العلاج بالمسرح رحلة اكتشاف الذات وتعديل السلوك / رجاء فرج (العراق)

الفن عالم جميل وممتع، وبنفس الوقت يحمل فائدة علمية، حيث يصل بسرعة إلى قلوب ووعي الجمهور من خلال التلفاز أو السينما أو المسرح. بحثت في المسرح المدرسي وقرأت عدة كتب عن مسرحة المناهج، وأعجبتني كثيرًا، فقمت بتطبيقها بشكل مبسط حسب الإمكانيات المتاحة، ونجحت في إيصال أفكار المواضيع المعقدة ورفع مستوى بعض الطلبة الضعفاء دراسيًا. بحكم عملي التربوي والتعليمي، أدركت قيمة المسرح في إيصال المعلومة بسهولة وجمال، مما يجعله مفهومًا للصغير والكبير بشكل سلس.

الضغوط النفسية

بالإضافة إلى وجود بعض الطلبة الضعفاء، هناك آخرون يعانون من ضغوط نفسية أو حالات غير ظاهرة نتيجة فعل أو كلام أو تنمر من المحيطين بهم. الكثير من حولنا يعانون من ضغوطات نفسية وطاقات سلبية نتيجة تأثيرات خارجية، مثل المخدرات أو العنف الأسري. عندها قررت البحث عن معلومات جديدة أو وسائل لطيفة تدخل قلوب المرضى، تختلف عن أسلوب النصيحة الجافة التي قد لا يتقبلها الطفل أو البالغ في ظروف معينة.

المسرح كوسيلة علاجية

هل يمكن أن يكون المسرح وسيلة علاجية للحالات النفسية؟ المسرح أقرب للمتلقي وأكثر تفاعلًا وتأثيرًا. عند بحثي عن العلاج النفسي وتأهيل المرضى، وجدت أن المسرح يمكن أن يكون بوابة للتخلص من الطاقة السلبية والانتقال إلى عالم الفن والنصوص.

التاريخ والنظريات((*من كتاب فن الشعر لأرسطو))

من الماضي، جذبني كتاب “فن الشعر” لأرسطو، الذي تناول كيفية جعل المسرح وسيلة لعلاج بعض الأمراض. كان المسرح طقسًا جماعيًا يعتمد على الشعائر والرقص والأناشيد لدى اليونان. ومع تطور الفنون، بدأ الحوار التمثيلي يتحقق أولاً بالنص ثم على خشبة المسرح.

منذ ((أرسطو))، ومفهوم التطهير، وصولاً إلى ((مورينو)) في “السايكودراما”، حيث يرتبط العرض المسرحي بمقتضيات الجمهور. ربط العلاج بالفن كان من خلال (( جاكوب مورينو)) عام 1921، الذي اقترح مفهوم السايكودراما في المصحات، حيث يعيد المرضى تمثيل ماضيهم للتخلص من مشكلاتهم.

العلاقة بين الفن والجمهور

العلاقة بين الفن المسرحي والجمهور تتعلق بمصطلح التطهير. يتم تحفيز عواطف الشفقة والخوف لدى الجمهور، مما يساعدهم على التخلص من السلبيات. وقد تناول(( أرسطو)) في “أوديب ملكاً” هذه العلاقة بشكل تطبيقي.

حركة تاريخ المشاعر والأفكار

حركة تاريخ المشاعر والأفكار الخالدة يبتكرها الإنسان بطاقته الهائلة على الخلق والإبداع في ظروف صعبة. هذه الحركة تحفز وعيه وعقله ووجدانه، حيث تدفعه الإرادة الإيجابية لصنع المستحيل. وقد شهدنا هذا في العيادة المسرحية، حيث قام السجناء والمدمنون ومرضى الإصابة بالسلاح الكيميائي بكتابة نصوصهم بنقنية الارتجال، مما أدى إلى تطوير نصوص مسرحية يوميًا.

تتناول هذه النصوص أفكارًا إيجابية مثل مكافحة الفساد الإداري والمالي، ومعالجة الظروف الصعبة التي تدفع بعض الشباب إلى الجريمة وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى موضوع البيروقراطية وتعطيل حياة بعض فئات المجتمع التي تحتاج إلى عناية طبية طارئة. هذه الأفكار تجعل من المشاركين في العيادة المسرحية قادة رأي إيجابيين، يتحولون من مرضى معزولين في المستشفيات أو زنزانات السجون إلى مبدعين يُشار لهم بأصابع الإعجاب.

التأهيل المجتمعي*((كما وضح لنا دكتور جبار خماط مؤسس العيادة المسرحية))

يقول دكتور جبار: “إن العيادة المسرحية ببساطة هي التأهيل المجتمعي بالفن المسرحي.” العيادة تتخذ من المستقبل زمنًا لافتراض الأداء التمثيلي الذي يقترحه المستفيدون، مما يحقق لهم فن التمثيل. يقترحون شخصيات إيجابية يؤمنون بها ويتدربون عليها في بيئة تمارين، تتحول لاحقًا إلى مكان للعرض المسرحي.

ما يثير الاهتمام او التواصل بموضوعية هو ما اقترحه دكتور (جبار خماط) من منهج علاجي تأهيلي اسماه بالعيادة المسرحية …هذا المنهج الناجح الذي اثبت قدرة المسرح في العلاج المسرحي وكذلك فان العيادة المسرحية ليست علاج للجانب البشري من جسد او روح بل عالج في الوقت نفسة الأمراض التي تواجه المسرح بشكل عام ومما جدير بالذكر فان العيادة المسرحيه دخلت عدة أماكن وعرضت اجمل العروض المسرحية المناسبة وجعل دكتور ((جبار خماط)) الطلبة هم من يؤدي شخصية المريض كما في عرض حالات الإدمان ….وهذا ما ذكره دكتور ((جبار خماط )) عن المسرح العلاجي وبالتحديد عن العيادة المسرحية حيث قال:-

ينبغي على الفنون إعادة الإنسان إلى فضاء الإرادة والحرية المفقودة، من خلال صناعة الإبداع ما بين الناس، الذي يتيحه لنا المسرح، بوساطة المشاركة في إنتاج العمل الفني، فالكل مبدعين في إيجاد عالم جديد، يصنعه الفن المسرحي، أساسه البساطة والتلقائية والحميمية الذي يحققه لنا مختبر العيادة المسرحية في عالم مسرحي عيادي، يبدأ بالمخرج بوصفه مدربا مساهما في التنمية البشرية المستدامة، والممثل العيادي بوصفه قائدا للرأي المسرحي الذي يريد نشره بين الناس، على نحو من الألفة الادائية التي تبتعد عن التعقيد والتكلف، وتقترب أكثر من البساطة والتناغم الاجتماعي!

وبيئة مسرحية لا تعقيد فيه اليست مصنوعة بل امتداد لبيئة الجمهور، اذ تنطبق المسافة الجمالية ما بين العرض المسرحي والجمهور.

لم يعد المسرح خبزا جماليا في كل مكان، لأنهم الكل الميل نحو بهرجة الشكل الرقمي، الذي أصبح الممثل فيه ثانويا أو عاملا مساعدا لتعزيز وجود الفضاء الرقمي، الذي ظاهره جميل، وباطنه مفرغ من المضمون الإنساني، وهو يناقض جوهر عمل المسرح، الذي أوله إنسان ونهايته إنسان جامع لمجموع تواجد الجمهور

رحلة استعادة الذات

تعتبر العيادة المسرحية رحلة لاستعادة الذات بعد ضياعها، حيث يمر المستفيدون بمراحل تدعيم الثقة، بدءًا من منصة البوح، مرورًا باكتشاف اللغة وتمارين الصوت، ومهارات المشي والحركة. يتحول الممثل العيادي إلى طاقة إيجابية في مختبر التمرين المسرحي، مما يبتعد عن التعقيد ويتقرب أكثر من البساطة والتناغم الاجتماعي.

فلسفة الإخراج العيادي

الإخراج العيادي يعمل وفق فلسفة فنية قوامها البساطة العميقة المغروسة في وعي الناس البسطاء. لا يؤمن بالتعقيد، بل يستند إلى تجارب الحياة اليومية. لذا، يذهب الإخراج العيادي إلى الناس في كل مكان، يعيد تكوين حياتهم من مفردات الحياة المحيطة، مما يساعد في تشكيل البيئة المسرحية التي تنتظر الممثل العيادي.

لحظة الاكتشاف

الحياة داخل العيادة المسرحية تشبه مختبر الأجنة، حيث تتعامل مع الظروف المحيطة لتصل إلى مرحلة الولادة، التي ينتظرها الجميع. هذه هي لحظة الاكتشاف ومراقبة كيف ينمو المنجز ويصير ناصحًا وموثرًا بين الناس.

العروض المسرحية

من العروض التي قدمتها العيادة المسرحية والتي لاقت استحسان الجمهور، الذي يتكون أغلبه من المرضى والحالات المتأهلة للشفاء، ما يلي:

– **الوطن أولاً** (2008) – مكان العرض: إصلاحية الجعيفر

– **حين سقط المشبك** (2018)

– **موت مزمن** (2019)

– **يوميات مواطن منسي** (2017) – مكان العرض: مستشفى ابن رشد

– **كافي عاد** (2023) – مكان العرض: مخيم الجدعة

– **الناجية** (2024) – مكان العرض: قاعة وزارة

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت