في الذكري السنوية الرابعة على رحيل الدكتور حسن عطية .. رحمة الله عليه/ د. محمد سمير الخطيب
الدكتور حسن عطية … رحيل الوريث الشرعي لجيل الستينيات في النقد المسرحي
فقدت الحركة المسرحية بصفة عامة والحركة النقدية بصفة خاصة علم من اعلام النقد المسرحي وهو الدكتور حسن عطية الذي يملك تاريخ حافل من الممارسة النقدية تضعه في مصاف النقاد العظام في تاريخ النقدي المسرحي العربي والمصري. مارس الدكتور حسن عطية النقد المسرحي منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين حتى آخر يوم في عمره وظل متابعًا للحركة المسرحية العربية والمصرية.
يعتبر الدكتور حسن عطية الوريث الشرعي لجيل الستينيات في النقد المسرحي، كما يعد أحد تلامذة التيار النقدي (محمد مندور وتلاميذه) الذي رأى أن المسرح هو فاعلية اجتماعية بالاساس، وأن النقد المسرحي جزء ضروري في معركة الفكر في المجتمع وضرورة من أجل تجذير الأفكار التقدمية بالمجتمع، ولكنه لم يقع في الفخ الذي وقع فيه بعض نقاد جيل الستينيات النقدي من لوي اعناق النص المسرحي، وجعله انعكاس مراوي للمجتمع، بل اهتم الدكتور حسن عطية أن المسرحي هو فاعلية اجتماعية بجانب أنه فاعلية فنية لها شروطها المميزة عن بنية المجتمع.
تسلح الدكتور حسن عطية برؤية منهجية اتاحت له فهم اعمق لعلاقة النقد المسرحي بالمجتمع فنلمح في قراءته النقدية سواء للنصوص أو العروض أو الظواهر المسرحية استخدام مفاهيم تنتمي إلى لوكاتش مثل الوحدة الكلية أو النمطي، أو مفاهيم رؤية العالم للوسيان جولدمان ويطبقها بمهارة وحكنة كاستاذ اكاديمي واعي للخلفية المعرفية والتاريخية لهذه المصطلحات ومهارة الناقد الذي يرى أن خطابه يتوجه بالأساس إلى قارئ غير متخصص وإلى مبدع وناقد زميل يتبادل معهما الحوار المعرفي من أجل رصد فهم أفضل لعلاقة الظاهرة المسرحية بالمجتمع.
لقد انطلق الخطاب النقدي للدكتور حسن عطية من تساؤل مفاداه هو كيف نرصد العلاقة الجدلية بين الدراما والمجتمع، هذا ما جعله يتناول كافة الظواهر المسرحية انطلاقًا من قدرتها على التعبير عن المجتمع وانعكاس لقضاياها وافكاره. ونلمح ذلك في كتابه الأول الذي كان بعنوان الثابت والمتغير دراسات في المسرح والتراث الشعبي الذي بدأ بتعريف اجرائي للمسرح الشعبي الذي يتفق مع طرق معيشة المبدعين لاحلام الجماهير وأمالهم، ويقوم بفحص نماذج من المسرح الشعبي العربي مثل الاحتفالية والسامرية والسرادقية، ونكتشف من هذا الكتاب أن الراحل الدكتور حسن عطية يعيد إلى الوجود مرة أخرى قضية المسرح الشعبي المتداولة في الستينيات من القرن الماضي وسبق أن ناقشها من قبل عبد الحميد يونس وفاروق خورشيد وأحمد رشدي صالح، لكن يمتاز طرح الدكتور حسن عطية بمتابعة مستجدات ظواهر المسرح الشعبي لدى المبدعين في كافة ارجاء الوطن العربي.لكن المدقق في هذا الكتاب رغم أنه يبدأ بمقدمة نظرية وتعريف اجرائي إلا أنه تنظيره هذا كان منطلق من الممارسة المسرحية أولاً ثم يقوم بالتنظير لها، فلم يقع في فخ الفهم المسبق للظاهرة المسرحية وبناء عليه رفعت قراءته النقدية من شعار الممارسة المسرحية أولاً.
لقد كان الدكتور حسن عطية شغوفًا بالممارسة المسرحية، وبقيم الحوار الفني المجتمعي، فنجد في كتابه فضاءات مسرحية يقوم بقراءة عروض المهرجانات الدولية والمحلية التي حضرها في فترة التسعينيات مثل مدريد وموتريل وباتراس وقادش وكوستاريكا، ونوادي المسرح ومراكز الفنون، ونلاحظ أن قراءته لهذه المهرجانات ظلت محتفظة بالخط الذي رسمه لنفسه بقراءة العروض المسرحية وحوارها مع مجتمعها رؤيتها للعالم، فمثلاً في مهرجان مدريد كيف كانت عروضه تعبر عن تصدع الحضارة الغربية، والمكسيك التي تعبر عن علاقة المسرح بالأيديولوجية، ونوادي المسرح والبحث عن مفهوم حداثي للمسرح.
لقد كان سعي الدكتور حسن عطية كناقد مسرحي في اقامة الحوار بين المسرح والمجتمع، جعل منه مثقفًا عضويًا بتعبير جرامشي، ففي كتابه سوسيولوجيا الفنون تحولات البنية وحضور المتلقي، يتناول ظاهرة العولمة وتأثيراتها على فن المسرحي فبدأ يدرس التفاعل بين التغيرات الاجتماعية والتحولات الفنية، وحضور المتلقي في قلب التحولات الفنية. كما بدأ يدرس ظاهرة مسرحة السرد الروائي، والحكاية الشعبية والقص الأسطوري في المسرح.
لم يكتف الدكتور حسن عطية بقراءة الممارسة المسرحية فقط، بل قام في كتابه دليل المتفرج الذكي إلى المسرح، بقراءة المنجز النقدي لغيره من النقاد مثل الدكتور على الراعي والدكتوره نهاد صليحه والدكتوره هدى وصفى والناقد فاروق عبد القادر والدكتور لويس عوض. حوار نقدي لا يقوم على نفي منجز زملائه بل قراءة واعية يكشف افكارهم ويستعرض ادواتهم النقدية وتحولاتهم النقدية في علاقته بالمجتمع، كأن هذا الجزء من الكتاب مكمل لما بدأه اثناء دراسته للدكتوراه بعنوان المنهجية السوسيولوجية للنقد والتي حصل عليها من جامعة اوتونوما بمدريد باسبانيا.
لم ينغلق الدكتور حسن عطية على نوع واحد من الدراما في الحقل المسرحي كغيره من النقاد، بل انفتح على الدراما في حقولها السينمائية والتلفزيونية، كما فعل في كتابه زمن الدراما، الذي تقمص فيه دور القاضي المدافع عن وضعية الدراما في المجتمع واختلف مع مقولة الدكتور جابر عصفور الشهيرة زمن الرواية، ليقول أننا في زمن الدراما ويدلل على ذلك في تحليل علمي دقيق ينبني على الحوار والجدل مستعرضًا تحولات المجتمع، وأن الدراما جزء لا يتجزأ من حياة المجتمع المعاصر.
في النهاية إن الحضور النقدي الثري للدكتور حسن عطية يجعل من الصعب أن تفي مقالة واحدة لتكشف عن دوره المهم في اثراء حركة النقد المسرحي، وتاثيره البالغ على حياة تلاميذه فكل واحد منهم مع الاستاذ الكبير حكاية تحمل سمات الدراما. إلا انه يظل الراحل الدكتور حسن عطية في أعيننا جميعًا الأستاذ الكبير المثقف المُحمل بالفكر القومي والمدافع عن الهوية المسرحية العربية (فكانت معظم قراءته وكتاباته النقدية بمثابة محاولة لتأصيل الظاهرة المسرحية في المجتمع)، وسوف يظل في نظرنا العالم الجليل الذي شغل الحركة المسرحية بعلمه واستاذيته من المحيط إلى الخليج وعلامة على الرصانة المنهجية ونموذج يحتذى به في اخلاصه للنقد المسرحي والبحث المسرحي.
( نشر المقال في جريدة مسرحنا 2020)