“اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ﻓﻲ دول ﻣﺟﻠس اﻟﺗﻌﺎون” / د . ﺳﻌداء اﻟدﻋﺎس
واجهت تلك الروح محيطها المنغلق، وحاربت الفكار المضادة بشراسة، لتنثر بذور فن جديد، في أرض كانت تبدو ـ في حينها ـ عصية على الاختلاف، لكنها في الحقيقة تُدثرُ بقشرتها الصُلبة تربة مطواعة خصبة، أثمرت طاقات مازالت أسماؤُهم تتردد إلى اليوم.
بفضل تلك الجهود الفريدية لبعض الشخصيات الاستثنائية ـ العربية والخليجيية ـ نقراُ اليوم تاريح الحركة المسرحية في دول مجلس التعاون الخليجي بجذوره الممتدة إلى قرن مضى، وذاكرته المُكتنزة بالتجارب الأولى، بكل ما حملت كواليسها من معاناة، وبقدر ما تجاوز رجالاتها من عراقيل، إلى أن أزهرت تلك البذور وإرهاصاتها الأولى من بين أروقة المدارس ـ أو النوادي في بعض الحالات ـ بإمكانيات محدودة، وتجارب بدائية، لكنها صنعت التاريخ، واستطاعت أن تشعل فتيل شرارة أرواح قتالية أخرى، ليتأجج الحماسُ في نفوس العديد من المواهب في المنطقة، ممن وهبوا أنفسهم لفن المسرح، مُؤسسين لحراك خليجي لافت للاهتمام، ومرسخين كينونة فنية لا يمكن تجاوزها.
ورغم تفاوت مستويات ذلك الحراك، إلا أنه أنتج تجارب بعضها مغاير، وأفرز فرقا معظمها معطاء، وصنع أسماء كثير منها لا ينسى، وأنشأ مؤسسات فنية وتعليمية، جُلها فاعل، وإن تباينت مستويات فاعليتها، أو أخطأت في بعض اختياراتها، إلا أنه غارقة في إهاب المسرح، ومأخوذة بهالته التي لا تموت!
مقابل ذلك النشاط المُشتعل، وتلك الروح الحماسية، تظل الحركة المسرحية في دول مجلس التعاون الخليجي ـ كما هو الحال في كل مكان في العالم ـ رهينة حراك من نوع آخر، حراك حتمي، يُؤمن بأن القدرات البشرية ـ وإن تميزت ـ سيأتي يوم وتتهاوى أمام فن (آني) كفن المسرح، فالعين مهما كانت لاقطة لا بد لها أن تستسلم لجفنيها لحظة ما، والذاكرة مهمت كانت متماسكة لا بد لها أن تذوب أمام سطوة السنين، عندها من يحفظ للمسرح ذاكرته!؟ ومن يوثق للممثل صورته!؟ ومن يؤكد للمبدع قيمته وأسبقيته!؟
المنجز المسرحي ـ أيا كان انتماؤه ـ بما يحمل من وعي، وفكر، وإبداع، وبكل ما يحتويه من معطيات فنية ودرامية، يرتبط ـ منذ بداياته الأولى ـ ارتباطا وثيقا بأطراف أخرى، تجاوزه بخطوط متوازية أحيانا، وتتقاطع معه أحيانا أخرى، لكن تلك الخطوط في جميع الأحوال، تحفظ له مشهديته، وتؤرخ مسيرته، وتقرأ معطياته، وتناقش أفكاره واشتغالاته، تضيء زواياه المعتمة، وتبحث في رسائله المشفرة، فتتوقف عند جمالياته، ولا تتجاوز هناته.
إلى أي مدى تحقق ذلك بالنسبة للحركة المسرحية في دول مجلس التعاون الخليجي!؟ على مستوى الذاكرة التاريخية، أو البُنية المعرفية، الموثقة لتاريخ الحركة المسرحية في تلك الدول، بدورها الأرشيفي، ومراكزها المعلوماتية؟ وما وضعُ الحركة النقدية في المقابل؟ هل جاءت مواكبة لذلك المنجز بجميع مساراته الإبداعية والإنتاجية!؟
تساؤلات عديدة، نطرحها عبر ورقتنا هذه، في حاولة منا الوقوف على المعطيات التوثيقية، والنقدية للحركة المسرحية في دول مجلس التعاون الخليجي، عبر رصد تشكلاتها، ومناقشة إشكالياتها، والتعرف على دورها كمرآة عاكسة من جهة، وقاعدة فكرية موازية للحراك المسرحي من جهة أخرى، فهل تأثر الحراك التوثيقي، والتاريخي، والنقدي بالمقومات التي تؤسس لذلك؟ بداء من المؤسسات المعنية بالمسرح بصورة مباشرة، وصولا للمؤسسات الثقافية والإعلامية الخليجية، مرورا بالمؤسسات التعليمية المعنية بصناعة جيل نقدي مثل قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت ـ باعتبارها المؤسسة التعليمية الفنية الأولى والوحيدة في المنطقة، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى وقت قريب، والتي تُعنى بالنقد المسرحي بصورة مباشرة ـ وصولا للتأثير الرقمي، عبر معطيات الفضاء الافتراضي، وإسهاماته المباشرة وغير المباشرة في تشكيل الناقد فردا، والنقد منظومة.
************************
* ملاحــظــة: هذا ملخص ورقة د. ﺳﻌداء اﻟدﻋﺎس التي ساهمت بها في الجلســة الثانيــة من اليوم الثاني التي ناقشت موضوع “الذاكرة التاريخية والبنية المعلوماتية للمسرح في دول مجلس التعاون” بالندوة الفكرية: «البنية الأساسية للمسرح في دول مجلس التعاون الخليجي» ضمن فعاليات الدورة 14 لمهرجان المسرح الخليجي التي احتضنها مدينة الرياض (10 ـ 17 سبتمبر 2024) ، وذلك يوم الجمعة 13 سبتمبر 2024، بقاعة المؤتمرات (بإقامة المهرجان).