مسرحية “الطاحونة الحمراء” / نيفين جابر

يجزم الكثيرون أن نشأة المسرح الغنائي تعود إلى اليونان، إلا أنها في الحقيقة تعود إلى اجدادنا المصريين القدماء – وهو الأمر الذي لن نخوض فيه الآن – نحن الآن بصدد الحديث عن الأبناء الذين اعادوا الأمجاد لخشبة المسرح المصري، ضاربين عرض الحائط بأي معوقات وأي امكانات مادية محدودة.

احتلت مسرحية “الطاحونة الحمراء” المركز الأول وحصلت على أفضل عرض في المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية،  ثم تم ترشيحها للمهرجان القومي للمسرح المصري. وقد حصل العرض على جائزة التميز من قبل لجنة التحكيم بالإضافة إلى جوائز المركز الأول في الإخراج والإضاءة والأشعار والموسيقى والاستعراض، والمركز الثاني تمثيل رجال والمركز الثالث في الملابس.

جدير بالذكر.. أن الديكور والملابس في العرض المقدم في المهرجان القومي كانا اكثر ثراءا مما كانا عليه في المهرجان الختامي للأقاليم، ما يمثل نقلة نوعية وإضافة للمسات أضفت على عرض رائع رونق جميل.

لا يتوفر وصف.

حبك هنا حسب المزاج بس برصيد

وف كل يوم تقدر هنا تعشق جديد

لو فاكره ورد وكلمتين العب بعيد

جوه الطاحونة مفيش قيود حب ببراااااااااح

هكذا يبدأ العرض بإرساء لقواعد اللعب او العمل او ما يسمونه الحب في الطاحونة الحمراء. لوحات استعراضية فاتنة تخطف العيون، يتنقل بصرك هنا بشغف وراء كل حركة. الراقصون والراقصات في منتهى البراعة والخفة، موسيقى ساحرة تجذبك معها واصوات غنائية تعرف ما عليها من واجب لسرقة القلوب.

جوه الطاحونة .. الحب أكبر الذنوب

هتحب هتكون الشيطان ومالكش فرصة انك تتوب

اوعاك تحس ..

التصفيق الشديد من الجمهور علامة صريحة على الإنبهار. حين يدوي في جنبات المسرح يرفع معدلات الإبتهاج لدى صانعي الفن. لكن هناك أيضا علامات اخرى لكنها تحتاج إلى عين او كاميرا تلتقطه من بين مقاعد الجماهير، الا وهو الإنبهار والإندهاش. حين تنتابك أنت المشاهد حالات من الإندماج داخل النص وتحاول بخبراتك أن تفلت منه بلا جدوى. تُذَكِّر نفسك أنك تشاهد عرض مسرحي وأن المشاهد التي امامك ليست حقيقية وأن هؤلاء الرائعين يقومون بادوارهم ببراعة، لكنك لا تستطيع الإفلات من حبائل الإحساس.

لا يتوفر وصف.

وجدتني اقفز إلى مقدمة المقعد في مشهد ضرب (شارل) لـ (ماريا). وهما بطلا العرض الحقيقيين من وجهة نظري – رغم قناعتي التامة أن كل من ادى دوره على خشبة المسرح كان بطلا في مكانه – شارل المتمكن من خشبة المسرح وكأنها بيته، خطواته المتمكنة الثابتة، حركات قدميه ويديه تحدثانك أن الشخصية تملك لب الممثل وتتمكن منه كمس لا يستطيع الإفلات منه فأصبحا كيان واحد. ماريا المثال الحي للفنانة الشاملة، انسيابية في الحركة سواء في الرقص او في مشاهد الألم النفسي كان او الجسدي.

تعمدت إلى استخدام اسماء الشخصيات وليس اشخاص الممثلين، إجلالا لإندماجهم التام وتماهيهم مع شخصياتهم لحد عدم القدرة على الفصل بينهما – ذاته وشخصيته في العرض- وها انا ذا ارفع القبعة لكل القائمين على العمل هنا، لأنه لم يكن لأحدهم أن ينجح منفردا فهو عمل متكامل متضامن. الفرقة الموسيقية والألحان التي غلفت العمل كغلاف الشيكولاتة القيمة التي تدرك أن هناك محتوى على اعلى مستويات الجودة فكان لابد له من غلاف على نفس مستواه من الجودة والرقي. وقد حصل العرض في المهرجان القومي للمسرح المصري على جائزة افضل موسيقى مسرحية حية. الديكور والملابس كانا على درجة عالية من التوفيق، وهو امر لفت نظري أن الصور الخاصة بالعرض الاسبق في مهرجان الإقاليم لم تكن بنفس الملابس ولا الديكور. هذا هو عدم الإكتفاء بما تم انجازه – وان ليس في الإمكان ابدع مما كان – لا على العكس كان هناك ابدع مما كان.

لا يتوفر وصف.

الإضاءة تستحق التقدير فقد لعبت دورها ببراعة في تسليط الضوء على الأحداث. متى اضاءت جنبات المسرح تركت لنا الإبهار وان نتشتت مع كل الصخب في الطاحونة الحمراء كضيف يحل عليها لأول مرة. وتتركز تارة اخرى كبقعة على احد الأركان فيتكثف الإحساس معها.

الأشعار البطل الرئيسي في العرض الغنائي الموسيقي والذي ابهرني ببساطة التراكيب وقوة التأثير.

لسه ف القصة انتظار

لسه في الأحلام وجع

لسه نبضك صوت رقيق

صرخته مش تتسمع

والثواني شوك سئيل مليان قلق

والمشاعر ع المشاع وبتتسرق

والقلوب بين نور ونار

بس تختار تتحرق

مبروك على قلبي العبيط ..

من الغيرة والأوهام يفوق

ودفع تمن كل الليالي

وكل كدبة

وكل ضحكة

وكل وعد

فما تقلقيش ..

دي كل لحظة عشقتها دافع تمنها وفوقيها بُعد

كان لابد أن نثني على بطلي العرض الإعداد والإخراج، فما كان للنص أن يلاقى هذا الكم من الإعجاب بدون الأدوات المستخدمة لتضفي على العمل هذا التماسك. وكما هو الحال في العمل الموسيقي البحت لابد من مؤلف موسيقي (الكاتب او المعد ) ومايسترو (المخرج) يرشد العازفين للخروج بالمقطوعة على احسن وجه.

لا يتوفر وصف.

هي حكاية عجيبة غريبة حصلت من شهرين في الهند ..

حب وكره ودمعة وضحكة ..

رقص ومغنى وصدق وهبد ..

سحر وكنز وفقر وعدل وفيها نمور وكمان وأفيال . .

ناس بطالة وناس شغالة جاه وتيوس وكمان أبطال

في المشاهد الختامية يجب ان تحافظ على تركيزك، فهناك عرض مسرحي داخل العرض المسرحي، لا يخلو من الإسقاط. تنسل بعض الشخصيات وتجلس بين الجمهور وفجأه تقوم لتؤدي دورها، في هدم طفيف للجدار الرابع.

هي قصة بنحكي فيها كل يوم

حب غيره كره شوق

بس إيه ممكن يدوم ؟

الوقوع ف الحب خيبة .. منها مش ممكن نقوم

تقول الكاتبة الأمريكية (مايا أنجيلو) في احدى قصائدها أن الشجاعة هي الفضيلة اللازمة لممارسة أي فضيلة اخرى. الشجاعة التي واتت القائمين على هذا العمل المميز – تاركين ورائهم مخاوفهم من المقارنة بين عرضهم المسرحي والعمل السينمائي المقتبس عنه العرض، ومستخدمين ما توفر لهم من امكانيات على النحو الأمثل – هي الفضيلة اللازمة للنهوض بالمسرح المصري.

 

تصوير: آية حكيم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت