المسرح المدرسي والجامعي في المملكة العربية السعودية (قراءة في فضاء التجربة)/ أحمد السروي

مفتتــح:

لمدة تزيد عن ربع قرن مضت وتحديدا من بداية العام 1997م عملت فيها في النشاطات الثقافية في أروقة وزارة التعليم من خلال الإدارة العام للتعليم بمنطقة عسير، أزعم بأنني كنت قريبا من المسرح المدرسي على مستوى التخطيط والتنفيذ والكتابة و الإخراج كذلك، وبالطبع كانت فرصة عظيمة لي للاحتكاك مع أصدقاء وعاملين ومهمومين بهذا النشاط المسرح وما كان يمثل بالنسبة لنا جميعا من قيمة كبيرة نحرص كثيرا على ترجمتها وفق الإمكانات المتاحة أمامنا، واعتقد أن هؤلاء الأصدقاء جميعا كانوا يتوقون للبحث عن المعرفة والتجارب والدراسات المتعلقة بالمسرح بدليل ما بذلوه من جهود وفيرة جينما قرروا الذهاب إلى بعض المعاهد والمؤسسات المسرحية وبيوت الخبرة في بعض الدول العربية كالأردن ومصر وسوريا وغيرها للإفادة مما يقدم من دورات مكثفة وورش مخصصة على اعتبار أن المسرح علم يدرس له نظرياته وتطبيقاته العلمية، منها ما يتعلق ببعض العلاقات بين الدراما والتعليم وفق استراتيجياتها، كذلك فهم العلاقة بين علم النفس وسيكولوجية الطفولة والمراهقة بما تتضمنه من خصائص عمرية وبنائية ونفسية واجتماعية، إضافة لأسس الإخراج المسرحي وفنيات وتقنيات الكتابة المسرحية، واشعر بأن هذه المسيرة كانت منطلق رئيسي في رسم معادلة جمالية ترجمتها فيما بعد العديد من العروض المسرحية المقنعة التي أشرف عليها هؤلاء الصحبة في مهرجانات المسرح المدرسي التي كانت تقام بداية وفي مرحلتها الأولى على مستوى الإدارات التعليمية، ليتم اختيار الفريق المسرحي الذي سيشارك باسم المنطقة التعليمية، ومن ثم يكون التتويج في مهرجان المسرح المدرسي الختامي الذي تشرف عليه الوزارة والذي استمر لأكثر من ثلاث عشرة دورة مسرحية طافت على مسارح التعليم في هذا الوطن الكبير والمتتبع المنصف لهذا المشروع لا يمكن له الحديث عن المسرح السعودي دون الإشارة إلى هذا التاريخ المسرحي الهام، وعلي كذلك بأن أشير إلى ما قدمه الزملاء في الإدارة العامة للنشاط الثقافي في وزارة المعارف آنذاك من تسهيلات تستحق الثناء والتقدير، كذلك وددت الإشارة إلى أن هذه الورقة ستلامس شيئا من تاريخ المسرح الجامعي وبعض الأنشطة والفعاليات والمهرجانات المنفذة التي قدمتها تلكم الجامعات السعودية العريقة وبما تم تأسيسه مؤخرا من خلال إنشاء العديد من الكليات المتخصصة في المسرح والفنون والسينما، ولا أدعي الإحاطة الكاملة ولكنه جهد بسيط أرجو قبوله، وعلى هذا الأساس قدمت هذه الورقة التي امل أن تكون مفيدة وممتعة للقارئ المتتبع للمسرح المدرسي والجامعي في المملكة العربية السعودية وللمشتغلين في هذا المشروع الكبير الذي نروم جميعا تحقيق أهدافه ورسالته وغايته والتي نقف أمامها احتراما وتقديرا للمنجزات التي حضرت وللتوجه المستقبلي الذي نتابعه بحب وتقدير كبير من خلال الشراكات الفاعلة بين وزارتي الثقافة والتعليم الساعية لتحقيق رؤية المملكة 2030 وبرنامج جودة الحياة شاكرا للأحبة الذين كلفوني كتابة هذه المادة وأخص بذلك الأساتذة المولعين بالمسرح وقضاياه وهمومه: خالد الرويعي، نايف البقمي، نوح الجمعان.

ملمـح ومنشـأ تاريخـي عن المسـرح المدرسـي في المملكـة العربيـة السعوديــة:

إن المسرح المدرسي في المملكة العربية السعودية تعود بداياته كما تذكر بعض المصادر التاريخية لأكثر من تسعة عقود، حيث يؤكد الباحث المسرحي الأستاذ علي السعيد بأن أول مسرحية كانت “بين جاهل ومتعلم” سنة 1928م وهي مشهد مسرحي بسيط قدم في المدرسة الأهلية بعنيزة وبحضور جلالة الملك عبد العزيز أثناء زيارته للقصيم، تلا ذلك قيلم العديد من المدارس في مختلف مناطق المملكة في إقامة حفلات مدرسية في نهاية كل عام مثل مدرسة النجاح بالمدينة المنورة عام 1354هـ التي قدمتها آنذاك وما أشار له كذلك علي السعيد في كتابه “الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وأربعون عاما من المسرح” في قيام مدرسة جيزان بتقديم حفلها السنوي المسرحي عام 1365 هـ / 1945م . كما تذكر بعض المصادر بأن هذه النشاطات كانت مرافقة لبعض المواد الدراسية وسبب في ممارسة الطلاب للنشاط التمثيلي وفق بعض الوثائق البسيطة التي تؤكد ذلك. ويذكر الأستاذ عباس الحايك في كتابه ” المسرح السعودي ـ تجارب ومسارات” بأن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانتا عقدين ذهبيين للمسرح المدرسي، فالحراك المسرحي المدرسي كان يقام في المدارس والمراكز الصيفية والتي يمكن أن تصنف في جهة المسرح المدرسي فلا تخلو مدرسة في أي مدينة أو قرية من هذا النشاط الذي وصل للجمهور، فالحفلات المدرسية كانت وسيلة من وسائل التنوير المتاحة في وقت لم يكن ثمة ما هو متاح أكثر من الحفلات قليلة التكلفة، وللحق فإن النشاط المسرحي في مدارس المملكة كان نشاطا خارج الإطار والمرجعية الإدارية حتى تم إنشاء وزارة المعارف عام 1373 هـ / 1952م, حيث ضمت ضمن إداراتها المؤسسة إدارة التربية الرياضية والاجتماعية ثم بعد ذلك انضمت إليها النشاطات الكشفية والتي تحولت جميعها فيما بعد إلى الإدارة العامة للنشاط المدرسي ويتبعها النشاط المسرحي الذي تم ضمه في عام 1994م تحت مظلة النشاط الثقافي….!

بيــن الحضـــور والغيـــاب:

بحكم قربي من المسرح المدرسي أجد أنه يتأرجح ما بين الحضور والمتمثل في الحضور الخارجي اللافت في المشاركات الدولية وكذلك في حضوره الداخلي المؤقت في برنامج المنافسات المسرحية للإدارات التعليمية على مستوى المراحل الثانوية الذي يقام مرة واحدة طوال العام الدراسي وما أن ينتهي حتى ربما يغيب أو يغيب لفترات طويلة إلا من بعض الاجتهادات في إدارات تعليمية عدة كالأحساء وجدة والرياض والطائف والمنطقة الشرقية وعسير وعلي أيضا ألا أغفل في ذات المقام الجهود التي بذلت خلال فترات متفرقة وسابقة لبعض الإدارات، وأن كنت أرى أن فترة وزير المعارف آنذاك الأستاذ الدكتور محمد الرشيد ـ يرحمه الله ـ هي الفترة الذهبية والتي عمل فيها على تأسيس المسرح المدرسي من خلال موافقته على تنظيم مهرجان الفرق المسرحية الأول والذي اقيم في الطائف في العام 1998م أعقبه المهرجان الثاني والذي اقيم في منطقة عسير وتم تقديم برنامج تدريبي لمدة شهر كامل لأكثر من 50 مشرفا للنشاط الثقافي على مستوى الوطن، إضافة لموافقته ـ يرحمه الله ـ على أهمية إحضار العديد من الأساتذة المتخصصين من خارج الوطن في الدراما والمسرح وإلحاقهم بالإدارات التعليمية كمسؤولين عن الأنشطة المسرحية في الإدارات التعليمية.

ملامــح وإضــاءات على المسرح المدرسي:

وبعد هذه المقدمة المختصرة عن المسرح المدرسي في المملكة العربية السعودية علينا أن نقرر ما هو المطلوب منه وما الغاية المؤثرة لوجود وتأسيس المسرح المدرسي وعلى الأهمية توظيف المسرح في العملية التربوية أو لتطوير المناهج؟، وهل يمكن صناعة معلم يقوم بالنشاط المسرحي؟، وهل ثقافة وشغف ورغبة المعلم عوامل مساعدة في ذلكم؟، وهل من المهم أن ينظر لهذه المؤسسات التربوية “المدارس” على أنها معاهد متخصصة معنية بتقديم المسرح كحقيقة حاضرة في المشهد، إضافة لدورها التربوي التعليمي؟ هل يمكن اعتبار هذه المؤسسات التربوية قنوات هامة ومنصات مساعدة في خلق الفضاء المسرحي الذي نرومه جميعا وفق المشهد الحاضر، وهل الأهمية هنا تكمن في صيرورة الفعل المسرحي الذي ننظر إلى نتيجته دون الوقوف على أهم مدخلات عناصر هذه المعادلة والمتمثلة في تدريس المسرح كمفهوم وممارسة ومنهج وقيمة…؟ وما هو حجم العلاقة بينها وبين المؤسسات الأخرى المعنية بالفعل المسرحي، وحين نقول مسرح تعليمي أو مدرسي أو طفل أو دراما في التربية والتعليم، فهل نحن نقصد الفعل الممارس داخل الصف الملتصق بالمقرر وما هو مقدم على خشبة المسرح المدرسي، وهل يمكن تحرير هذا المصطلح وإخراجه بين ما هو مدرسي وتربوي ومقرر والوصول به لتوصيف ممنهج وإجرائي قادر على صناعة المشهد المسرحي داخل المدارس…؟ وهل يمكن أن يبقى المسرح المدرسي قادرا على البقاء، وما هو حجم العلاقات التي صنعها مع المؤسسات الثقافية والمجتمعية جميعا باعتباره نافذة منفتحة على الآخر..! ولتحقيق هذه الأهمية أعتقد أنه يجب أن يكون هناك دور ثقافي فاعل ومعرفي رصين بالدرجة الأولى تقوم به هذه الكيانات التربوية من بين نشاطاته الفعل المسرحي داخل المدرسة سواء أكان هذا داخل حجرة الصف أم خارجها وأن يعتبر هذا الدور أساسيا لا زائدا أو تكمي لي ووقتي قد تقوم به بعض الإدارات وقد لا تفعل كذلك…! الدور هنا يجب أن يكون مؤسسيا منهجيا ومن هنا يأتي دور المدارس التنويرية والجمالية في تحقيق الآمال والطموحات والهموم والأحلام. لأن المسرح يتواجد هنا في الفناء المدرسي وفي الحجرة الصغيرة وفي القاعات المعدة من خلال ما يمكن تسميته بمنهجية (الدراما في التربية والتعليم) باستراتيجياتها المعروفة والتي تستطيع تحويل هذه المادة من شكلها الجامد إلى حالة أخرى يتعاطى فيها المعلم والطالب في مشاهد تمثيلية وخيالات ولحظات تأمل للوصول إلى تحقيق رسالة المقرر. ولذلك تنشأ المعادلة الطردية في أنه كلما كان القائمون على هذه البيئات والمجتمعات وخاصة في التعليم على درجة كبيرة وعالية من الوعي والتفكير كلما كان المسرح/ المدرسي أكثر حضورا ونضجا ووهجا ورفعة، وبالتالي كان لدينا وعيا قائما وذائقة جمالية متدفقة.

يذكر الأستاذ يوسف الحمدان في ورقة مقدمة حول المسرح المدرسي في مهرجان المسرح المدرسي الخليجي في مدينة أبها 2006م بأن “المسرح داخل المؤسسة التعليمية مظهر حضاري وتربوي بمعناه العام والمسرح المدرسي بمعناه الخاص يكتسبان أهمية مضاعفة الجهد والعمل لما يضطلع به من دور كبير في تنشئة الطالب وتكوين كثيرا من معارفه وتفجير طاقاته الإبداعية والسلوكية متى ما أحسن التعامل معه.. ولذلك لم يكن مارك توين مبالغا حين ذهب إلى أن مسرح الطفل أعظم الاختراعات في القرن العشرين ووصفه بأنه (أقوى معلم) للأخلاق وخير دافع إلى تعزيز السلوك الإيجابي بعد أن اهتدت إليه عبقرية الإنسان لان دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة ومملة بل باللعب والترفيه والمحاكاة، اعتقد أن الكتب الخاصة للأطفال والطلاب لا يتعدى تأثيرها العقل وقلما تصل إليه، ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من الدراما التربوية والمسرح المدرسي فأنها لا تتوقف في منتصف الطريق بل تمضي إلى غايتها”، وبالتالي فإن المسرح المدرسي تتعاظم فيه الأهداف والمقاصد التي يؤديها ويسعى إليها فهو ينظر إليه بوصفه وسيلة تربوية وهو أحد الوسائل التعليمية والتربوية الذي يدخل في نطاق التربية الجمالية والتربية الخلقية فضلا عن مساهمته في التنمية العقلية إلى جانب اهتمامه بالتعليم.

المسرح المدرسي هو أداة تربوية ناجعة بالنسبة للطفل، وهو عملية تثقيفية وتعليمية وتهذيبية متكاملة البنيان، متعددة الأبعاد. بدليل ما توفره وتقدمه بعض المؤسسات التربوية للمسرح المدرسي من أهمية كبيرة، إذ لا يمكن أن يمر طفل في مؤسسة تعليمية دون أن يشارك في عملية مسرحية كل سنة من سنوات دراسته عكس معظم طلابنا وطالباتنا الذين لا يعرفون من المسرح سوى اسمه وهذا مؤشر خطير جدا أن لم يقم شداة المسرح وأصحاب القرار لإنقاذه من العبث والغياب والتغييب الذي يمارس بحقه بين الحين والآخر  ممن يحسبون أنهم يفعلون صنعا..!أتصور أن من الأهمية بمكان أن يدرك المربي أن حركة الطفل هي الدعامة الأساسية في بلورة شخصيته، لهذا فأن المبدأ الأول للتربية يرتكز على أن الحركة هي أساس اكتساب الطفل المهارات المعرفية واليديوية والإبداعية وقد أكد العديد من المهتمين والباحثين أن للعب أهمية في تكوين شخصية الطفل، وتشكيله وزيادة وعيه ومعرفته بل يوصف لعب الأطفال بأنه: وسيلة إلى إدراك واكتشاف العالم الذي يعيشون فيه، والذي يتطلب منهم أن يستنتجونه فيما بعد. فمن خلاله تنمو قدراتهم العقلية والاستكشافية. وبغية تنظيم وبرمجة هذا اللعب يبرز لنا المسرح كعنصر مهم في تنظيم (حركة الطفل) ووضعها في المسارات السليمة التي تحقق للطفل النمو الفكري والوجداني والنفسي إلى جانب أن الحركة الدرامية من شأنها المحافظة على اللياقة البدنية عند الطفل وتعريفه بأجزاء جسمه وفوائدها صحيا وبدنيا، واستعمالاتها بطريقة سليمة ومتناسقة معتمدا على الحركة الإبداعية والرقص والألعاب الشعبية في ذلك وهكذا يظل المسرح المدرسي المحرك الفاعل لمشاعر الأطفال وأذهانهم، ويغديهم فنيا وأدبيا ووجدانيا، لهذا الطفل في سنواته المبكرة يمتلك من الحركة والانفعالات ومحاولة الاكتشاف الشيء الكثير، حين تتحول إلى شحنات ثائرة تدفعه إلى (اللعب) من خلال النشاطات المنهجية والمدروسة بغية تفريغها فهل معنى هذا أن اللعب الدرامي أحد الوسائل المؤثرة التي يمكننا كمربين الاستفادة منه ووضع تلك الشحنات داخل أطر تربوية وأخلاقية وإنسانية، ولاشك أن الإطار الأمثل لتفريغها هو (المسرح) باعتبار أن التمثيل يعني اللعب، وبما أن الأطفال مولعون باللعب، وأن التمثيل لديهم لعب آخر، بل هم في لعبهم يمثلون، بل ويذهب البعض إلى القول إن الكبار يتعلمون فن التمثيل من الأطفال، ونحن الكبار نلعب ـ ولاشك ـ ولكن لعبنا في أكثر الأحايين هولعب عابث، إن لم يكن استرجاعا لزمن الطفولة، لكن لعب الأطفال لعب فطري هادف، لأنهم يلعبون من أجل أن يختبروا العالم ويكتشفوا خباياه ويمضوا في عمليات النمو، وعليه فما نطلق عليه (عبث الأطفال) لا يمثل عبثا حقيقيا ويرى البعض أن الأطفال قبل سن الخامسة لا يحتاجون إلى المسرح بالمفهوم التقليدي، بل إلى لعب إبداعي لا يتجاوز العشر دقائق، لعب يعتمد الحركة ركيزة أساسية تنطلق منها اللعبة المسرحية بكل مفرداتها الفنية والجمالية، فمن خلال مسرحهم المدرسي يمكننا ان نثري عالمهم وننمي قدراتهم على التعبير عن أنفسهم، وبالتالي نساعدهم من خلال (المسرح) على (تنمية الذكاء، وهذا الدور ينبع من استماع الطفل إلى الحكايات وروايتها، وممارسة الألعاب القائمة على المشاهد الخيالية، من شأنها جميعا أن تنمي قدراته على التفكير) والتفاعل الحي مع المشكلات والمواقف الصعبة التي تواجهه في مسيرته الحياتية، إلى جانب ما يحققه العمل المسرحي المدرسي من إضافات إنسانية وتربوية وأخلاقية مثل تنمية المهارات القيادية والمشاعر الإنسانية كالشفقة والمشاركة الوجدانية والتعاون والثقة بالنفس وتقوية روابط الصداقة. فمن خلال إشراك الأطفال في لعبة (المسرح) يمكننا التأكيد على القيم التربوية والثقافية والجمالية وهي قيم ايجابية نعمل على تفعيلها في ذواتهم عبر المسرحيات التي تتلاءم مع تفكيرهم ومزاجهم ممزوجة بمضامينها تلك القيم النبيلة لتصبح فيما بعدُ عونا لهم لمواجهة صعاب الحياة، إن المسرح بهذا المفهوم وسيلة تعليمية وفنية في آن واحد، فمنه تنمو ثقافة ووعي الأطفال وتزداد خبراتهم ومعارفهم عن الأنشطة التي تمارس، مثل التدريب على فن التمثيل والإلقاء، وصولا إلى المعرفة بفنون الرسم والمؤثر الموسيقي المصاحب والملابس، وايضا العمل في إدارة خشبة المسرح والإخراج. إن كل ذلك يشبع، ويُنمي ويزكي مواهب وهوايات الأطفال ويرتقي بحسهم الجمالي بل وتعطي مفهوما جديدا في كيفية معرفة الطالب بنفسه وتكسبه الثقة بنفسه وفي فهم محتوى هذه المسألة وتعزيز حضور شخصية عميقة في نظرتها وتحليلها للمواقف الحياتية، المسرح إذا وسيلة فاعلة ومهمة من وسائل التربية والتعليم يعتمده ـ المريون ـ كوسيلة مثلى في توصيل مفرداتهم التربوية والأخلاقية، ويجعلونه نافذة يطل منها الطفل على جماليات الأشياء وتذوقها بحس عال، ان المسرح المدرسي ومن خلال هذا العمل الجماعي الكبير جدا يتضح بجلاء لدى هؤلاء المشاركين والقائمين على هذا النشاط من المعلمين والمشرفين والتلاميذ قيم شتى لا يمكن للعمل أن يتم بعيدا عنها كقيم التعاون والإيثار واحترام الغير وغيرها من القيم الإيجابية التي نسعى لغرسها في نفوس أبنائنا.

من هنا يأتي المسرح بجمالياته لإشباع حاجات الطفل إلى جماليات التكوين والمعرفة والإحساس، ومساعدته على التمييز بين العلاقات البديعة التي تربط الأشياء وتنظمها، وبين الدوافع الخارجية لفواصل الأشياء وتشتيت روابطها في العلاقات سواء المعرفية أم الجمالية، والتي غالبا ما تكون هذه الدوافع من قوى سلبية تتصارع مع القوى الايجابية في المحيط الاجتماعي للطفل، من هنا نعي أن الجمالية هي الأساس للوصول إلى المعرفية، والمسرح المدرسي ينطلق من ذلك ودون هذا المنطق لا يمكن للمسرح المدرسي أن يكتسب كل هذه الأهمية، أي أن للمسرح تأثيرا فاعلا في نمو وتجدد وتطور مدركات الطفل وصولا إلى بناء شخصيته الجمالية والفكرية والأخلاقية والإبداعية ولذلك تبنت بعض المؤسسات التربوية مجموعة من الأنشطة المسرحية في الكثير من بلدان العالم، وكانت تستهدف فئة عمرية معينة وهي فئة الأطفال الصغار، وكانت أغلب عروض هذه الأنشطة تجمع بين المتعة والفائدة، والتسلية والتهذيب الأخلاقي دون أن ننسى المقصدية الأساسية من هذا المسرح الطفولي والتي تتمثل في التربية والتعليم وتكوين النشء.

وعلى هذا الأساس يتبادر التساؤل ما قبل الأخير في أهمية ربط المسرح المدرسي بالموروث والتراث الشعبي والعودة ولو بشكل بسيط إلى المعين والأساس الذي عليه تراثنا وتقاليدنا ومضاميننا الغنية بكل معطيات المحبة والدهشة والإفادة من القصص الخالدة والأشكال والممارسات الشعبية في التراث الشعبي بغية تتويج هذا المسرح مع أهمية أن يراعي هذا الفعل الثقافي الجوانب والخصائص المرحلية للطالب.

مشاريــع قدمتهـا وزارة التعليم سابقا:

(لجنــة تطويــر المسـرح)

تشكلت هذه اللجنة في بداية عام 2002م بموجب قرار وزاري يتضمن تكليف عدد من الزملاء الذين كان لهم مع المسرح المدرسي وقفات مضيئة وجميلة في المسيرة التعليمية وهم على سبيل المثال (علي السعيد، فهد الحوشاني، علي الغوينم، بندر العسيري، أحمد الطفيل، عبد الله السناني، محمد مفرق، عادل النقيب، سعد الثنيان، نجيب عبد الفتاح، أحمد السروري، سامي بالطيور، متعب آل ثواب آخرون)

وفي عجالـة بعض من مشاريعها التي قدمتها للوزارة:

أولا: مسـار التدريب والتأهيــل

قدمت اللجنة تصنيفا علميا لتدريب جميع الكوادر المسرحية، يقوم على خطة مرحلية تعتمد التدرج الفني في تقديم المعلومة والمهارة والمعرفة والاحتياج الفعلي وفق كفايات مشرفي النشاط الثقافي بالمملكة، ويعمد هذا التصنيف إلى وضع حقائب تدريبية مصنفة على النحو التالي:

  • الدورات المبتدئـة
  • الدورات المتقدمة

وقد تم وفق ما سبق تدريب وتأهيل العديد من المعلمين والمشرفين بمجموعة كبيرة من الحقائب التدريبية داخل وخارج المملكة، كما قامت اللجنة بالتنسيق للدورات الخارجية مع بعض بيوت الخبرة والمعاهد المتخصصة بهدف تحديد الاحتياج الفعلي للمتدربين والتواصل مع المعاهد العلمية والمشاركة في تسمية المدربين الأكفاء.

ثانيــا: مسـار تطويـر المنشآت المسرحيـة المدرسيـة

قامت اللجنة في هذا الصدد بتقديم رؤية هندسية لتحسين المسارح الحالية بمدارس التربية والتعليم الحكومية، ووضع تصورات للمباني التي لا تزال تحت الإنشاء، بهدف وضع حل جذري لتفعيل المسارح المدرسية، وجعل المسرح المدرسي مركز ثقافي متكامل يسعى لتقدم جميع الفنون الأدائية وقد تم التواصل مع الجهات ذات الاختصاص في الوزارة لدراسة الرؤية الهمدسية.

ثالثـا: مسـار تطويـر البرامـج المسرحية

قامت اللجنة بإعادة هيكلة بعض البرامج المسرحية، وإضافة وتحسين أداء بعض كبرامج: (المنافسات الدورات التثقيفية المسرحية ـ مهرجان الفرق المسرحية)

كما قدمت اللجنة العديد من البرامج المسرحية الأخرى:

كبرامج: (أسبوع المسرح المدرسي ـ مسابقة التأليف المسرحي)

رابعــا: بعض الدراسـات العلميـة والبحـوث وأوراق العمل

قدمت اللجنة العديد من البحوث والدراسات العلمية وأوراق العمل التي أسهمت بشكل كبير في نشر الثقافة المسرحية بين أوساط التربويين، ومن تلك الدراسات:

ـ وضع لائحة خاصة تشكيل الفرق النموذجية داخل إدارات التربية والتعليم

ـ قدمت لائحة خاصة في تنظيم مهرجان المسرح المدرسي في مناطق المملكة العربية السعودية.

ـ جدولة المشاركات المسرحية المدرسية السعودية داخل وخارج الوطن.

ـ وضع الأطر العامة للمشاركات المسرحية والثقافية في جناح وزارة التعليم المشارك في المهرجان الوطني (الجنادرية)

ـ دراسة قياس دافعية مديري مدارس التعليم العام نحو المسرح الدرسي (دراسة محكمة في جامعة الملك خالد) قدمها الدكتور بندر مفرح العسيري.

خامســا: الشراكــات

عمدت اللجنة إلى تكوين قاعدة مميزة من الشركاء في مجال المسرح المدرسي داخل وخارج المملكة، بهدف توسيع دائرة التلاقي والتلاقح الفكري ومنها:

ـ ما يخص تحكيم البرامج المسرحية (استمارات، أدلة، لوائح تفسيرية)

ـ ما يخص التدريب والتأهيل (التواصل مع بيوت  الخبرة، معاهد متخصصة)

ـ ما يخص المشاركات الخارجية في المهرجانات الدولية (ترشيح الإدارات المشاركة)

ـ ما يخص الشراكات لتقديم الاستشارات العلمية والفنية.

ـ ما يخص المهرجان العربي الأول للمسرح المدرسي وهو أحد مبادرات اللجنة قدمها عضو اللجنة الأستاذ فهد الحوشاني.

 

بعـض الإصـدارات المهتمـة بالمسـرح المدرسـي السعـودي:

ـ الدليل الفني لعناصر العرض المسرحي / عادل النقيب، زياد جلال، نجيب عبد الفتاح. 1421هـ

ـ دراسـات في التوظيف المسرحي / أ.د عبد الله بن أحمد العطاس.

ـ المرشد العملي في المسرح المدرسي وكتابة النصوص المسرحية/ د. بندر مفرح العسيري.

ـ الحركة في المسرح أعداد إدارة النشاط الثقافي في وزارة المعريف ـ الإدارة العامة للنشاط الطلابي ـ إدارة النشاط الثقي 1422 هـ .

ـ المسرح المدرسي في المملكة العربية السعودية / أ.د عبد الله العطاس.

ـ الفن التمثيلي والمسارح المدرسية/ محمد القيسي 1391 هـ، جدة.

ـ المسرح المدرسي في المملكة العربية السعودية 1413 / أ.د عبد الله العطاس.

ـ المسرح المدرسي ودوره في تأصيل الانتماء الوطني (ورقة عمل)/ علي السعيد.

ـ ملامح المسرح المدرسي “منهاج لمسرح مدرسي حقيقي” / نايف البقمي.

ـ الدراما في التعليم / صلاح الرشيدي.

ـ إضاءات على المسرح التربوي (مخطوط) 1429 هـ/ أحمد السروي.

ـ تقارير دورية عن المهرجانات المسرحية المقامة في وزارة التعليم وإدارتها.

ـ مهرجان المسرح المدرسي الخليجي في منطقة عسير 2006/ وزارة التربية والتعليم,

ـ عتبات إلى المسرح المدرسي (من واقع التجربة والممارسة)/ سارة الصحفي.

 

المهرجانات الرسميـة التابعـة لوزارة التعليـم بالمملكـة العربيـة السعوديـة:

ـ تم تنفيذ ثلاثة عشر مهرجان مسرحي بمسمى ” مهرجان الفرق المسرحية المدرسي” وتم تقديمها في (الطائف، عسير، الباحة، عنيزة، الدمام، الرياض، المجمعة، تبوك، وادي الدواسر، جدة) وللعلم كان عدد المشاركات في المهرجان الأول في الطائف للعام 1998م أربعة إدارات تعليمية، وفي الدورة الثانية 1999م والمقامة في أبها كان عدد المشاركات خمسة مشاركات وارتفعت بعد ذلك المشاركات في الدوارات التي تليها، إذ وصلت المشاركات في بعض الدورات إلى أحد عشرة مشاركة مسرحية تعليمية.

ـ استضافة المملكة العربية السعودية لمهرجان المسرح المدرسي لدول الخليج واليمن في منطقة عسير، أبها 2006م.

 

بعـض المنجـزات الخارجيـة للمسـرح المدرسـي في المملكـة: 

ـ مشاركة الإدارة العامـة للتعليم بمنطقة الطائف في مهرجان المسرح المدرسي الخامس 2012م “بمسرحية مسافة من نور” في مملكة البحرين وحصولها على جائزتين رسميتين.

ـ مشاركة الإدارة العامـة للتعليم بمحافظة جدة في المهرجان الخليجي الثاني 2006م “بمسرحية دار دور” الذي استضافته منطقة عسير وحصولها على جائزة رسمية.

ـ مشاركة الإدارة العامـة للتعليم بمنطقة عسير في المهرجان الخليجي المدرسي الرابع في سلطنة عُمان 2015م وحصولها على أربعة جوائز رسمية.

ـ مشاركة الإدارة العامـة بمنطقة الحدود الشمالية في مهرجان المسرح الرابع للأشخاص ذوي الإعاقة بدول مجلس التعاون ” بمسرحية قرية الصلاح” وحصولها على جائزة تشجيعية.

ـ مشاركة الإدارة العامـة للتعليم بمنطقة الرياض في مهرجان مسرح الطفل العربي بالأردن 2019 “بمسرحية التحدي” وحصولها على جائزة رسمية.

ـ مشاركة الإدارة العامـة للتعليم بمحافظة الاحساء في المهرجان المسرحي الخليجي الثالث لذوي الإعاقة 2013م ” بمسرحية الحبل” وحصولها على جائزة رسمية.

 

المسـرح المدرسـي بين وزارتيـن

جميل ومبهج ما سمعناه مؤخرا وتابعناه في الاتفاقية ومذكرة التفاهم بين وزارتي الثقافة والتعليم، والمتضمنة قيام وزارة الثقافة بتطوير آليات العمل الثقافي وتعزيز البرامج التعليمية والأنشطة الثقافية والتي تأتي انعكاسا مباشرا لرؤية الوطن الطموحة 2030 والتي تترجم هذه التطلعات. ومنها ما يتعلق بالمسرح بشكل خاص والفنون بشكل عام، وهي خطوة رائعة وتسير في اتجاه صحيح وتكاملي على اعتبار أن مأسسة هذا الفعل وإحالته وتقديمه منهجا واضحا يحتاج إلى دراسات تخصصية ومعاهد معنية وأكاديميات تقدم المعلومة وفق إطار منهجي معرفي وتطبيقي ولذلك أتت العديد من المبادرات الجديرة والبرامج والفعاليات الداعمة لهذا المشروع الوطني ومنها:

1/ مبـادرات المسرح المدرسـي:

مبادرة المسرح المدرسي هي إحدى مبادرات هيئة المسرح والفنون الأدائية، والتي تسعى إلى تطوير وتمكين منظومة داعمة للمواهب الوطنية في القطاع المسرحي، من خلال تنمية وتطوير المهارات المسرحية لدى المعلمين والمعلمات في المملكة، لتمكينهم من الإشراف على النشاط المسرحي وتدريب الطلاب والطالبات، وذلك عبر برامج تدريبية عالمية معتمدة، يُقدمها خبراء في مجال المسرح والفنون الأدائية، بشراكة استراتيجية مع وزارة التعليم، وبالتعاون مع جامعة موناش الأسترالية ـ إحدى أهم المؤسسات التعليمية العالمية في جميع التخصصات ـ. كما تهدف المبادرة إلى تأسيس أجيال مُهتمة بفن المسرح، وتنشيط القطاع المسرحي، من خلال تنمية مهارات التمثيل والدراما، والتصميم، والإخراج، بما يسهم في إثراء المحتوى المسرحي.

أهــداف المبــادرة:

ـ تدريب أكثر من 25 ألف معلم ومعلمة على الفنون المسرحية في جميع مدارس المملكة الحكومية.

ـ تحديد العناصر الأساسية الواجب مراعاتها لضمان كفاءة المخرجات عند بناء القدرات المسرحية لمدربي فنون المسرح، وتصميم فنون المسرح.

ـ تعزيز الدعم المطلوب لتدريس فنون المسرح في المدارس، والمتمثل في مشاركة القطاع العام والخاص، والقطاع المجتمعي لضمان وصول فن المسرح لكل الطلاب والطالبات.

 

2/ مسابقــة المهــارات الثقافيــة:

وهي مسابقة وطنية تطلقها وزارة الثقافة بالشراكة مع وزارة التعليم، وتأتي ايمانا بقدرة الأجيال الناشئة على الإبداع، والتميز، والمشاركة في صنع مستقبل حافل بالثقافة والفنون وتدعم هذه المسابقة المتميزين في فن المسرح باعتباره من أقدم الفنون ومن أكثرها تعبيرا عن الثقافة السائدة في المجتمع وارتباطا بهويته الوطنية ويأتي مسار المسرح لاكتشاف ودعم وتمكين الموهوبين من الأجيال الشابة والاحتفاء بإبداعاتهم وفق اشتراطات تم وضعها منها ما يتعلق بالوقت وعدد المشاركين والمضمون إضافة لجودة وتطبيق الممثلين لعناصر التمثيل الرئيسية، وإجادة الأدوار والشخصيات، وسوف تقام هذا العام 2024 للمرة الثانية بعد النجاح الكبير الذي تم تقديمه في النسخة السابقة وبحسب ما تم الإعلان عنه بأن المشاركات التي وصلت في مجمل هذه المسابقة في النسخة الأولى 274 ألف مشاركة وبلغ مجموع الجوائز حوالي خمسة ملايين ريال موزعة على كافة مسارات المسابقة بما فيها المسرح وهذا بلا شك سيعزز من حضور الثقافة كقيمة وأثر ومستهدف رؤيوي عظيم وجدير.

 

بعـض معوقـات المسـرح المدرسـي:

ـ خلو المقررات المدرسية التي يتلقاها الطالب طوال دراسته من دراسة المسرح بوصفه أدبا انسانيا راقيا إذ ما استثنينا بعض اشارات بسيطة جدا.

ـ إيلاء المهمة في الوزارة وبعض الإدارات إلى غير المتخصصين والمهتمين في هذا الفن وبالتالي تحولت العروض المسرحية إلى حلبات إلقاء وخطابة وما يمكن تسميته حفلات ختامية.

ـ حضور الفعاليات المسرحية داخل المدارس أشبه بالطوارئ وارتباط هذا الأمر بالمناسبات للحفلات الختامية في نهاية العام الدراسي وهذا الحضور يعتمد على مدير مدرسة فاعل ومعلم شغوف وقسم للنشاط الثقافي في إدارة التعليم نابه، إضافة إلى أن هذه المناسبات أحيانا تحيل دور الطالب إلى حالة هامشية لا وجود لها.

ـ المسرح أولا وأخيرا قيمة إنسانية وتربوية لا يقوم على اجتهادات وعمل عشوائي، بل أن الأهمية هنا تأتي في تدريسه ومنهجيته، وتدريبه وفق خطة منهجية واضحة ويقوم عليها مدربين متخصصين في ذات العلم تبدأ من لحظات الدراسة الأولى لتشكيل الشخصية وتكريس الوعي.

ـ عدم وجود مادة خاصة بمسمى مقرر للتربية المسرحية في المدارس كفيلة بنشر رسالته وتكريس المفهوم لأن المسرح أولا وأخيرا عام لا يقوم على العشوائية.

ـ ضعف المكتبة المدرسية من النصوص والمراجع المسرحية المؤثرة وذات الأهداف الفنية والجمالية إضافة لعدم مواكبتها لحاجات وميول النشء الذي له متطلباته وخصوصياته وثقافته المتسارعة.

ـ ضعف الإعلام التربوي في مواكبة الحدث وقراءة وتقديم البرامج الاثرائية التوعوية المهتمة بالشأن المسرحي المدرسي وتقديم منجزاته التي تحققت.

 

تهميـش الـدور الحقيقـي للطالـب:

المسرح الجامعي (آفاق مرحلية وقراءة في بعض التفاصيـل)

إضافة لدورها التعليمي والتربوي عملت معظم الجامعات في المملكة العربية السعودية على تعزيز المعرفة وتكريس حضورها من خلال النشاطات الثقافية المختلفة ولتأكيد هذا الدور الهام حضر المسرح بوصفه منصة إبداعية من خلال الجامعات السعودية على مستوى الفعل الكتابي والبرامج المسرحية المختلفة كالورش والدورات التدريبية والعروض والمهرجانات المسرحية التي كانت تحضر كتتويج لهذه المشاريع المقدمة من خلال عمادة شؤون الطلاب في بعض تلكم الجامعات وعلى هذا الأساس كانت النشأة الأولى لحضور المسرح كقيمة واثر في جامعة الملك سعود التي تأسست عام 1957م الأمر الذي جعل القائمين عليه يبحثون في مأسسة هذا العمل حيث تم التعاقد مع المخرج المسرحي المعروف محمد رشدي سلام والذي يعزى بالفضل إليه في هذا التشكيل الأولي الهام لنادي المسرح إضافة لتأهيل قاعة الاحتفالات في مقر الجامعة بحي الملز وتزويدها بمنصة العرض وبما تحتاجه من صوتيات وإضاءة وهذه اللحظة كانت البوابة التي تأسس فيها مسرج جامعة الملك سعود كنشاط ثقافي يتبع لإدارة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والعلمية والفنية وعلى هذا الأساس تم عرض باكورة النشاطات المسرحي للجامعة من خلال مسرحية “الشهيد” في العام 1957م، ثم تبعها في العام نفسه مسرحية “الجاسوس” تأليف فؤاد الطوخي وإخراج محمد سلام، ومنذ ذلك التاريخ وهذه الجامعة تعنى بالنشاطات المسرحية بل وتوسع إلى بعض الكليات داخل الجامعة حيث يتم تشكيل العديد من الفرق المسرحية التابعة لهذه الكليات والتي كانت تقدم عروضها المسرحية داخل هذه الكليات في حفل اختتام الأنشطة نهاية العام الدراسي الجامعي، ومما يجب الإشارة إليه إلى أن هناك مخرجون ساهموا فيما بعد في هذا المشروع كأمثال: جميل الجودي، والحبيب القردلي، وعبد الغني بن طاره، وعثمان قمر الأنبياء وآخرون، واستمر هذا المشروع التنويري الذي تُوج بالإعلان عن تدشين وافتتاح شعبة المسرح التابعة لقسم الإعلام بكلية الآداب في العام 1991 والتي عمل فيها أساتذة وأكاديميون عرب لهم أدوار كبيرة ومنهم: د. كمال الدين عيد ود. عبد الغني طارة ود. عبد المحسن سلام والكاتب المسرحي السعودي محمد العثيم، يرحمه الله، واستمرت هذه الشعبة بالعمل لفترة قصيرة حيث قدمت العديد من الفنانين السعوديين كالدكتور نايف خلف وعواض عسيري ومشعل المطيري وآخرين حتى تم إغلاقها فيما بعد لأسباب غير معروفة. وليس الحديث في هذه الورقة موجها لمعرفة هذا الإشكال بقدر ما هو كاشف لهذا الحراك المسرحي البديع الذي استمر في الجامعة من خلال الأندية المسرحية في الجامعة وفروعها وخاصة ما قدمه فرع الجامعة في منطقة القصيم وتحديدا عمادة القبول والتسجيل وشؤون الطلاب حين اقترحت فكرة انطلاق مهرجان المسرح السعودي الأول عام 1997م بمشاركة تسعة عروض والذي كان للدكتور أحمد الطامي والأستاذ صبحي يوسف الدور الأبرز في ذلك باعتبارها أي هذه الكيانات والمؤسسات التعليمية هي القادرة على تقديم رسالة المسرح السعودي بما يحمله من ثراء معرفي كبير وهذا كان أحد الرهانات التي جعلت الدورات الثلاث الأولى 1997 ـ 1999م لهذا المهرجان بإشراف مبتشرة من وزارة التعليم العالي في المملكة قبل أن ينتقل في دورته الرابعة إلى وزارة الثقافة والإعلام عام 2008م ، وإلى جانب هذا الاشتغال المسرحي برزت العديد من الجامعات في المملكة في تقديم تجاربها المسرحية كجامعة الملك عبد العزيز في جدة والتي تم إنشاء النادي المسرحي فيها عام 1983م وبدأ تقديم إنتاجها المسرحي يزداد حضوره وألقه نظرا للارتباط مع العديد من المخرجين المختصين من بعض الدول العربية الذين كانت لهم تجارب جديرة وإن كان تتويج هذه التجربة المسرحية عمليا وتقديمها بشكل لافت كان مع الكاتب والمخرج العراقي عبد الأمير شمخي الذي كتب وأخرج العديد من الأعمال المسرحية للجامعة وبالتعاون مع فرع جمعية الثقافة والفنون في جدة إضافة لاستضافتها مهرجان المسرح الجامعي الخليجي الخامس لجامعات ومؤسسات التعليم العالي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، فيما كان للحضور الإداري تميز واضح في الإشراف والتخطيط الذي تصدى لها بكل اقتدار الأستاذ عبد الله باحطاب المشرف على الأندية المسرحية بالجامعة وفي المنطقة الشرقية برزت لنا جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي أنشأت نادي المسرح فيها عام 1996م وقدمت العديم من الأعمال المسرحية كمسرحية ” السيف والأدب” ومسرحية “كوابيس” وشاركت كذلك في مهرجانات  مسرحية دولية وحصولها على جائزة النص المبتكر عن مسرحية “ابن الصمت” تأليف وإخراج إبراهيم بادي، كما لا يمكن إغفال تجربة نادي المسرح في جازان والذي قدم العديد من الأعمال المسرحية والتجارب المميزة في مسيرة المسرح الجامعي واستضافتها مهرجان المسرح الجامعي على مستوى المملكة بالشراكة مع هيئة المسرح والفنون الأدائية عام 2021م والدور الحثيث المؤسس للدكتور محمد حبيبي، إضافة للدور الذي قدمته جامعة الملك خالد في أبها من خلال تبنيها تقديم أربعة مهرجانات مسرحية داخلية للأندية المسرحية بالجامعة واستضافتها للمهرجان المسرحي الأول للجامعات السعودية عام 2017م وهذا كان نتيجة للتعاون بين الجامعة وفرع جمعية الثقافة والفنون في أبها، بيد أنه من المهم جدا في هذه الالماحة الإشارة إلى ما قدمته جامعة الطائف من خلال نادي المسرح وبالتعاون مع فرع جمعية الثقافة والفنون بالطائف وتقديمها للعديد من الفعاليات والورش والدورات المسرحية والمشاركة في مهرجانات مسرحية دولية وتحقيق جوائز تضاف للسجل المسرحي السعودي، وتأكيدا على المجهودات المبذولة في الارتقاء بالأنشطة الثقافية والفنية السعودية القائمة على استراتيجية رؤية المملكة 2030 التي فتحت الفضاء الكبير للثقافة حتى أضحت في مكانها الحقيقي الذي أراد له صناع هذه الرؤية المباركة ولذلك أدرجت بعض الجامعات السعودية تخصصات جديدة في الثقافة والفنون والمسرح حيث أعلنت جامعة الملك سعود عن أول هذه الخطوات في إنشاء كلية الثقافة والفنون، إضافة لإعلان جامعة الملك عبد العزيز عن برنامج ماجستير الأداب في الأدب المسرحي ضمن مشاريع الدراسات العليا لقسم اللغة العربية وما سعت إليه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في اعتماد قسم السينما والمسرح التابع لكلية الإعلام والاتصال إضافة لإنشاء كلية جديدة بمسمى كلية الثقافة والفنون هذا العام 2023م تابعة لجامعة الملك خالد ويكون مقرها رجال ألمع وستمنح طلبتها درجة البكالوريوس من خلال أقسامها المتنوعة المسرح والفنون الأدائية والاستعراضية، وكذلك الفنون السينمائية والتلفزيونية وعلى هذا الأساس تم إطلاق العديد من المبادرات الداعمة بين وزارة الثقافة وبعض الجامعات بهدف تحقق أعلى مستوى من الجودة كدعم المشاركات المسرحية الخارجية وتبني بعض المهرجانات المسرحية التي تقام داخل أروقة هذه الجامعات.

 

بعـض مشاريـع هيئـة المسـرح والفنـون الأدائيـة المخصصـة لقطـاع المسـرح:

  • برنامج من الفكرة إلى الخشبة، وهو برنامج تدريبي شامل يتضمن إقامة 21 ورشة تدريبية حضورية وافتراضية، ويتضمن البرنامج خمس دورات افتراضية أساسية حول صناعة المسرح، وستة محاضرات افتراضية متقدمة، وتسعة دورات حضورية في مجالات المسرح.
  • إطلاق البرنامج التدريبي:” من الفكرة إلى الخشبة”، وهو برنامج تدريبي شامل يتضمن إقامة العديد من الورشات التدريبية الحضورية والافتراضية في مدينتي الرياض وجدة، ويتضمن البرنامج كذلك دورات افتراضية أساسية حول صناعة المسرح، ومحاضرات افتراضية متقدمة، ودورات ولقاءات تخصصية في مجالات المسرح المختلفة.
  • مسابقة الكوميديا “تهدف لاكتشاف المواهب المتخصصة في تقديم عروض كوميدية حية أو مسجلة وتستهدف جيل الشباب من سن 18 ـ 35 سنة.
  • مسابقات التأليف المسرحي والتي تهدف الى استقطاب كتاب مسرحيين قادرين على اثراء المسرح السعودي مما يساهم في توفير مكتبة خاصة بالنصوص المسرحية السعودية.
  • مهرجان مسرح الرياض ” النسخة الأولى” بمشاركة 10 فرق مسرحية سعودية تأهلت للمرحلة النهائية.
  • إنتاج العديد من أعمال المسرحية السعودية التي قدمت في داخل المملكة إضافة لما تم المشاركة به في مهرجانات خارجية.

 

المراجـــع والمصـــادر: 

ـ إلى المسرح مع التحية / علي السعيد

ـ المسرح السعودي (تجارب ومسارات) / عباس الحايك

ـ دليل النشاط المسرحي بالمدارس / وزارة التعليم

ـ أضواء على المسرح المدرسي ودراما الطفل / جمال نواصره

ـ فن الأداء / مارفن كارلسون

ـ معجم المصطلحات المسرحية / إبراهيم حمادة.

ـ دراسات في المسرح / إبراهيم أو عجمية.

ـ القيم التربوية في مسرح الطفل / مجلة العروبـة.

ـ المسرح أداة تربوية وجمالية ولكن!!/ موفق الطائي.

ـ الدليل الفني لعناصر العرض المسرحي / عادل النقيب ـ نجيب عبد الفتاح ـ زياد جلال.

ـ المسرح السعودي (دراسة نقدية) / د. نذير العظمة.

ـ نشأة المسرح السعودي/ عبد الرحمن الخريجي.

ـ ورقة (المسرح والوطن) / يوسف الحمدان مهرجان المسرح الخليجي أبها 2006م

ـ الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وأربعون عاما من المسرح/ علي السعيد.

ـ موقع وزارة الثقافة.

ـ موقع هيئة المسرح والفنون الأدائية على الشبكة

ـ موقع جامعة الملك سعود والملك عبد العزيز على الشبكة.

ـ موقع جامعة الملك خالد وجازان والطائف على الشبكة.

ـ مقالة المسرح بين وزارتين صحيفة الجزيرة الجمعة والسبت 28 أغسطس 2020/ أحمد السروي.

ـ تقارير  المهرجان المسرحي المدرسي الصادرة عن وزارة التعليم.

ـ تقرير مهرجان المسرح الخليجي المدرسي الثاني والمقام بمنطقة عسير.

ـ بوابة مكتب التربية العربي لدول الخليج.

 

************************

* ملاحــظــة: هذا بحث أ. أحمد السروي الذي قدمه في الجلســة الأولى من اليوم الثاني التي ناقشت موضوع “البنية التعليمية والمعرفية للمسرح في دول مجلس التعاون بالندوة الفكرية: «البنية الأساسية للمسرح في دول مجلس التعاون الخليجي» ضمن فعاليات الدورة 14 لمهرجان المسرح الخليجي التي احتضنها مدينة الرياض (10 ـ 17 سبتمبر 2024) ، وذلك يوم الجمعة 13 سبتمبر 2024، بقاعة المؤتمرات (بإقامة المهرجان).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت