الوثوب الى الذاكرة..قراءه في ديكور نص “الوثوب إلى القلب” للكاتب (شوقي كريم حسن)/ علي حسين الخباز
هل أنا الديكور؟
أم بعض الديكور أنا؟
تلك محنتي… استعمرني النص منذ الجملة الأولى.
هل هذا أثر ترتب الديكور؟
أم تراها بعض آيات الفن حين يرسم الشاعر ديكور نصه المسرحي؟
يقولون أن التقبل يأتي عبر مراحل.
وضعوا سلما يتدرج عليه المعنى المحسوس في قلب المتلقي، أو مستويات تحددها القصدية كما يقولون، لا أعرف أي قصدية يقصدونها، قصدية الكتابة، أم قصدية التلقي؟
البعض يجيز لنفسه أن يسميها ترسبات في ذهن القارئ، وأنا أسميها هوية المتلقي/ إنسانيته/ ومعناه… تلك الأشياء التي ختلها عن أعين الجراح كي يعيش.
ربما سيقول أحد النقاد أن شوقي كريم حسن وصل إلى الهدف الأقصى الذي ينشده الكاتب المسرحي من وراء كتابة النص، ولكني أرى ما لا يرى هذا الناقد الذي لم يضع في حساباته ربما يكون الهدف الأقصى الذي أنشده أنا كمتلقي، نعم ليطلق عليها ما شاء من الأسماء (فعل التأثير/ دقة فهم المغزى/ المضمر)
السؤال هل التقبل هو معنى من معاني التأويل؟
أم مرحلة من مراحل الذوق؟
أو البحث عن معنى؟ أو سؤال يبحث عن مراده؟
أم هو جواب لأسئلة ثائرة فائرة؟
هل يجوز لي أنا أن أفكك أواصر النص لأستجلي معناه الذي يخصني؟
لا يهم عندي أن يطلق البعض على تلصصي (استجلاء تأويلي/ مواطن خلق/ أو تجاوز)
سؤال آخر… ما هي هوية الدلالة في النص المسرحي؟
ولمن تتبع؟
للكاتب أم للمتلقي؟
قراءات كثيرة أوحت لي أن تعدد القراءات لا يعني مشروعية التجاوز على قصدية الكاتب،
أود أن أبين مسألة مهمة، إن للكاتب مسعيّين، المسعى الفائض في مساحة النص، والنص المتواري الذي ربما لم يجد الظرف المناسب للظهور، كونه يحتاج إلى مساحة أكبر، فالمتلقي عبر جراحه المبثوثة في النص يستطيع أن يدرك هذا النص المتواري.
حين يرسم الكاتب في روح الديكور غرفة حمراء، هل يقصد الغرف الحمراء المبهرجة بالفجور؟
أم الغرف الحمراء التي هي نصيب أولاد الفقراء أمثالي؟
أنا لم أكن سجينا عتيدا ولا سياسيا أسجل المنة على التاريخ، ليسجلني كمجاهد مناضل سجين، لكني سكنت الغرفة الحمراء عبر وشاية عابرة، وعاشرت الكوة العلوية التي كانت تخبرنا أحيانا أن في الخارج مطرا، والجدران الموشومة بخطوط بيض.
أنا كنت من ذلك السيل المغمور بالذكريات، استوقفتني إرشادات النص عبر ديكوراته المرسومة بعناية، هناك ما يحتاج إلى أكثر من التأمل، لنقرأ (وآي قراني يكشف المدقق أن الأخطاء واضحة فيه) هذه العبارة من أهم الحفريات التي لا بد أن تكون إبداعا قصديا، وليس تعبيرا عفويا، دعني أقف عند هذا الارتقاء، الأخطاء الواضحة التي عينها شوقي كريم حسن في الخط، نزه القران عن الأخطاء إشارة واضحة إلى أن معظم التناقضات التأويلية للقران هي اجتهادات المتلقي/ (التأويل) مثل الذبح والقتل والتنكيل والتهجير، ولمن ينظر إلى أن السيف هو أحكم آيات الله لنشر الدين. هذه جدلية الفهم الناقص، أثر التعبوية السياسية، وإلا فالقران أسمى أن يكتب خطأ أو أن يقرأ خطأ،
أعتقد أن أسمى مراحل التلقي هو استشعار مضمون كل جملة والتأمل في أسلوبها المتميز، ولا تعنيني إطلاقا قوانين المؤسسات النقدية ولا الأكاديمية، أنا لست ناقدا، أنا المتلقي، مجرد متلقي، وحتى (جون بول سارتر) منحني هذا التميز وجعلني أتصرف بحريتي لأنشأ الجمال الذي أراه أنا، والذي أتخيله أنا.
والواقع ليس جميلا إلا في المتخيل.
المعروف أن جدران الغرف الحمراء، غرف الدم التي هي داخل راسي قبل النص، تحمل رسوما، وليس صورا لنساء غريبات الوجوه بأشكال عجيبة، من أين جاء النص بأولئك النساء؟
وما هي أشكال الوجوه الغريبة؟
هل هذا التناص الغريب من شأن النص، أم المتلقي؟
هل مس الكاتب شوقي كريم حسن قاع الذات أم قاع الموضوع؟ وهل فضاء النص لي أنا؟ للذتي؟ لهويتي؟ لمعناي؟
أم يعد تجاوزا على عالم الكاتب، هذا فضائي أنا.
عذرا ليعتبره النقاد عبارة عن ذوق المتلقي، دلالاته، نص يمتلك الإيحاء العالي والمتلقي هو الذي يكشف معانيه.
قسموا القراءات مثل ما شئتم، أنا هنا أعانق كلمة (آه) التي خطت بحروف مبعثرة، ولا أعرف كم حرف بهذه الآه، الهاء وجه في عيون ساهمة، وصارت الألف عمودا يتدلى من حبل مشنقة، وإمعانا في الأذى يمر الضوء (سامحه الله) من خلال الكوة ليستعرض تلك الأشياء التي تهدد حياتي، سنقف عند قانون الولوج في العمق الوجداني، وقانون التوغل عبر مسامات الجملة ومسامات الجراح.
(بقدر ما توغل القراءة في مخالفة النظم الثقافية تكون مرشحة للتأويل والفهم).
ليضيء لي معنى الاستقراء العميق للدلالة، انظر إلى جهة أخرى هذا الذي مر علينا هو الجزء المرئي والمقروء وبعد؟
بقى جزء المسموع من النص، عفوا أنا أرى ذاتي بعيني النص، ولم اسمع الأنين من صدى جراحي.
الجمل الملغزة في تشتتها تصبح ذات معنى في اجتماعها.
نعود إلى المسموع أن نتقصى من خلاله المعنى
(الصوت الأول)
قطرات ماء تبدو بعيدة، تلك القطرات تكبر تزمجر تلج الراس كي تصدعه بعمق دلالة السجان وعمق دلالة السجين تكبر لتكون كينونة قاتل وقتيل.
(الصوت الثاني)
عن أي شخصية يبحث شوقي كريم حسن داخل ذاته، تجربته العارمة؟ عوالم إثارة حقيقية/ أجواء لم تكن عابرة في ديكور النص المسرحي، أراهن أنه إلى اليوم يحلم بذلك الضوء الهارب من كوة علوية وكأنها طامورة من طوامير التاريخ، وهو ما زال إلى اليوم يتنصت إلى وقع تلك الأقدام التي تأتي من الخارج، فالداخل ليس فيه سوى السكون، وقع الأقدام قضية تهز المشاعر وتحرك القلب، وتسرع نبضاته حتى يكاد ينفجر من الإثارة.
(الصوت الثالث)
أصوات فتح وإغلاق مطاليق الأبواب توقظني وتحيلني إلى مرجعية، عشت بعضها، وشاهدت بعضها، وقرأت عن الكثير، وسمعت عن الكثير، مما جاء في ديكور مسرحية الوثوب إلى القلب لتحقق أدبية النص وجماليته، ويعرج إلى حيث القوة الفاعلة التي تكتمل فاعليتها بوجودي كمتلقي.
ربما تختلف صدى الأقفال عند فتح وإغلاق مغاليق الباب، ربما يختلف معناها عند المواقف المتعددة، البعض يتفاءل: ـ ربما اطلقوا سراح أحدهم إلى الحرية، وآخر يرى قدوم ضيف جديد، والأخطر أن يكون الخروج إلى المقصلة، أو الثرامة، أو الطمر حيا.
(الصوت الرابع)
(الصمت)
هنا يكمن المعنى الحقيقي، هنا الجمال وانطلاقة الرؤى، أعلى الأصوات هو الصمت، أعمق الأصوات هو الصمت، لكن هناك فارق بين صمت وصمت.
صمت فيه الانكسار والمذلة والمهانة والخوف والجبن، وصمت فيه التحدي والعزة والكرامة والوثوب.
أسلوب مبدع ينهض من فعل كتابة الديكور ليجمع من الضوء عند العتمة الملمومة عند الزاوية اليسرى المنظر رث الثياب، آثار الضرب والانهيار، زمن يداهم ضوء عينيه ليتلاشى رويدا رويدا
وقع خطوات، صوت قطرات الماء شديدة الوضوح، ثقيل بطيء يصدر صدى، يظل يتردد في المكان، أبعاد كثيرة وكبيرة يرسمها الكاتب (شوقي كريم حسن) إيحاءات نفسية متولدة من حدة الانفعال.
في نهاية المطاف أكون أنا المعنى، وفق هذا الكاتب برسم الديكور المجازي لملامسة قضايا الواقع بإيحائية عالية.
يدخلنا الكاتب عبر الديكور إلى محاور الزمن، الديكور يرسم الزمن المتحرك، الزمان الذي يخمنه الماضي. ربما حدثت أحداث النص قبل الألف عام، ويخمن في نفس الوقت ربما ستحدث بعد الأف الأخرى.
الغريب أنه يعمل على مزج مفهوم الاسترجاع بالاستباقية، والمعروف أن لكل زمن معناه، فتصبح لدينا تركيبة معقدة من قيم الزمن في مضمونها، والأغرب أن يرى أن النتيجة واحدة، والحوار ذاته رغم تغيير الشخوص، وإحداث بعض المتغير في شكل الديكور، وهيئة الاستعمال.
السؤال… هل استطاع شوقي كريم حسن بهذه الخلطة السحرية بين الاسترجاع والاستباق أن يحقق ما يطمح إليه؟ الجواب مؤجل وسنعود إليه في قراءة أخرى.
ينتقل بنا الكاتب إلى عالم المكان، وجمالية المكان المتخيل، وهذا يعني أنه يرتكز على تنوع دلالات المكان، وكأنه يريد أن يقول أني أبحث عن اللا مكان، الأمكنة خاضعة للتصور الإنساني، إذا كان المكان حديقة عامة، أو محطة قطار، وقد يكون لا شيء.
راودني سؤال آخر… هل هذا الديكور وضع لينظم مشاهد مسرحية؟ أم هي أفكار أرسلها لتشغل عقل متلقيه بمقدرة وموهبة وأبداع؟ دمت شوقي.