قراءة في مسرحية ” نشرب إذن “/ محمد بوشعر

في مشاهدتي لمسرحية “نشرب إذن”، يتناول العمل تجربة وجودية وفلسفية عميقة تطرح تساؤلات حول معنى الحياة والقرارات التي يتخذها الإنسان في مواجهة ظروفه النفسية والمعيشية. المسرحية، التي قدمها خالد الزويشي، تعتمد على بنية درامية متقشفة وبسيطة في ديكوراتها، ولكنها مشحونة بمضامين ثقيلة تجعل كل لحظة على المسرح مساحة للتفكير والتأمل.

أحد أبرز جوانب المسرحية هو الصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصيات، والذي تم نقله بشكل مؤثر من خلال التمثيل والإخراج. في كل حركة وفي كل نظرة، كان هناك شعور مستمر بالتردد والبحث عن إجابات. الشخصيات بدت كأنها محاصرة بين رغبتها في الهروب من الواقع وبين ضرورة مواجهة الحقيقة القاسية التي تواجهها. هذه المواجهة مع الذات هي ما أعطى المسرحية بعدًا فلسفيًا، حيث لا يمكن للجمهور أن يبقى مشاهدًا فقط، بل يتم دفعه للمشاركة في التساؤل حول القضايا التي تطرحها الشخصيات.

لا يتوفر وصف.

استخدام الصمت في العرض كان أحد الأدوات الفعالة التي زادت من حدة الصراع النفسي للشخصيات. في لحظات كثيرة، كانت الشخصيات تعبر عن حالاتها النفسية أكثر بالصمت من خلال الكلام. هذا الصمت لم يكن مجرد فراغ بل كان مليئًا بالمعاني والإيحاءات، حيث تم استخدامه كأداة لتصوير التردد وعدم اليقين. الجلوس الطويل للشخصية الرئيسية في بداية العرض، دون أي حركة واضحة، كان إشارة إلى حالة من التوقف الداخلي، وكأنها لحظة عالقة بين قرار لم يُتخذ بعد وخطوة لم تُخطى.

الإضاءة، التي صممها إلياس المربوح، لعبت دورًا أساسيًا في تعزيز الأجواء النفسية للمسرحية. تم توزيع الضوء بطريقة تجعل الشخصيات تبدو وكأنها تعيش في عزلة، وفي الوقت ذاته، كان هناك تلاعب مدروس بالظل والنور يعكس الحالة النفسية المتغيرة للشخصيات. في بعض اللحظات، كانت الإضاءة تتركز على وجه الشخصية لتعكس مشاعرها الحقيقية، بينما في لحظات أخرى، كان الظلام يبتلع الشخصيات، مما يعكس الحيرة والضياع.

لا يتوفر وصف.

الأداء التمثيلي للممثلة نسرين المنجى والممثل فريد بوزيد والممثل مراد متوفق كان مذهلاً، حيث استطاعوا أن ينقلوا مشاعرهم الداخلية بدون الاعتماد على النص فقط. تعابير الوجه، حركات الجسد، وحتى الصمت الطويل كان له دور كبير في إيصال تلك الصراعات العميقة. في لحظة معينة، كان أحد الممثلين يجلس بلا حراك لفترة طويلة، ولكن حتى في هذه اللحظة التي تبدو فيها الحركة محدودة، كانت هناك حالة مستمرة من الصراع الداخلي الذي يمكن ملاحظته في توتر العضلات والأنفاس.

الأزياء التي صممتها آية حروش أضافت بُعدًا آخر للشخصيات، معبرة عن صراعاتهم الداخلية وظروفهم المعيشية. وتجلت براعة المكياج الذي أعدته شريفة الجباري في تعزيز ملامح الشخصيات وإظهار التوترات النفسية عبر وجوههم.

السينوغرافيا التي صممتها أميمة الخضري كانت أساسية في خلق الأجواء العامة للعرض، مقدمةً أبعادًا جمالية وواقعية مميزة. تنفيذ السينوغرافيا من قبل عبد الفتاح بندعنان، بمساعدة خديجة الݣير، أضاف الكثير للعرض من خلال التفاصيل الدقيقة والتنفيذ المحترف. التقنيات التي أشرف عليها كريم بنجلون كانت على أعلى مستوى، مما ساهم في خلق أجواء مميزة.

المحافظة  كانت مهمة يوسف علكي، بينما تكفل عبد الرحمان بلخضر بالتوثيق والإعلام، مما أضفى بُعداً احترافياً للعرض.

لا يتوفر وصف.

 

“نشرب إذن”، التي كتبها الكاتب العراقي قاسم مطرود، وإنتاج مركز نجوم المدينة علي زاوا فاس، قدمت تجربة مسرحية عميقة، تجعل الجمهور يتأمل ويتفاعل على مستوى داخلي عميق. لم تكن المسرحية مجرد عرض لأحداث متتالية، بل كانت رحلة إلى أعماق النفس البشرية، حيث يتم مواجهة أسئلة معقدة حول الحياة والموت، الهروب والمواجهة، المعنى والفراغ.

 

* محمد بوشعر طالب باحث في مهن المسرح وفنون العرض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت