نص مسرحي: “سبكــتروفــــوبيا” / تأليف: رفقة أومزدي

  1- مِكـــنسة لأطـــير

 زهرة، زوجة رجل عاطل وأم لشابة وشاب، ملامحها دائمة التعب، سروالها دائما مطوي من الأسفل، لا تراها إلا وهي تعانق مكنسة بطولها، وتتأبط قنينة سائل التنظيف خوفا من أن يسرقه أحد، تعمل كمنظفة وحينما يسمح وقتها مساعدة منزلية تحت الطلب.

زهرة: (تدحرجت لتوها من السلالم بعد أن انزلقت رجلها بفعل لزوجة سائل التنظيف، تجلس على الدرج مستلمة للألم، وتمسد كاحلها بعد أن تأكدت من سلامة ظهرها، وهي تضغط على رجلها، يثيرها انعكاس وجهها على الأرضية المبللة، وكأنها لأول مرة ترى جبينها المبلل وعينيها الذابلتين) 

اييييه دوام الحال من المحال.. لم أكن لأتخيل ولو للحظة أن حياتي ستنقلب وسينتهي بي الأمر هكذا، منك لله يا عبد الله، يارب تأخذه كي أستريح، (كمن يتراجع) وهل سأستريح ان أخذه؟  لا أظن!  فالشقاء والهم ورائي ورائي، وكأننا نخطو متوازيين، فأنا وحدي المعيلة والمسؤولة عن تأمين لقمة العيش.  لكني سأرتاح! نعم، سأرتاح من سلاطة لسانه وتعنيفه لي بسبب وبدونه، وإرهابه لأبنائه وأمي المسكينة، منه لله لا يرحم ولا يترك رحمة الله تَحِل

(تستغفر الله) لم ننعم بالسكينة من تاريخ تلك الحادثة اللعينة، والمغيظ في الأمر والذي يجلب الفقسة،أنه لم يصب بشيء شديد السوء. ماذا وقع؟  أصيبت رجله!! وكم من رجل تعرض لإصابات أكثر سوء منه، لكنه قاوم وعاد لحياته بشكل طبيعي.. لأنه رجل ومدرك للمسؤوليات التي عليه توليها.

وأقرب مثال يا زهرة الخياط الذي بحيّنا: تعرض لحادثة سير مميتة فقد إثرها رجليه الاثنين، وها هو الآن يشتغل من على كرسيه المتحرك،أراه يوميا في دكانه، يزاول عمله باتقان مشهود ولم يبك حظه ويخرج زوجته عرضة للمهانة. هكذا الرجال وإلا فلا.

أما معطوب العقل والاحساس الذي عندي آآخ..

لو كنت أعلم أنه سينقلب هكذا لتمنيت له شللا على مستوى الرقبة واللسان (تستغفر الله)، حدد له الطبيب رخصة مرضية في حدود 20 يوما، ورأى أنه يمكن أن يعود لمزاولة عمله بشكل عادي بعد ذلك، لكن المعطوب ما أن ذاق حلاوة الراحة والتمدد أمام التلفاز، حتى رخص لنفسه إجازة مفتوحة لسنوات والظاهر أنها مدى الحياة.

(تمسّد رجلها) الرجل لم يعد يفارق ظهره اللحاف ويده آلة التحكم، من قناة لأخرى ومن كأس شاي لآخر، مرتاح مطمئن البال كما لو أن له رصيدا بالبنك سيكفينا لآخر العمر.

آآخ ميت القلب سيصيبني بجلطة لا محالة.

انقلب حاله المعطوب ميت القلب تماما، حتّى شككت أنه استُبدل بآخر.

لا أدري! ربما أخذوا شيئا باهض الثمن من دماغه وهو بالمستشفى!

نقصت رجولته وكرامته، وبالمقابل ساءت معاملته أكثر فأكثر، يطلق علينا من قبيح كلامه كمن بيده رشاش لا يتقن استخدامه، يرمي بأي شيء وقعت عليه يده، يعنف، يضرب… لنا الله.

باع البيت الذي كان غطاءنا ودليل مقاومتنا الوحيدة أمام الناس، بحجة رغبته باتباع حصص في الترويض والعلاج الطبيعي، لأعلم فيما بعد أن رغبته كانت اتباع كلاب المراهنة وباقي انواع القمار.

أضاع المال وطردنا صاحب المنزل الذي اكتريناه بعد ذلك لعدم تمكنه من السداد، ومن حسن حظنا وجدنا باب أمي مفتوحا لاستقبالنا الى اليوم.

لكن حنانها هذا، انقلب سوء وشؤما على التعيسة، فلو كانت تدري أن ذلك اليوم سيجر عليها كل هذه الويلات لأغلقته وأحكمت اغلاقه.

كانت أمي تعيش حياة مطمئنة، مستورة داخل البيت الذي تركه والدي، وبتقاعده الذي يكفيها السؤال والحاجة، تتمتع بصحة جيدة، كانت تتمتع (مستدركة)، صاحبة نكتة ولا تفارقها الابتسامة، الى أن رقّ قلبها لحالي وأبنائي وقررت ايوائنا معها، لتقينا شرّ ما يخفيه لنا ذلك المعطوب باستهتاره ولامبالاته.

أطعمتنا المسكينة واهتمت بمصاريف أحفادها التي حرصت على تعليمهم أكثر من أي شيء بالدنيا، وبدل أن يشكرها عدو الله نظير تضحيتها ومعروفها، نالت حصتها من سوء المعاملة والقذف والتعنيف المستمر..

نخرتها الحسرة وقلة الحيلة..

بدأت تصيبها اغماءات مفاجئة لم تُجد معها الأعشاب الطبية وزيارة الأولياء نفعا..

توالت عليها نوبات عصبية لم توضح الاشعاعات والتحاليل مصدرها، ولم تحد منها الروشيتات الطبية على كثرتها..

نصحونا بعيادة نفسية، فلم تفلح الأخصائية في التنفيس عنها وانتهت مشلولة.

عجز جسمها بشكل كلي، كتعبير منها عن رفضها لما انتهت اليه حياتنا..

انتهت مقعدة على كرسي بالزاوية تنظر إلينا وتتبعنا في صمت مطلق.

لم تعجز عيناها، ظلتا صامدتين تعبران عن شموخ غريب، كلّما نظرت فيهما شحنتاني بطاقة قوية حدّ الامتلاء.

أحمد الله في كل حين على صمود عيني أمي، الشيء الوحيد الذي يبعث فيّ الرغبة في الحياة، حبلها السُريّ الذي يضمن لي ترياق الأمل والانبعاث اليومي من الموت.

نشأتُ مدللة وسط أسرتي..

لم أكن ممن تستهويهن أعمال البيت، وكانت أمي تعفيني منها بكل محبة.

أحلامي كانت بسيطة وطموحاتي عادية، استمتع بعملي كمربية بأحد رياض الأطفال، اهتم بنفسي ومظهري، وأخرج في لقاءات أسبوعية مع صديقاتي..

لم يعكر صفو حياتي شيء الى أن ظهر من غير موعد، وجه جرئ ومندفع يخفي الكثير من الجدية، بقامة طويلة عريضة، يعبّر أنّا سنحت له الفرصة عن اجتهاده وتنظيمه، وعن خططه المستقبلية… فقلت هو ذا دونما أدنى شك.

سلبني المعطوب، أعاد برمجتي على ذوقه، حتّى أني تخليت عن عملي مصدر راحتي وابداعي، وقعدت اهتم بالبيت بمحبة أيضا.

(تعيد ربط منديل شعرها) وبدأت الوردية تتلاشى تدريجيا وتغدو المخططات والمشاريع أحلاما مؤجلة.

أنجبت أحلام، وبعد سنتين إلياس، واستسلمت لواقعي وثقل أكتافي بهما.

كان بإمكاني الحدّ من بأسه مبكرا، لكني كنت دائمة التراجع، مرددة في نفسي الخيبة المأثورة: ظل راجل ولا ظل حيطة، من الصعب تحمل مسؤولية أحلام وإلياس لوحدي، يحتاج الأبناء لحسّ الأب بالبيت حتى لو كان مجرد فزّاعة.

يا للحمقّ!

لو كنا نعلم ما سيأتي به المستقبل! لاتخذت القرار حينها وأوقفت هذا البؤس ولكانت المسؤولية التي أعاقتني وقتها أخف وأهون.

(تتذكر ابنتها فتخرج الهاتف كي تطمئن عليها، تتصل، رنين متواصل و لا مجيب تعاود الاتصال، يرن ثم تحال على المجيب الآلي) أقفلت علي الخط ثانية!

لا أعرف كيف أتعامل مع هذه البنت؟

عوض أن تريحني وتتحمل عنّي ولو معنويا تثقلني بهمّها أيضا.

لا أدري ما بها أ تأثرت نفسيا بما مررنا به أم ورثت جينات النكران والفظاظة من أبيها؟

قد أتفهم خجلها من عملي، وتنكرها لي أمام نفسها وأصدقائها والمجتمع، لكن عملي وحثي لها على الاجتهاد ومواصلة تمدرسها، وحصص الدعم المرهقة منذ كل هذه السنوات، هي من مكنتها من تحقيق أملها في ولوج كلية الطبفي الأخير.

لِم لَم تخجل من ارتداء تلك الملابس الفخمة التي كانت تجود علي بها النساء اللواتي أشتغل لديهن؟

لِم لم تكن تقرف من انتعال الأحذية التي كنت أعود بها؟

لِم لم تتنكر لي عند عودتي من العمل وهي تسأل وتبحث عما أحمل لها؟

ظننتها سندا لي وأنها ستعوضني سنوات القهر والعذاب.

ظننتها ستجازيني كما يحصل في الأفلام مع أولئك الأبطال الذين يعترفون بفضل أوليائهم، وحسن تربيتهم لهم رغم مهنهم البسيطة، ويتباهون بهم أمام الجميع.

 

(تقفز إثر دوي مفاجئ)

اظـــــــــــــــــــلام

 

2- سجيـــن جســـدها

ياسمين، 19 سنة طالبة جامعية،في بيتها، تجهزت من أجل الخروج. وهي تتجه صوب الباب، يثيرها شكلها المنعكس بشكل خاطف على المرآة المثبتة على الجهة اليسرى بمحاذاة الباب، والتي لا تهتم بالوقوف عندها عادة.. وضعت يدها على المزلاج وما ان همت بفتحه حتى عادت خطوات الى الوراء، مستسلمة لذبذبات مغناطيسية وضعتها دفعة واحدة أمام المرآة..

ياسمين: (ترتب ملابسها وتتأكد من مدى تناسق قميصها الرياضي مع السروال ذي الطبعة العسكرية..تخرج صرخة مفاجأة)

آه متى أتخلص من هذين الثديين المقرفين؟

منظرهما جد بشع، تلزمك خطوة واحدة يا أنور، خطوة واحدة جذرية وتنتهي مع هذا الألم واللخبطة التي تتخبط فيها منذ سنوات.

(تأخذ عدة لفات أمام المرآة) نعم الأمر واضح، لا يكفي تغيير الملابس كي أخرج من هذا السجن، هذا الضيق الذي ما ينفك يحبس أنفاسي أكثر وأكثر دونما توقف واكثرات..

يحرمني حتى من لحظات ووقفات بَيْنيّة أسترجع فيها أنفاسي، ضغط ثم ضغط وضغط لم أعد أقوى على تحمل المزيد.

(تطأطأ رأسها وتخطو تجاه الباب لكن الذبذبات تعاود اجتذابها للمرآة)

صارحني يا أنور ماذا تريد؟

(تنظر الى نفسها في تحدّ) أيكفيك التخفي داخل ياسمين التي لم تحسها يوما، ولم تنعم بالحياة و السلام داخلها؟

هل أدمنت قلقها واضطرابها وأعجبك دور التوأم السيامي عقليا، حيث تظهر كل شخصية في الوقت والمكان المناسبين، لتلعب دورها الاجتماعي في كامل الانضباط والتعاقد خوفا من الاستبعاد والرفض.

ماذا تريد في النهاية؟

سلام نفسي وجسدي أم اجتماعي يتلوّن حسب المصالح التي لا تستقر على حال؟

لم أحس يوما أني امرأة..

مذ كنت طفلا في العاشرة وأنا أفضل اللعب مع الصبيان، لم أحب قط الدمى وألعاب الفتيات المملة.

كنت دائما أكره الفساتين وربطات الشعر وباقي الاكسسوارات التي تعشقها الفتيات ودائم التمرد عليها..

حتى في اختيار ملابسي: كنت أميل لملابس الأولاد وأحذيتهم، غير آبه بتذمر أمي ومحاولاتها الفاشلة بإقناعي بالألوان والاشكال المبهجة في نظرها، وحكاياها عن الاميرات وأطقمهن الزهرية…

أتذكر كيف كانت تأخذني عنوة الى الصالون النسائي، وكيف كانت تغريني بطلائها لأظافري رغم معارضة والدي الذي كان يخشى من إدماني المبكر للماكياج وأدوات الزينة.

أمي المسكينة (بحسرة)..

لطالما استشعرت ذلك الطفل المدفون داخل جسد طفلتها التي أرادتها امرأة كاملة الانوثة، تتباها بجمالها بين أهلها وجاراتها، ياسمينة تسحر بأريجها كل من مرّ بها…

رغم مساندتها الخفية وتألمها الدفين لآلامي لم تشجعني يوما على البوح لها..

لم أجرؤ على فتح قلبي لها ومصارحتها، بسبب رسائلها الرمزية التي كانت تبعثها لي في كل مرة، وإشاراتها التي تدعوني للصبر وتقبل حالتي دون اعتراض على ما كتبه الله..

فكانت أمي(تخرج زفيرا طويلا) أكبر هَمّ أواجهه، وحاجز يعترض إعلان رفضي العلني لهذا الجسد الانثوي، والرغبة في التحول لأنور الذي طالما رغبت فيه..

لاقتناعي بأنها أول شخص سيعاقبه المجتمع ويعاني من آثار الانتقاد والانتقاص، وأنا لم أرد لها ان تواجه هذه التجربة وأن أبني سعادتي على شقائها..

كنت ألاحظ خوفها المستمر، وترقبها الدائم لليوم الذي سينفجر فيه كل شيء.

أما الآن، فلم يعد هناك داع لهذا الارجاء والانتظار..

فمن كنت أخشى ايلامها وتجريحها ماتت منذ سنتين، خطفها المرض وتركتني وحيدا ضائعا مصارعا أنا هوجاء، لا تكل من مقارعتي واستفزازي.

من كنت اهتم لأمرها وأخشى من لردة فعلها ماتت، ومات معها آخر ما تبقى من الياسمين.

من تلك اللحظة بالذات، قررتُ الانتصار لصوتي الداخلي والتخلص من توأمي ياسمين كليّا والتعود على العيش علنا بهويّتي القديمة الجديدة قلبا وقالبا.

وهل نَجحْت في تحقيق التحول المرغوب؟

(تصرخ في وجهها وهي تقترب من المرآة أكثر)

هل انتصرت على ياسمين والمجتمع؟

هيّا ماذا حققت؟

(تفتعل الهدوء و تحاول ضبط نفسها) بدأتُ بالعلاج النفسي، ساعدتني الاخصائية كثيرا حقيقة، وتأكدت من خلال تمارينها من هويتي الجنسية بشكل قاطع، أعدتني أو هكذا ظننت! للبدء في عملية العبور والانتقال الفعلي إلى ما أرغب فيه.

عرّفتني على المراحل التي سأمر منها، وأساسا ما يخصالتحول الاجتماعي وهو الأهم: سبل مواجهه أحكام الناس، رفضهم، نظراتهم،المشاكل القانونية التي ستعترضني وغير ذلك…

ثم ما يخصالشق الطبي من خلال العلاج الهرموني والتدخل الجراحي عندما سأقرر التخلص من الصفات الجنسية الرئيسية لياسمين، وامتلاك الصفات الجنسية الخاصة بأنور.

تحمست فعلا وزاد اصراري على بلوغ هدفي، مفاجأة نفسي والآخرين لكني (تغرورق عينيها ولا تقو على مواصلة النظر اليها عبر المرآة وتهوى أرضا) فشلت في مقاومة ترددي، فشلت في مقاومة خوفي من رد فعل الآخرين..

أنا وحيد وسأزداد وحدة، غريب وسأزداد غربة، مرفوض من ذاتي وسأزداد رفضا من المجتمع.

ظننت أنني أملك ما يكفي من الشجاعة والتحدي، لكن اتضح أني جبان وخانع، والواقع أن ياسمين أشجع وأجرأ مني.

على الأقل هي تمردت ودافعت عن حقها في تغيير صورتها، ساعدتني على الانطلاق

وهيأت لي ما يكفي من الظروف والفرص، وماذا فعلت أنا بالمقابل؟

وقفت في منتصف الطريق وخرّبت كل شيء.. جبان

انقطعتُ عن جلسات العلاج النفسي وفضلتُ جلسات بعض الأصدقاء الذين لم أخجل من مصارحتهم بوضعي، والذين أبدوا تقبلهم وترحيبهم الكامل بي، فاندمجت معهم تماما وشاطرتهم جوّهم واهتماماتهم بكل سلاسة.

ظننت في البدء أنهم أحبوني لشخصي، لكني فهمت متأخرا أنهم ضموني إليهم لأني أُمول جلساتهم، وأصرف على المخدرات التي جعلوني أدمنها معهم.

ورغم وعيي التام بكل هذا إلا أنني لعبت دور الغبي وتعايشت مع الأمر عن طواعية وقصد، حتى لا يخرجوني من دائرتهم التي كانت تشكل لي انتصارا نوعيا، وجدت فيها الكثير من الأمان ولذة الانتقام من الذات، والأهم من ذلك الرغبة في مواصلة الحياة.

هذا الاحساس بالقبول، ولو من تلك الفئة الصغيرة وربما غير المثالية أو ليست بالنموذج الذي يمكن أن أفتخر بفرض اختلافي عليها، الا أني كنت أجد فيها الحضور اللافت لأنور،النجم المتألق الذي لا يكتمل دونه أي مجمع.

هل أنا راض عن نفسي في النهاية؟

(تقف على قدميها) نعم سأبدأ من جديد وسأستميت من أجل نجاح لا رجعة فيها، سأعود للعلاج النفسي من جديد و س….

(يسمع دوي قَوي بالخارج)

اظـــــــــــــــــــــلام

 

3- قبلــــة مسمـــومة

نرجس، موثقة معروفة، 42 سنة، جميلة ميسورة وعازبة، تبحث عن جزئها المفقود.

نـــرجــس: (في منزلها، موسيقى لاتينية راقصة تنبعث من الهاتف)

وصلتَ عزيزي! أنت بالأسفل؟ حسنا، سـأحمل حقيبتي وأنزل حالا.

(تتفقد محتويات حقيبتها قبل المغادرة، تغلقها و تحمل هاتفها الذي ستستعمله كمرآة للتأكد من ثبات أحمر الشفاه، وهي تتفحص وجهها ينهال عليها سيل من الأفكار و الأسئلة) لماذا تعثر على الزواج حتى وضعت نفسي في هذا الاحراج؟

ماذا عن الذي بالأسفل؟

هل سينتهي كالذين سبقوه؟

يستمتع لشهور، ويستغل مالك وجمالك، ثم في النهاية يفضل من هي أصغر منك، حتى لو كانت فقيرة ومعدومة أو يبحث لنفسه عن ضحية أخرى.

لكن لم هذا الاصرار على مواصلة هذا النوع من التجارب الخائبة؟

ما تكادين تخرجين من علاقة فاشلة حتى تدخلي في أخرى.. تتذمري لأيام، وتكتئبي لأسابيع وتلعني جنس الرجال، ثم تلينين عند أول اشارة، فتقدمين العطايا وتُعلي أعلام الرغبة والقبول غير المشروطة، وعلى بعد الأمتار الأخيرة من خط النهاية.. يُفقد التوازن بصورة غريبة، وتعود الأمور الى نقطة البداية من جديد..

نفس الفشل، نفس الخيبة، نفس كسر الخاطر.

(تزيح وجهها عن الهاتف في محاولة لإزاحة كل ما يجول بذهنها، تخاطب نفسها بصوت مسموع) أجدني أكثر انطلاقا وراحة هذه المرة، سأحاول أن أكون متفائلة قد ينجح الأمر وأغلق أفواه المتحذلقين.

(تصفق باب المنزل، تطلب المصعد، يفتح، تدخل وتجد نفسها أمام مرآة أكبر وأوضح)

ما الجرم الذي ارتكبته كي أنتهي هكذا وحيدة؟

فيم سينفعني نجاحي وكل ما اجتهدت في اكتسابه وتحقيقه، وأنا سأنعت بالعانس في الأخير؟

يصعب علي تخيّل نفسي مركونة بإحدى زاويا منزلي، كقطعة أثاث يستعصي الاستغناء عنها رغم تهالكها.

(تركز نظرها على خطوط التجاعيد الرقيقة المختفية وراء مكياجها والتي بدأت تتوزع على وجهها) اهتممت بدراستي وحرصت على التفوق فيها، أعطيت الأولوية بعد ذلك لعملي، وبرزت فيه، ثم أردت الاستمتاع بنجاحي قبل أن أطفس في بحر الزواج وما يتبعه من مسؤوليات.

ما الخطأ في هذا؟

سافرت وزرت بلدانا عدة، اشتريت مسكنا وبيتا صيفيا، أغير سيارتي كلّما راقتني واحدة.. من حقّي الاستمتاع بعد عناء السهر والعمل المتواصل.

لكن في خضم هذه الأمور، لا أدري! ربما لم أجد الوقت للتفكير في أي رجل.

ربما لم ألتق بواحد مناسب أو لم يتقدم لي أحد أصلا.

أحاول التذكر لكن عقلي لم يسجل لي أي شيء بهذا الخصوص..

المهم لا أدري لم كان الرجال يخشونني؟

لطالما كان لدي هذا الإحساس، لم أعِر اهتماما وأنا ملْء سعادتي بنفسي لأمور السن والوحدة والأطفال.

ظننت أن الوقت دائما ما يكون مناسبا وسيبقى دائما كذلك، وأن مَثَل القطار من خرافات الجدّات فقط، اعتقدت ان الوقت دائما ما يكون مناسبا.

أ أكون قد بالغت قليلا وتأثرت كثيرا، بشهادات كل تلك المتزوجات اللواتي مررن بحياتي، ونصحنني بالتريث وعدم التسرع مثلهن بالزواج؟

الزواج الذي لم يجنين من ورائه سوى الشقاء الجسدي والنفسي، والتعب والأعباء غير المنتهية حسب تجاربهن، تأثرت ولا شك بكلامهن الذي كان نسخة طبق الأصل، تشابه تام واتفاق مقلق على مستوى الخلاصات والتجارب:

– قبل الزواج نسعد بأنفسنا، فننفق عليها دون بخل، نشتري كل ما نشتهي هو نصرف دونما تفكير أو احساس بالذنب.

– في السنة الأولى زواج ما ان نُقبل على شراء فستان، حتى تظهر فجأة و بشكل ملح حاجة الصالون لستارة، فنُؤثر إسعاد الصالون على أجسادنا.

ونحن نجرب الحذاء، تتبدى وبغرابة حاجتنا لطقم فناجين جديد، من أجل استقبال الضيوف أو سجادة جديدة للكوريدور، فنَمْتَثِل للأولويات ونقنع أنفسنا باللابأس، ونمنّيها بِمَرّة مقبلة.

– أما في السنة الثانية فتنضاف الى ما سبق مصاريف البِيبي و حاجياته التي تكبر سنة عن سنة، وبسبب عاطفة المرأة واستعدادها الفطري للتضحية ونكران الذات، فإنها تفضل ولا شك تأمين حاجيات بيتها والآخرين قبل نفسها، التي دائما ما تأتي في آخر اللائحة.

نفس النسوة يتلامزن اليوم علي.

ويُذِعن أن عنوستي سببها كثرة شروطي وقلة تواضعي، وأنه لو كان بمقدوري بلوغ السماء لما تأخرت، وأن تبطّري وعدم أخذي بالنصائح هو ما جعلني لا أطول لا بلح الشام ولا عنب اليمن.. الملعونات.

ويَعِبْن علّي نوعية الرجال التي أختارها!

وكأنما المجال واسع للإنتقاء! (بسخرية)

على الجميع أن يعلم أن ما باليد حيلة أمام المتوفر على الساحة، وأن هذه الأنواع، كل الموجود حاليا..

ماذا أفعل؟

الأغنياء لا يتزوجون، والمثقفون مقاطعون للفكرة جملة وتفصيلا، وما تبقى نموذج موحّد مستنسخ من عيّنة واحدة كالدمى اليابانية تماما.

كمن يبحث عن نوع معين في السوق، لكنه لا يجد سوى عينة واحدة وحيدة معروضة عند جميع التجار، فيجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يأخذها أو يتركها.

(تخرج من المصعد بخطى ثقيلة و كأنها تستطيل وقت هذا العصف الذهني) شباب لا يملكون سوى شعورهم المجَلْجَلة، وثيابهم الغاية في التنسيق وعطورهم الفوّاحة..

لا يعرضون شهامة ولا أنفة ولا تحملا للمسؤولية، يعرضون فقط عضلاتهم وقصّات شعرهم،

وصيحات لحاهم دقيقة التشذيب، وكأنهم يُمرّرُون رؤوسهم يوميا على جزازات العشب عند الاستيقاظ.

لابد من رسم خطة محكمة أتعامل وفقها مع هذا الوغد، كي لا أوضع على الرّف ثانية.

كفاني بلادة واستكانة يجب أن أمسك الزمام جيدا هذه المرّة.

علّي أن أرفع التحدي عاليا، أكون أو لا أكون طريق لا رجعة منه.

سأجاريه للنهاية، وأجعل منه عبّاس إلى أن يهديني الطفل الذي آمله من هذه الدنيا.

طفل يا ناااس، آنس به وحشتي أعيش له ويحيا بي، هذا كل ما أرتجيه.

(تفتح باب البناية، تتراجع عن الخروج فتتركه مواربا وتختبئ وراءه الى أن تنتهي من ترتيب أفكارها) يظنني غبية بلعت طعمه بسهولة، ووقعت في الشراك!

سيرى من سيضحك أخيرا، سأعيده من حيث أتى ما أن أتمكن من الحمل وأتأكد من استقراره، لدي إحساس بأنه مازال بإمكاني الانجاب، ما يزال الوقت مناسبا لذلك، عليّ فقط الاسراع والمرور للخطوات التالية دون تأخير.

لا تكفيه سيارتي التي يستعيرها مني طوال الوقتّ! سأشتري له واحدة ان لزمت الخطة.

سأغريه بمشروع أموله له، يهون المال من أجل عيون ابني.

آآه وسأرسل والديه الى الحج، فكرة لا بأس بها كي أضمن الدعم من الضفة الأخرى.

المهم أن أخرج بأهم انجاز في حياتي وأحقق نجاح العمر.

اعتبريها آخر فرصة ستتاح لك يا نرجس (تدق رأسها بهاتفها تحفيزا) آخر فرصة، وإذا فشلت فسارعي في اختيار الزاوية التي ستركنين لها بقية عمركبالأعلى.

(نَقَزت إثر رضْخ شديــد)

اظــــــــــــــــــــلام

 

                                                    4- وعهد المحبّيــــن قــد يَنقـــضي

ريحانة، في أواخر عقدها الخامس، امرأة قوية البنية متحكمة في أمور بيتها،

اجتماعية، تحب المناسبات

ولمّات الجارات، على علم بالشاردة والواردة تجد كل الأخبار لديها ولا تتوانى عن اقتسامها

مع أي أحد كيفما كان، عليك فقط كبس زر الثرثرة والنميمة لديها.

ريحــــانــــة: (جالسة بالغرفة تشاهد التلفاز، على الطاولة أمامها صينية شاي بعد الزوال، وفي نفس الوقت تقوم بتنظيف وتقطيع الفاصوليا الخضراء، صوت التلفاز وطقطقات الفاصوليا المتواصلة، تتوقف لإعادة ملء كأسها بالشايف يَستَرعيها انعكاس وجهها على الابريق)

على الأقل تُسلّينا هذه المسلسلات التركية، وتشلّ أدمغتنا عن التفكير بشكل مؤقت، وإلا لانفجرت رؤوسنا وتطايرت أشلاءها أمام أعيننا يوميا، ثم نكاية بنا ترجع للالتئام ثانية وتعاود الانفجار في اليوم الموالي وهكذا..

منذ أن أفتح عيني وأنا فيضغط متواصل الى أن أنام.

صحيح أن الوقت يمر بخفة مدهشة إلاّ أن ثقل ضغطه غير محتمل.

أحاول مرارا التفكير في جدوى ما أقوم به يوميا (يرتفع صوت طقطقات الفاصوليا) فلا أستخلص سوى التعب والقهر وقلة الشكر.

أجني فقط ارتفاع الضغط وتراكم الأمراض التي تمهلني حتّىساعة يا ويلي منها.

من المفروض أن تقل في هذا العمر المنافذ التي تتسلل منها المشاكل ومنغصّات الحياة، وأن يقضي من في مثل سنّي ما تبقّى له في راحة وهدوء، وسلام داخلي وخارجي بعد أن استُهلكنا في العمل وتربية الأبناء والتدحرج في مسالك الحياة.

من المفروض أن نبدأ الآن حياة جديدة، نكافئ فيها أنفسنا عن السنوات الماضية، وندللها فرحا وامتنانا على قطعها كل هذه المسافات واقترابها من خط النهاية بشرف وبطولة.

لماذا لا نجيد فن العيش والاستمتاع بالحياة مثل الأجانب الذين يعيشون في شباب دائم، وتنتهي حياتهم ربيعا متجددا بعيدا عن الخريف وأوراقه المتساقطة؟

لماذا لم نربّ أبناءنا مثلهم على الاستقلالية وتحمّل المسؤولية، وحلّ مشكلاتهم بعيدا عنّا، لأرحنا واسترحنا مبكّرا؟

أستغرب من قدرتهم على التظاهر باللامبالاة وتحلّلهم من تلك العاطفة الزائدة التي لم تكن لتوّلد سوى الأنانية والعصبية والهشاشة النفسية كما هو حال أبناءنا اليوم.

نظن أننا تخلصنا من ذلك الحبل السري عند الولادة، لنجده في غفلة منّا يتقوّى، ويطول ويطول، ويتضخم حجمه مع السنين، ثم نتكبد في النهاية ثقل جرّه خلفنا حتّى الممات، هذا إذا لم يَلتف حول أعناقنا ويَشد خِناقنا لنَلقى حَتفنا مبكرا.

كلّه من العاطفة الزائدة كما يقول المثل” حَنْ تْمَحن “.

لا يجلب الحنان والمحبّة المفرطة سوى الشقاء لصاحبها.

(تترك من يدها الفاصوليا، تأخذ كأس الشاي وتتمدد على الأريكة) منذ متى لم تحظي بعطلة يا ريحانة؟! (تحاول التذكر) منذ متى! أربع سنوات؟

إيييه نعم أربع سنوات..

منذ أن تزوجت الكبرى، كان عرسا تاريخيا، أقمناه بالبادية تبعا لتقاليدنا ونزولا عند طلب العائلة.

دام سبع أيام بلياليها، أعتقد أنها كانت آخر مرة فرحت فيها وضحكت فيها من القلب، عرس لن ينسى أبدا..

بلى نسي تماما، وانقلبت ذكراه سريعا الى غم بعد شهرين فقط.

قبل حتّى أن يسدّد أبوها المال الذي اقترضه من أجل مصاريف العرس..

يومها، عادت لتخبرنا بكل وقاحة، بأنهما اتفقا على وقف ذلك الزواج بعد أن وجدا نفسيهما غير مناسبين لبعضهما البعض، وأنّ أفضل حل لكليهما أن ينهيا الأمر بهدوء.

لم تترك لي الملعونة وجها أقابل به الناس، وأتبجح به عليهم، أنا التي كنت أتباهى بسيطرتي على أمور بيتي ومن فيه، وحكمتي في حلّ مشكلات الآخرين، ودروسي في التربية والسعادة الزوجية…

جعلتني علكة تلوكها الصديقة قبل العدّوة.

وحين طلبت من أبيها التدخل لننقذ ما يمكن إنقاذه، والبحث عن إمكانية الاصلاح عوض الطلاق، غضب وصرخ في وجهي:

– لم عليّ أن أتدخل الآن!

أنت من منعتني من التدخل في شؤونها منذ كانت طفلة، وقلت إن الأم هي الأصلح للتفاهم مع البنت، وما علّي سوى أن أتركك وشأنك معها، فتفردت بتربيتها دون أن تحترمي وظيفتي كأب، كأب من حقه أن يكون له دور في تربية أبناءه والاهتمام بتفاصيل حياتهم..

واليوم وبعد أن أفسدتها تريدين منّي التدخل (تخشن صوتها).

– هي في مرحلة تحتاجك كصديق أكثر من أب، حاول أن تستميلها ربما تتمكن من التأثير عليها، عليك أن تتصرف بسرعة قبل أن ينتبه الناس ويكثر كلامهم.

(تعود لتقليد صوت زوجها) فات الأوان على ذلك، كما أفسدت العجينة أصلحيها، يا أم عُرّيف الحي، لا تحشريني في أموركم، أريدكم أن تتعاملوا معي وكأني غير موجود، غير مرئي، لطالما كنت شبحا في أعينكم، فما الذي تغير الآن؟

ثم الناس الناسالناس..

هذا ما يقلقك حقّا، وليس أمر ابنتك.

وما الضرر إن جاء دورك وتحدثوا عنك قليلا، أ لم تقنعي بعد من اغتيابهم؟ وتملّي من حشر أنفك في خصوصياتهم والشماتة فيهم؟ على الباغي تدور الدوائر.

تركني متصلبة في مكاني من سمّ كلامه وصفق الباب خلفه، تمنيت حقّا لو تركته شبحا كما قال، ولم أفتح معه الحديث مطلقا، سَمَّ بدني بكلام لم أتخيل أني سأسمعه قط.

تَطلّقت قليلة الحياء، وعادت بيننا..

لكنها لم تعد لوحدها، بل جلبت معها ما يذكرنا بخيبتها في بطنها.

وبعد أشهر أنجبت طفلتها، كنت أظنها الشيء الوحيد الذي سيعقلها ويجعلها تتحمل المسؤولية وتحترم نفسها، لكن للأسف..

وكأنني من أنجب وليس هي.

أخطأت مرة أخرى، أخطأت لأني قبلت أن أحمل عنها مسؤولية ابنتها، أن أتجشّم عنها ثقل السهر والاعتناء والتربية.

لو أني رفضت الاعتناء بها وتحججت بالسفر أو المرض أو حتّى كنت صريحة، وعبّرت عن رفضي للعب دورها كأم، لكانت الأمور عكس ما هي عليه اليوم.

لدبّرت أمرها لوحدها، وشمّرت على ساعديها كما تفعل الأمهات الحُرّات.

(تضع الكأس من يدها) ثلاث سنوات، وهي تعيش كما يحلو لها، ليس لها مواعيد ثابتة، تخرج متحجّجة بالعمل وقتما تشاء، وتعود ليلا لا رقيب ولا حسيب.

لو أنها تساعدني قليلا أنا التي لا تملّ من تجميل صورتها بين الأهل والجارات، وفي الحمامات والحدائق، عَلّها تحظى بفرصة الزواج من جديد، لكن من سيرضى بها مع سلوكها وطبعها السيء، سَوّدت وجهي أمام الناس.

أعلم ذلك ويقتلني الخجل وعدم الرضا، لكنّي أدفنه داخلي ولا أترك له فرصة للظهور أبدا، خاصة أمام أعدائي الذين لا أتوان عن إغاظتهم كلّما تصيّدت الفرصة لذلك..

على المرء أن يكون دائما السبّاق الى الهجوم، وألا يترك لأخطائه مجالا لإضعافه وإذلاله.

للجميع نواقص ونقاط ضعف في أماكن ما، فإما أن يتحكّم فيها المرء ويستغلها لصالحه أو أن يكون مهزوما ويتركها تُستغل ضده، وأنا لست من النوع الثاني ولن أسمح لأحد أن يشكل نقطة ضعف لي.

من يشير إلي بأصبع، أدخل العشرة في عينه، وهذا سرّ احترام الكلّ لي، يتهامسون ورائي ممكن، لكنهم ينقلبون كالخراف أمامي ويتسارعون في طلب ودّي.

لو أنها تهتم قليلا بابنتها التي بدأت تلاحظ جفاءها، أتوجد أم لا تعرف ماذا يحب أن يأكل طفلها، الألعاب التي يفضلها، وقت خروجه من الروضة…لا يعقل.

لا تتابع شيئا بتاتا، ألقت علّي كل الثقل أو بالأحرى أنا من وضعت نفسها في هذه الورطة وسمحت لها بالتنصل من المسؤولية.

لم أنعم بالراحة منذ أربع سنوات..

وأنا هنا رهينة حياة التي ليس لها ذنب المسكينة في كلّ هذا، أخشى من الشعور الذي بدأ يجتاحني، حتّى أنه يُهيّئ لي أن الرابطة التي بيننا أصبحت كعلاقة سجين بسجّانه مع صعوبة تحديد السجين من السجّان، أنا التي أُهَدهدها أم هي التي تُهَدهِدني بين الصبر والاختناق…

(تقفز من على الكنبة رعبا بعد سماع انفجار قوي)

اظـــــــــــــلام

 

تخرج ياسمين وريحانة مذعورتين من بيتهما، تبحثان عن مصدر الانفجار، تتسلل نرجس خارج العمارة على أطراف أصابعها كي لا ينتبه أحد أنها السبب وراء ذلك الصوت.

 نرجس: (تخرج تجاه موعدها مسرعة ويدها على قلبها) الظاهر أني تسببت في كارثة، علّه فأل خير، كنت في حاجة لمثل هذه الخضّة كي أستفيق وأشمر على ساعديّ.

ريحانة: (تصرخ) زهرة زهرة.

زهرة: (تضرب على فخديها خوفا من ريحانة وتطل عليها من الطابق الأخير) نعم حاجّة، حاضر. (تهمس) يا لطيف ألطف، من سيسكت هذه المهووسة اليوم.

ريحانة: لن ترتاحي حتى تسكتي قلب أحدنا بهذه العمارة يوما ما، ماذا فجّرت؟

زهرة: لا شيء الحاجة لم أفعل شيئا صدّقيني، تيار هوائي فقط، باب السطح مفتوح ويبدو أن أحدهم ترك باب العمارة مفتوحا أيضا و..

ريحانة: (تقاطعها) اتركي الهاتف من يدك واعملي بضمير أيتها الممسوسة، انظري لمسّاحة الأرجل (في مبالغة شديدة) كيف تبللت، سيلزمها يومين لتنشف، احضرونا يا ناس (تصرخ لتُسمع الجيران) بلغ الماء صالوني بإهمالها ستغرقنا هذه الهبلة.

زهرة: (مختبئة وتولول) لا تقلقي الحاجة فيها خير، سأمُرّ ببيتك حالا وأقوم بتنظيفه من الألف للياء، لن يأخذ منّي أكثر من ساعة.

ريحانة: كفّي تقافزا، أنهي عملك وارحمينا من هذه الرائحة الكريهة، لا ينقصني سوى شغلك القذر داخل بيتي.

زهرة: حاضر، سامحيني الحاجة.

ياسمين: (تحاول التخفيف عن زهرة) هل تريدين مساعدة؟

زهرة: لا سأنتهي سريعا، أعتذر منكم، انزلقت رجلي وسهوت قليلا، حفظك الله شكرا لك عزيزتي.

ريحانة: (وهي تدخلبيتها) هي يحفظها الله وأنا يُمِيتني يا الممسوسة..

اظــــــــلام تدريجــــــــــي

 

نهايــــــــــــــــــــــة

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت