كتاب الخميس (الحلقة الثالثة والخمسون) / عرض و قراءة: محمد محسن السيد
**************
قليلة هي الكتب التي تناولت بنية النص المسرحي العراقي وخاصة فيما يتعلق بالاسلوب ومن بين هذه الكتب يقف كتاب ‘التحولات الأسلوبية في بنية النص المسرحي المعاصر” للدكتورة منتهى طارق حسين المهناوي. وهو من اصدارات بغداد عاصمة الثقافة العربية للعام 2013 ضم الكتاب فصولاً ثلاثة توزعت عام صفحاته الـ(208) صفحة من حجم المتوسط . تقدّمه الاهداء الذي جاء تحت عنوان: ( الى .. من أمسكني القلم .. كي أخط حياتي شكراً لكما من القلب .. وياليتها تكفي). وكذلك ضم مقدمة عرجت فيها الباحثة بالتعريف الأسلوبية وأهميتها في الدراسات الحديثة ومن ثم بيان تعريف التحول وصولاً الى تعريفه الاجرائي الذي صاغته الباحثة. أما فيما يخص الأسلوبية فقد جاء في الاسطر الاولى للمقدمة ما نصه: (تبحث الأسلوبية في الخصائص التي تميز نصاً من آخر ، أو كاتبا من كاتب، أو جنساً من جنس آخر ، أو اتجاها من اتجاه، وتظهر المميزات الفنية التي تشكلها الاسلوبية انطلاقا من اللغة ذاتها، الحاملة لأشكال الابداع كافة، ومنها يتألف النص المسرحي بوصفه منظومة متكاملة من الافكار التي ينكس فيها الحس الأدبيج، لتتمظهر خصائص الابداع من آخر ، ذلك ان تفاعل علم اللسان مع مناهج النقد الادبي الحديث قد أرس قواعد علم الأسلوب .
والأسلوبية بدورها تميز أسلوباً من آخر ، وعبرها ياتي للقارئ استحسان النص او استهجانه ، فضلا عن الوقوف على ما فيه من جاذبية فنية تمسو به الى مصاف الأعمال الخالدة بوصفها منهجاً (يدرس النص ويقرأ من خلال لغته وما تعترضه من خيارات أسلوبية على شتى مستوياتها، نحويا ، ولفظيا ، وصوتيا ، وشكليا ، وما تفرده من وظائف ومضامين ومدلولات وقراءات). أما فيما يخص التحول فتتوصل الى صياغة تعريفه الاجرائي بأنه: ( شبكة أو منظومة من العلاقات تكون فيها اللغة والخطاب شكلا واضحا من التعدد والتطور ، وخصوصا في مجالات البنية أو النمط الأسلوبي الذي تزدوج فيه العلاقة حضورا أو غيابا ، بما يجسد طبيعة التحولات التي تؤكد الموجه الخطابي مثلما تؤكد الموجه الاسلوبي في لحظة تكوين فاعلة). أما ما يخص الفصل الاول فقد جاء تحت عنوان (مفهوم الاسلوب والأسلوبية) حيث تناولت الباحثة الاصل اللغوي لمصطلح الاسلوب وراء القدماء فيه وصولا الى الاستعمال الحديث له مؤكدة على ما نصه:
(ان مفهوم الأسلوب يستمد ماهيته من الخبرات التي تفرضها الحاجات الانسانية سواء كانت جمالية، أم فكرية، أم روحية، أم اجتماعية عامة، ويحددها الوضع الطبيعي لمراحل نمو العصر) .
ثم تمضي بنا الدراسة صوب مفهوم الأسلوبية وبداياتها وأهميتها وأنواعها ، ونقتطف منه:
(.. من هنا ظهر التنوع في الدراسات الأسلوبية، سواء منها ما يهتم بالوصف، أو الوظيفة الجمالية ، وكما يلي:
1- الأسلوبية التعبيرية (الوصفية): ارتبطت بالعالم اللغوي – بالي- تلميذ (فردينا نددي سوسير)، وقد رأى ان اللغة خلق لساني ونتاج للروح ، بوصفها وسيلة اتصال ونظام عمل الافكار ورموزها من حيث ان جانب الفكر الفردي ليس أقل أهمية جوهرية من جانب الجذور الجماعية ، وهي تهدف الى دراسة القيم اللغوية الكامنة في الكلام ، لذلك لجأت الى فكرة قوائم القيمة الثابتة التي تسند لكل شكل تعبيري قيمة جمالية محددة ، انطلاقا من تقسيماتها التي تشكل تصوراتها: كالايجاز ، والحذف ، والتلميح ، والانطلاق ، التي انعكست على تفرعات الأسلوب ومنه: الأسلوب السامي ، والمتوسط ، والمتبذل ، كما احدثت تأثيرات واسعة في المدارس الأسلوبية التي جاءت بعدها ، ومنها الشكلانية الروسية في العقد الثاني من القرن العشرين ، فضلاً عن تأثيراتها على الأسلوبية الاحصائية).
2- الأسلوبية البنيوية: تعد امتداد لاراء سوسير في دراساته اللسانية التي قامت على التفريق بين اللغة بوصفها نظاما، وبين الكلام ، وهي كامنة في اللغة بالقوة ، بمعنى الاسلوب الفعلي في ذاته ، اذ ان هناك فرقاً بين مستوى اللغة ، ومستوى النص ، وقد أخذ ذلك الفرق مسميات عدة في المدرسة البنائية وتفرعاتها ، فقد دعا جاكسو بسون الى التفريق بين الثنائي -رمز- رسالة ، و(جيروم)يطلق عليه -لغه- مقالة بينما (هلمسليف ركز على التقابل بين: نظام – نص ، فيما تحول المصطلح عند تشومسكي الى ثنائية تتراوح بين قدرة بالقوة (كفاية)= ناتج بالفعل (اداء) ، وهذه المصطلحان على اختلافها تحيل على مفهوم متقارب في دراسة اللغة والأسلوب ، اطلقه سوسير وطوّره بالي وأكلمه البنائيون المعاصرون).
3- الاسلوبية الأحصائية: استطاع العالم الفرنسي جيرو وعلى الرغم من اختلافه مع غيره من العلماء ، أن يؤسس لاتجاه اسلوبي بموازرة بعض الباحثين ، سمي بـ(الاسلوبية الاحصائية)، وهي تتخذ من الاسلوب واقعة قابلة للقياس الكمي ، والخلاف يمكن بمسألة الجدوى من استخدام تقنية الاحصا في دراسة الأسلوب ، وتراوح بين معارض غريماس مثلا ومؤيد مولر مثلا .
4- الاسلوبية التكوينية: يعد ليوسبستر من ابرز ممثليها ، الذي اكد على ان العلاقات بين الكلمات هي علاقات حضارية وروحية ، تبرز فيها اللغة الأدبية عبر المجاز والعدول ، ويمكن من خلالها تحديد الخصائص الأسلوبية لفن ادبي ما ، أو لمدرسة أدبية معينة ، أو لعصر أدبي بأكلمه …
كما يمكن تفسير الأصل الاشتقاقي الروحي لعدد من السمات الاسلوبية الفردية في اسلوب كاتب ما ، عبر علم النفس العام ، ذلك ان عقل الكاتب اشبه بنظام شمسي ، فاللغة ، والدوافع ، والعقدة ، كلها تسير في فلك هذه الوحدة الميثولوجية ، والابداع العقلي ينعكس في اللغة ، ويصبح ابداعاً لغويا ، لأن اللغة تبلور خارجي لصورة ذهنية .
وهنا نصل الى موضوع جاء تحت عنوان(الأسلوب وتحولاته تاريخيا) وفيه تتناول الباحثة البلاغة وما يتعلق بها وراء بعض القدماء فيها ، وكذلك تتناول موضوع الخطابة وانواعها وما يتعلق بها . ومما جاء فيها:
(علم الألسوب يعبر عن دراسة العناصر العقلية والعاطفية ، التي تمثل وحدة النص فهو في ضوء ذلك وسيلة توصيل ، ومخاطبة ينتج من خلاله فن الإقناع ، لذلك فهو يدرج تحت عنوان الخطابة التي عرفت فيه سابقا).
أما فيما يخص الاساليب وانواعها نقتطف ما نصه:
قسم بلغاء العصور القديمة الاساليب الى انواع هي:
1-الأسلوب البسيط وهو نموذج الرعائيات .
2-الأسلوب المتوسط (المعتدل) وهو نموذج الزراعيات .
3-الأسلوب العالي(الفخم) نموذج الانياذة .
ثم تتطرق الدراسة الى موضوع مهم آخر هو دولاب مزجيل ونقرأ فيه:
(يعد دولاب مزجيل من أهم التقسيمات التي اعتمد عليها حتى نهاية القرن الثامن عشر ، بوصفه من الدلائل المهمة في اختيار الكلمات والعبارات المناسبة ، التي طبقت على أجناس الأدب جميعها ومن ضمنها الشعر والمسرحية).
وصولا الى ما نصه:
(تلك التقسيمات قادت البلغاء الى الاهتمام بالدال والمدلول ، لأنها المركب الأساس الذي يحقق وجود الاسلوب ويعين شكله ومضمونه ، ويحقق تلاقيا مع الأسلوبية التي تركز على تبيان العلاقة بين الدال والمدلول ، والتي بدورها تقود الباحثين الى محاولة تبني حقيقة الرسالة في النص الأدبي ، من غير تبني أي مرجعيات قبلية ، تتصل بأمور غير أدبية).
أما فيما يخص النص فتقول الباحثة:
(… اصبح النص وحدة لغوية في كور استعمالها ، وبذلك هو ليس وحدة نحوية مثل الجمل مثلا ، أو شبه الجملة ، كما ان معيارا لكم ليس ضروريا اذ قد يكون كلمة أو جملة أو عملا أدبيا ، وبتعبير أعمق واوضح النص ووحدة دلالية وهذه الوحدة ليست وحدة شكل ، بل وحدة معنى ، وعلى عدة كذلك ، فأنه يتصل بالجملة بواسطة عملية التحقق أي التشفير بنسق رمزي آخر ، فالنص يهدف الى الكشف عن تحولات الكاتب النوعية المتوارثة لموقفه من اللغة وطريقة تشكيل النص).
وأما فيما يخص السياق ونقرأ:
(… وبذلك تصبح معرفة السياق وإدراله هي معرفة الجنس الأدبي للنص ، فأن ضم أي نص الى جنس ادبي معين تعتمد على نظرية السياق التي تعتمد على مجموعة خصائص استدلالية داخل النص واخرى تشترك مع النص نفسه).
أما فيما يخص النسق فنرى الباحثة تعرف فيه الى القول:
(هو كل نظام لا يناقض فيه جزء الجزء الآخر ، أما سوسير فقد نظر اليه كشيء قريب من البنية ، ومفهوم النسق يرجع الى التحول من المفهوم الذاتي (الوعي الفردي) الى التركيز على انظمة الشفرات النسقية ، وهنا تتحول الذات الى أداة وسيط من وسائط أو ادوات النسق).
وبعد ذلك تستعرض الباحثة اللغة ودورها وأهميتها خاصة عند ارسطو وتقسيماته لها الى لغة ممتعة ولغة عادية وكذلك تمييزه بين اسلوب الشخصيات ، ذات السمو العالي ، كشخصية الملك عن أسلوب أسلوب الفلاح أو العراف .
ثم تعرج الباحثة الى تيار التعبيرية وانه جاء نتيجة للتعقيدات الحاصلة في الحياة والمآسي التي تعرضت لها الانسانية على خلفية الدمار الذي تركته الحروب المدمرة التي شهدتها اوربا ، وصولا الى ظهور النزعة الفردية ، وكذلك سمات اللغة في هذا التيار واهم ملامحها ، وصولا الى اهم سمات اللغة التعبيرية والتي تحصرها بالشكل الآتي:
1-الغوص في عالم الحلم من خلال الاعتماد على آلية اشتغال علامية ودلالية ، بمغادرتها التقليد والمحاكاة .
2-تعبر اللغة عن ذاتية الفرد .
3-اتخذت الطابع التلغرافي والايقاع السريع .
4-انتقال اللغة المفاجئ من الشعر الى النثر .
5-ابتعدت عن البلاغة والزخرفة اللغوية .
ثم تنتقل بنا الدراسة صوب المسرح الملحمي ومؤسه بريخت وكيفية استخدامه للغة في هذا المسرح والتي تلخصها بالآتي:
1-استخدم بريخت اللغة الارشادية التعليمية .
2-اعتمدت لغة الاشارة(الجست) في التعبير عما يمكن ان يقال .
3-عمل(بريخت) على تحديد لغته من المزوقات وجعلها وظيفية متقشفة .
4-زاوج لغته بين لغة رجل الشارع ، ولغة الأدب الرفيع .
وهنا تنتقل بنا الدراسة صوب عنوان رئيسي مهم هو (أسلوبية النص المعاصر) ومما جاء فيها:
(… لم تعد النظرة القديمة في اسلوب اللغة هي المسيطرة بل اجتاحت اللغة اساليب وافكار وفلسفات عدة ، سيما وان العقل الانساني بدا يتحول ويختلف بطريقة جدية بالتفكير ، وبالنظر الى العالم من حوله ، ومع الاحداث التي مرت بها الانسانية ، والكوارث التي حلت بالبشرية بعد الحروب ، والويلات التي عانى منها الانسان ، فقد بدأت اللغة تأخذ مسار اخر مماثل لما اتخذته الفلسفة والادب والعلوم الاخرى ، فقد برزت مفاهيم جديدة ، من اهمها انتفاء المطلق الذي تزامن مع بداية القرن العشرين وصولا الى المنهج البنيوي اللغوي الذي يعد من الطرائق الوصفية في قراءة النص الادبي ، التي ترتكز على المضمون ، وعناصر بناءه ، بوصفها تشكل نسقية النص في اختلافاته وتالفاته ، أي ان النص يركز على ماهو لغوي ويستقرئ الدوال الداخلية له ، من غير الانفتاح على الحالات السياقية الخارجية التي قد تكون أفرزت هذا النص بقصد فهم طريقة بناءه). ثم تنتقل بنا الباحثة صوب المنهج التفكيكي وحوله نقرأ:
(… وكذلك المنهج التفكيكي الذي يعد من اهم مرتكزات ما بعد البنيوية ، ان لم يكن مرادفاً لها ، وبقيت فائدة هذه الفلسفة التي أرساها دريد موضع خلاف كبير ، وان كانت قد احدثت فتحا في الدراسات الادبية النقدية ، من حيث عدّها ستراتيجية في قراءة الخطابات وتقويضها من الداخل ، ما يدل في مستواها الدلالي العميق على تفكيك الخطابات ونظمها الفكرية ، وإعادة قراءتها على وفق وحداتها البنائية ، والاستغراق فيها ، وصولا الى الالمام باليئور الاساسية الغائبة فيها ، كما تسعى التفكيكية الى تعويم المدلول المقترن بنمط مامن القراءة واستحضار المغيب بحثا عن تخصيب مستمر للمدلول على وفق تعدد قراءات الدال ، ما يفضي الى متوالية لانهائية من الدلالات . لقد كان لهذين المنهجين الاثر التي يحددها المتلقي ، والنص نافيا بذلك الثبات والمطلقية في النظرة الى اللغة وتمركز دلالتها).
ثم تمضي بنا الباحثة صوب الفلسفة الوجودية التي طرحت كثير من التساؤلات حول الكون والوجود وفيها تأخذ اللغة موقعها بين الدين والحكم ، بوصفها المنطقة التي تحقق التواصل بين ضلعين مهمين في التكوين الوجودي ، وهذه هي حقيقة دور اللغة في الوجود المعرفي للانسان ، ولا ننسى ان لهذه الفلسفة منظرون بارزون لهم تأثيرهم على التكفير البشري ، ومنهم الفيلسوف الماركسي ميخائيل باختين الذي يوضع حدا فاصلا بين اللغة المكتوبة المجردة التي لاتنتمي الى الواقع ، وبين اللغة التي يستخدمها البشر(المتداولة) . وتستمر الباحثة باستعراض اراءه حيث نراها تقول:
انقل باختين اللغة الى مرتبة جديدة لم يسبق لأحد ان فكر بها ، اذ ينتهج الى المتقابلات الثنائية في اغلب نصوصه ، مثل: ذاتي موضوعي ، منولوج داخلي ، حوار دايلوج ، شعرا نثر .. وهكذا ، يتضح ذلك عبر الاسلوب الجدلي الذي يتعمده ، من هنا كان لابد للمسرح ان يتلاهم مع هذه الطروحات الفلسفية الجديدة التي القت بثقلها على الساحة الادبية .
ثم تنتقل بنا الدراسة الى بارت الذي وصف اللغة بانها نسق من الانساق المتعددة للعلامة ، أي انساق الصور ، والايماءات ، والاصوات الموسيقية والموضوعية ، بل وذهب الى ان هذه الانساق تترابط مع انساق اخرها غيرها ، مؤكدا على وجود انساق غير لفظية مركزا على القول تصور إمكان وجود مدلولات نسق صور أو اشياء خارج اللغة ، ثم تنتقل الى راي فوكو بالموضوع السابق والذي يرى وتراكيب جديدة ، لاغراض جديدة ، مؤكدا على القول ان الكلمات او اللغة مجرد اشياء من بين اشياء اخرى تسكن هذا العالم . ثم تنتقل بنا الباحثة حول الحديث عن مسرح العبث وكتابه وكيف اثرت هذه الاطروحات في كيفية كتابة النص المسرحي لديهم .
ثم تعرج الدراسة الى الاشارة الى يزر ونظريته في الاستقبال والتلقي حيث يؤكد على ان ما من عمل الا ويعقد في داخله ما يسميه (قارئا ضمنيا).
وفي ختام هذا العنوان الرئيسي نقرأ ما نصه:
(… فالكاتب وفق تعدد المعنى الدلالي ، وتنوع رؤاه التي جعلت من البطانة الدرامية ، أو سرية ، تنشط من خلال شد النص ، بالرباط الكنائي والأستعاري ، التي أسهمت في صناعة النهايات المفتوحة).
وهنا نصل الى الفصل الثاني من هذه الدراسة الذي ضم ثلاث مواضيع رئيسية هي على التوالي: 1-أسلوبية النص الشعري ، 2-أسلوبية النص النثري ، 3- التحولات الاسلوبية وشعرية الخطاب الدرامي . وعليه نقرأ في الاسطر الاولى من الموضوع الاول ما نصه: (يعد النص المسرحي هو الحاوي الشامل لكلام المتكلم ، وهو البنية الكلية المستوعبة دلاليا له . لذا فهو المنظم والمرتب للحمل في فقرات الضمن معنى يجمعها دلاليا ، والمنسق الاواحد لاطرافه ، حيث يجعل وجودها كلا واحدا من هذه الانساق ، وسبباً في حضور الآخر) . ثم تتناول فيه مواضيع كالبلاغة والشعر وجهود واراء عبد القاهر الجرجاني حولهما وصولا الى موضوع الاسلوبية الشعرية التي تهتم بتهذيب العبارات وشعريتها ، فضلا عن تخليص اللغة من تجريدها ، والخروج من الأسلوب العلمي الجاف ، لأن اللغة الشعرية هي موت ، وانبعاث في الوقت نفسه ، لذلك على الشاعر ان يخرق قانون اللغة ، بفرض إدخال كلمات داخل جمل لم تكن لتدخل من وجهة نظر الأستعمال المعياري للغة ، ويتم ذلك عبر اسلوب التقديم والتأخير كما ذكرت الباحثة .
ثم تشير الباحثة الى موضوع مهم جداً وهو الانزياح وجهود ، كوهين في هذا المجال ومما جاء فيه:
(.. ربما كان (كوهين) اهم من تناول الصياغات الشكلية ، والتي ضمنها في الشعرية العلمية ، مقابل الشعرية الفلسفية ، التي أشار اليها في نظرية الأنزياح ، بوصفها كثيرة الاسلوبية الشعرية ، وهو يعني الانزياح عن معيار قانون اللغة ، ويمثل كل صورة تخرق القواعد اللغوية ، وتجعلها مختلفة غير مألوفة عن طبيعتها ، ويحدد (كوهين) ، الانزياح على وفق مستويين: الاول: هو الانزياح المقبول التأويل الذي يخرق اللغة على وفق قوانين ونظم يمكن تحديده . الثاني: يكون فيه الانزياح مستعصي التأويل ، وتسقط عنه السمة المميزة للغة ليكون شعريا . جعل (كوهين) الدرجة الاولى من الانزياح في الكلام العلمي الخالي الشعرية ، اما الدرجة الثانية فهو را معنى له أو غير معقول وتعتمد الشعرية فيه بدرجة كبيرة ، و اساسية بخرقها لقانون اللغة ، وبذلك تكون أسلوبية النص ، أسلوبية شعرية ، فهو الشكل الفني ، الذي تتخذه الالفاظ ، والعبارات ، بعد ان يظمها الكاتب في سياق بياني خاص).
ثم تنتقل بنا الدراسة الى صور الانزياح والتي تحددها بالتالي:
(1-انزياحات تركيبية أي علاقة العلامة بالعلامة .
2-انزياحات تداولية وهي علاقة العلامة بالباث والمتلقي .
3-انزياحات دلالية من خلال علاقة العلامة بالواقع).
ثم تعرج بنا الدراسة الى الأسلوبية الشعرية وكيفية تشكيلها حيث تذكر (انها تتشكل على وفق خطين متوازيين: خط للمعنى الحقيقي ، وآخر للمعنى المجازي ، هذه العلاقة بين المعيار ، والانزياح ، هي التي تولد الفعل الاسلوبي .
ثم تشير الباحثة الى جهود كل من ريفاتير وجاكوبسن حول موضوع الوظيفة الاسلوبية وصولا الى اشكلا نيين الروس الذين حرصوا على الشكل واستبعدوا المضمون . وهنا تشير الدراسة الى الشعر وأهميته في الدراما حيث يمنحها التوهج وقوة التأثير ، والدراما بدورها تضاعف من عمق تأثيرها الوجداني لدى المتلقي . وفي ختام هذا العنوان الرئيسي تؤكد الدراية ما نصه: (.. فالشعر هو لغة المسرح منذ فجرها . وكما كان كتاب فن الشعر لارسطو دراسة للمسرح في ثوبه الشعري .
فالنص الشعري المسرحي هو نص مسرحي أدبي منفتح دلاليا بأسلوب الانزياحات المتنوعة ليحول النص لعلاقات مختلفة من الانساق الشعرية . والذي يحيل على تعددية القراءات . فالشعر المسرحي هو معطى لغوي محمل بالرموز الدالة والموجهة على حد سواء بوصفه الوعاء الروحي له . لذا أصبحت الجمالية المنبثقة على خشبة المسرح هي الاحساس بالشعر .
ثم تصل بنا الدراسة الى عنوان رئيسي آخر هو (أسلوبية النص الشعري) وفيه تكون العلاقة بين النص والقارئ هي الاساس الذي اتبنى عليه هذا العنوان . وفيها نقرأ:
(يوضح ريفاتير بضرورة ان يكون هناك قاريء خارق ، ينتج ويعيد مفهوم النص الأصلي المقروء ، وفهمه من جديد ، وقد تمكن من أن يفسر وظيفة البنية الأسلوبية ، بمصطلحات عملية القراءة ، وكذلك عكس الصورة بأن يفسر بنية القراءة بمصطلحات عدم القدرة على التنبؤ في الأسلوب ، واعتمادا على هذا فان (ريفاتير) قد اعتمد على أثر الكلام في القاريء الذي يتكون على شكل عناصر متسلسلة متوالية ، وإن على القاريء ان ينتبه لهذا الكلام ، ولا يغفل عنه لكي يحلله بصورة متكاملة ، لإبراز دلالات تميزه من غيره .
مؤكدا ثم تشير الباحثة الى الشعرية والتي يجب ان تكون محايثة للشعر وان يكون هذا مبدأ ما الاساسي ، لذا فهي تربط بين البلاغة والنحو وبين النحو وتوليد الدلالة داخل النص كما أكدت الباحثة ذلك . ثم تغوص الدراسة في تبيان جهود كل من لابن طبا طبا و(الجرجاني) وآراءهما في الطرح اللساني وخاصة في موضوع جمال اللفظ وتوصيفه . ثم تعرج الباحثة بنا لتشير الى النص النثري في المسرح مؤكدة تميزه بالايقاع المتوافر على الحوار الذي ينتجه المؤلف على لسان شخصياته ، إذ تكون الجملة قادرة على إيصال فكرة ما ، ما يهتم عليها نقل صورة تحاكي الداخل ، أي ان الكلام هو ليس أشارة فقط ، وإنما هو مرآة تعكس المضمون الداخلي الذي ينقله وانه كذلك يمتاز بالحركة ، والفعل المتنامي ، عبر شكل وأسلوب لكل شخصية لكي تتميز الواحدة من الاخرى ، بان يستغل المواقف التي تمر بها شخصيات المسرحية ، من خلال لغتها الشعرية التي تزيدها عمقا ، وجمالية بتصوير درامي . وتعود الدراسة بنا لتستعرض جهود (اودين) و(مدرسة براغ) في هذا الموضوع وخلاصة ما توصلا إليه حوله . ثم تنتقل بنا الباحثة الى تودورف وجهوده في هذا المجال مؤكدة أن الجانب اللغوي الانموذجي هو القاعدة الاساس للأنموذج السردي ، عندما وجد ان يمكن ان تفصل واحدة عن أخرى ، مما جعل اللغة تحتل عند تودورف مرتبة الصدارة في الانموذج السردي ، الذي يحمل وحدات متعددة هي الوحدات الصوتية (الفونا) والوحدات الشكلية (المورفيمات) ، والوحدات الاساسية ، وصولا الى تصنيف السرد الى مظاهر ثلاث وبالشكل الآتي:
1-المظهر الدلالي وهو ما يطلق عليه المضمون .
2-المظهر التركيبي وهو المتعلق بالعلاقات بين الاحداث .
3-المظهر اللفظي وهو اللغة التي قدمت المسرود بها .
وهنا نصل الى عنوان رئيسي آخر هو (التحولات الأسلوبية وشعرية الخطاب الدرامي). وفيه تسعى الباحثة الى محاورة لغة الخطاب الدرامي ، بقصد التعرف على فعاليته وقوته التعبيرية في النظام التركيبي للخطاب الدرامي بشكل عام .
ومعنى آخر الشكف الأسلوبي عن المستويات الدلالية داخل النص الدرامي ، ومدى علاقتها باللغة الشعرية ، التي تغادر الانماط اللغوية المألوفة ، ما يسمو بها الى الشعرية وذلك ما اكدته السطور الاولى من هذا العنوان . ثم تتناول الدراسة الفرق بين كل من النص الدرامي والشعري مؤكدة ان الاول يمتلك الفسحة المناسبة من الحرية في التعبير والدلالة ، بتحرره من قيود الوزن والقافية والايقاع ومن ثم التركيز على الصورة بغيو التعويض ، لذا فان الخطاب الدرامي له المجال المتسع في قراءة وتأويل النص على العكس من لغة السرد في القصة والرواية ، وذلك يمكن من خلال الاستعارة والكناية والتشبيه والتكثيف والمجاز ، التي توظف عبر وسائل اللغة الشعرية ، بما يتلائم وسياق الكلمة ، والجملة ، وأسلوب التعبير من خلال رسم صورة شعرية بكل المقاييس الدلالية للغة ، والتي تعد من الصفات المهمة للأسلوبية ، بهذا يكون الخطاب ذا تأثير على المتلقي بإثارة عواطفه بتشكيل الصور الشعرية بسياقات مختلفة على وفق ما يتطلبه الحدث من تجانس بين إطراف متباعدة ، ومتباينة ليشكل صورة شعرية لها وقعها على القارئ بإثارة عواطفه لما تحمله من دلالات واسعة ومتعددة . ثم تأخذنا الباحثة لتشير بنا الى اللغة ومعناها اللمجمي ووظيفتها الإنشائية (المعنى السياقي) . مؤكدة على مانصه:
(.. ان الصورة الشعرية تحمل بعدين أو معنيين معنى معجمي -دال- ومعنى سياقي -مدلول- ولعل ماهية الاسلوب تتحدد بنسيج الروابط بين الطاقتين التعبيريتين في الخطاب الأدبي: طاقة الأخبار وطاقة التضمين ، أي ان الصورة الشعرية التي تتمثل بالتشبيه والمجاز والمطابقة ،وحسن التقليل ، والكناية ، تكون في الشعر اشد قوة ، واكثر تاثيرا وجمالا ، بينما تتجه في النثر لتكون اشد ايجاز او إيضاح ).
وفي ختام هذا العنوان الرئيسي تتوصل الباحثة الى مجموعة من المرتكزات الهامة والتي تشكل مؤشرات ، يمكن ان تتحرك في الفصل الاخير(القادم) الاجرائي ، بوصفها معايير للتحليل وبالشكل الاتي:
1-تعد الاسلوبية وسيطا يجسد الرسالة الادبية ، يصل بدوره الى حل الشفرة التي تمثل المعنى الدلالي الذي ينبثق منها ، نتيجة حاجات إنسانية ، وإجتماعية ، وتعتمد على الاسلوب المطلق في التعبير .
1-يمتلك الاسلوب المعنى الرحب في اللغة المعاصرة ، بسبب اتحاد الصورة ، والفكر معاً ، ما يؤكد على لا معقولية الحياة ، بمعنى أنه إزال مألوفية اللغة ، لتمثيل الأسلوب الذي يعمل فيه الشعر عمله ، بتحديد وتحديث اللغة ضمن جملة من الاختزالات .
2-حولت الاسلوبية شكل المعنى بظهور مناهج نقدية مثل البنيوية ، والتفكيكية ونظرية التلقي ، التي نظرت الى المعنى على وفق النسبية التي يحددها المتلقي والنص ، وبذلك انتفى المطلق تماما حيث نظر رموز اللغة ودلالاتها .
4-جاءت الاسلوبية بوجهين وجها فكريا ، ووجها عاطفيا ، وعبرهما يتفاوت الاسلوب كثافة حسب ما للمتكلم من استعداد فطري ، وبحسب الوسط الاجتماعي ، الذي يعيش فيه فضلا عن الحالة التي يعيشها الفرد .
5-جاءت الاسلوبية على وفق خطين متوازيين: خط المعنى الحقيقي ، وآخر للمعنى المجازي ، هذه العلاقة بين المعيار والانزياح هي التي تولد الفعل الاسلوبي .
6-تؤثر الأسلوبية في المتلقي وتفاعله مع النص ، بوصفها المحرك الاساس في تحول النص من شكله الشعري ، الى شكله النثري ، والسردي ، والدرامي .
7-يشكل الجنس ، والعصر ، والمرحلة ، المحركات الاساسية في تحول اسلوبية الكاتب ، بشكل مباشر ، أو غير مباشر .
8-انتهج الاسلوب شكل الساخرية غير المألوفة والذي ولدت من خلاله المحاكاة التهكمية التي تحاكي الواقع المدير بأسلوب السخرية منه والإظهار للفكرة بدلاً من بثها لتجسد المعنى بعينه ، ذلك ان التضاد والمفارقة تعكسان في حقيقة الأمر بنية لخيال نفسه .
وهنا تصل بنا الدراسة الى الفصل الثالث والاخير وهو بعنوان (تشكلات التحولات الأسلوبية في النص العراقي) وفيه نختار الباحثة العينات الست وتحليلها وقراءتها مستعينة بالادوات المنهجية التي تمثلت بالمعايير والمؤثرات التي توصلنا اليها الدراسة في الفصلين السابقين الاول والثاني
** محمد محسن السيد/ مدير المركز العراقي للمونودراما