بنا البطل الى تدوين ماسجله في سجل الحرايق وهو هنا يدون يوميات بلد احتوته النيران من كل جانب فنراه يقول: “هذا سجل الحرايق يشبه سجل الموتى، مكتوب بيه كل عناوين الحرايق. شارع شارع وبيت بيت ومنطقة منطقة وزقاق زقاق وصوت صوت ونفس نفس ونبض نبض وصرخة صرخة وضيم ضيم ومكتوب اجم واحد احترك وطفيناه واجم واحد راح يحترك وانطفيه.

وهنا يستعيد ذاكرته جيدا ليقص لنا شاهدا على مايقول، نموذج منه تلك الفواجع التي تدمي القلب وتعتصره بالمهل الشديد وقصته مع احد الانفجارات فيقول: “هذا السجل شاهد عيان على فد واحد اسمه سالم جان يمشي ويه ابنه الصغير محمد، لازمة بيده حتى لا يفلت منه، ومن صار الانفجار ضاع محمد بنص الدخان وبنص الصياح وبنص الموت، ابو محمد كام على حيله وظل يضحك! يضحك حيل، والناس كلهة متعجبة هذا شبيه يضحك !”.

وهنا ينتقل بنا البطل لتقليد شخصية ابو محمد بجنون، ويسترسل في هذا الموقف الينيهه يتراجيديا ماساوية غير متوقعة اطلاقا هكذا:

ابو محمد ظل يضحك يضحك لمن لگوه ميت من الضحك! . وهو هذا يطبق القول الماثور (شر البلية مايضحك) تطبيقا واقعيا بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب الى موضوعة طلاق الزوجة من زوجها الاطفائي عبر ممارسة شاعت في شارعنا العراقي في فترة الطائفية وحرب عصابات داعش وما تنتج عنه كل هذه السلبيات من مشاكل كثيرة بعد ذلك ينقل لنا تفاصيل ماجرى معه بخصوص زوجتة حيث أبلغوه ان يطلقها وانها لم تعد تصلح له كزوجة، وقد خابت محاولته باقناعها بالرجوع اليه ، وكانت النتيجة ان طلق زوجته وتحول اطفاله الى ايتام.

ثم يمضي بنا بعيدا ليفلسف مايسمى بتماس كهربائي واضعا يده على الجرح والحقيقة معا فنراه يقول: ” .. عندما يحترق مستشفى ما تقول التحقيقات” نتيجة لتماس كهربائي ليس الا .. وعندما تحترق مخازن وزارة ما يقولون تماس كهربائي ليس الا .. وعندما تحترق دائرة حكومية ما يقولون ايضا تماس كهربائي ليس الا . وهنا يعود البطل الى تهكمه وسخريته اللاذعة كمرارة الواقع وسوداويته. ليضع النقاط على الحروف بلا رتوش قائلا:

“.. وعندما تخترق صفحات (الخلفونا) ما يقولون تماس كهربائي ليس الا. ولكن اكتشفت متاخر ان هنالك تماسات بشرية ماتقوم بحرق الاوراق والمستندات و.و.و. منه اجل ان يختلط الحابل بالنابل ليس الا”.

وهنا يضع يده على قضية في غاية الاهمية من مفردات حياتنا الساخنة والتي تركت ا ثارها على حياة اغلبنا ليشير بوضوح الى من يتلاعبوا بمقداراتنا منه اصحاب رؤوس القرار الذين ابتلينا بهم واذاقونا الامر ني. ثم ينتقل بنا البطل من جحيمه المحلي الى جحيمه العالمي، ليؤكد بضرس قاطع ومتهكم تماشيا مع سخريته الدائمة والتي لاتنفك عنه ابدا، ان العالم الان هو عبارة عن حرائق ونيران ، مسشهدا بحرائق السبتمبر الشهيرة. مرورا بحرائق القاهرة والمكسيك واستراليا، وهنا نصل تقريبا من النهاية وفيها يقص علينا البطل قصة المومس التي كان لها موقف معين مع طريف وساخر بنفس الوقت ومنه ثم ينتقل البطل.

لتمثيل ذلك الموقف كما فعل بالمواقف الاخرى الماضية، فنراه يقلد طريقة كلام وحركات المراة المومس. ثم يمضي بنا بتهكمه اللاذع والساخر مستمر بتعرية من يقفون وراء تلك الحرائق والخراب والدمار قائلا:

” .. ولكم لا تنتظرون من ذولة جماعة الخطابات التاريخية يطفون ناركم ، فنحن نحترق وهم يزيدون علينا حطب!. وواضح جدا من هؤلاء؟ هم من جعلوا حياتنا حريق ودمار لاينتهي هم من سرقوا افراحنا ،.. ارزاقنا .. احلامنا .. حياتنا”. ويستمر في تعرية هؤلاء الفاسدين والمتحكمين برقاب الناس ومصيرهم بقوله:

(عندما يراهم يتجمهرون حوله) “هسه هل الاعتصام علي من بله، تاركين الحرامية تبوك ببيوتكم وجايين على هل المسكين اللي كضه عمره كله مدنك، مدنك 25ساعة باليوم، تعودت مدنك. اخاف ارفع راسي واشوف بغداد بيا حال صايرة!!”.

وهنا نتساءل ماهي هذه الصورة التي كانت عليها بغداد الحضارة؟! وهي تغط بنوم عميق فتقاسمت حياتها بينه ازيز الطائرات واصوات الانفجارات ويستمر بروحه الفكهه والساخرة فنراه يقول: “(وهو ينظر الى حشود الناس وهي تحاصر بيته) اع.ع.ع.ع ، هاي شنو، صايرة ملحمة. لك هاي الناس بدت تكثر، إشكد جماهير تطالب بحقوقها المغتصبة مني. وهي سخرية مابعدها سخرية وتهكم كبير”.

ونراه يكشف عن دواخله وملله وسقمه من محنته وحياته الرتيبة قائلا: ” السالفة بكل بساطة اني مليت وروحي طكت من نار الانفجارات اللي كل يوم تلتهم الناس، مو السجل موجود عندي وكلشي بيه، انتم ليش ماتصدكون بغداد راح تنقرض اذا ظلت النار تاكل بيهه هيجي”.

وهنا نصل الى الصفحات الاخيرة من هذا النص مسترسلا بمتوالية الوجع الكبير نادبا زمانه مستذكر ايام طفولته الجميلة. حيث يقول: “يتحسن جنت قبل اطفي بيوت، هسه اطورت ماشاء الله وصرت اطفي بشر محترك”.

ثم نراه يستمر في محاولته صعود السلم لكنه يفشل بعد ان يرموه بالحجارة والطماطة والبيض الفاسد، فيصيح فيهم : “اخ . اخ .. اوكفوا يمعودين. هاي شبيكم، اوكفوا خل نتفاهم”. ثم نراه يمضي بجدية وتصميم عاليين في لصعود السلم وتحقيق هدفه الذي كان طيلة الوقت يعمل من اجله ليعلن موقفه الاخير: “انا صاعد اطفي نار جهنم واللي يصير خلي يصير، كافي نار يارب، كافي نار، احترك حرك، احتركت بغداد، شنو بس احنة عدنة وطن، بس علينه تكرر النار ، شنو ذنبنا؟ ولازم تطفة نار جهنم لازم تطفة لازم تطفة.

مستمر بمحاولته الصعود غيرآ به لالاصوات من تحته. وخلاصة ما اراد قوله الزيدي هنا ” ان الحرائق اخذت اعمارنا واحلامنا بسبب ما وصفهم بجماعة الخطابات التاريخية لامن السماء اعني الرب بل هو ما اقترفت ايدينا بالتاكيد مرددين كيفما تكونوا يولى عليكم”.

اما الكاتب صباح الانباري ففي نصه (قبل الموت بخطوات ثلاثة) فهي كما جاء في تعريفها “حكاية مونو سبا بكرية” يحيلنا الانباري في نصه هذا الى مايسمى(بالجينوسا يد – وهو مفهوم قانوني سياسي يشير الى اعمال قتل جماعي لمجموعة بشرية لاسباب سياسية تتعلق بالبنية الاجتماعية لهذه المجموعة (وهي هنا داعش) هذه البنية الاجتماعية.

قد تكون إثنية او قومية او قبلية او وطنية او غيرها، وان الاساس الاخلاقي للقيام بالجينوسا يد هو التفاعل السياسي المشترك لهذه المجموعة، من وحجمه نظر مرتكبي الجينوسا يد – وهم الداعشيون هنا – يعتبرون التفاعل السياسي المشترك جريمة عامة يستحق عليها جميع افراد المجموعة البشرية عقابا موحدا بغض النظر عن حقيقة (ور كل فر في التهمة الموجهة او الجريمة المفترضة كما يفترض القانون المدني)(9).

وعليه فالكاتب هنا يوثق مرحلة تاريخية متازمة جدا في تاريخنا الراهن مرحلة تازم الصراع الطائفي الذي شهده البلد قبل فترة ليست بالطويلة، وجد نفسه ملزما – من باب المسؤولية الاخلاقية – امام احداث هي مجازر بشرية – اقصد جريمة سبايكر – لا يستطيع ان يقف امامها مكتوف الايدي ويلوذ بالصمت.

لذا انبرى قلم الانباري ليدون ويوثق هذه المجزرة بعمل مسرحي مع قدرته على ذلك لما عرف عنه من براعة في هذا الجانب كاتبا ومنظرا مسرحيا المعيا الملفت للانتباه هنا التقاطه لهذه الحادثة واشتغالات مختبره المسرحي عليها وكيفية تناوله لها.

من حيث بناء النص فقد قسمه الى ثلاث خطوات – هكذا جاء في متن النص – وعلى لسان بطله (الجندي) حيث يعلمنا الكاتب في سطوره الاولى بعض المعلومات عن الحادثة قائلا:

الجندي: انا ذاهب الى حيث امرت. قدمت الى هنا المكان من الجنوب، وساغادره الان تاركا تلاله الحمر الشرقية الى قاعدة هائلة حصينة في شمال البلاد، لست الوحيد الذي سيذهب الى هناك فمعي ما يقارب الثلاث الآف جندي بكامل عدتهم الحربية.

فقد اشار الكاتب هنا الى مكان الجنود اعبر(من /الى) واعدادهم ليستمر ببث مابداه من معلومات ليجعلنا في صورة تامة مما يحصل عبر قوله:

الجندي: عندما وصلنا القاعدة جّردونا من الاسلحة والمعدات زاعمين انهم سيوصلونها الى المكان الذي سنذهب اليه. فالقاعدة مكان آمن للجميع.

ويمضي بنا الكاتب يبين لنا كيف سارت الامور ومن ذاك عبر مؤامرة متفق عليها مسبقا، فنراه يقول:

الجندي: (.. وقف الامر على مكان مرتفع ونادانا بمكبر الصوت قائلا -يقلد صوت الامر- ابنائي

الجنود: الاوضاع آمنة مستقرة، لهذا قررنا إرسالكم باجازة امدها(15) يوما تلتحقون بعدها في مقّرنا السابق قرب التلال الشرقية.

ونراه استكمالا للسيناريو المعد من قبل -كما قلنا- يستمر قان لا اي الامر : ” .. زيادة في الامان والاطمئنان اخلعوا ملابسكم العسكرية، وارتدوا الملابس المدنية واتركوا هواياتكم، ووثائقكم، وموبايلاتكم في هذه القاعدة حتى لا يتعّرف احد على شخصياتكم، هذه اجراءات امنية نعدّها من مقتضيات سلامتكم ” يعود الشخصية الاولى -الجندي).

وهنا تتوضح تفاصيل المؤامرة، ومن وراءها نراه يقول:

الجندي: اقنعنا بكلامه -اي الامر- الموجز لاننا تعودّنا على ترك المعسكر عادة باجازة دورية … واستقبلنا خبر العودة الى مقرنا السابق بشيء من الفرح.

منقلتنا مركبات عسكرية الى مفترق طريق بين مدينتين حيث كانت سيارات الاجرة بانتظارنا للذهاب الى حراب النقل العام.

ثم يمضي بنا مستكملا حلقات المؤامرة قائلا:

الجندي: ..ولم نعرف ان سائقي هذه السيارات كانوا قد اتفقوا مع الجرذان السود (الداعشيون)على تسليمنا لهم لقمة سائغة، وهذا ماحدث فعلا، بعد الانطلاق بدقائق معدودة. ويستمر مبينا لنا هوية هؤلاء الداعشيون قائلا :

الجندي: .. اذ وصلنا الى نقطة تفتيش يسيطر عليها مسلحون يرتدون ازياء مختلفة ويشتركون بلحئ متشابهة.

وهنا يوضح الكاتب ان هؤلاء الداعشيون من جنسيات متعددة، وعندما اعترضهم احدهم معترضا اردوة قتيلا على الفور، وهي رسالة للاخرين ان اصمتوا والا فمصير من يتكلم القتل.

ثم يمضي بنا الكاتب الى تفاصيل ما جرى بعد ذلك فيقول:

الجندي: ..ربطوا ايدينا، وعصّبوا عيوننا، وفتشوا جيوبنا بحثا عن وثائق أو هواتف شخصية. وبدات بذكر الشهادتين صمتا، بعد ان تيقنت أنني على مبعدة خطوة واحدة من الموت.

وهنا تنتهي الخطوة الاولى لننتقل بعدها الى الخطوة الثانية، ليستمر البطل-الجندي- باستكمال حكايته الموجعة جدا واستذكاره لامه في هذا الظرف القاتل الرهيب قائلا:

الجندي: امرونا بالوقوف، قلت في سري سيقتلوننا وقوفا على غير عادتهم، وبدلا ومن ان يطلقوا النار علينا صاروا يضربوننا باعقاب بنادقهم دافعين بنا الى سيارات حكومية اصطفت على منتصف الطريق.

ثم يستمر البطل بتمثيل مناجاته لامه من خلال اداءه لتلك المناجاة، مؤكدا على ما يعتمل بصدره قائلا:

الجندي: امي انا اعرف ان لك قلبا قادرا على سماعي كلي ام تشعر بالخطر المحدق بولدها الوحيد. لقد وقعنا ضحية كذب وخداع كبيرين. بل ضحية خيانة عظمى. امي انا اشعر الان بالياس التام. سوف لن اراك ثانية فما بين الموت وبيني بضع لحظات … الوداع يا امي الحبيبة الوداع .

ثم يؤشر تفاصيل اخرى الحكاية بعد ان وصولهم. القصر الرئاسي بعد زهاء مايقرب الساعة وسؤالهم عن هوياتهم وتفريقهم بحسب ذلك، وهذا ما اثبته النص:

الجندي: .. من منكم من الطائفة الكافرة فليذهب خارجا ومن كان غير ذلك فليظل في مكانه … وسالت في قرارة نفسي : “ترى باي ثمن سلمنا لهم هذا القائد العجيب؟ وكيف يمكن لخائن مثله ات يخفن كل شيء في حياته؟”

ثم يستعرض الكاتب كيف يبتز هؤلاء الجناة هؤلاء الجنود وكيف يروعونهم بشكل مستمر ومروع . وكيف تتم تصفيته بالجنود بشكل انتقائي واحدا اثر الاخر. ويستمر بطلنا الجندي بعرض تفاصيل ماجزى عليه حيث. تم التحقيق معه كونه من الطائفة الكافرة -كما يدعون- وسؤاله عن منطقة سكناه ، قائلا:

الجندي: لماذا كذبت علينا حين سالناكم عن الطائفة والمذهب الذي تتبعون؟ انا لم اكذب ابدا. – وكيف نعرف انك لم تكذب؟ – هل انت من المسلمين؟ – نعم انا مسلم . – اذن ارفع الاذان بيننا لنصلي . – حسنا . … من اي منطقة انت فاجبته فورا ذاكرا اسم منطقة غير منطقتي فطلب مني ان اصف له المنطقة فوصفتها … ثم طلب مني ان اذكر اسم واحد من سكنة المنطقة وعنوانه ففعلت.

وهنا نرى من خلال التحقيق جرجرة الضحية من خلال الاسئلة للتعرف. على هويته الدينية بشكل واضح وعلني. ثم يستمر باكمال حكايته حيث لم يبق من الجنود المساكين غير (150) شخصا اخذوهم عنوة الى محكمة اعرف لهذا الغرض، ثم يشرح لنا تفاصيل واجرى عليه في تلك المحكمة، مما جاء بها ودار:

الجندي: .. سالني القاضي من انا، ومن اي عشيرة ومذهب فاجبته بلا تردد عن النقاط الثلاث … فقال لي اخرج فخرجت لا تفاجأ باحدهم وهو يحمل خرطوم ماء، قال امراً اياي: توضأ فتوضأت لكنني اخطأت في مسح الراس والرجلين وماكدت انتهي حتى بدا الكل يضربني ضربا مبرحا. تكسرت بعض اضلاعي من شدّته.

وهنا نقترب من نهاية الخطوة الثانية وقد انتهت بان افرجوا عن بطلنا وممن معه لان خليفة المسلمين قد اصدر عفواً لامرى هذه القاعة التي يتواجد هو وزملاءة فيها. وهنا يستعيد البطل ومن معه انفاسه ويستكمل حلمه الذي بدا يداهمه بداية هذه الحادثة المفجعة والاليمة.

وهنا ننتقل الى الخطوة الثالثة والاخيرة من هذه الحكاية وكيف فرق الموت هذه اعطوهم بعض الاوراق النقدية، واركبوهم في سياراتهم وكيف ابلغوهم بكلمة المرور في اي سيطرة تمرون بها. ثم ينتقل بنا البطل ماحدث له اثناء تلك الرحلة رحلة الخلاص من ملابسات كادت ان تؤدي بهم الى الموت من قبل تعرضهم لنيران مفاجئة وكثيفة وقاتلة من جهة البساتين القريبة من الشارع العام قبيل وصولنا الى العاصمة بغداد، وقد اصيب بها اصابات بليغة، حيث بقي اربع ايام على تلك الوضعية المؤلمة وكيف نجا باعجوبة من هذه الرحلة الجهنمية المارثونية الجهنمية.

وهنا يضل بنا المطاف الى نهاية المسرحية التي اخذتنا في حكاية من حكايات الوجع العراقي الذي يبدا ولا ينتهي .

اما الكاتب عبد الحسين ماهود ففي نصه (نافذة وباب) فهذه المسرحية تتحدث عن معاناة امراة تعيش الوحدة والحرمان وتاثيرات الارهاب والعيش تحت وطاة العزلة قسرا، وما يتبع ذلك من استنزاف للجهد النفسي الخانق، فالكاتب له باع طويل في الكتابة للمسرح فلديه ما يقرب من ثلاث مجاميع مسرحية اضافة الى اكاديمي مسرحي تخصصه الاخراج وقد استخدم الكاتب مؤثر صوتي لدفع الحدث نحو التنامي الى الامام، فمنذ السطور الاولى يدخلنا في جو المسرحية العام من خلال مؤثر صوت اطلاق رصاص وتباشر البطلة ردة الفعل قائلة :

هي: (تجفل، تنهض من السرير، مستفزة قلقة) كالعادة،  يستحيل الرصاص بديلا عن موسيقى الصباحات الكالحة. ثم يستمر نفس الجو بالتكرار ولكن هذه المرة حركة البات المجنزرة ويستمر المؤثر الصوتي على طول المسرحية ملاحقا للبطلة، وكانها تراقب شخصا تراه .

هي:(تخطوا نحو النافذة ، تحكم اغلاق الستارة) ظل في سباتك، لا تستيقظ، لن افسد عليك غفوتك، فالصباحات كالحة وتلك علاماتها. ثم تستمر وكانها تنظر شخصا قد ياتي وتبوح بما يعتمل بداخلها مما تفجرت به مشاعرها وما تكتم من احاسيس فنراه تقول:

هي: … زمن امتد من الوطن المشيد بالمقابر حتى الوطن المنهوب، مرورا بوطن راح يلفظ ابناءه.

وتستمر البطلة على نفس المنوال لتبين لنا اكثر فاكثر ماينبغي لنا ان نعرفه فنراها تقول خاصة فيما يخص- موضوع البحث – اعني الارهاب:

هي: آليت على نفسي ان لا اولي الوجه صوب من سيقضي نحبه في ساحة حرب وإعدام، او من قضى مغدورا برصاص طائش او ساطور.

وهنا تتوضح من المقصود بذلك من خلال التعريف بادوات العملية الاجرامية(رصاصة طائشة، ساطور) وتستمر في توضيح خريطة الدم وتضاريسها:

هي: .. ليت الانفاس تتوقف الى اجل سنشم فيه اريج الزهور بدلا عما تضوع به تلك المتناثرة حولنا .. اعني الجثث .

وهنا يستمر عمل المؤثر في اشتغاله عبر سماع اصوات اطلاقات نارية واصوات انفجار هائل ليتتصاعد شيئا فشيئا درامية الحدث فنراها تقول:

هي:(بارتباك وهي تنظر من ثقب الباب) الشارع يغص بالملثمين. اكتم انفاسك، الملثمون يحومون حول المنازل، انهم يشيعون الخراب بدم بارد، يعيشون في الارض فسادا بلا وارع من ضمير او قانون يردع.

وهنا تتوضح بصورة جلية وواضحة من يقف من وراء رعبها واخافتها وقلقها الذي لا ينتهي. وتستمر في تبيان من يقف وراء ارهابها وقلقها فنراها تقول:

هي: … ما الطارق سوى من احال حماة القانون الى السبات، ما الحماة سوى من استحالوا بعد حين ملثمين، ما اللثام سوى إستبدال القانون بشريعة الغاب. فهي هنا – اي البطلة – تصف هكذا وضع بدقة متناهية فحين يكون الملثمون هم من يسيطر على الشارع ويفرض نفسه. بقوة السلاح تستحيل الحياة اسوء من شريعة الغاب وافظع.

ونراها تتوسل بذلك الشخص الذي تحلم به وكانه الشخص الذي تنتظره خوفا عليه من كيد وفتك هؤلاء الملثمين:

هي: ارجوك .. اقبع في قاعة انتظارك الممل حتى يحل السلام .

المؤثر: اصوات لصراخ فاجع .

هي:(تغلق الستارة) لكنني اخشى على السلام ان يفقد حقيبته، ان تستحيل الحقيبة عبوة لنسف احلامنا. ا

لمؤثر: اطلاق ناري . هي: يهبط السلام من الاعالي كتحفة سماوية فيرتطم بصخرة الواقع ليخمد .

فالسلام هنا هو تقيض تماما لما يريده هؤلاء الجناة الملثمون، لتوكيد رسالة السلام ولعن من يقف بالضد منه نراها تقول:

هي: السلام امانة الله في الارض فمن أباح للبغاة اجتثاته؟!

وهذه خلاصة القول الذي لا بدع مجالا للرد من قبل هؤلاء البغاة كما وصفهم فقد هتكوا حرمة السلام واباحوا لانفسهم زعزعة اركانه بل يمكن القول وأدوه بافعالهم الشنيعة الجهنمية. وتستمر في فضيحتهم:

هي : رباه .. ثمة دم مسفوك يصبغ الاسفلت بدم احمر. الاحمر لون للدم …. يكون القتل فيه استناد الهوية يحملها بريء وهنا تلتقي هذه الاشارة مع اشارات نص الانباري السابق بالتوكيد على هذه المعلومة المهمة من تفاصيل عمل هؤلاء الجناة، وهي مفردة مهمة في اشتغالاتهم ونراها تمضي بوضع تضاريس حياة الرعب والموت الذي تعيشة قائلة:

هي: عن اي رعب تتحدث؟ (وكانها تحاور احدهم) الاطلاقات النارية؟ لا عليك، لا عليك منها الاطلاقات النارية امر عادي قد لايخلو من الرعب. ثم تستمر في البوح حول فارسها الذي تحلم بقدومه، مسلطة الضوء على مفاتنها وقوامها. وهنا يتصاعد الفعل الدرامي الى ذروة حادة:

هي:(تنظر من ثقب الباب) احذر ثمة ملثم يدور حول بيتنا. قامته ايلة للتصدع ولثامه آيل لا تنزاعه من وجهه المقرف، من أتاح التجوال لهذا الافّاق حتى يتسيد الطرقات بلا منازع! وهي دلالة واضحة على سيطرته وجماعته على الشوارع ومن ثم على كل ما تقوم به الحياة .

ونراها هنا في انتباهه روحية ملؤها الصفاء والطمانينة.

هي:الهي وحدك من يمتلك الحقيقة بسطوعها، تلك التي تدلني عليك عبر طرق تمر ببيوتك المقدسة دون مقرات تصدر الفتاوي وتمنح صكوك الغفران التي لاتتيح لحامليها ولوج باب الجنة …. ذلك لانها تضمر العبوات لنسف قدرات عقولنا النيرة، ذلك لانها تسلك طرائق تغييب الاخرين بسفك دمائهم. الهي .. الملثمون يصادرون ذاتك فيحجبون رحمتك عني . هم بخيالات مريضة واساطير تغسل الادمغة.

ونراها تستمر في يقظتها الروحية هذه وتعرية الجناة.

هي: سوداويون يجتهدون بالتهلكة ويعبثون بقيم الجمال؟ لماذا يستهدفون بابي المشرعة بالمحبة دون اعدائهم المتمرسين بحيطان الكونكريت؟ اي جهاد هذا ان لم يكن يستهدفني؟!. وهنا تصرخ صرخة الثكلى الموجوعة التي لا منقذ لها من هؤلاء سوى التوجه للسماء وطلب العون منها:

هي: الهي انتصر لكتابك السماوي الذي لايدعو جور الحياة للتمادي ولا ياذن لاحد كائنا من كان ان يوغل بي قتلا . الهي اشملني برعايتك وانظر بعين الرأفة لذلك الحام معي بدفء الشتاء. (تشير الى ماخلق النافذة ) : العاشق لي والوالد للقادمين من صلبه، صن قوامه ولا تدع الملثمين يلحقون بهيئته الضرر .

المؤثر: طرق على الباب بقوة.

هي:(تجفل، تنظر من ثقب الباب، ترتاب) ملثم يحمل سيف الذبح. من أفتى له بحز رقاب البشر؟ مؤكد ان له رب غير الله. (تصرخ بوجهه متحدية). من انت؟ لم تجيب؟ خيرلك ان تجد اذيالك وترحل، ابتعد عن ملاذي. وهنا يستمر الطرق على الباب، وهي تبحث عن مخرج ولاتجد:

هي: يا الهي .. انه يصر على اقتحامي، لو تحقق له امر اقتحامي سيحز رقبتي بساطوره . لكن من دلّة عليَّ . وانا العفيفة التي لا اصبوا الا لخيمة تظلني بالامان مع قريني المنشود . انا المفعمة بالسجود لذكر الله والمحبة بجلاله بطريقتي؟ .(تهتف) هيه .. لقد غادر الباب .

وهنا تركن الى شيء من الراحة النفسية والاطمئنان راجعة بذاكرتها الى فتى احلامها الذي تركته قسرا :

هي: تعال .. سنرسم فوق هذا السرير وطنا لايستباح، وطنا نستريح عند حدوده. وهنا نصل الى الصفحات الثلاث الاخيرة من هذا النص. ويستمر الطرق على الباب .

هي:(تجفل) من اين ياتي الطرق؟. (تصرخ) يا الهي لم يعد لهذا الملجأ باب. الهي ليس ثمة ما يحول بين الرصاص ونافذتي. يا الهي صار المدى متاح لمن ينوي استباحة مخدعي .

المؤثر: رصاصة تنفذ الى النافذة وتخترقها. وهنا نصل ذروة الفعل الدرامي الذي بدا بالتصاعد .

هي:(تصرخ) يالخيبتي . انهارت امالي . لقد انتهى كل شيء. حمقئ نحن نغتال الصبوات مبددين المدى بالجدب. اما كان الاولى في غفلة القذائف ان نصطاد الهناءاءات نحو جدار النافذة. وهنا نرى المفاجاة قد حدثت حين يندفع الجدار، وتفاجأ باوصال فارسها معلقة عليه. (ترتعب).

وهنا نراها وقدخارت قواها وضعفت نفسيا. ونراها مرة اخرى تستعيد قولها بهمة عالية وتعبر عتبة الباب لتقف بمواجهة الجمهور: هي: ماذا ارى؟ حشد من الناس .. ليس ثمة ملثم فيهم (تخاطبهم) انتم يامن لا تقدمون على خطو واهم. ايها المتمتعون باجازة الحياة الى حين، في غفلة القذائف من منكم يجيء ؟! (تشير باصبعها لاحدهم). انت تعال امد يدي اليك. امنحك الخصب وما عليك الا ان تحرث …. تعال نصطاد معا لحظة امن نعبؤها بالهناءات!. (تنتظر من اشارت اليه ان يرتقي خشية المسرح ويعانقها).

لتؤكد ان الحب والسلام اقوى من كل جبروتهم واسلحتهم وبطشهم وانه ماينفع الناس فيمكن في الارض واما الزبد فيذهب جفاءاً . وان الحياة مهما عجت بامثال هؤلاء فهي ترتقب الغد الذي ياتي وان طال ليل الجناة. وان نوافذ الاول ابدا مشرعة على اصحابها بارادة الامل وبوجود مستقبل قادم افضل.

اما الكاتبة اطياف رشيد ففي نصها (نافذة بحجم الكف) فهي قريبة جدا من نص ماهود (نافذة وباب) فيما يخص التسمية ومعاناة المراة كموضوع مهيمن على مجريات الحدث. حيث تكون النافذة بوابة الحدث وتتمظهر عليه جميع ما يجري من احداث ومواقف طوال النص في كلا النصين. وهي حالة الترقب والخوف من الضيف المجهول او القاتل.

تجري احداث الكاتبة اطياف داخل غرفة معيشة بسيطة، والزمان مساءاً. وبطلة النص امرأة في الثلاثين او اكثر من العمر . وهنا نجد تكرار القرع على باب يستمر بين الحين والاخر مما يخلق حالة نفسية متازمة لدى البطلة على مدار تتابعية الحدث. فبطلة النص امراة فقدت زوجها وابنها في حادثي انفجار ارهابي لعين. يسيطر هاجس الخوف والذعر على حالتها النفسية فنراها تخاف حتى من النوافذ:

هي: اكل يوم قبل ان انام اتفقد النوافذ والابواب، اخاف ان يكون هناك من يتربص بي لقتلي، او سرقة بيتي، بت اخاف النوافذ يستمر طرق الباب، وتستمر بالبوح كاشفة عن آلمها فيما يخص فراق زوجها وابنها، راسمة احلام لليقظة التي تكسرت على صخرة واقع دموي ومفجع. وتصف لنا اجواء تلك الايام المرعبة .

هي:(مخاطبة طفلها ..) مع السلامة .. ولدي سلامة تلك التي تشبه الثمرة المنخورة. بديدان الغدر القذرة. اصوات مرعبة دووم .. دووم .. اصوات تحاصر الحياة وتدفعها الى زاوية مظلمة ..يحاصرني الصوت .. يحاصرني الموت .

وتستمر بتوضيح مايحيط بها:

هي:ماذا كان يريدون؟ القتلة الذين فجروا المقهى؟ماذا كانوا يريدون؟ ونرى البطلة تدين القتلة وتفضحهم:”لم يعرفوا ان النساء كن ينتظرن ان تعود احلامهن سالمة الى البيت؟ لم يعرفوا ان الآف النوافذ كانت مشرعة الستائر وخلفها اكف ترتفع الى السماء بالدعاء ان يحفظ سقف البيت؟ ان يعود بلمسة حب جديدة؟. ان طعاما مااعدّ من شغاف القلب سوف يبرد وتبقى المائدة مبتورة؟ ان ظلالا سوف تشتاقها الجدران والارض وقهقهات سوف يفتقدها الصدى؟ هكذا ينبض القلب الخافق بالانسانية وحب الحياة للاخرين وخاصة من يحب: فكيف تكون الحياة بهذه القسوة الكبيرة؟! ” وهنا نراها تصف لنا الجناة القئلة:

هي : .. تقاسيم حادة حشنة كفصل صدئ ..انها النظرة .. نعم هي النظرة . انها تلك النظرة التي تتطلع في الوجوه . تتطلع بريبة، ريبة وشك. باحثة عن لمحة .. لمحة تهدد بخطر ما .. خطر يسعق الجميع .. انه الشك والريبة لسوء السريرة فالنية .. نعم سوء النية المميت الباحث عن كبش فداء. يتحمل وزر اعمالهم السيئة التي تفوح منها رائحة الجيف بكل مكان .

هنا بدأنا نقترب من النهاية حيث يستمر طرق الباب ليستمر معه القلق والذعر في نفسية البطلة .

هي : من؟ من بالباب ؟من هناك؟ اشعر اني لست بخير يصبح البرد شديدا في المساءات الطويلة، وهذا مساء لا ينتهي.

وهنا نصل الى النهاية التي ارتأت الكاتبة ان تكون مفتوحة التأويل لتكون اكثر جذبا للمشاهد والقارئ على حد سواء بل تركت ذلك لاذواقنا ولوعينا يبجر به كيف يشاء ويريد من رؤى وتصورات.

واذا انتقلنا الى نص مسرحي اخر هو (تشويش) للكاتب بول شاؤول فنرى (البطل هنا – كما في اغلب نصوص المونودراما – يستخدم الاسلوب الذاتي المباشر على الحوار الداخلي والمناجاة المتجسدة في هيئة حديث درامي طويل تقوم به الشخصية الدرامية وهي متازمة ووحيدة، متوجهة بالحديث الى نفسها مباشرة ، …او الى شخصية او شخصيات، او اطراف، او قوى اخرى غائبة، وتكشف فيه عن حالة صراع نفسي داخلي ناجم عن اضطراب، او عدم اتزان في البناء النفسي الداخلي للشخصية، او عن عدم القدرة على التكيف مع العالم الخارجي، او التواصل مع الاخرين، او مع الذات الجوهرية) .(1)

فنحن هنا ازاء نص يتميز بنقطتين مهمتين جدا: الاولى انه وكما جاء في الارشادات المسرحية للمؤلف انه يتحدث عن موضوعة الارهاب، دون تبيان نوعه وماهيته والاخر ان شخصية البطل فيه لا تلجا للحوار(الكلام) اطلاقا الى ردود عبر تقنية (الصوت) الذي يلاحقها . افعال فقط فنراها، تضرب، تمزق ، .. الخ ، واللافت للنظر ان هذا النص قد صدر عام 1984 في كتاب(ميتة تذكارية: كتابات قصصية ومسرحية)والمطبوع في بيروت . الا يؤكد هذا سبقا في تناول هكذا موضوعة بشكل لا يسبقه اليه احد على الاطلاق. بحسب علمنا الاولي بذلك. والميزة الجيدة فيه ايضا انه يمكن ان يكون صالحا لعروض ما يسمى بمسرح الشارع وذلك لمحدودية انتاجه الواضحة جدا وسهولة اداءه فنيا وتفرد موضوعه واهميته . وهناك نص مسرحي للدكتور عقيل مهدي بعنوان)( سامثل واقفا وحدي) وهو ايضا موضوعته الارهاب. وهنا تستوقفنا عتبة العنوان:وكأنه قد جاء رداً على السؤال لاثبات روح التحدي والارادة القوية التي لا تعرف الزيمة لاثبات الارادة الخيرة للوجود الانساني في قبال الروح الشريرة المنهزمة والمريضة والمتمثلة هنا – في النص – بالارهابي امير .

وهي هنا معركة وجود بين ارادتين وصراع فكري بين اتجاهين مختلفين تماما وعلى النقيضين فكراً وممارسة.

والنص يتحدث عن ما احدثه الارهاب من خراب ودمار في الموصل الحدباء عبر توليفة فنية برع في ايجادها الكاتب عبر شخصياتها وادوارها التي يؤديها بطل المسرحية بانتقالاته وتجسده لاكثر من شخصية من امثال: ابو الحلاء المعري، المتصوف، المجنون، امير(الارهابي)، الممثل .

ونراه ينتقل بنا مكانيا الى مدني: بغداد – دمشق – الموصل. وقد جاءت بثلاث مشاهد قصيرة نسبيا. وقد استعان البطل هنا في وسيلة مساعدة لتدفع بالحدث الدرامي الى امام وترفع الملل والرقابة عن الاداء عبر اداة (الهاتف)، وهي تقنية طالما استخدمتها المونودراما في اشتغالاتها في عدد غير قليل من نصوصها، ومنها على سبيل المثال الحصر . مسرحية (الصوت البشري) لجان كوكتو ، ومسرحية (ومضات من خلال موشور الذاكرة) لجليل القيسي .

ففي المشهد الثالث وتدور احداثه في الموصل نرى البطل يهاتف خطيبته:

الممثل: نعم، اتصل بك من هنا من الموصل؟ آه .. ياللرائحة الزكية، اشمها فوّاحة عبر الهاتف !. كيف هم الاصل … هبيني استر النجوى، اليس الدمع يفضحني؟ للقاعد عند الحدباء … ولكنني . ويشير الى ما حصل مني الموصل من خراب قائلا:

الممثل: …ولكني ماعهدت الموصل هكذا . ارى فيها الفوضى .. واسمع الانفجارات، وزخات الرصاص، وكانها القيامة تقوم الان .

ليضعنا هنا في قلب الحدث لما يقولون. وعندها ينتقل الى شخصية اخرى هي المتصوف فنراه يقول:

المتصوف: اسمعوني يا اهل الموصل ونينوى. هنا تتباين الاديان فيها. وتتقارب وتاتلف وتختلف . تتواقف وتتباعد . تتقابل وتتدابر ، لكن الانسان فيها واحد .. منذ مئات السنين. لاينافق ولايخادع ، ولا يظلم، حين يحب لاخيه مايحب لنفسه.

وهكذا الى ان يحزرنا ممن يخدعون الناس باسم الدين – باطلا – والدين بريء منهم ومن امفالهم المشينة ليفضحهم على رؤوس الاشهاد:

المتصوف: احذروا من يدّعي التقوى، وهو مجرم رجيم !!. وفرق بين المظهر والمخبر، وبعض الانام كبعض الشجر، جميل القوام شحيح الثمر، وفرز النفوس كفرز الصخور، ففيها النفيس وفيها الحجر .

ويستمر في تجسيده الى شخصية اخرى المجنون فنراه يقول:

المجنون: تعرفت على حبيبتي هنا – يقصد الوصل – تحت ظلال منارة الحدباء، بالعفة والطهر، كنت امثل على مسارح الموصل، مع المخرج شفاء العمري … حياتنا كانت ناعمة باسمة، نقية ، آه .. وذكرى المسرحيين والادباء والموسيقيين .. من كان يظن ان ياتيك المخول ثانية؟! وهم بلت عدل ولا ورع، ولا علم !!.

ويستمر في فضحهم وروحهم المتعطشة للدماء بلا اي وازع من ضمير او عقل:

المجنون: ايها الامير المبجل تعال تسلى بقتلي .. ما دمتم تتهاوشون على الغنيمة. خذ مني منزلي. واختمه بختمك. ارى شياطين يتقافزون من حولك. لا يعرفون صحيح الكلام من سقمه. شيشانيون . هنود .. افغان. وفرنجه من لندن وباريس . ثياب دجلكم لا تخفي عريكم .. خذني فانا صيدك، اسبح في فلكوتك.

والملاحظ ان الزمن هنا. في هذا النص كما في بقية نصوص المونودراما . هو زمن شخصية البطل الذي تنصهر فيه الابعاد الزمنية جميعها – الماضي والحاضر والمستقبل – من ذكريات الماضي وتداعياته الى الحاضر الذي لم يزل يعيش على انقاض الماضي وتبعاته في جذور ممتدة تزداد متانة وقوة كلما استحضرت المخيلة احداثه وصولا الى المستقبل في ارهاصاته وقلقه.

وفي عودة الى شخصية امير (الارهابي) ليتبين لنا دوافعه واغراضه الدنيئة التي تنم عن نفس مريضة ودموية بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى: الامير (بملابس افغانية، ومرجج بالسلاح) اين تراك تختفي ايها الممثل الحرباء؟! سابحث عنك في سهول نينوى وروابيها، في شمال الموصل وغربها، لارديل قتيلا هنا في حمام العليل … لن تفلت مني، ولن تسلب جاهي وسلطتي .

وهكذا يظهر للعيان ان الاشياء تعرف باضدادها – كما يقولون – وكل اناء بالذي فيه ينضح !. لنصل هنا الى الخاتمة التي يخاطبنا بها الممثل بروح تقترب منه الصوفية بكثير من خلاصتها التي قدمتها لنا، وفيها عودة الى الذات السليمة بفطرتها النقية والاصلية فنراه يقول:

الممثل: اريتكم فرجة مسرحية ،عابرة للمدن، والارواح المغدورة، باستقامة مسرحية، والقران يخاطب المؤمن: (فاستقم كما امرت) .. هذه الحدباء، ليست هينة، ولا الكنائس، ولا بيوت العبادة الايزيدية، ولا الناس كلهم من غرب وكوردواتوا عليكم:(تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)… وسحقا للخونة، وانت يا والدي اعذرني ساقف مع الجندي لاني لو رجعت ساعيش معك فقط هناك … ولكني مع الجندي هنا ساعيش للوطن ابد الابدين . وفي هذه الخلاصة اجابة وافية وشافية لعتبة العنوان: (سامثل واقفا لوحدي!) بشكل واضح وجلي وتام .

مصــــــادر البحـث:

1-مجلة التربية الاسلامية: العدد العاشر ، السنة(35)-2002 ، بغداد، ص46.

2- بحوث ملتقى الطف الدولي السادس. ديوان الوقف الشيعي. 2015 بغداد، ص121.

3-مجلة التربية الاسلامية: نفس المصدر.

4- نفس المصدر: ص47.

5-الفن في مواجهة الارهاب والتطرف: من اصدارات تجمع فنانو العراق، العدد الثاني 2012 بغداد، ص51.

6- بحوث ملتقى الطف الدولي السادس: مصدر سابق ، ص126.

7- مجلة التربية الاسلامية: مصدر سابق، ص47 وما تلاها بتصرف.

8- بحوث ملتقى الطف الدولي السادس: مصدر سابق ،ص127.

9- مجلة العراق الديمقراطي: العدد(4)- 2023 بغداد، ص18.

الاحالات:

1710 الخصائص الفنية للمونودراما: د. حسين علي هارف، اطروحة دكتورة ص13.

مسرحية المسلخ للكاتب حميد الناعس، المنشورة في مجلة سينما ومسرح الصادرة عن دائرة السينما والمسرح، وزارة الثقافة بغداد العدد الزدوج 2-1 -2014 بغداد – ص34 وما تلاها.

مسرحية(حياة مجهولة الهوية) منذر عبد الحر، مجلة الاديب العراقي، العدد(32) -2004 ، بغداد.

مسرحية (اطفائي ثيوس) علي عبد النبي الزيدي، نسخة ورقية من ارشيف كاتب السطور .

مسرحية: (حكاية مونوسبايكرية)صباح الانباري، مجلة آفاق اديبة، العدد الثاني 15-2- بغداد.

مسرحية (نافذة وباب): كتاب (ياغو صانع الامواج) نصوص في المونودراما للكاتب عبد الحسين ماهود ، جمعا واختارها: كاتب السطور.

– مسرحية (نافذة بحجم الكف) للكاتبة اطياف رشيد، كتاب (ستارة شفافة زرقاء) ، بغداد.

مسرحية: سامثل واقفا (وحدي) من كتاب(الادب الدرامي في السيرة الافتراضية) د :عقيل مهدي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت