كتاب الخميس (الحلقة التاسعة والأربعون) / عرض و قراءة: محمد محسن السيد
الباتا فيزيقيا وتطبيقاتها المسرحية (قراءة في كتاب خطاب الصورة الدرامية) •
من الثابت ان الخطاب المسرحي . كان ولا زال . عنصراً اساسيا من عناصر التأسيس المعرفي; لذا فهو بحاجة الى المزيد من الدراسات والبحوث التي ترفده بالتأصيل والتفرد لاسيما وان درسنا الاكاديمي في مجال النقد المسرحي يؤشر فقراً واضحا في هذا المجال الحيوي والخصب ومكانته السامقة في قارة الابداع المسرحي; ومن هذه الدراسات التي شخصت بتفرد عال تأتي دراسة الناقد الدكتور حسن عبود النخيلة الموسومة (خطاب الصورة الدرامية) التي ينوه فيها ولاول مرة – بحسب معلوماتي القاصرة – حول موضوع في غاية الاهمية إلا وهو (الباتا فيزيقيا) وتطبيقاته في مجال المسرح؟ الأمر الذي يستدعي وقفة معرفية حقيقية يستحقها الموضوع بجدارة. وعليه فما هي (الباتا فيزيقيا)؟! وكيف يمكن تطبيقها على الاعمال المسرحية؟!.
الباتا فيزيقيا: علم الحلول الخيالية وهي كفلسفة او كعلم يهتم بالحلول الخيالية التي لا تخضع للقاعدة بل للاستثناء ، ويحاول ان يعطي او يبتكر حلولا متخيلة تعطي للصورة الدرامية آفاقا واسعة في التعبير خاصة في مسرح اللامعقول الذي كان ميدانا للتطبيق ، وهنا نتساءل: ما هي مؤشرات بناء الصورة الدرامية المتخيلة في هذا المسرح؟!.
ان بناء الصورة يقوم على المؤشرات التالية:
1- بناء الصورة المتناقض:
يقوم هذا البناء في اساسه على الجمع بين متناقضين في تركيبه فيقوم على الباتا فيزيقيا كعلم يهتم بالحلول الخيالية والمتصورة الكامنة في منطقة ماوراء الميتا فيزيقيا التي لا تخضع للقاعدة بل للاستثناء لدى (الفريد جاري) حيث ينتج الخيال مركبا صوريا متناقضاً، وهي ايضا لدى (بريتون)في السريالية جمع بين الواقعي والمتخيل والحلم واليقظة في مركب الصورة ، ولدى (بيرانديللو) و(آداموف) تضاد بين الحقيقة والوهم ، وعند(جينيه) كالمجاورة بين صورتين متناقضتين في دلالتهما كنا في صورة المقدس والمدنس .
2- بناء الصورة المتحول:
في هذا البناء تنتقل الصورة من شكل الى شكل آخر وقد يكون هذا التحول جزئيا كما هو لدى(كافكا) في رواية (المسخ) .
3- بناء الصورة المتضائل:
يقوم هذا الصنف من الصورة المتخيلة في بنائه على منطق تآكل الصورة، معتمدا بذلك عملية الهدم التدريجي للصورة، التي تتفاعل عكسيا مع الاحداث فكلما تقدم الحدث وتصاعد اخذت الصورة بالتناقص، ويتميز هذا البناء بالضغط والتوتر الذي يقابله هذا الهدم الصوري ، مثلما هو لدى (آداموف)، في مسرحية (المناورة الكبيرة والمناورة الصغيرة).
4- بناء الصورة المركب:
هو بناء يتسم بالمرونة في طرح الصورة المتخيلة حيث يزخر بالتنوعات الناتجة من اجتماع عناصر بصرية عدة كالدمى والديكورات الضخمة والاقنعة واجساد الشخصيات واستخدام المرآيا ، كما هو ماثل لدى(جينيه) في تطبيقه لطقسية (آرتوا) عبر هذا المركب الصوري ، في مسرحية (الشرفة) .
5- بناء الصورة المطلق:
يقوم هذا البناء في تركيبه على نسيج الصورة الدرامية وحدها، حيث تمارس الصورة نشاطها في النص كعنصر مطلق يصور الحدث بشكل متجرد عن خطاب اللغة، ومثاله اللوحة الرابعة من مسرحية (الشرفة) لـ(جينيه) حيث يكون هذا المشهد بصريا مطلقا .
6-بناء الصورة الكلي:
هو بناء يعتمد التركيز على صورة متخيلة واحدة تضع الشخوص في اطار من الثبات وعدم الحركة. وتعتمد تكرار النتائج وتواليها لمضاعفة القلق وإثارة المعطيات الكابوسية، كما هو في مسرحية (الاستاذ تاران) لـ(آداموف).
7- بناء الصورة الجزئي:
يأتي هذا البناء الصوري كطرح جزئي يساهم في صناعة احداث المسرحية، وقد يكون رغم جزئيته المحصلة الرئيسية التي تؤشر الافكار العميقة التي تسعى المسرحية لبلوغها، مثلما هو في مسرحية (الحلم الامريكي) لـ(ادوارد البي) حيث يكون وجود هذه الصورة الجزئية وسط الاحداث الواقعية، دافعا للافكار الناقدة للواقع ومبرزا لفكرتها الرئيسية.
8- بناء الصورة التراكمي:
يتأسس هذا البناء في الصورة المتخيلة من خلال الاتجاه الى التكثيف، فهو يبدأ فرديا ويأخذ بالتضاعف العددي، ويتصف بناء الصورة الدرامية المتخيلة في المحل بالتشكل على طريقة القسوة التي طرحها (آرتوا) من خلال عمليتي المحاصرة والاطباق اللتين تمارسان على الكيانات البشرية، وتتضح هذه الممارسة في مسرحية (الاستاذ تاران) لـ(آداموف).
ويمضي بنا الباحث، وبجدارة وثقة كبيرين الى نماذج تطبيقية على كل ما تقدم حيث جاء الفصل الثاني من هذه الدراسة تحت عنوان (خطاب الصورة المتخيلة وبنيتها في مسرح اللامعقول) عبر تجارب مبدعية الكبار امثال ( جان جينيه) و(ارثر اداموف) و(ادوارد البي) .
فيما خصص الفصل الثالث لمسرحيات (يونسكو) من امثال مسرحياته (الكرسي) و (المستأجر الجديد) و(الخرتيت) و(اميديا) و(الاستاذ) و(جاك) والذي اعتمد (يونسكو) في اغلبها على بناء الصورة التراكمي.
بينما جاء الفصل الاول من هذه الدراسة المتميزة تحت عنوان (خطاب الجسد في المسرحية اليونانية) متناولا فيه الخطاب التدويني للجسد عبر مسرحيات (بروميثوس مقيدا) و(اجا ممنون و(المستجيرات) و(ادويب ملكا) و(اياس) و(انتيجونا) و(ميديا) .
بقي ان نذكر ان الباحث حسن عبود علي النخيلة من مواليد 1978 البصرة . دبلوم في الموسيقى 1997 . بكالوريوس اخراج مسرحي/ جامعة البصرة 2002-2003 . ماجستير ادب ونقد مسرحي/ جامعة البصرة 2010 ، دكتوراه ادب ونقد مسرحي عن إطروحته الموسومة (جماليات الميتا مسرح في الادب المسرحي العربي المعاصر) . كتب العديد من المقالات النقدية والبحوث العلمية المنشورة ضمن جملة من الصحف والمجالات العراقية والعربية . عمل مقدما للبرامج في الاعلام العراقي لفترة تزيد على سبع سنوات . صدر له كتاب بعنوان (مستويات الصراع في المسرحية العربية المعاصرة) عن دار السياب – لندن. وهو من مقتنياتي الشخصية . له قيد النشر كتاب (المسرحية العربية المعاصرة آفاق النظرية ومساعي التطبيق) .
يعمل حاليا استاذا في كلية فنون الجميلة / قسم الفنون المسرحية بمحافظة البصرة.
محمد محسن السيد / المركز العراقي للمونودراما